الرابط: https://goo.gl/Ah69hA

لماذا قطر؟ لماذا الآن؟

رؤية تحليلية: سيد غنيم…

يتصور البعض أن الإجابة على هذا السؤال تتلخص في أن قطر لم تدفع ما أتفقت عليه مع دول الخليج لأمريكا.. مما يشير كالعادة إلى نظرية (المؤامرة) المعتادة، إلا أن هذا التصور يطرح ثلاث تساؤلات تفرض نفسها..

أولاً: منذ متى ومشاكل دول الخليج مع بعضهم مالية؟ على العكس، فمعظم مشاكل الخليج تُحل بالمال؟

ثانياً: آخر ما صرح به أمير قطر ضمن جزء قصير من كلمة له عبر قناة الجزيرة أثناء حضوره حفلة تخرج دفعة جديدة من المجندين كانت بالحرف “لن تتقاعص قطر أبداً عم القيام بالدور الذي يمليه علينا الإنتماء العربي والإسلامي، وفي الدفاع عن قضايا امتينا العربية والإسلامية”.. ألا تشير هذه الجملة صراحة أنه لن يتراجع عن موقفه الديني القومي الذي يعاقبونه عليه (على حد قوله)، أم هو متفق مع قيادات الخليج على نفسه؟

ثالثاً: وإن كان موضوع عدم قيام قطر بدفع ما تم الإتفاق عليه لأمريكا حقيقة (مما يعني أن أمير قطر بطل لا يدفع إتاوات ولا يتآمر على الإسلام)، ألم يكن من الأولى به وهو تحت هذه الضغوط الشديدة أن يقول الحقيقة مُعلناً بطولته؟ ما الداعي لسكوته في الوقت إذا كان بإمكانه فضح أمر الجميع؟

اختلف المحللون في وجهات نظرهم بشأن أسباب قيام كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر بقطع علاقتها مع قطر؛ وعلى أي حال أرى أن هناك ثلاثة أسباب رئيسية لذلك.

السبب الأول: ويتلخص في سلوك دولة قطر تجاه إيران، باعتبارها قوة إسلامية قادرة على حفظ التوازن الأمني بالمنطقة، وهو سبب مُعلن وليس أمراً مُستحدثاً أو جديدا على المراقبين.

أما السبب الثاني: فيتعلق بدعم قطر لم أسمته (الإسلام السياسي) مثل تنظيم القاعدة وداعش والمصنفين دولياً تنظيمات إرهابية، فضلاً عن تنظيم الإخوان المسلمين والمحظور إقليمياً، وغيرهم. وهو يُعد أيضاً سبب مُعلن ومعروف جيداً.

إلا أن السبب الثالث (ورغم وضوحه) إلا أنه غائب عن كثيرين، وهو المنافسة السياسية والاقتصادية الخليجية/ الخليجية. فقد شهدت منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال السنوات الست الماضية عدة مؤشرات للمنافسات السياسية والاقتصادية بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من جهة وقطر من جهة أخرى. وقد وضحت النافسة السياسية في قيام السعودية مؤخراً بإتخاذ خطوات تشير لاحتمال قيامها بتطبيع العلاقات مع إسرائيل (أهم حليف لأمريكا)، حيث تسعى السعودية لأن تكون بديلاً لقطر في شؤون سياسية متعددة توسع من نفوذها الإقليمي وبدعم من الولايات المتحدة، والذي ربما قد يدفع قطر للتوجه للصين وروسيا كما فعلت تركيا من قبل.. كما تسعى الإمارات لفرض نفوذها السياسي في بني غازي مقابل تقليص دور قطر أمامها في طرابلس.. أما إقتصادياً، فيظهر في منافسة قطر للإمارات على الثروات في ليبيا، ومنافساتها للسعودية بشأن إستثمارات كبيرة أخرى ومنها حقول الغاز.

أما بشأن السبب في توقيت ما يحدث الآن مع قطر، فهو ببساطة تغيير الإدارة الأمريكية.. وتحديدا الرئيس “ترمب” والذي يحاول أخذ مساراً مخالفاً تماماً للرئيس أوباما قبله. فقد كان “أوباما” متفاهماً تماماً مع الرؤية القطرية بشان تجنب التوتر بين دول الخليج وإيران لضمان الإستقرار وتوازن القوى بالمنطقة، فضلاً عن دعم الإدارة الأمريكية آنذاك لمشروع الإسلام السياسي المتمثل في الإخوان المسلمين والذي تبنته ودعمته قطر مالياً وإعلامياً ودعمته تركيا سياسياً، هو نفسه “أوباما” الذي ساهم في دفع عجلة التحقيقات ضد “ترمب” بشأن تدخل روسيا في الإنتخابات الأمريكية لصالحه ضد هيلاري كلينتون، فضلاً على تعرض ترمب مؤخراً للمحاسبة بسبب تعاونه مع روسيا وتسليمهم معلومات كاملة هامة عن تنظيم داعش بالمنطقة، وقد أُشيع ان أوباما له دخل في التحرك الداخلي المضاد لترمب.

وأظن أن ما يتم الآن بكل أحداثه وإجراءاته مُتفق عليه منذ فترة الانتخابات الأمريكية ومع إعداد “ترمب” لرئاسة الولايات المتحدة، فالتحركات السياسية الدولية ليست وليدة اللحظة.

ومع احتمال تطور الأمور لفرض عقوبات إقليمية ودولية على قطر يبقى كل ما سبق رهن عدة احتمالات أهمها:

أولا: إذعان قطر لمطالب الثلوث الخليجي ومصر والولايات المتحدة تجنباً لتطور الموقف والخروج بأقل خسار ممكنة.. وقد صرح وزير الخارجية الامريكى ريكس تيلرسون في بيان له صدر بتاريخ 25 يونيو 2017 “أن قطر قد بدأت في النظر بعناية لسلسلة من الطلبات التي قدمتها البحرين ومصر والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة”.

ثانياً: التصالح التوافقي بتنازلات بالمقابل بين الطرفين الرئيسيين.

ثالثاً: تنازل أمير قطر أو إزاحته عن العرش بواسطة شعبه مقابل الضغوط الشديد أثر المقاطعة والعقوبات المحتمل توقيعها على قطر.

رابعاً: إصرار أمير قطر على موقفه مع تباين أدوار ودعم حلفائه الحاليين والمستجدين في كافة الإحتمالات.

وفيما يتعلق بالموقف الداخلي في كل من قطر والسعودية والولايات المتحدة، نجد الآتي:

أولاً: في السعودية ومع تنصيب محمد بن سلمان ولياً شرعياً للعهد  يقل تماماً تهديد محمد بن نايف (ولي العهد الأصلي والصديق المُقرب لأمير قطر) للموقف الداخلي السعودي.

ثانياً: في الداخل الأمريكي تتزايد الضغوط الداخلية على ترامب، والتي تتمنى قطر وإيران أن تنتهي بعزله.

 

ثالثاً: في قطر إحتمال دعم روسيا وحكومة العراق الحالية إقتصادياً لها من جانب، ودعم إيران وتركيا مع احتمال ظهور أطراف أخرى مثل الهند وباكستان لدعها عسكرياً من جانب آخر، وهو أمر يجب ألا يدعو للدهشة أو المفاجأة للآتي:

  • في عام 2014 ومع بدايات فترة أوباما الرئاسية الثانية أعلنت الإدارة الأمريكية توجهها للإنسحاب تدريجياً من الشرق الأوسط، تلاه في يوليو 2014 إتفاقية دفاع مشترك بين تركيا وقطر، وإنشاء قاعدة عسكرية تركية في قطر يصل قوامها لـ 3000 جندي خلال ثلاث أعوام، وتعود بدايات هذه الإتفاقية لعام 2002.
  • في أكتوبر 2015 اتفاقية أبرمت قطر مع إيران، بموجب هذه الاتفاقية تسمح قطر للحرس الثوري الإيراني بالتدخل في الإقليم البحري القطري والتصدي لأي عمل ارهابي باعتبار بأن ايران في المقام الاول تحمي نفسها، وقد وقعت الاتفاقية القطرية الايرانية عام 2015 ، وتنص الاتفاقية كذلك على مساعدة وتدريب إيران للقوات البحرية القطرية في جزيرة قشم الايرانية.. علماً بأن أخر إتفاقية أمنية موقعة بين البلدين عام 2010 تشمل التعاون في “حراسة الحدود ومكافحة تهريب المخدرات والأقراص المؤثرة عقليا ومكافحة الجرائم التي تقع داخل وخارج البلدين” .
  • في أكتوبر 2016 تم إبرام إتفاقية دفاع مشترك بين الهند وقطر بشأن خطط الأمن البحري المشترك، واتفاقات بشأن الأمن وإنفاذ القانون.
  • تلاها في ديسمبر 2016 إتفاقية دفاع مشترك بين باكستان وقطر، أُستكملت في فبراير 2017 .
  • على صعيد آخر، ومن باب تأمين النفس، في فبراير 2017 قامت المبعوث الدائم لدولة قطر بالأمم المتحدة السفيرة شيخة عالية أحمد آل ثاني، بإلقاء كلمة أمام الجمعية العمومية بالأمم المتحدة أكدت فيها على أن قطر حريصة على التعاون مع كافة السلطات الدولية لإنهاء التطرف العنيف، كما استعرضت العديد من جهود قطر الرامية إلى القضاء على تهديد الإرهاب، بما في ذلك اتفاقيات الشراكة الاستراتيجية الموقعة مع الأمم المتحدة في هذا المجال. (ما قامت سفيرة قطر لدى الأمم المتحدة ما هو إلا إجراء وقائي معروف يتم عند إسشتعار الدولة الخطر من احتمال إتهامها بواسطة مجلس الأمن في ذات الشأن.. ومن الواضح أن قطر كانت تتحسب ليوم كهذا).

 

سيد غنيم
إستشاري الأمن الدولي – أستاذ زائر بأكاديمية دفاع الناتو

 

شارك