الجزء الأول: 22 فبراير 2024
مع مرور عامين على الحرب والبدء في العام الثالث من الحرب الروسية الأوكرانية ساتعرض لتلخيص أهم الأسئلة التي تطرح نفسها على ثلاث ورقات متتالية
الورقة الأولى: “المرحلة التحضيرية وسيناريو الحرب”
المحور الأول: هل كان في الإمكان للحرب الروسية الأوكرانية ألا تنطلق؟
المحور الثاني: “كيف أعدت موسكو سيناريو الحرب وهل نجحت في تنفيذه؟”
المحور الثالث: لماذا تحولت الحرب إلى الجنوب؟
المحور الثالث: “أوكرانيا.. مختبراً لتجريب الأسلحة”
رأي معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع:
المحور الأول: هل كان في الإمكان للحرب الروسية الأوكرانية ألا تنطلق؟
الإجابة قولا واحدا هي “لا”. فلقد اتخذ قرار الحرب تراكميا اعتباراً من العام 2014، وذلك مع انطلاق ثورة الميدان الأوروبي في أوكرانيا في فبراير 2014 واسقاط النظام الحاكم الموالي لروسيا وإحلاله بنظام يسعى لتطبيق القيم الأوروبية ينادي بالانضمام للناتو والإتحاد الأوروبي. الأمر الذي بدء بقيام بوتين بضم شبه جزيرة القم واعتبارها الجمهورية ال22 في روسيا الاتحادية، عازما على ضم جمهوريات جديدة بالقوة اهمها دونيتسك ولوجانسك، واتمها بخيرسون وزابورودچيا، وكان عازما أيضا على ضم وخاركيڤ واوديسا وأهمها على الإطلاق العاصمة الأوكرانية كييڤ.
المحور الثاني: كيف أعدت موسكو سيناريو الحرب وهل نجحت في تنفيذه؟
عام: بدأ الصراع بحشد عسكري كبير في مارس-أبريل 2021، ثم من أكتوبر 2021 حتى فبراير 2022. خلال الحشد العسكري الثاني أصدرت روسيا مطالب للولايات المتحدة والناتو لما وصفته «بالضمانات الأمنيّة» بما في ذلك تعهد ملزِمٌ قانونًا بعدم انضمامِ أوكرانيا إلى منظمة حلف شمال الأطلسي وكذا خفض قوات الناتو والعتاد العسكري المتمركز في أوروبا الشرقية، وهدَّدت بِرد عسكري «غير محدد» إذا لم تلب هذه المطالب بالكامل.
الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير 2022: بدأت الحملة بعد حشدٍ عسكري طويل، والاعتراف الروسي بجمهورية دونيتسك الشعبية المعلَنة من جانب واحد وجمهورية لوهانسك الشعبية، أعقبها دخول القوات المسلحة الروسية إلى منطقة دونباس في شرق أوكرانيا في 21 فبراير 2022.
في 24 فبراير، وبعد خطابٍ أعلن فيه بوتين عن عملية عسكرية بهدف «تجريد أوكرانيا من السلاح واجتثاث النازية منها»، بدأ القصف على مواقع في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك مناطق في العاصمة كييف وماريوبول وأوديسا وخاركيڤ.
التوضيح التفصيلي:
المرحلة التحضيرية:
المرتكزات:
ارتكز طرفي الصراع (روسيا وأوكرانيا) على محاور سياسية واقتصادية وأمنية ومعنوية وعسكرية لإدارة الحرب.
إرتكازات روسيا:
– سياسياً: على عضويتها الدائمة فى مجلس الامن وامتلاكها لحق النقض وعلاقتها مع (الصين و إيران و كوريا الشمالية).
– اقتصادياً: على عائدات الغاز لتصدى للعقوبات الاقتصادية.
– أمنياً: على سيطرتها على 40% من حجم الغاز التى تستهلكه اوروبا و تصدير الحرب على الحدود الاوروبية والمراهنة على ضعف الناتو.
– معنوياً: على الألة الاعلامية الروسية والعمليات النفسية.
– عسكرياً: على القدرات العسكرية الروسية الكبيرة وتواجد قوات روسية داخل اوكرانيا.
إرتكازات أوكرانيا:
– سياسياً: على موقفها فى الامم المتحدة ودعم (الولايات المتحدة والحلفاء الاوروبيين).
– أمنيا: على استغلال تخوف اوروبا من التوسع الروسي وتدفق الدعم العسكري الغربي وامتلاكها جزء كبير من الحبوب المصدرة دولياً.
– معنوياً: على الإرادة الاوكرانية والاعلام الدولي.
– عسكرياً: على استغلال القدرات العسكرية الامريكية والقدرات الاستخبارية والسيبرانية وخبرة القوات الاوكرانية وسرع استيعابهم للأسلحة الحديثة.
مراحل الحرب:
المرحلة الأولى: الحرب الخاطفة (من 24 فبراير إلى 6 ابريل 2022)
شن حرب خاطفة استناداً على ارتكازات القوة والقدرات الروسية، وبما يحقق نصر سريع وحاسم على القوات الأوكرانية، ويحرم قواتها من ميزة القتال التقليدي.
– الإجراءات:
حاولت روسيا محاكاة سيناريو الغزو الامريكي للعراق 2003 عن طريق السيطرة على العاصمة بغداد وإسقاط نظام الحكم المركزى وتثبيت حكومة موالية لروسيا فى كييف، وقد شنت روسيا هجوماً فى اتجاه الولايات (خاركيف ولوهانسك ودونتسيك وزابارودجيا وخيرسون) والمدن (كييف وتشيرنيهيف وسومى) وقد اتسمت هذه المرحلة بالحسابات الروسية الخاطئة وتشتيت جهودها وضعف القيادة والسيطرة وسوء خطط الامداد
المرحلة الثانية: الانسحاب الأول و التركيز على دونباس (من 7 أبريل الى نهاية اغسطس 2022)
التركيز على إقليم دونباس لتحقيق نصر سريع وحاسم بالانسحاب من محيط كييف
الإجراءات:
القوات الروسية:
تميزت هذه المرحلة بالاستخدام الجيد للعوامل الحيوية للحرب بواسطة القوات الروسية، خاصة التخطيط وأسلوب القتال و الارض والقوات والوقت مع تميز القوات الاوكرانية فى عنصرى المعلومات والنيران فقط، مع استخدام التكتيكات الروسية مستفيدة من التفوق المدفعى لصالح روسيا الذى وصل فى تلك المرحلة (1:10) لصالح روسيا.
بدأت روسيا قتالها ب(93) مجموعة قتال تكتيكية مدعمة بكتيبة مشاه مدعمة بقوة من 800 الى 1000 مقاتل مقابل (81) مجموعة قتال اوكرانية وفى المرحلة الثانية وصل حجم مجموعات القتال الروسية (108) مقابل (60) أوكرانية نظراً لنجاح روسيا بأستعواض حجم كبير من الخسائر دون استعواض أوكراينا لخسائرها.
وقد ادى التخطيط الجيد الروسي الى الاستيلاء المتتالى على المدن الاوكرانية شرقاً فى الدونباس مما اجبر القوات الاوكرانية على الارتداد غير المنظم، الا ان استماتة القوات الاوكرانية فى الدفاع على الخطوط التالية ابطئ من معدلات التقدم الروسي وعدم وصولها للعمق التعبوى.
وفى 5و6 مايو 2022 نجحت القوات الروسية فى اختراق مدينة بوباسنا والانتشار غرباً وجنوباً لمديات تؤمن هجوم القوات بما يسمى (مناورة الزهرة).
واعتبارا من 24مايو2022 قامت روسيا بتهيئة ميدان قتال مساحته (40×40) كم بهدف عمل مصيدة للقوات الأوكرانية. وفى 29 مايو2022 نجحت القوات الروسية فى توسيع الاختراق فى بوباسنا والانتشار شمالاً مع قطع طريق الموصلات الذي تستخدمه القوات الاوكرانية بلوهانسك فى اتجاه سيفرودونيتسك وفى 19 يوينو قلصت القوات الروسية ميدان القتال ليكون فى مدينة (زلوتى) وشمال شرقها بما يمهد بهجوم رئيسى شمالاً فى اتجاه ليسيشيانيسك.
وفى 3 يوليو اغلقت القوات الروسية ميدان القتال السابق ولكن واجهت القوات الروسية كبر مساحة ميدان القتال المتبقة من دونباس (70×70) كم ونجحت روسيا فى تحقيق ثلت اهدافها فقط فى الدونباس.
القوات الأوكرانية:
استغلت اوكرانيا عنصري المعلومات والنيران حيث قامت القوات الاوكرانية فى 14ابريل 2022 بإغراق الطراد الروسي (موسكوفا) وتوسعت القوات الاوكرانية فى استخدام الطائرات دون طيار حيث مكنت الطائرات دون طيار القوات الاوكرانية من توفير قدرات استطلاع ورصد وتقييم اثار بعد الضربة وتصحيح نيران المدفعية بشكل مبهر مما منح القوات الاوكرانية وعياً مكانياً وعملياتياً كاملاً بساحة القتال بدون الاعتماد الكلى على لمعلومات والصور القادمة من الناتو، بالإضافة الى الدور الهام الذى لعبته شركة ستار لينك فى توفير الية اتصال عالية الكفاءة والمناعة ضد التشويش والتصنت مما حافظ على تماسك خطوط القيادة الاوكرانية وتأمين التواصل بين القوات الاوكرانية مما دفع الروس فى الانسحاب من جزيرة “زمينى” بالبحر الاسود او كما تعرف ب(جزيرة الثعبان).
المحور الثالث: لماذا تحولت الحرب إلى الجنوب؟
عام:
تحول البحر الأسود إلى ساحة حرب فعليا عندما اتهمت روسيا كييف في يوليو 2022 بانتهاك مياهها الإقليمية، وشنت سلسلة من الضربات الجوية على موانيها، أوديسا وماريوبول وبيرديانسك، ودمرت محطات للحبوب، فضلا عن مرافق التخزين التي تعتبر حيوية لاقتصاد أوكرانيا والأمن الغذائي العالمي. ومن المعروف أن أوكرانيا واحدة من أكبر مصدري الحبوب في العالم، والبحر الأسود هو طريقها الرئيسي إلى السوق العالمية.
وعلى الرغم من اعتراضات الدول الكبرى، لكن الصراع تصاعد في أغسطس 2023، عندما وجهت روسيا طلقات تحذيرية، وصعدت على متن سفينة شحن تركية كانت تنقل الحبوب من أوكرانيا إلى مصر، وادعت أنها انتهكت إعلان منطقة الحرب، واتهمتها بتهريب الأسلحة. ودانت تركيا، العضو في حلف الناتو، تحرك روسيا وطالبت بالإفراج عن السفينة وطاقمها، ودعت إلى اجتماع طارئ لمجلس الأمن.
كما أثر الصراع العسكري في البحر الأسود على دول أخرى في المنطقة، مثل جورجيا ومولدوفا وبلغاريا ورومانيا، التي تعتمد عليه في التجارة والأمن. وكإجراء وقائي نشر الناتو المزيد من القوات والمعدات في المنطقة لردع وتقييد محاولات عسكرة روسيا للبحر الأسود.
عرض على الخريطة التفاعلية (شاشة باللمس): منطقة بحر آزوف، مدن أوديسا وماريوبول وبيرديانسك.
توضيح تفصيلي:
في سبتمبر 2022، نفذت القوات الأوكرانية هجومًا مضادًا في منطقة خاركيف، ونتيجة لذلك تم استعادة جميع مناطق منطقة خاركيف تقريبًا.
كما ساهم في هذا أعمال قتال القوات الأوكرانية التالية في منطقة خاركيف:
– إغلاق طرق الدعم اللوجستي الرئيسية للقوات الروسية في الجزء الشمالي من منطقة دونيتسك ومناطق ليسيتشانسك وسيفيرودونيتسك (منطقة لوهانسك) من أراضي منطقة بيلغورود في روسيا الاتحادية.
– ضعف ضغط القوات الروسية في اتجاه مدينة سلوفيانسك وبالتالي قلل من قدرتة على تطويق القوات الأوكرانية في منطقة دونيتسك.
ومن أسباب نجاح الهجوم المضاد للقوات الأوكرانية في الجزء الشرقي من منطقة خاركيف بما يلي:
– التقييمات الخاطئة من قبل القوات الروسية لأوضاع القوات الأوكرانية.
– ترجيح إنخفاض الكفاءة القتالية للقوات الروسية.
– إنخفاض معنويات القوات الروسية مقارنة بالقوات الأوكرانية.
– الدعم المستمر لأوكرانيا من قبل الدول الشريكة.
في الوقت نفسه، لم تتخل القوات الروسية عن خطط الهجوم في الجزء الجنوبي الغربي من أوكرانيا، حيث كان من المهم لها الحفاظ على سيطرتهم على رأس كوبري الذي تم الاستيلاء عليه على الضفة الغربية لنهر دنيبرو.
وقد تم تنفيذ هذه المهام بما في ذلك على حساب منطقة خاركيف، ووصفت بأنها تكرار للخطأ الذي ارتكبته القيوادة العسكرية الروسية في بداية الحرب، وهو تشتيت القوات في عدة اتجاهات.
المرحلة الثالثة: التحول الاستراتيجي، والإنسحابين الثانى والثالث (من سبتمبر 2022 الى 9اكتوبر 2022)
تحولت القوات الروسية للدفاع وإعلان التعبئة وضم اراضى اوكرانية جديدة لاستعادة المبادأة.
– الإجراءات:
o أوكرانيا
شنت القوات الاوكرانية هجمات مضادة فى خيرسون لخداع وتشتيت جهود القوات الروسية مما جذب القوات الروسية بالمحورين التعبويين الشمالى والاوسطى الى المحور الجنوبى (بأوامر من الرئيس الروسي بوتين) لإنقاذ خيرسون، فركزت القوات الاوكرانية شمالاً لاستعادة كبلاكيا وإيزيوم وقرى صغيرة بإجمالى (6000) كم خلال اربعة ايام فقط بعد انسحاب القوات الروسية منها.
القوات الروسية:
أعلن الرئيس الروسي بوتين التعبئة الجزئية وضم ولايات (لوهانسك ودونيتسك وزابارودجيا وخيرسون) الاوكرانية لروسيا، ليواجه إدانة دولية فى الامم المتحدة تلاه انسحاب روسي غير منظم من ليمان عقدة الموصلات الاستراتيجية لروسيا ومن خيرسون مما اجبر القوات الروسية على الانسحاب من لوهانسك وإنشاء خط دفاعى جديد على طول نهر أوسيكل مع الاسمرار فى استهداف باخموت وانهت اوكرانيا هذه المرحلة بتفجير جسر كيرتش الواصل بين غرب روسيا وشبه جزيرة القرم.
المحور الرابع: أوكرانيا.. مختبراً لتجريب الأسلحة
القوات الروسية:
– الاسلحة المستخدمة فى المرحلة الاولى:
دبابات T-90 ومدفعية ذاتية الحركة MSTA-B من عيار 152ملم وصواريخ Iskander وصواريخ كروز KH-101 والقاذفات الثقيلة من طراز TU-160 ومقاتلات من طرازSU-30) و MIG-29 و SU- 25
– الاسلحة المستخدمة فى المرحلة الثانية
دبابات T-90 و T-72 و T-64و مدفعية ذاتية الحركة MSTA-B ومدفعية صاروخية من طراز GRAD والمدفعية الصاروخية من طراز TORNADO
القوات الأوكرانية:
– الأسلحة المستخدمة فى المرحلة الثانية:
تلقت القوات الاوكرانية اسلحة للصد والرد مثل المدفع الامريكى (M-109) والمدفع الالمانى (PHZ-2000) والمدفع الفرنسى (CAESAR) وصواريخ بحرية من طراز Neptune
– الأسلحة المستخدمة فى المرحلة الثالثة
المدفعية الصاروخية الامريكية ((MLRS و HIMARS صواريخ HARM المضادة للردارات مقاتلات من طراز MIG-29 مقاتلات قاذفة من طراز SU-24 و SU-25
إعداد معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع:
– القسم الأمني والعسكري.
– مجموعة خبراء الشأن الأوروبي.
دكتور سَــــيْد غُنــــيْم
زميل الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية
رئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع
والأستاذ الزائر بالناتو والأكاديمية العسكرية الملكية ببروكسل