بقلم وانغ يوي (منى)، باحثة مساعدة بمركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية، جامعة شنغهاي للدراسات الدولية، متخصصة باللغة العربية والعلاقة الصينية العربية.
 
منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين والإمارات في 1984م، ما زال البلدان يحافظان على علاقات التعاون الودية. وفي يوليو 2018م، اتفقت الدولتان على الارتقاء بالعلاقات الثنائية إلى مستويات أعلى وتأسيس علاقات شراكة استراتيجية شاملة بمناسبة زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ لدولة الإمارات، مما فتح صفحة جديدة للعلاقة الأخوية بين الدولتين. وخلال فترة انتشار فيروس كورونا الجديد في أنحاء العالم، تتشارك الصين والإمارات في السرّاء والضرّاء وتتقدمان بالتكاتف، الأمر الذي يدل على الأخوة العميقة بينهما.
في نهاية عام 2019م، تفشى فيروس كورونا الجديد في مدينة “ووهان” بالصين أول مرة، وارتفع عدد حالات الإصابة المؤكدة بالفيروس ارتفاعا متسارعا منذ أواخر يناير 2020م، حتى نهاية مارس حيث تمكنت حكومة الصين من إحكام قبضتها على الفيروس. ثم ركزت الصين على علاج المرضى في المستشفى والوقاية من الحالات القادمة من الخارج والسيطرة عليها في أبريل. أخيرا، بحمد لله عادت البلاد بشكل أساسي إلى الحياة الاجتماعية الطبيعية كما كانت عليه مع حلول مايو. أما الإمارات، فتم الإعلان عن أول حالة إصابة مؤكدة بالفيروس في 29 يناير عام 2020، فيما بعد ارتفع عددها تدريجيا مع أنه ليس ارتفاعاً خطيرا، لكن الوضع تفاقم في أبريل حيث تدفّق عدد المصابين بالفيروس بشكل حاد، وبذلك بلغ إجمالي عدد حالات الإصابة  أكثر من 25 ألف حالة حتى الآن مع توسيع نطاق الفحوصات داخل الإمارات. ويتوقع الخبراء أن يتباطأ الوباء ويصل إلى ذروته تدريجياً في منتصف مايو. في الأيام الأخيرة، شهدت الإمارات تحسنا كبيراً مثل زيادة قدرة الفحوصات واستئناف الأعمال خطوة بعد خطوة وذلك بفضل الجهود الدؤوبة من قبل حكومة الإمارات. إن تمكن الدولتين من احتواء الوباء في الوقت القصير لا ينفصل عن الدعم والتعاون المتبادل بينهما، لقد أضافت تجربة التعاون في مكافحة الوباء لمسة قوية للصداقة الصينية الإماراتية.
 
عبرت دولة الإمارات عن تأييد الصين في مكافحة الوباء على الفور
في وقت مبكر، وتحديداً يوم 26 يناير، أعلن ولي عهد أبوظبي، الشيخ محمد بن زايد على تويتر، عن متابعتهم باهتمام جهود حكومة الصين لاحتواء انتشار فيروس كورونا الجديد واستعداد الإمارات لتقديم الدعم للصين في مواجهة الوباء. وأكدت وزارة الخارجية والتعاون الدولي الإماراتية على موقعها الرسمي رغبتها في التعاون والتضامن مع الصين وثقتها بالصين للتغلب على كل الصعوبات. أشار الرئيس الصيني شي جين بينغ، من خلال محادثة هاتفية مع الشيخ محمد بن زايد في 25 فبراير، وقد بادر ولي العهد على الفور معرباً عن دعمه لجهود الصين، وقدمت دولة الإمارات حكومة وشعبا إمدادات طبية للصين عدة مرات. هذا يظهر بشكل كامل الصداقة العميقة المتمثلة في دعم البلدين لبعضهما بعضا في السراء والضراء، ويظهر أيضا المستوى الرفيع للشراكة الاستراتيجية الثنائية الشاملة.
كما أضاءت الإمارات أبرز المعالم والمباني داخل الدولة، وفي مقدمتها أعلى مبنى في العالم “برج خليفة” ومبنى شركة بترول أبوظبي الوطنية “أدنوك” بألوان العلم الصيني وعدة شعارات مرتين في شهري  فبراير ومارس، تضامنا مع الصين جراء تفشى فيروس كورونا الجديد الذي أودى بحياة العديد من الضحايا من الشعب الصيني.
ووجه الشيخ محمد بن زايد رسالة نشرت في الرابع من شهر أبريل بثلاث لغات هي العربية والإنجليزية والصينية على تويتر بمناسبة الحداد الوطني للشهداء الذين قضوا خلال مكافحة فيروس كورونا الجديد، وذلك تعبيرا عن مشاعر التضامن والمواساة مع الصين وتقديم خالص التعازي للضحايا في كل أنحاء العالم واستعدادا لمواجهة التحدي بعزم.
وعلاوة على ذلك، بادر الطرف الإماراتي في علاج الصينيين المصابين بالفيروس الموجودين في الإمارات وتقديم لهم الخدمة الطبية الممتازة. كما عرفنا، حتى 11 أبريل، تم تسجيل 24 حالة مؤكدة من المواطنين الصينيين، وشُفي 13 منهم. حاليا، يستطيع جميع المرضى الصينيين تلقي العلاج مجانا في أسرع وقت في الغرف الخاصة بالمستشفى، الأمر الذي يجسد جهود الإمارات في هذا الصدد. كما نشرت وزارة الصحة ووقاية المجتمع الإماراتية دليل الوقاية باللغتين العربية والصينية في الموقع الرسمي لإيلاء كل عناية واهتمام بالصين صديقها الحميم.
 
الصين تقدم الشكر للإمارات وترد لها الجميل
أكد وزير الخارجية الصيني وانغ يي لنظيره الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، خلال محادثة هاتفية جرت بينهما في 10 أبريل، أن الصين تعبر عن تقديرها وامتنانها لدعم الإمارات وهي مستعدة لتقديم المساعدة وتقاسم خبرات الوقاية قدر استطاعتها من أجل مكافحة فيروس كورونا الجديد. وأعرب الشيخ عبد الله أيضا عن شكره لمساعدة الصين في تقديم الإمدادات الوقائية اللازمة والخبرات الطبية القيمة، قائلا إنه يؤمن بأنه مع دعم الصين، ستكون الإمارات قادرة على التغلب على المرض في أسرع وقت ممكن، وستصبح العلاقات الثنائية أقوى.
وأشاد القائم بالأعمال في السفارة الصينية في أبوظبي لين يادوه في مقالته التي نشرت في صحيفة «الاتحاد» والصحف الإماراتية الأخرى، بوقوف الشعب الإماراتي بكل حزم مع الشعب الصيني عند النوائب والشدائد، ووصفه بـ «أقوى صديق» للصين. ويعتقد أن الأفعال الصادقة من جانب الإمارات لا تدل على دعمها للصين فحسب، بل تؤكد قيم التسامح والأخوة والإنسانية التي تتحلى بها الإمارات.
بالنسبة إلى التعاون الثنائي في المجال الطبي، فقد أنشأت شركة BGI الصينية ومجموعة G42 الإماراتية بالاشتراك مختبر “هويان” لفحص فيروس كورونا الجديد الذي يعد أول مختبر يعمل خارج الصين ويكون قادرا على فحص الحمض النووي لعشرات الآلاف من الأشخاص يوميا، قد تم بناءه ودخل حيز التشغيل خلال 14 يوما فقط. وهو يعتمد على خبرات الصين في مكافحة الوباء للإسراع في الكشف عن الحالات المشتبه فيها وفحص أفراد المجموعة عالية المخاطر وتقديم الأدلة العلمية الفعالة لخروج المرضى المتعافين من المستشفيات، مما يمكن تسريع التعامل مع الطوارئ الناجمة عن الوباء.
ودعت القنصلية الصينية العامة لدى دبي عدد من الأطباء الصينيين الذين كانوا يواجهون الفيروس في الصفوف الأمامية لإلقاء المحاضرات عبر الإنترنت من أجل التعريف بخبرات الصين خلال الحرب التي كانت بلا دخان، وقد شارك أكثر من مائة مسؤول وخبير من القطاعات الإماراتية المختلفة، بما فيها هيئة الصحة، إدارة الشرطة وجمارك دبي وأيضا القطاع الطبي بها. وتم إجراء المناقشات الكاملة بين الطرفين من خلال المحاضرات. وقد أقيمت الأنشطة المماثلة المكثفة في الشهور الماضية لتسريع استئناف الأعمال وإعادة الحياة الاجتماعية في الإمارات.
وعرّف 32 معلما للغة الصينية في المدارس بمدينة العين الطلاب الإماراتيين بالمعلومات العامة المتعلقة بفيروس كورونا الجديد عن طريق الأغاني الشعبية وأساليب التدريس المبتكرة، وقد تلقوا دعما من قبل رؤساء المدارس، مما يعزز تعاون الصين والإمارات في التصدي للوباء ويعمق الصداقة الودية بينهما.
 
تضامن الصين والإمارات في دعم المجتمع الدولي بشأن مكافحة الوباء
أشار سعادة السفير الصيني لدى دولة الإمارات ني جيان، في مقالته التي نشرت في صحيفة «البلاد» الإماراتية في 26 أبريل، إلى أن فيروس كورونا الجديد عدو مشترك للبشرية كلها وقد يظهر في أي وقت أو أي مكان في العالم، وتُشكِّل الشعوب في أنحاء العالم مجتمعَ مصيرٍ مشتركٍ، ولا يمكن للمجتمع الدولي التغلب على الفيروس إلا من خلال التضامن والتضافر. وفي مقابلة صحفية لسعادة السفير الإماراتي لدى الصين علي عبيد علي الظاهري قال: ما قامت به الصين في أزمة الفيروس كان جدياً وكاملاً وجديراً بالتقدير، حيث تشاركت الصين خبراتها القيمة في مكافحة الوباء مع أوروبا والعالم. بينما قدّر المزيد من الخبراء والمسؤولين الإماراتيين حكومة الصين على التدابير الاحترازية لمواجهة الوباء، ووثقوا بتنميتها المستدامة بعد الأزمة.
منذ تفشى فيروس كورونا الجديد في الإمارات، تشاركت السفارة الصينية لدى الإمارات وشتى القطاعات الإماراتية في تبنى الإجراءات الفعالة من أجل حماية المواطنين الصينيين الموجودين في الإمارات وسلامتهم، ومن ضمنها الإحاطة بوضع الوباء في الإمارات بسرعة وتعريفهم بدليل الوقاية من فيروس كورونا الجديد. وحثت السفارة الصينية مواطنيها على التزام بالتدابير الاحترازية الإماراتية المتمثلة في الفحص والحجر الصحي وحظر التجوال، وقام سعادة السفير الصيني ني جيان بتسجيل فيديو دعائي مضاد للوباء، دعا فيه الصينيين إلى المحافظة على مبادرة “خليك في البيت” التي طرحتها حكومة الإمارات. علاوة على ذلك، قامت السفارة بإعداد خط ساخن على مدار 24 ساعة للاستشارة ومتابعة الحال الصحي للمواطنين ذوي الصلة.
وساهمت دولة الإمارات في نقل شحنة تحتوي على 20 طناً من معدات الوقاية التي تبرعت الصين بها من شنغهاي إلى مخازن منظمة الصحة العالمية في المدينة العالمية للخدمات الإنسانية في دبي، مساهمة من الدولتين في تقديم المساعدات للآخرين بشأن التصدي للفيروس.
بعد أكثر من شهرين من العمل الشاق، حققت الصين انتصارًا ملموسًا في الحرب ضد الوباء، الأمر لن يكون دون ثقة دولة الإمارات ودعمها، وتفاهم الدولتين الذي تتفقان عليه في البناء المشترك لمبادرة “الحزام والطريق”. وسوف تتقاسم الصين المزيد من الخبرات لمكافحة الفيروس مع الإمارات والدول العربية وحتى العالم، وتقدم المزيد من الإمدادات الطبية اللازمة لها، وذلك من أجل تحمل المسؤوليات وردّ الجميل للآخرين، الأمر الذي سيعزز التنمية المشتركة بخطوات جبارة في المجال الصحي العالمي.
 
أخيرا، طرح الرئيس الصيني شي جين بينغ مبادرة جديدة لبناء مجتمع ذو مصير مشترك للبشرية، إن الجانبين الصيني والإماراتي يشهدان الثقة المتبادلة والانتصار المشترك في الوقت الشاق، الأمر الذي لا يجعل هذا التعاون الثنائي نموذجا لمكافحة الفيروس فحسب، بل إنه تفسير دقيق لمبادرة بناء مجتمع ذو مصير مشترك للبشرية. التداعيات السلبية الناجمة من الوباء عابرة، غير أن الصداقة والتضامن بين الدولتين سيبقيان، إن التعاون سيتجاوز أية حواجز مهما كانت.
شارك

administrator