“العدالة والإنصاف، وأهم التحديات أمام تحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط”

خلال مؤتمر أمن الشرق الأوسط الذي عقد بالعاصمة الصينية بكين يومي 27 و28 نوفمبر 2019، حيث دارت الجلسة الأولى حول أهمية العدالة والإنصاف لتحقيق الأمن المستدام في الشرق الأوسط، وطُلب من اللواء أ.ح. ســيد غنــيم طرح رؤيته بشأن أهم التحديات التي تواجه الأمن والإستقرار في الشرق الأوسط إرتباطاً بالعدالة والإنصاف.

وكان غنيم جاهزاً بإجابة نمطية تتضمن خطورة التدخلات الخارجية والأطماع والهيمنة من قبل دول تجاه أخرى من جانب، وما تكون عليه الدول وشعوبها التي تديرها الحكومات الرديئة سواء فاشلة أو فاسدة من حالة سيئة من جانب آخر. إلا أن المداخلات الصاخبة لكبار المسؤولين السابقين إيرانيين وأتراك وعرب والتي بدت للبعض وكأنها نفاق واضح تجاه منظمي المؤتمر ولبلدهم الصين، حيث بنيت مداخلاتهم على شيطنة الغرب وملائكية الصين، وكأنه استسلام بائس لم يتعلم أصحابه من التاريخ.

ولذا قرر غنيم فوراً تجاهل كلمته القصيرة التي كان قد أعدها وأرتجل ملقياً كلمته الجديدة من رأسه باللغة العربية قائلاً:

بسم الله الرحمن الرحيم، سوف اتحدث من زاوية مختلفة متطرقاً لنقطتين:

النقطة الأولى: نعلم جميعاً أن الأمن والإستقرار لا يتحققا إلا بالعدالة والإنصاف سواء عدالة وانصاف الدول تجاه القضايا الدولية والإقليمية بعدم إزدواجية المعايير في التعامل معها أو الحكم عليها وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى أو التآمر عليها.. وداخلياً بسبب ضعف وفساد الحكومات وظلمها وعدم التزامها بالمساواة بحقوق الإنسان وبنفاذ القانون وبعدم التمييز بين فئات الشعب وافراده وغير ذلك من أمور.

إلا أنني قررت أن أتحدث حول بعد ثالث أهم وهو التنافس بين الدول العظمى والتنافس بين القوى الإقليمية والدول الفاعلة بمنطقتنا، والحقيقة أرى جمهورية الصين الشعبية، التي أصبحت دولة عظمى أكن لها كل احترام، أراها بصراحة تعمل بقوة تجاه هذا التنافس الشديد وهو الأمر الذي يؤثر سلبياً بشدة على الأمن والاستقرار في منطقتنا.

كلنا نعلم أن الولايات المتحدة دولة تسعى للهيمنة ولتحقيق مصالحها مهما كانت النتائج وأنها في تنافس شديد حالياً مع الإتحاد الأوروبي إقتصادياً ومع روسيا سياسياً وعسكرياً واليوم هي في تنافس اقتصادي أشد ضراوة مع الصين والذي يطلق عليها الحرب التجارية، وفي النهاية بلادنا هي المسرح وشعوبنا هم الخاسرون. فعلى الصين أن تراجع نفسها في ذلك على أن تسعى لكي تكون جزءً من الحل وليس جزءً من المشكلة.

أما النقطة الثانية: فيجب ألا نبني الحب على الكراهية، فمن العجيب أن نبني حبنا وتقبلنا للصين على كراهيتنا للولايات المتحدة مثلاً أو غيرها. مع العلم أن الولايات المتحدة تقر بمساعيها التي تضمن لها الوصول لنظام عالمي يتوافق مع أهدافها الإستراتيجية، إلا أن الولايات المتحدة، وكما توجهون لها الاتهامات، فهي بدورها تتهم الصين بالخبث وسعيها أيضاً للهيمنة على العالم من خلال إغراق الدول في الديون، كما تتهم روسيا بنشر الأكاذيب والضرب تحت الحزام، ومن جانب آخر يتخوف الإتحاد الأوروبي من الوقوع بين شقي رحى الهيمنة وهما الولايات المتحدة والصين.. إلا أن الصين لا تعترف بالاتهامات الموجهة إليها.

كما أنني أتذكر وقت انتقال مصر وغيرها من دول من التبعية السوفييتية إلى التبعية الأمريكية كانوا جميعاً يضعوا الإتحاد السوفييتي في مكانة الشيطان ويتحدثون عن الحرية والديمقراطية الأمريكية واحترامها لحقوق الإنسان وانفتاحها الاقتصادي وكأن أمريكا ملاك أُنزل من السماء.. وجاء اليوم لتصبح الولايات المتحدة هي الشيطان وتصبح الصين ملاكاً، وغداً يأتي ملاكاً آخر غير الصين وهكذا.. مجرد دول لا تعرف لغير الاستسلام سبيلا، دول تتنقل من تبعية دولة عظمى إلى تبعية دولة عظمى أخرى.

ومما سبق أوصي بالآتي:

أولاً: ضرورة توقف نزيف التنافس الصيني الأمريكي والتحول إلى التفاوض وربما وضع تصور لخلق وضع ثنائي دول عظمى جديد (صيني/ أمريكي) ينظم إدارة النفوذ بينهما. وكنت دُعيت لإلقاء محاضرة بمقر القيادة المركزية الأمريكية في تامبا بولاية فلوريدا في شهر أكتوبر الماضي واقترحت عليهم نفس الأمر.

ثانياً: ضرورة أن تخرج بعض الدول العربية من حالة نقل التبعية من دولة عظمى لأخرى والتحول للاستقلالية كدول جديرة بالشراكة، الأمر الذي لا يمكن تحقيقه إلا بأن تكون لكل دولة عربية إستراتيجية شاملة واضحة، وأن يكون هناك تحالفات إقليمية عربية حقيقة تحقق مصالحها المشتركة، وكفانا تنافس.

شارك

administrator