أولاً: مقدمة:

أعلنت الإمارات أنها تصدت لصاروخ باليستي أطلقة الحوثيين من اليمن على العاصمة أبوظبي، في ثالث هجوم من نوعة هذا العام، إذ صرح الحوثيين أنهم إستهدفو أبوظبي ودبي بصواريخ باليستية وطائرات بدون طيار إنتحارية، وكانت الهجمات تتم بنمط زمني ثابت (الإثنين من كل أسبوع)  وحقق الهجوم الأول فيها خسائر بينما تم صد باقي الهجمات ما يدل بأن الدفاع الجوي الإماراتي لم يكن مفعلاً بكامل قدراتة لسوء تقدير حدوث هجمة مماثلة، بينما تغير نمط الهجوم الثالث لمواكبة زيارة الرئيس الأسرائيلي إسحاق هيرتوزوج لأبوظبي، وقد أضافت وزارة الدفاع الإماراتية بأن الإعتراض تم خارج المناطق المأهولة بالسكان حيث سقطت شظايا الصاروخ، وقد أكد المتحدث بأسم الحوثيين أنباء الهجوم الذي أطلقو عليه “إعصار اليمن الثالث” حيث أشار أن اهذا الهجوم تم بصواريخ ذوالفقار الباليستية إلى جانب استهداف دبي بعدد من الطائرات بدون طيار طراز صماد-3. ([i])

تأتي هذه الهجمات بينما تمتلك الإمارات (9) بطاريات دفاع جوي “باتريوت” الأمريكية قد تم إستلامها ما بين 2012-2014([ii])، وهى قادرة على التصدي لكافة التهديدات الجوية من طائرات قتال وصواريخ جوالة وطائرات بدون طيار مع إمكانية التصدي للصواريخ الباليستية قصيرة ومتوسطة المدى، مع مخزون صاروخي لها ضمن صفقتين متتاليتين في عامي 2014 و2017 لعدد (316) صاروخ باك-2 و352صاروخ باك-3 الأحدث، إلى جانب منظومتى دفاع جوي مضاد للصواريخ طراز ثاد تم التعاقد عليه عام 2015 مع مخزون صواريخ يبلغ (96) صاروخ([iii])، وهي منظومة لديها القدرة على إعتراض كافة الصواريخ الباليستية بكافة مدياتها سواء داخل الغلاف الجوي أو خارجة. ([iv]) وجديرٌ بالذكر أن صواريخ ثاد الأمريكية استخدمت لأول مرة في التاريخ لاعتراض صاروخ باليستي كان في 24 فبراير من قبل الدفاع الجوي الإماراتي ضد صواريخ الحوثيين.

بينما أعلن الحوثيين إستخدام مزيج متنوع من طائرات بدون طيار وصواريخ باليستية، إلا أن هناك تضارب في بعض المعلومات المعلنه من قبلهم، إذ أن تصريح الحوثيين بإستخدام صواريخ ذوالفقار في الهجوم على الإمارات التي تبعد ما يزيد عن الـ (1000) كم من مناطق سيطرة الحوثيين باليمن، في حين أن كافة المصادر المتخصصة ترصد مدى هذا النوع من الصواريخ “ذوالفقار” بمدى لا يتجاوز الـ (1500) كم، مما يضع علامة إستفهام كبيرة على دقة تصريحات الحوثيين أو إصدارهم معلومات غير حقيقة في سبيل التموية عن حقيقة ما يملكونهم من تسليح أصبح متطور([v]).

ثانياًأهداف الأطراف”:

  • تهدف إيران إلى “ردع وترهيب دول الخليج، وعلى رأسهم السعودية والإمارات، ودفعهم لأخذ المصالح الإيرانية في الحسبان مقابل عدم تعريض أمن واستقرار دولهم للخطر، خاصة مع مستجدات التعاون مع إسرائيل عسكرياً واحتمالات استهدافهم لإيران نتيجة لنجاح مفاوضات الاتفاقية النووية في جنيف”.
  • في المقابل، نجد أن الهدف الأساسي للتحالف من عملياتهم الأخيرة يتلخص في “إعادة ضبط قواعد الاشتباك في اليمن، من خلال إرسال قوات عسكرية إلى جبهات مفتوحة بعد تجميد جبهة مديمة “الحُديِدًة” نتاج اتفاقية ستوكهولم. حيث تمثّل الهدف الأساسي لهذه العملية في وقف التقدّم العسكري للحوثيين في شبوة ومأرب، ولا سيما بعد سيطرتهم على مديريات عدة في المحافظتين خلال الأشهر الثلاثة الماضية”. وقد حدث هذا التقدم على وقع تعثر المفاوضات التي استضافتها سلطنة عُمان بين السعودية والحوثيين، وفي المقابل حدوث توافق بين السعودية والإمارات على تنفيذ هذه العمليات في شبوة ومأرب في مطلع شهر يناير الجاري بدعم الإمارات التي انسحبت من الحرب في اليمن منذ منتصف عام 2019.
  • أما جماعة أنصار الله (الحوثيون)، المدعومة من إيران، فتهدف من الهجمات التي شنتها داخل العمق الإماراتي إلى “تحييد الدور الإماراتي الذي برز في العمليات العسكرية التي شهدتها مؤخراً محافظتا شبوة ومأرب”، حيث نفذت قوات تابعة للتحالف الذي تقوده السعودية ضد جماعة الحوثيين في نوفمبر 2022 عملية إعادة انتشار من مناطق في محافظة الحديدة إلى محافظة شبوة. وقد شملت هذه القوات ألوية العمالقة، المدعومة من الإمارات، والتي تعد أكثر تنظيماً من سائر الوحدات العسكرية المدعومة من التحالف. كما تهدف أيضاً جماعة أنصار الله إلى “تذكير القادة الإماراتيين بأن الحوثيين سيدرجون بلادهم على قائمة أهدافهم ما لم يتوقفوا عن التصعيد”. وسبق تلك الهجمات استيلاء الحوثيين الأسبوع السابق على سفينة “روابي” الإماراتية قبالة ساحل الحديدة في البحر الأحمر، وهي سفينة كانت تنقل معدات طبية وعسكرية تابعة للقوات السعودية من جزيرة “سقطرى” اليمنية.

 

  • أما الإمارات، فالهدف الرئيسي الحالي الرئيسي لها هو “منع أي هجمات تستهدف العمق الإماراتي، من خلال تشتيت جهود الحوثيين وتركيزهم خارج اليمن”، مع الأخذ في الاعتبار أن السبب الرئيسي لدعم الإمارات للألوية العملاقة في جنوب اليمن هو النهج التكتيكي الناجح لقوات الحوثيين نزولاً إلى مأرب جنوباً، والتي تعتبر مليئة بالثروات بالإضافة إلى المزايا، خاصة أن مأرب تطل على البحر الأحمر، الشاغل الرئيسي للجيش الإماراتي واقتصادياً كذلك.

من ناحية أخرى، فإن عد التأكد من مواقع الإطلاق للهجمات خاصة “الدرونز”، نظراً لبعد المسافة بين مناطق الإطلاق المحتملة داخل اليمن وبين مناطق الاستهداف في أبوظبي، مما يعطي احتمال أن الاستهداف ربما تم برعاية إيران أو من خلالها، سواء من المياه القريبة للإمارات أو من داخل الأراضي الإماراتية أو ربما من داخل دولة أخرى حدودية أو غير حدودية، وذلك بواسطة أذرع إيرانية كالحشد الشعبي في العراق أو بواسطة خلايا نائمة موالية لإيران، خاصة أن الهجوم على أبوظبي قد تزامن مع اجتماع عقده المتحدث باسم الحوثيين محمد عبد السلام مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، بعد لقاء جمعه بوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في عُمان (المؤمن بدبلوماسية القوة).

ثالثاًأسباب رد الفعل الدولي السريع ضد الحوثيين في الإمارات مقارنة بالسعودية:

  • أن الحوثيين هاجموا أهدافاً وطنية داخل الأراضي السعودية لكنهم استهدفوا أهدافاً واستثمارات ومصالح حيوية أجنبية داخل الأراض الإماراتية، كما أعلن الحوثيين عن نية لستهدافهم قاعدة الظفرة الجوية العسكرية بأبوظبي والتي يتواجد بها قات أجنبية، كما أعلنوا عنية استهداف مراكز تجارية مبيئة بالأصول الأجنبية.
  • رد الفعل السعودي على هجمات الحوثيين عادة ما يكون عدوانياً للغاية، مما يشير إلى أن السعودية ستستمر في القتال ضد الحوثيين داخل اليمن حتى النهاية، لكن الإمارات كانت أكثر سلمية ودبلوماسية وتبدي تحضيراً لخطاب ملتزم للغاية، حيث ركز الخطاب الإماراتي على الضحايا الأبرياء داخل الإمارات وليس على الاستهداف المضاد داخل اليمن.
  • يعاون الإمارات في تحقيق استراتيجياتهم هذا سفراء وملحقين دفاع نشيطين لدرجة كبيرة لدى الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وناجحون في إقناع المجتمع الدولي في التعاون مع موقف الإمارات.

رابعاًتأثيرات الهجوم على القضايا الإقليمية الساخنة وعلى العلاقات الدولية، بما فيها إيران، إسرائيل والسعودية:

  • التأثيرات المتوقعة على العلاقات الإيرانية الإماراتية/ السعودية:
  • رغم التنافس المتزايد على الصعيد الاقتصادي بين السعودية والإمارات، وانسحاب الإمارات من الحرب في اليمن منذ عامين، إلا أن عودة الإمارات لدعم العمليات في اليمن (من الخلف) ورد الحوثيين عليهم سيزيد من التعاون الإماراتي السعودي على الصعيدين العسكري والأمني.
  • تعاني السعودية من نقص شديد في صواريخ باتريوت المضادة للصواريخ، وربما ستلجأ السعودية للتواصل مع بايدن في هذا الشأن ( وهو ما يتمناه بايدن الذي أعلن أن عاهل السعودية ينتظر اتصال منه لزيادة ضخ النفط لتقليل أسعاره). الأمر الذي يدفع أيضاً للتقارب العسكري مع الإمارات للتشارك في إنشاء منظومة مشتركة للدفاع الجوي.
  • التأثيرات المتوقعة على العلاقات الإماراتية/ الإيرانية:
  • بادرت الإمارات الإمارات بالسلام المُعلن تجاه إيران وذلك بإرسال مبعوثها رئيس الأمن القومي الإماراتي لطهران للتفاوض بشأن العلاقات بين البلدين، وذلك بهدف تجنب استخدام القوة العسكرية بين البلدين سواء بشكل مباشر أو غير مباشر (بواسطة وكلاء)، ولكن النتيجة هي إستمرار الهجمات بشكل متتالي، مما يشير لعدم ضمان تجنب السلوك العنيف المعتاد من الجانب الإيراني.
  • إيران دولة تنتهج عقيدة أيدولوجية، وفي المقابل نجد الإمارات التي تنتهج العقيد الواقعية البرجماتية، ويعني هذا أن إيران لن تقبل الإمارات مجرد جار أو صديق وبالتأكيد لن تقبلها كدولة شريك أو حليف. فنجد العلاقات الإيرانية القطرية التي تستفيد منها إيران من خلال حقل النفط المشترك بينهما أو استخدام قطر كنجر في ظهر دول الخليج وفي المقابل تنعم قطر بالأمن من جانب إيران (وليس الحماية)، نجد أنها تختلف بالتأكيد عن العلاقات الإيرانية الإماراتية التي لا ستفيد إيران منها بشيئ يذكر إلا زيادة الضغط على السعودية، الأمر الذي يجعلني أرى إيران تعمل على دفع الإمارت لـ “التبعية الإيرانية” وليس لأي نوع علاقة آخر كالشراكة أو الصداقة أو التحالف، وهو أمر لا يتماشى مع الطبيعة ولا الثقافة ولا التوجه الإماراتي الحالي الذي يعمل من أجل التوسع والريادةوليس العكس.
  • وفي كل الأحوال، لا زالت العلاقات بين البلدين في مرحلة ما بين التوتر والتنافر والتقارب الحذرين، خاصة أن التقارب بين البلدين ليس في الشكل المعلن بصورة كبيرة مقارنة بالتقارب السعودي الإيراني. إلا أنني أتوقع تزايد دور التفاوض بين البدين مع وضع الحادث الأخير وتداعياته في الاعتبار، حيث ستعتبره إيران في صالحها أمام الإمارات التي تأخذ موضع قوي نسبياً ارتباطاً بأدوارها في عدة بؤر وأقاليم تؤثر على المصالح الإيرانية كأفغانستان والقرن الأفريقي وشرق المتوسط والبلقان.
  • التأثيرات المتوقعة على العلاقات الإماراتية/ الإسرائيلية:
  • لا شك أن زيارة رئيس الأمن القومي الإماراتي لإيران أزعجت بشدة إسرائيل وكذا أي تقارب إماراتي إيراني حالي أو محتمل، ومن ثم فإن الحادث الحالي كان ضمن السناريوهات المتوقعة في التقديرات الإسرائيلية والتي تُعد الأكثر فائدة لها، ومن ثم ستتعمد إسرائيل على الاستفادة منه بكل قوة، وذلك في محاولة للووصل لشكل يتسم بـ “الحسم” في طبيعة العلاقات الإماراتية/ الإيرانية والعلاقات الإماراتية/ الإسرائيلية. حيث تدفع إسرائيل لإجهاض أي فرص تقارب بين الإمارات وإيران وربما يكون هذا الحادث وتداعياته من ضمن الفرص الأمثل لذلك.
  • ومن ثم، أتوقع أن تدفع إسرائيل للمزيد من التقارب مع الإمارات في كافة المجالات خاصة على الصعيدين العسكري والأمني من خلال التعاون العسكري المخابراتي وتزويد الإمارات بأسلحة متقدمة خاصة في مجال الدفاع الجوي ارتباطاً بما تحققه القبة الحديدة الإسرائيلية في إسرائيل ضد حماس. حيث أتوقع أن تطلب الإمارات المزيد من أسلحة الدفاع الجوي خاصة ضد الدرونز والصواريخ الباليستية، مما يشكل فرصاً مفتوحة أيضاً أمام الولايات المتحدة وأوروبا والصين وروسيا وكوريا بجانب إسرائيل لتزويد الإمارات بهذه الأسلحة. ويأتي ذلك في ظل ما تعانيه السعودية من نقص في صواريخ باتريوت المضادة للطائرات.
  • يزداد الارتباط بين البلدين الإمارات وإسرائيل مع قيام إسرائيل بتزويد الإمارات بمنظومة الدفاع الجوي ضد الصواريخ والدرونز. وستلجأ السعودية أيضاً للبلدين لتشكيل منظومة دفاع جوي إسرائيلية داخل منطقة الخليج تؤمن دول الخليج وأيضاً تؤمن إسرائيل بالتبعية كخط دفاع جوي أول أمام إيران. وهو ما يشكل صورة لاقتراب إسرائيل عسكرياً من الحدود الإيرانية.
  • التأثيرات المتوقعة على العلاقات الإماراتية/ التركية:

ربما تتزايد العلاقات بين البلدين بعد زيارة محمد بن زايد الأخيرة لتركيا وزيارة إردوغان لأبوظبي، بسبب وجود العديد من الملفات التي تتقاطع بين البلدين، مثل الإسلام السياسي، والتنافس الإماراتي مع قطر، وعلاقة الصناعات العسكرية والصفقات التجارية بين البلدين، والتنافس على النفوذ في عدة مناطق.

فقد شهدتا تصعيداً سلبياً خلال سنوات عديدة بالعقد الماضي قبل تهدئة العلاقات بين البلدين خلال النصف الثاني من العام الماضي 2021، من المتوقع أن تتمكن الإمارات من الحصول على فوائد كبيرة من تركيا في بعض الملفات مثل تقنيات التصنيع العسكري ونفوذها أمام قطر في أفغانستان و القرن الأفريقي، وربما تساعد الإمارات في وضعها الحرج ضد الحوثيين بدعم طائرات تركية بدون طيار وأسلحة دفاع جوي أخرى. إذا تم تغييرها، فإن المعادلة ليس فقط بين الإمارات وتركيا ستكون مختلفة، بل ستكون بين تركيا والمنطقة بأكملها.

  • التأثيرات المتوقعة على العلاقات الإماراتية/ المصرية:

يبدو أن زيارة الرئيس المصري في 26 يناير 2022، بعد يومين من هجوم الحوثيين في العمق الإماراتي، تبدو (كما ورد في وسائل الإعلام العربية) أنها تأكيد على ربط الأمن القومي للبلدين، وزيادة في متطلبات العمق المشترك في أكثر من ملف أمني وعسكري يؤمن العمق الاستراتيجي الإماراتي ضد تهديدات طائرات الحوثيين بدون طيار والصواريخ الباليستية، بالإضافة إلى استمرار العمل المشترك على تأمين الطرق الملاحية والتجارة الدولية في البحر الأحمر. لكني أعتقد أن الأهداف المصرية تشمل ما هو أبعد من ذلك. حيث أعتقد أن مصر، تهدف في الأساس، إلى تأمين عمقها الاستراتيجي الجنوبي والذي يقع في مدى تسليح الحوثيين، سواء ضد الصواريخ الباليستية أو الدرونز بعيدة المدى، حيث أن المسافة بين مناطق إطلاق الحوثيين وأبو ظبي متساوية (أو ربما أقل) من المسافة بين تلك المناطق وقاعدة برنيس العسكرية المصرية المطلة على البحر الأحمر، بالإضافة إلى تهديد قناة السويس في حالة استهداف مضيق باب المندب أو المسارات الملاحية عبرهما. كما تهدف مصر إلى ضبط علاقتها مع الإمارات في وضع أكثر نجاحاً، بعد أن أصبحت حساسة ومتقلبة في بعض الملفات.

وستزيد مصر من مشاركتها في التدريبات البحرية العسكرية المشتركة إلى جانب الإمارات ودول أخرى في المنطقة، وللمرة الأولى ستنضم إلى التدريبات البحرية العسكرية بحضور إسرائيل (معلن) ؛ مع الأخذ في الاعتبار أن مصر ستحتفظ (بعدم) التطبيع العسكري أو اجتماعي الكامل من الجانب المصري تجاه إسرائيل.

كما قد ترفع مصر من مساهمتها في اليمن بإرسال المزيد من المستشارين والمدربين إلى الجنوب المضاد للحوثيين، الأمر الذي سيكون معاكس للموقف المصري في اليمن في الستينيات الداعم للشمال اليمني. بناءً على ذلك، ستحصل مصر على المزيد من الامتيازات وربما التناولات من الجانب الإماراتي في ملفات أخرى مثل القرن الأفريقي وشرق المتوسط.

  • التأثيرات المتوقعة على العلاقات الإماراتية/ الأمريكية:

الولايات المتحدة، التي تتعرض لضغوط من القوى المناظرة في بحر الصين الجنوبي وأوكرانيا في أوروبا الشرقية، تفكر ملياً في السيطرة على أمن منطقة الخليج العربي، خاصة مع حليفيها التي تخسرهما بمرور الوقت (السعودية والإمارات)، حيث إن (عدم الثقة) من جانبهما يتصاعد تجاه واشنطن، مما سيتعين على الولايات المتحدة إعادة النظر في مواقفها تجاه الإمارات والسعودية، خاصةً على الصعيدين العسكري والدبلوماسي، حيث اعتبر بايدن العودة إلى تسمية الحوثيون حركة إرهابية لكن الكونجرس قد يحافظ على موقفه من تدخل السعودية في اليمن. ومع ذلك، سيعمل بايدن وإدارته بكل قوة على عدم قطع علاقة واشنطن بأبو ظبي والرياض، وسيقوم بايدن بزيادة حجم التقارب العسكري مع البلدين، بطريقة تطمئنهما من خلال توفير الحماية اللازمة لهما.

  • التأثيرات المحتملة على علاقات الإمارات مع روسيا:

وتأتي أحداث استهداف الحوثيين لأبوظبي مع تنفيذ مناورة بحرية عسكرية روسية / إيرانية في المنطقة، لكن روسيا أدانت بشدة تلك الحوادث والحوثيين في موقفهم.

ستحاول روسيا دعم زيادة انعدام الثقة الذي يظهر من جانب الإمارات والسعودية تجاه الولايات المتحدة بمزيد من المحاولات للاقتراب من أبوظبي والرياض، خاصة على الأصعدة الاقتصادي والعسكري والأمني، ​​واقتناص الفرصة لبيع المزيد من أنظمة الدفاع الجوي إلى الإمارات رغم تقلص ثقة الإمارات في وسائل الإنزار الروسية.

  • الآثار المحتملة على علاقات الإمارات مع الصين:

تتزامن هجمات الحوثيين مع ضغوط أمريكية على الإمارات حيث تهدف واشنطن إلى تقليص التشابك الاقتصادي والتكنولوجي والعسكري المتنامي بين الصين والإمارات. يبدو لي أن ثقل الولايات المتحدة ما زال أكبر مقارنة بالصين في ميزان الإمارات. لذلك، قد تحاول الصين الانخراط في المزيد من المساحات الدبلوماسية والأمنية للعب دور قوي إلى جانب مبادرتها (الحزام والطريق) التي طرحت خلال وقت مبكر من العقد الماضي، مع مراعاة قلة الخبرة الصينية في المناورات الأمنية مقارنة بمبادرتها الاقتصادية الكبرى، وكذا مقارنة بالخبرات الأمريكية والروسية على الصعيدين الأمني والدبلوماسي في الشرق الأوسط. إلا أن بكين قد تزيد من استخدام بعض ثقلها في المنطقة عبر إيران للضغط على الحوثيين، الأمر الذي قد يخفف من الخطر الذي تتعرض له الإمارات، ويزيد من الوزن النسبي للصين مقارنة بالولايات المتحدة في الميزان الإماراتي. وسيعتمد نجاح هذه الجهود على درجة ضعف الموقف الأمريكي تجاه الأولويات الإماراتية في المرحلة الحالية.

وفي رأيي، ربما علينا مراعة اختلاف معين أراه في سياسات الصين تجاه التهديدات التي تواجه شركائها مقارنة بسياسات الولايات المتحدة وروسيا تجاه التهديدات التي تواجه حلفائهما. حيث نجد الولايات المتحدة، القوية اقتصادياً وعسكرياً ودبلوماسياً، تواجه تهديدات حلفائها كضامن أساسي لأمن حلفائها، مثل استعدادها لمواجهة إيران وتدخلها عسكرياً في العراق وأفغانستان بمواجهة داعش والقاعدة.

كما نجد روسيا، التي تفتقر إلى القوة الاقتصادية، ولكنها تتمتع بديناميكية أمنية فعالة ودبلوماسية ذكية، تواجه تهديدات حلفائها، لكنها تنتهج أيضاً سياسة احتواء مزدوج لهم مع ضمان استمرار المنافسة / العداء بينهم (كما هو الحال مع تركيا. وإيران وإسرائيل) بهدف تحقيق أكبر مصالح ممكنة لروسيا.

من جانب آخر نجد الصين، والتى أرى أنها تتبع سياسة مختلفة تجاه تهديدات شركائها. حيث تفضل بكين احتواء تهديدات شركائها دون التصدي لهم بالقوة، بل تحاول تفضيل المصالحة بين المتنافسين والأعداء من شركائها ومع تهديداتهم. وقد يتم ذلك في هذه الأزمة من خلال تدخل صيني لتحسين العلاقات بين الإمارات وإيران والإمارات والحوثيين والإمارات وقطر، وقد تعمل الصين على الخروج بمبادرة كبرى في إطار الحوار المشترك والتعايش السلمي لحل الأزمة اليمنية، وذلك من خلال دعم دمج القوى المتحاربة داخل اليمن، ودمج فئات المجتمع بها، وتدريب وتأهيل كوادرها على مختلف المستويات مما يدعم إحلال السلام.

خامساًوماذا بعد من جانب الإمارات؟

  • على الصعيد السياسي والدبلوماسي:

إذا اتفقنا على أن الإمارات ستستمر في التدخل في الموقف اليمني عسكرياً بدعم وكلائها، الأمر الذي يدفع الحوثيين للاستمرار في استهداف العمق الإماراتي بالصواريخ الباليستية والدرونز بجانب السعودية، مع تركيزهم على ترهيب الأجانب بالإمارات وحثهم على مغادرتها، وإذا اتفقنا أيضاً على أن الحوثيين يصعب عليهم استهداف عمق أكثر من دولتين، فما الهدف الذي تسعى إليه الإمارات بناءً على ذلك؟

أزعم أن هدف الإمارات الحالي مرحلياً هو وقف استهداف عمقها بأي شكل. ولتحقيق هذا الهدف قد تسعى الإمارات بالتعاون مع السعودية في حث عدد أكبر من الدول للتدخل ضد الحوثيين بدعم الأطراف المضادة لها بشتى الطرق، سواء عسكرياً أو اقتصادياً أو دبلوماسياً من خلال المجتمع الدولي والمنظمات الدولية، والعمل على درج الحوثيين ضمن قوائم الإرهاب الدولي وبما يشدد عليهم الحظر والعقوبات. وفي هذه الحالة ستشتت جهود الحوثيين أمام الضغوط السياسية والاقتصادية وزيادة التدخل العسكري للدول بمختلف أشكاله، ولن يستطيع الحوثيين الاستمرار في الرد في عمق دول أكثر وربما ستكتفي بالقتال في الداخل أو تجبر على قبول القرارات الدولية. وقد تتنوع المشاركة العسكرية سواء بواسطة مستشارين ومدربين عسكريين أو نشر قوات عربية وإسلامية في الخليج لتضييق الخناق على الحوثيين، أو المشاركة الفعلية بقوات أكبر في اليمن برعاية عربية إسلامية خليجية.

مع الوضع في الاعتبار أن قيام الولايات المتحدة والأمم المتحدة بدرج الحوثيين ضمن قوائم المنظمات الإرهابية، سيحرم الأطراف من أي فرص للتفاوض مع الحوثيين وكأن الميع يضربهم وظهرهم للحائط، وكذا سيصعب عمليات الإمداد بالمساعدات الإنسانية في اليمن.

  • على الصعيد العسكري:

ويمكن أن تتجة الإمارات إلى بدائل دولية لإستيراد منظومات متنوعة تمكنها من إجهاض أي هجمات مماثلة، إذ أن الإمارات لديها إمكانيات جيدة لصد الصواريخ الحوثية، وتمتلك منظومات إنذار مبكر متعددة تستطيع من خلالها إكتشاف أي تهديدات من مديات بعيدة، ولكنها قد تعزز قدرتها للتعامل مع الطائرات بدون طيار التي تطير على إرتفاعات منخفضة/ منخفضة جداً، وذلك من خلال وسائل نيرانية أو إلكترونية، على النحو التالي:

  • الوسائل النيرانية:

بالرغم من إمتلاك الإمارات لعدد كبير من منظومات الباتريوت الأمريكية نسبة لحجم الدولة، إلا أن تلك المنظومات يعيبها عدم القدرة على التعامل مع أهداف على إرتفاع منخفض / منخفض جداً، حتى مع وجود مزنظومات البانستر الروسية قصيرة المدى، إلا أن أعدادها لا تكفي جغرافياً الإنتشار الواسع للأهدف الحيوية بالإمارات، لذا من المتوقع أن تتجة الإمارات إلى بدائل أوروبية مثل منظومات ASTER أو بدائل إسرائيلية مثل منظومات Spyder أو منظومات روسية مثل Tor M2 الروسية أو منظومة القبة الحديدية الإسرائيلية، وجميع تلك المنظومات قادرة على التعامل مع أهداف تطير على إرتفاعات شديدة الإنخفاض، إلى جانب عدم إحتياجها لبنية تحتية للربط مع شبكة الدفاع الجوي الإمارتي، وتميزها جميعاً بسهولة الإنتقال من موقع إلى آخر في أزمنة قليلة جداً.

الوسائل الإلكترونية:

وهي منظومات إعاقة إلكترونية تعمل بشكل رئيسي على إبطال مفعول أي طائرات بدون طيار العاملة بأحد النمطين، الأول هو من خلال قطع إتصال الطائرة بدون طيار مع شبكة الأقمار الصناعية GPS والتي تستعين بها تلك الطائرات لإتمام خط سيرها نحو الهدف إن كانت مبرمجة وليست مسيطر عليها من محطة أرضية طوال خط سيرها، الثاني وهو قطع إشارة التوجية المستمرة ما بين الطائرة ومحطة التوجية الأرضية التي تتحكم في الطائرة طوال خط سيرها. وتعد روسيا والصين أهم مصدري تلك النوعية من المنظومات وأكثرها قوة.

لواء دكتور د. سَــــيْد غُنــــيْم
زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا
رئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع – أستاذ زائر بالناتو

المصادر:

 الإمارات تعلن إسقاط صاروخ باليستي في ثالث هجوم للحوثيين والحركة تتوعد بمزيد من الهجمات – BBC  عربية – 31/1/2022 – https://bbc.in/3Lm9TUv .

 Patriot – CSIS – 30/1/2021 – https://bit.ly/3J9dtiY .

 THAAD – CISI  – 30/1/2021 – https://bit.ly/3rzqD2V .

 قاعدة بيانات SIPRI المفتوحة.

 Open – Source analysis of Iran’s missile and UAV capabilities and proliferation – IISS – 20\4\2021 – https://bit.ly/3uy9TLf .

شارك

administrator