لمصر ثلاثة إتجاهات إستراتيجية معروفة وهي (الإتجاه الإستراتيجي الشمالي الشرقي- الإتجاه الإستراتيجي الغربي – الإتجاه الإستراتيجي الجنوبي).

أتذكر مشاركتي الأكاديمية الأولى مع حلف الناتو خلال مؤتمر تابع للحلف حول أمن الطاقة، كان قد عُقد في يونيو 2015 في مركز التدريب العملياتي للحماية البحرية التابع لمنظمة حلف شمال الأطلسي في جزيرة كريت باليونان، حيث كان التركيز على منطقة “شرق المتوسط”، والذي في رأيي ، يمثل العمق الإستراتيجي الشمالي لمصر.

في وقت لاحق، أشرت في العديد من المنتديات الدولية التي حضرتها إلى الأهمية السياسية والاقتصادية والعسكرية لهذا العمق الاستراتيجي سواء لمصر أو لجيرانها الساحليين، وكذلك لبلدان جنوب شرق أوروبا المطلة على البحر المتوسط. لطالما أوصيت بأهمية العلاقات والشراكات مع حلف الناتو ودول الجوار الإقليمي خاصة اليونان وقبرص، خاصة مع تزايد الأهداف الاستراتيجية المشتركة في منطقة شرق المتوسط​​، والتي لا تقتصر على الموارد الاقتصادية ومكافحة الإرهاب فقط.

من الناحية الجيوستراتيجية، تُعد مصر واحدة من أهم دول الحوار المتوسطي مع حلف الناتو منذ عام 1994، ومع ذلك، لا تزال مصر على نفس مستوى التعاون مقارنة بدول مجلس التعاون الخليجي الأربعة (الإمارات – الكويت – البحرين – قطر) والتي دخلت في شراكة إستراتيجية مع حلف شمال الأطلنطي “مبادرة اسطنبول للتعاون” بعد مصر بعقد من الزمن.. إلا أن دول “مبادرة اسطنبول للتعاون” نجحت في تطوير تعاونها مع حلف الناتو كما لو كان لعدة عقود.

لا شك أن المخططين السياسيين والعسكريين على المستوى الاستراتيجي يدركون أن الساحل الشمالي لمصر يُشكل أكبر مواجهة متماسكة في شرق المتوسط مقابل الساحل الجنوبي التركي، خاصة مع التحول الأمني المتزايد للموقف التركي، واحتمالات تغير الخريطة الدولية والإقليمية للتحالفات.

تمتلك المحيطات والبحار معظم الموارد الطبيعية، ولذا تعتبر البوابات التجارية والاقتصادية لجميع أنحاء العالم. كما أنها تحقق النفوذ السياسي والأمني ​​الحقيقي. لذلك، أعتقد أن الظروف الحالية والمتوقعة قد تفرض ما يلي:

1- إعتبار الساحل الشمالي المصري وإمتداده بمنطقة شرق المتوسط الإتجاه الإستراتيجي الرابع لمصر ويسمى “الإتجاه الإستراتيجي الشمالي”، مع البدء في جميع الإجراءات اللازمة لذلك.

2- بدء كافة إجراءات التنمية بجميع المناطق والمدن والقرى المطلة على الساحل الشمالي لمصر من بور سعيد إلى السلوم، خاصة المناطق غير المأهولة، بالتوازي مع إجراءات التنمية المستمرة بسيناء.

3- تطوير الشراكات / التحالفات الاستراتيجية المصرية الحالية المتعلقة بشرق المتوسط ​​وإنشاء أو المشاركة في غيرها إذا لزم الأمر.

4- إرتباطاً بالتمثيل السياسي والعسكري الكامل بين مصر وحلف الناتو، أقترح تعظيم سبل التعاون بينهما، على غرار طبيعة التعاون بين دول “مبادر إسطنبول” والناتو وأكثر على النحو التالي:

    أ – تعاون أكاديمي بين الأكاديميات العليا للجانبين (على سبيل المثال كلية الدفاع التابعة للناتو وأكاديمية ناصر العسكرية العليا).

    ب- تكثيف التعاون الأكاديمي من خلال زيادة عدد دورات التعاون الإقليمي للناتو المنعقدة بكلية الشرق الأوسط بكلية دفاع الناتو، فضلاً عن زيادة عدد الدارسين بها، مع توسيع تنوع طبيعة خلفيات عمل الطلاب مثل (الدبلوماسيين – العسكريين – الشرطة المدنية – صناع القرار والباحثين في مراكز الفكر اتخاذ القرار – أعضاء الأحزاب السياسية – الصحفيين).

    جـ- التواصل والتعاون بين منظمة حلف شمال الأطلسي ومراكز الفكر الحكومية والمستقلة في مصر من خلال الحكومة المصرية أو بمعرفتها.

    د – تفعيل التعاون في مجال المعلومات بين “المحور الجنوبي” التابع للناتو والمنشأ حديثاً في نابولي ونظيره في مصر، خاصة في مجالات مكافحة الإرهاب والجرائم العابرة للحدود، وتوضيح موقف إسرائيل في هذا الصدد كأحد دول الحوار المتوسطي.

    هـ- حث الدول الأعضاء في الناتو كذا دول الشراكة على مراجعة القوانين الدولية لتبادل المجرمين وتسليم المدانين في مختلف القضايا، وخاصة تلك المتعلقة بجرائم الإرهاب والتطرف العنيف، وغير ذلك من الجرائم الخطيرة.

أخيراً ، أعتقد أن مصر تدرك جيداً المعنى الحقيقي لمفهوم الشراكة الاستراتيجية مع الثقة والمصالح المتبادلة.

 

Major General (Retd.) Sayed Ghoneim
Fellow, Nasser Higher Military Academy
Chairman, Institute of Global Security & Defense Affairs (IGSDA-Online)

شارك