خلال العام والنصف الماضي، شهد نشاط القوات الجوية الإسرائيلية بشكل خاص، والجيش الإسرائيلية بشكل عام، حجم غير مسبوق سواء في طول المدة الزمنية أو الكم في تنفيذ مهام عمليات بمختلف أنواعها، استطلاع – تأمين – قصف.
وذلك من خلال استغلالها لحالة المواجهة المتعددة التي فُتحت مع إيران وكافة أذرعها في المنطقة، والتي بدأت بما حدث في 7 أكتوبر 2023. مما أسفر في ختام 22 شهر من القتال المستمر، إلى تدمير القدرات العسكرية لكل الفصائل المسلحة في جوارها اللصيق (المقاومة الفلسطينية – حزب الله) وأعادهم تقريبًا ربع قرن للخلف. كما تم تدمير كامل لبقايا الجيش السوري وأعاده إلى قدرات ما بعد الاستقلال. مع تدمير جزء كبير من القدرات الهجومية الإيرانية (الصواريخ الباليستية)، حيث تشير بعض التقديرات إلى خسارة النصف منها على الأقل، وتدمير كلي للقدرات الدفاعية لإيران على كامل أراضيها عدا الجنوب والجنوب الشرقي.
- ما هي أسباب قدرة إسرائيل على تحقيق ذلك؟
كافة هذه الإنجازات العسكرية الإسرائيلية التي تشبه حالة ختام حرب يونيو 1967، كانت حصاد لعمل دؤوب ومستمر للعقود الخمس الماضية. على مسارات متوازية ومكمل كل منها لبعضه البعض، وتبني كل منها على نتاج الأخرى متمثلة في الآتي:
– نظام سياسي له القدرة على تقويم ومحاسبة مسئولية إبتداءً من رئيس الدولة إلى أصغر مسئول.
– مجتمع مدني حي، يتفاعل بحيوية وقادر على التعايش في ظل الإختلافات الفكرية والدينية والقومية داخلة.
– بحث علمي متفاعل مع نظرائه الدوليين، وناتج عن تعليم محلي حديث ومواكب للعصر.
– قاعدة صناعات دفاعية غاية في التطور، ذات رؤية واضحة، وأهداف محددة، تعمل على تحييد التهديدات، وتغتم إقتناص الفرص. وذلك من خلال الربط بين شراكاتها الدولية وقاعدتها العلمية الوطنية، في سبيل التلبية الحقيقية للإحتياجات التسليحية النوعية للجيش الإسرائيلي.
العناصر الأربعة السابقة – من وجهة نظري – هي التي أفرزت النتائج الحالية التي حصدتها إسرائيل، إذ دمرت من خلالها قدرات أعدائها، وردعت من بعدها خصومها المحتملين.
- كيف حققت القوات الجوية الإسرائيلية هذا؟
على الرغم من حالة الإندهاش/ الصدمة التي إنتابت شعوب الشرق الأوسط من نجاح إسرائيل في ضرب عمق إيران في 13 يونيو 2025، إلا أن من تابع جيدًا ما حدث في أكتوبر 2024 من تنفيذ القوات الجوية الإسرائيلية لضربة جوية مركزة في عمق إيران، شملت تدمير أفضل وسائل الدفاع الجوي الإيراني (S-300)، وبعض المواقع الأخرى، دون أن يعرف الجيش الإيراني ماذا وكيف ومن أين حدث هذا. كان نتيجة طبيعية ولكنها كانت مؤجلة حتى تحين الظروف السياسية المُهيئة لذلك.
ولتوضيح فكرة عمل ومكونات أى وحدة دفاع جوي رادارية في العالم، فهي كالآتي:
– رادار إنذار مبكر: ومهمته هي إكتشاف أى أهداف جوية من مسافات لا تقل عن ثلاث أضعاف المدى المؤثر لنوعية الصواريخ المزودة بها وحدة الدفاع الجوي، وذلك من خلال مدى وإرتفاع أقصى لزاوية كشف هوائي الرادار.
– رادار الإضاءة: وهو المسئول عن تَسَلُم الأهداف التي إكتشفها رادار الإنذار المبكر، وتحديد أى منها سيتم تتبعة والقبض عليه راداريًا لتطلق عليه الصواريخ، وذلك أيضًا في نطاق مدى وإرتفاع أقصى زاوية لكشف هوائي الرادار. (بعض أنواع الدفاع الجوي الحديثة تدمج الرادارين في رادار واحد).
– قواذف الصواريخ: وهي إما صواريخ مكشوفة مُحملة على قواذف، أو داخل خلايا إطلاق مغلقة.
وهنا نقطة فنية يجب توضيحها لمعرفة كيف استغلتها إسرائيل في أسلحتها الثورية. بأى وحدة دفاع جوي في العالم، هناك ما يسمى المنطقة الميتة، وتكون في محورين:
– منطقة محيطة بمركز كتيبة الصواريخ ذاتها، وتختلف هذه المنطقة من نوع كتيبة لأخرى، إذ كانت بالنسبة للصواريخ سام – 2 على سبيل المثال 5 كم من مركز الكتيبة، ولا تستطيع الإشتباك مع أى أهداف جوية تدخل فيها.
– الإرتفاع الأدني والأعلى للقدرة على تدمير الأهداف، فهناك مسافة بالقرب من سطح الأرض لا تستطيع أجهزة الرادار تمييز إنعكاس الهدف الجوي عن إنعكاس التضاريس الأرضية، وتتراوح ما بين 10 : 50 متر. كما أن هناك أقصى إرتفاع يمكن الإشتباك معه، نتيجة لقدرة الصاروخ على التسلق، والتي تصل تقريبًا إلى إرتفاع 20 كم.
ومع تخيل المنطقة الميتة، سنجد أنها عبارة عن أمرين، مخروط من مركز كتيبة الصواريخ ويتسع رأسيًا، وشريحة ملاصقة للأرض تزداد كلما إبتعدنا عن مركز الكتيبة.
ومن كل عوامل التفوق الجوي الإسرائيلي المتعددة، النوعية والكمية، إلا أن هناك بندين حيويين في تقديري يضعونها في موقف يكاد يكون قاتل لكافة خصومها، وهما:
– أجهزة الحرب الإلكترونية المحمولة جوًا، سواء على طائرات متخصصة (النحشون)، أو مُحمله على مقاتلات F-15 مثل ELL-8222SB، أو مُدمجة داخل مقاتلات F-16I & F-15I.
– أسلحة ثورية مضادة للدفاع الجوي وهي Air Lora للأهداف المحصنة، وRAMPAGE للأهداف غير المحصنة.
البند الأخير على وجه التحديد هو العنصر القاتل، إذ بُنيت فكرة هذه الأسلحة (وهي في الأصل صواريخ أرض – أرض) لتحميلها على مقاتلات، وإطلاقها من على إرتفاعات عالية، لتتخذ بعد إنطلاقها مسارات بزوايا أكثر إرتفاعًا لتتلافى مدى وإرتفاع منطقة تدمير صواريخ الدفاع الجوي، ومن ثم تدخل من أعلى مخروط المنطقة الميتة لكتيبة الصواريخ، وتتجة مباشرة إلى الرادار دون أى قدرة على التعامل معه.

- هل توجد وسيلة تجابه هذا التفوق النوعي للقوات الجوية الإسرائيلة؟
بالطبع، إذ بُنيت فكرة الأسلحة الإسرائيلية (Air Lora – RAMPAGE) على تدمير الهدف دون تدخل أى عوامل أخرى دفاعية، سواء وحدات دفاع جوي اخرى تدافع عن الكتيبة التي تستهدف، أو مقاتلات إعتراضية صديقة تعمل على منع المقاتلات الإسرائيلية من إطلاق صواريخها.
وبحسب المواصفات المتداولة لصاروخ RAMPAGE، والتي يتوقع أن لا يختلف عنها كثيرًا AIR LORA، هي:
– التوجية: GPS/INS مع قدرة على مقاومة الإعاقة.
– إرتفاع الإطلاق: من 3000 إلى 40000 قدم.
– زاوية الإطلاق: 35 درجة.
– سرعة الإطلاق: 0.7 : 0.95 ماخ.
– معامل الخطأ: 10 متر.
– سرعة الإصطدام: 350 : 550 متر/ ثانية، حد أقصى 1.6 ماخ.
– زاوية الهجوم: 90 درجة.
تعتبر هذه المواصفات غير عصية على قدرات وحدات الدفاع الجوي المتوسطة وبعيدة المدى المتوفرة في السوق الدولي حاليًا، ولكنها لا تستطيع منفردة التصدي لهذه الصواريخ، نتيجة لاستغلال المنطقة الميتة لها.
لذلك؛ فإن مجابة هذه الأسلحة الثورية ممكنه من خلال أحد أو كل التكتيكات الآتية:
أولاً: منع الإطلاق: وذلك من خلال إحتلال مظلات جوية للحد الأقصى لخط إطلاق المقاتلات الإسرائيلية لتلك الصواريخ، وكلما كانت هناك إمكانية لإبعاد ذلك الخط أكثر، كانت فرص منع الإطلاق من الأساس أفضل.
ثانيًا: تكثيف تقاطعات النيران: وذلك من خلال إعادة تشكيل تجمعات وحدات الدفاع الجوي بما يتناسب مع التهديد الجديد. إذ لن يكفي مثلاً أن تكون لكل كتيبة صواريخ ثلاث كتائب أخرى متقاطعة معها في مناطق التدمير لتحمي كل منهم بعضهم البعض، بل يجب أن يوضع في الحسبان أن سرعات وزوايا إقتراب الأهداف ستصبح أصعب واسرع، ما يجب معه إعادة تخطيط شكل تجميع الدفاع الجوي ليكون أكثر عددًا. إذ أصبح بإمكان مقاتلة F-16 إسرائيلية واحدة تدمير 2 كتيبة دفاع جوي في طلعة واحدة، وحال عدم حاجة تلك المقاتلات لخزانات وقود إضافية، سيكون كل منها القدرة على تدمير 4 كتائب دفاع جوي.
ثالثًا: التحرك المستمر: نظرًا لأن التوجية الحالي لتلك الصواريخ هو على إحداثيات وليس على صور أو تتبع الشعاع الراداري لوحدات الدفاع الجوي، فعملية التحرك الدوري والمستمر لتلك الوحدات وعدم ثباتها، هو عامل نجاتها الأول من هذه الصواريخ. لذا يجب تخطيط أزمنة ومناطق الإنتقال التبادلية لكتائب الدفاع الجوي، وذلك إرتباطًا بنشاط المقاتلات الإسرائيلية، لعدم إتاحة الفرصة لها لتنفيذ ضربة جوية على تجمعات الدفاع الجوي المعروفة مسبقًا.
أحمد عادل عبدالعال
باحث دكتوراة في العلوم الاستراتيجية