09 / 06 / 2018
أولاً: تنصيب رئيس وزراء إثيوبي جديد:
في أواخر مارس 2018 اختار الائتلاف الحاكم في إثيوبيا، د. أُبيْ أحمد، رئيساً جديداً للوزراء عقب استقالة هايلي مريم ديسالين شهر فبراير. وباختيار أُبيْ أحمد البالغ من العمر 42 عامًا والمنحدر من قبيلة الأغلبية الأورومو، ضابط المخابرات الحربية الذي شارك في الحرب الإثيوبية – الإريترية قائداً لفريق استخباراتي لاكتشاف وتحديد مواقع الجيش الإريتيرى في الجبهات الأمامية للقتال، يكون أول رئيس حكومة مُسلم في إثيوبيا في سابقة تُعد الأولى من نوعها في تاريخها.
 
ثانياً: الوضع الإثيوبي الإريتري قبل أُبيْ أحمد:
أعلنت إريتريا استقلالها الرسمي عن إثيوبيا بعد أن صوت أغلبية سكانها لصالح الانفصال في استفتاء عام 1993. بعد الانفصال، أقامت حكومتا البلدين علاقات صداقة، وأبرمتا اتفاقات مختلفة لتنظيم علاقاتهما الثنائية. ومع ذلك، فإن جميع التحالفات التي تشكلت خلال أيام النضال المسلح والاتفاقات التي تم إبرامها بعد الانفصال لم تدم طويلاً.
لا شك أن الاختلافات الناشئة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للبلدين في أعقاب الانفصال مباشرة قد ضاعفت من مشكلة العلاقات بينهما، والتي أدت في وقت لاحق إلى حرب شاملة أستمرت عامان.. وبالفعل، فإن مرور الوقت قد أحدث تغييرات كبيرة، وأدت الحواجز السياسية والمادية في العقدين الماضيين إلى انفصال ثقافي متزايد حتى بين الناس الذين يعيشون على طول حدود الدولتين.
وقد خلفت الحرب الحدودية ما يقرب من 70000 قتيل خلال الصراع، وبعد انتهاء الحرب، أنشأت لجنة الحدود الإريترية الإثيوبية (EEBC)، وهي هيئة أسستها الأمم المتحدة، معتبرة “بادمي”، المنطقة المتنازع عليها بين البلدين حالياً، تابعة إلى إريتريا.
بعد صدور قرار اللجنة، قام كلا البلدين بتحويل متطلباتهما في عملية تنفيذ القرار. وفي هذا الصدد ، فإن الجانب الإثيوبي، رغم معارضته لقرار اللجنة التي حكمت بأن تكون “بادمي” جزءً من إريتريا، أوضح أيضا أنه سيقبل تماما قرار اللجنة باعتباره قرارا نهائياً وملزماً من حيث المبدأ بينما يحث على التفاوض حول كيفية تنفيذ القرار وترسيم الحدود بالكامل، ولكن إثيوبيا لم تسحب قواتها العسكرية من “بادمي”.
ولم يتناول الاتفاق وقرار لجنة الحدود قضايا حيوية مثل إعطاء الإريتريين حق الوصول إلى السوق الإثيوبية الهائلة والاستثمار في إثيوبيا إذا رغبوا في ذلك. بينما من ناحية أخرى، فإن أكبر مشكلة لأثيوبيا في الإتفاق هو حرمان إثيوبيا من الوصول للبحر الأحمر من خلال ميناء عصب.. نجد ذلك في الوقت الذي تدفع فيه إثيوبيا 2 مليار دولار سنوياً لخدمات الموانئ بجيبوتي والتي قد يتعرض أمنها للخطر بشكل كبير.
المشكلة الحقيقية تكمن في عدم قيام إثيوبيا بسحب قواتها من “بادمي” الأريترية، بحجة أن تنفيذ هذا القرار سيؤدي إلى انتقال بعض الأراضي إلى إريتريا والبعض الآخر لإثيوبيا والذي سيسبب إزعاج وتعطيل حياة قاطني تلك المنطقة نتيجة لتمزيق أراضي وحياة أسرهم الصغيرة.. هذا ما يجعل أريتريا لا ترى فائدة من التفاوض بل يجب تنفيذ قرار سحب القوات الإثيوبية من “بادمي” فوراً.
قام السفير “دونالد ياماموتو”، مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية للشؤون الأفريقية، بأول رحلة له إلى إريتريا منذ سنوات، والتي أظنها محاولة للتغيير وكسر عزلة أريتريا، حيث أستهدفت الزيارة إشراك الحكومة الإريترية بدلاً من النهج الانعزالي القائم.. ورغم أن “ياماموتو” لم يكشف عن تفاصيل مضمون المناقشة مع المسؤولين الإريتريين، فقد أكد أن إحدى القضايا التي ناقشها في أسمرة كانت حول علاقة إثيوبيا وإريتريا.. وأظن ان الولايات المتحدة تنظر لأريتريا نفس نظرتها لكوريا الشمالية، بصفتهما دولتين تتصفا بالعدوانية نظراً لعزلتهما.. ناهيك عن أن أريتريا تُحمِل الولايات المتحدة، بصفتها كانت ضامناً لإتفاقية السلام الإثيوبية – الإريتيرية، مسؤولية الموقف الإثيوبي عن عدم تنفيذ اتفاق السلام كاملاً الذي من شأنه أن يمنح إريتريا مدينة “بادمي” ذات الأهمية الرمزية لأريتريا.
 
ثالثاً: أُبيْ أحمد يعرض إمكانية حل دائم للمشكلة الحدودية مع أريتريا:
في خطوة غير مسبوقة، اتخذ رئيس وزراء إثيوبيا المعين حديثاً في خطابه الافتتاحي قبل شهر، خطوة جريئة لاستدعاء نظيره في إريتريا لمناقشة مسألة الحدود وإيجاد حل دائم للمشكلة. وقال أبي أحمد: “إننا ملتزمون تماما بالتصالح مع إخواننا وأخواتنا الإريتريين” ، وحث الحكومة الإريترية على القيام بدورها من خلال بدء حوار من شأنه أن يساعد على إعادة العلاقة السلمية.. وعلى صعيد آخر قام أبي أحمد بإقالة رئيس أركان الجيش ورئيس المخابرات ربما لاعتبارهما من الحرس القديم الواجب تغيير سياساته الإقليمية والداخلية.
إلا أنه وحتى الآن لم يجد رداً من أريتريا مواتياً لإتجاه مبادرته، وربما لأريتريا مبرراتها، ويبدو أن تغيير رئيس الأركان ورئيس المخابرات الإثيوبي ليس كافياً لإقناع إريتريا باستئناف المفاوضات وتطبيع العلاقات مع نظيرتها.. فلا بديل عن أن تحتم إثيوبيا الالتزامات الدولية بالانسحاب من الأراضي المحتلة.
جديرٌ بالذكر أن زيارة مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الأفريقية “دونالد ياماموتو” الأخيرة مُجدداً في إبريل 2018 لإثيوبيا وإريتريا بعد زيارته لجيبوتي كانت بهدف إتمام المصالحة بين البلدين، وأظنها الدافع الحقيقي لمبادرة أُبيْ أحمد.
رابعاً: ملخص اعتبارات وأصداء مبادرة أُبْي أحمد على دول الإهتمام:
1- الولايات المتحدة ومساعي توسيع نفوذها في القرن الإفريقي:
الولايات المتحدة تتحسب بشدة لمنافسه الاقتصادي الأقوى في أفريقيا وخاصة شرقها.. فهي ترى إثيوبيا شريكاً إستراتيجياً هاماً، خاصة فيما يتعلق بما يسمى الحرب العالمية على الإرهاب، كما تعتبرها الدولة الأمثل لتوسع نفوذ الولايات المتحدة في القرن الأفريقي وشرق إفريقيا حالة تصويب إثيوبيا علاقاتها مع إريتريا.. فالولايات المتحدة تواجه مشاكل مع السودان، ولديها علاقات مع إريتريا أتصورها سيئة.. كما أن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تجعل من حكومة في الصومال غير المستقر شريكاً إستراتيجياً، أما جيبوتي التي تربطها بالولايات المتحدة علاقات جيدة وأقامت منشآت عسكرية فيها، فهي دولة صغيرة للغاية ولن تكون أبداً الركيزة التي تبني الولايات المتحدة من خلالها استراتيجية إقليمية تحقق نفوذها المحكم بعيد المدى.
2- أطراف الإقليمية:
في الوقت الذي حققت فيه إسرائيل نفوذاً قوياً في شرق إفريقيا وخاصة إثيوبيا مع تقلص الدور المصري في القارة السمراء منذ عقود، نرى تعاظم للدور التركي في الصومال الجار الجنوبي لإثيوبيا والذي يُعد منافساً لنظرائها السعودية والإمارات ومصر.. إلا أن مصر ما زالت تحقق ضغوطاً على إثيوبيا من خلال إريتريا وصومالي لاند.
ورغم العلاقات التجارية الإمارتية الإثيوبية المتجددة، إلا أن الاستثمارات الإماراتية في إثيوبيا المتزايدة تعتبر أقل مقارنة بإستثمارات الإمارات في مصر والسودان كدول جوار مطلة على البحر الأحمر.. وعلى الصعيد السياسي كان قد وقع الجانبان الإماراتي والإثيوبي مذكرة تفاهم لإستحداث آلية مشاورات سياسية في 8 مارس 2018، الأمر الذي أزعم أنه قد يزعج مصر.
منذ عام 1991، تشجع أثيوبيا وتبذل الجهود لحث دولة الإمارات للاستثمار في اراضيها، ويبدوا وكأن الإمارات لم تكن قد إستجابت في الآونة الأخيرة، إلا أن حجم التجارة إزداد بين البلدين لأضعاف، مع الوضع في الإعتبار القرارات السابقة للسعودية بتثبيط أي استثمار في إثيوبيا.
في المقابل، تعود العلاقات الحادة بين السعودية وإثيوبيا إلى سنوات عديدة في تاريخ علاقاتها وتفسرها عدم قابلية بعض المواقف حول القضايا الثنائية والإقليمية. وكما حدث في حرب الخليج الأولى عام 1991 حيث اتخذت إثيوبيا موقفًا قويًا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ضد غزو العراق للكويت، وتجاه الحرب الأهلية الليبية في عام 2011، والذي جلب دول مجلس التعاون الخليجي، وخاصة الإمارات وقطر، بصورة أقرب إلى إثيوبيا مما كانت عليه من قبل، ولكن على أي حال لا يمكن وصف علاقات الإمارات أو حتى قطر بإثيوبيا بالعلاقات القوية.
وكانت العلاقة الوثيقة بين الإمارات وإريتريا تضيف سبباً جيوسياسياً آخر لعدم قوة العلاقات الإماراتية مع إثيوبيا، إلا أنه، وفي الوقت الراهن، قد يختلف الأمر مع بوادر تقارب إماراتي إثيوبي حيث تشرع الإمارات في زيادة الاستثمارات والتعاون المتنوع مع إثيوبيا لعدة أهداف منها الأمن الغذائي الإماراتي، فضلاً عن أن الأزمة اليمنية ستبقى سبباً قوياً لوجود الدور والدعم الإماراتي لأي منفذ لها على اليمن من جهة القرن الإفريقي والذي يجب أن يكون على علاقات جيدة بإثيوبيا الدولة الأكبر والأكثر نفوذاً في القرن الإفريقي.
من ثم، فإن تحسن العلاقات بين إثيوبيا وإريتريا برعايا أمريكية أوروبية وكذا إماراتية، يمكن ان يمنح إثيوبيا منفذاً على البحر الأحمر عبر إريتريا بديلاً عن جيبوتي، الأمر الذي قد يؤدي لتردي نسبي في العلاقات الإثيوبية الجيبوتية، وهو ما يأتي بدوره في صالح مصر من جانب جيبوتي، وضد مصلحة مصر من جانب أريتريا.
3- زيارة رئيس وزراء إثيوبيا للقاهرة:
هناك آمال أن يطرح أُبْي أحمد خلال زيارته للقاهرة باكر الأحد 10 يونيو 2018 مقترحات لتسوية الأمور مع الرئيس المصري بشأن الخلافات بين بلديهما وعلى رأسها سد النهضة، على أمل تلبية مطالب مصر في هذا الشأن في ظل الضغوط الواقعة لدعم مبادرة إثيوبيا لتطبيع العلاقات مع إريتريا.
 
د. سيد غنيم
زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا
رئيس مركز دراسات الأمن العالمي والدفاع
شارك