15 مايو 2021
مقدمة:
تتواصل المواجهات في مناطق مختلفة من الأراضي الفلسطينية لليوم السادس على التوالي، حيث أعلن الجيش الإسرائيلي قيام الفلسطينيين في غزة بإطلاق (2300) صاروخ تجاه إسرائيل خلال ستة أيام فقط، وذلك وسط تعثر المساعي الدولية لوقف إطلاق النار. كما أن هناك (200) صاروخ قد تم إطلاقهم من غزة على عسقلان وبئر السبع وإسدود حيث تم استهداف خط الغاز الإسرائيلي المعتزم دفعه إلى أوروبا منافساً لمصر. وقد أسفرت المواجهات العسكرية بين الجانبين عن أكثر من (1300) إصابة في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس.
بسبب أزمة حي شيخ جراح اشتعلت المواجهة العسكرية بين إسرائيل والفلسطينيين، وخلال الستة أيام الماضية أظهرت اعمال القصف الصاروخي لتنظيمات المقاومة الفلسطينية استعداداً جيداً وأداءً لافتاً للنظر من حيث تعدد مناطق الاستهداف وتعدد مديات الاستهداف في مقابل تراجع ملحوظ لم عرف بـ”القبة الحديدية” التي من المفترض أن تتميز بذكاء المنظومة، والتي لا تنشط إلا لمجابهة الصواريخ الموجهة للمدن والمناطق الحيوية.
ومع تركيز الهجمات الصاروخية من غزة بعدة رشقات في توقيت واحد أدت الى إظهار مشاكل عديدة في قدرة منظومة “القبة الحديدية” على اعتراض الصواريخ. واللافت أيضاً، هو اتساع مديات الصواريخ حيث بلغت مديات تصل الى حوالي 250 كيلومتر وربما أكثر، وكذا أصبحت نسبة ملحوظة من تلك الصواريخ تمتلك رؤوساً متفجرة ذات قوة تدميرية مؤثرة نوعاً ما، إذ أن كانت معظم الصواريخ سابقاً بدون رؤوس متفجرة، وكل هذا بالتأكيد أدركته إسرائيل.
ارتباطاً بما تقدم، يمكن ملاحظة الآتي:
أولاً: من الجانب الإسرائيلي:
من الواضح أن حماس وباقي المنظمات الفلسطينية كانوا مستعدين ومنتظرين فقط اللحظة المناسبة، وربما هم من صنعوها بأيدهم. تواجه إسرائيل مشكله داخليه كبيره تظهر في عدم شعور سكانها بالأمان (وهو مطلب رئيس لهم) خاصة بعد فترة عدم مواجهة مع حماس طالت لما يقرب من سبعة أعوام، وهي في رأيي كالآتي:
– غزارة هطول الصواريخ من قطاع غزه والطائرات المسيرة بصورة غير مسبوقة أو متوقعة (برغم عدم دقتها إلا أن تأثيرها النفسي كبير ومؤثر إضافة لما تحدثه من خسائر بشرية واقتصادية). وقد أذاع الجيش الإسرائيلي: “إلغاء (40) رحلة كان المفترض أن تهبط في اليوم التالي في مطار بن غوريون بسبب الصواريخ التي تطلق من قطاع غزة”.
– زعزعة الثقة في السلاح الإسرائيلي على الصعيد الدولي والإقليمي نظراً لعدم قدرة القبة الحديدة على العمل بكفاءة طبقاً لما هو معلن عنه في التصدي للصواريخ القادمة عليها من غزة.
– زعزعة ثقة الشعب الإسرائيلي في الأمن الداخلي لنفس السبب، فضلاً عن غفلة الأمن الإسرائيلي عن تسرب سلاح متطور للفلسطينيين في قطاع غزة.
– تأييد عرب ٤٨ (التي ظنت أنهم تم احتوائهم) لمواطني فلسطين في الضفة وغزة، مع الوضع في الاعتبار أن أهم تهديدين تخشاهم إسرائيل هما توقف الدعم الأمريكي وزيادة الكتلة السكانية العربية على الأراضي الإسرائيلية وممن يحملون جنسيتها في مقابل نظرائهم الغربيين.
– التكلفة الاقتصادية الواقعة على عاتق إسرائيل لمواجهة الفلسطينيين في غزة (خلال أول ثلاث أيام وصلت التكلفة الي ١٦٠ مليون دولار).
– تصعيد المواجهات الداخلية المحتملة جراء عدوان المستوطنين الإسرائيليين علي عرب ٤٨ في المدن ومنها القدس، مما يزيد من الاحتقان داخل المجتمع الإسرائيلي.
ثانياً: من الجانب الفلسطيني:
تشعر حماس ومؤيديها في غزه بنشوة انتصار لما أحدثته صواريخها من خسائر سواء نفسيه أو بشريه أو اقتصادية، إضافة إلى إعادة تنبيه المجتمع العربي والدولي إلى أهمية حل القضية الفلسطينية (الأمر الذي تراجع تماما خلال الفترة الماضية)، ورغم الخسائر البشرية والاقتصادية في غزه إلا أن الشعور السائد أنه ليس لديهم ما يخسرونه في ضوء تردي الأوضاع المعيشية هناك وارتباطاً بمقولة (شهدائنا في الجنة وقتلاهم في النار).
ثالثاً: من الجانب العربي والدولي:
– بالنسبة للدول العربية التي طبعت علاقاتها مع إسرائيل مؤخراً فهناك حرج كبير يواجههم مما قد يبطئ من خطوات التطبيع، خاصة أن د. أنور قرقاش المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات قد أعلن موقفاً مسانداً للفلسطينيين.
– أعلنت الولايات المتحدة وألمانيا أن من حق الإسرائيليين الدفاع عن أنفسهم ولكنهما حثا على التهدئة وسرعة وقف المواجهات العسكرية. وبشكل عام، يعتبر يبدو أن القلق الشديد هو الشعور السائد بين المجتمع الدولي تجاه ما يدور في غزة.
– وقد حسمت كل من مصر وتركياً وإيران مواقفها الداعمة للفلسطينيين ضد العدوان الإسرائيلي، حيث وصف وزير الخارجية المصري سامح شكري ما يجري في الأراضي الفلسطينية بالعدوان الذي يجب أن يتوقف فوراً من أجل حقن دماء الضحايا الذين يذهبون نتيجة العمليات العسكرية والهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة.
وتتوسط مصر وقطر لوقف إطلاق النار على أساس اتفاق “الهدوء مقابل الهدوء” المعتاد، كما تعملا على حث الولايات المتحدة والمجتمع الدولي على ضرورة حل المشكلة الفلسطينية إلا أنها وحسب ما أعلن شكري، “أن مصر لا تجد الصدى اللازم من الجانب الإسرائيلي”. من جانب آخر، فتحت مصر حدودها للمصابين من قطاع غزة، حيث أرسلت مصر (10) عربات اسعاف إلى رفح على الحدود مع غزة لنقل المصابين إلى المستشفيات المصرية بالعريش.
التقدير:
– إسرائيل لن تقبل بالتهدئة سريعاً حتى تستعيد تفوقها وقدرتها على تأمين الداخل الإسرائيلي، وبالتالي أتوقع عملية عسكرية إسرائيلية واسعة وليست بالقصيرة. أما قضية حي الشيخ جراح فلا اظن ان أحد سيتوقف عندها كثيرا بعد الذى سيحدث.
– قيام إسرائيل باتخاذ إجراءات أمنيه مشدده تجاه عرب 48 والمستوطنين لمنع مزيد من التداعي داخلها.
– فيما يتعلق بحماس ومؤيدوها، يحضرني ما أعلنه الناطق باسم “كتائب القسام” الجناح العسكري لحركة “حماس” قائلاً: “جهزنا أنفسنا لقصف تل أبيب لستة أشهر متواصلة”، وهو ما يشير إلى احتمالات سعي حماس لإطالة أمد المواجهة وتحقيق مزيد من الخسائر في إسرائيل لزيادة مكاسبها المحققة حتى الآن مع استدراج إسرائيل لدخول غزه بما يعني المزيد من الخسائر البشرية في الجيش الإسرائيلي ولرفع سقف مطالبها في حالة الوصول إلى هدنة وتهدئة.
– أخطر سيناريو ممكن أن يواجه إسرائيل هو قيام فلسطينيين أو مؤيدين لهم في لبنان والأردن ودول أخرى محيطة بإشعال فتيل النيران ضد إسرائيل في وقت واحد. وقد قام الجيش اللبناني بغلق كل الطرق المؤدية إلى سهل مرجعيون قبالة مستعمرة المطلة حيث جرت مواجهات أمس بالفعل من جانب الجنوب اللبناني.
– يعتبر ما يحدث فرصة ذهبية لاستثمار موقف ما بعد الهدنة في محاولة تحريك حلول المشكلة الفلسطينية والتي سعت إسرائيل لإفشالها خلال الفترة الماضية، خاصة في ضوء قناعة الإدارة الأمريكية الجديدة بحل الدولتين.
هناك رأي يرى ضرورة تضمين واعتبار بعض النقاط المؤثرة والمرتبطة بالأحداث، منها ملف الانتخابات الفلسطينية وملف سد النهضة وملف التحالفات الاقتصادية المتغيرة اللي استتبعها تغير في العلاقات والمحاور بالنسبة لتركيا وقطر من جانب والامارات وإسرائيل من جانب آخر (ودور مصر في تلك الأطر).
شارك في الدراسة:
لواء/ ممدوح قطب – لواء أ.ح. ياسر هاشم – الباحث/ أحمد عابدين
لواء أ.ح. دكتور سيد غنيم (رئيس IGSDA)
شارك

administrator