معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع:
القسم الأمني والعسكري
دكتور سَــــيد غُنــــيم
زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا
رئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع
الأستاذ الزائر بالناتو والأكاديمية العسكرية الملكية ببروكسل
2- أضرار تعود على الصين كنتاج لشراكتها مع روسيا أكثر من منافعها.
فنجد مثلاً الركود الروسي يجعل موسكو شريكا أقل فائدة ويساهم في تزايد عدم تكافؤ القوى. فلقد سعت الصين وروسيا منذ فترة طويلة إلى تصوير نفسيهما كشريكين متساويين، ولكن يصعب الحفاظ على هذا السردية على نحو مستمر نظرا لعدم تكافؤ القوى المتزايد بين البلدين. ومع ركود روسيا أو حتى انحدارها، ومع استمرار الصين في تعزيز قوتها الوطنية، فإن روسيا تصبح شريكاً أقل فائدة للصين في مواجهة النفوذ الغربي. ويمكن أن يؤدي تزايد تقدم الصين على روسيا أيضًا إلى تفاقم التوترات القائمة وانعدام الثقة بين بكين وموسكو إذا شعرت روسيا بأنها لا تحظى بالاحترام أو يتم التعامل معها كشريك صغير.
وفي جميع عناصر القوة الوطنية تقريباً – بما في ذلك القوة الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية – تتقدم الصين على روسيا أو تلحق بها بسرعة. ومن الناحية الاقتصادية، فقد تفوقت الصين بالفعل على روسيا بكثير. على الأساس الاسمي، كان الاقتصاد الصيني أكبر بنحو 10 مرات من الاقتصاد الروسي في عام 2021. ولأول مرة، تجاوزت الصين روسيا في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الاسمي في عام 2020 (على الرغم من أن روسيا لا تزال متقدمة على الصين عند تعديلها وفقا لتعادل القوة الشرائية). ومن المتوقع أن تتسع الفجوة بشكل كبير في السنوات المقبلة. وتتوقع التوقعات الاقتصادية لصندوق النقد الدولي أن يرتفع الناتج المحلي الإجمالي للصين إلى ما يقرب من 30 تريليون دولار بحلول عام 2027، في حين من المتوقع أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي لروسيا عند أقل من 2 تريليون دولار.
إن ركود النمو الاقتصادي في روسيا يجعلها أقل أهمية كشريك اقتصادي. وفي عام 2020، لم تمثل روسيا سوى حوالي 2% من إجمالي تجارة الصين. وبالمقارنة، كانت الصين أكبر شريك تجاري لروسيا، حيث تمثل حوالي 18% من تجارة روسيا.
ومن المرجح أن تؤدي الاتجاهات الطويلة الأجل إلى جعل روسيا أقل أهمية من الناحية الاقتصادية بالنسبة للصين. وقيمة روسيا الحالية بالنسبة للصين تكمن في توفير الطاقة، حيث يمثل النفط والغاز والفحم مجتمعة ثلثي صادرات روسيا إلى الصين. وما لم يحدث تحول كبير في النموذج، فإن أهمية روسيا سوف تتراجع في العقود المقبلة مع تقليص الصين اعتمادها على الوقود الأحفوري. 9% في عام 2010.
وفي مقارنة بسيطة في مجال البحث العلمي، نجد في عام 2020، أن الصين أنفقت على البحث والتطوير ما يزيد على 14 مرة عما أنفقته روسيا. ولم يكن هذا ببساطة نتيجة للاختلافات في الحجم الاقتصادي: فقد أنفقت الصين أيضاً أكثر من ضعف ما أنفقته روسيا كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي. وصنف مؤشر الابتكار العالمي الصين في المرتبة 12 عالميا في عام 2021، خلف فرنسا مباشرة وقبل اليابان. وفي الوقت نفسه، صنفت روسيا في المرتبة 45 إلى جانب فيتنام (44) والهند (46).
عسكرياً، يؤثر الركود الروسي على الجبهتين الاقتصادية والتكنولوجية على قوتها العسكرية، التي كانت تقليديا مصدرا رئيسيا لقوتها ونفوذها. وفي عام 2021، أنفقت روسيا تقريبًا على جيشها نفس المبلغ الذي أنفقته في عام 2014 (حوالي 64 مليار دولار). وقد نمت الميزانية العسكرية للصين بنسبة تزيد عن 47% خلال تلك الفترة، من 183 مليار دولار إلى 270 مليار دولار.
وهذا له آثار متعددة بالنسبة للصين. في العقود الأخيرة، نظرت بكين إلى روسيا باعتبارها شريكًا عسكريًا رئيسيًا في التنافس مع الولايات المتحدة وحلفائها، لكن الإنفاق الدفاعي المتعثر في روسيا يؤثر على قدرة الصين وروسيا الجماعية على التنافس عسكريًا. وفي عام 2021، أنفقت الولايات المتحدة وحلفاؤها في حلف شمال الأطلسي (الناتو) وحلفاؤها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ مجتمعين 3.7 أضعاف ما أنفقته الصين وروسيا على الدفاع. وبشكل أكثر تحديدا، اشتكى الخبراء الصينيون من حالة الجيش الروسي، وسلطوا الضوء، على سبيل المثال، على أن الأسطول البحري الروسي يتكون إلى حد كبير من سفن ومعدات قديمة تعود إلى الحقبة السوڤياتية.
3- التوسع العسكري الروسي يتعارض مع المصالح الصينية. ولك أن تقارن بين انتهاج روسيا لمبدأ “استخدام القوة” لاستعادة الهيبة، ومبدأ “الصبر الاستراتيچي” الذي تنتهجه الصين لتحقيق التفوق في مضمار التنافس العالمي. وعلى سبيل المقارنة، وصف الباحثون الصينيون الصين بأنها تسعى إلى تحقيق هدفاً يتمثل في جعل النظام الدولي الحالي أكثر ملاءمة لنمو الصين وتنميتها ــ وبالتالي أقل استعداداً للجوء إلى القوة، والذي يعد هدفاً أكثر تواضعاً مقارنة برؤيتهم لبوتين بأنه “ثوري” يسعى إلى قلب النظام الدولي القائم وبما يضيع هدف الصين، وأشاروا إلى أن أهداف موسكو تجعلها أكثر استعدادًا لاستخدام العنف لتحقيق مصالحها ولو على حساب من أهم من تسعى للتحالف معه وهو الصين.
ولنتذكر أن الصين لم تعترف باستقلال أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية عن جورجيا عقب غزو روسيا لها عام 2008، كما أنها لم تعترف بالأراضي الأوكرانية الانفصالية في دونيتسك ولوهانسك أو المطالبات الروسية بشأن شبه جزيرة القرم عقب غزو روسيا لأوكرانيا عام 2014، كما أن الصين لم تعترف بانضمام دونيتسك ولوهانسك وزابارودچيا وخيرسون لروسيا عقب غزوها الثاني لأوكرانيا عام 2022.