نشرت الشرق للأخبار بدبي على بوابتها الإلكترونية تقريراً صحفياً لدراسة حصرية أصدرها معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع بعنوان: “الرهان الأخير.. سيناريو الاجتياح الإسرائيلي لقطاع غزة”
موضحة أن العمليات البرية في مساحة ضيقة مكتظة بالسكان يمكن أن تشكل “تهديداً حقيقياً” للقوات النظامية.

الرابط الإلكتروني

التقرير:
العمليات البرية في مساحة ضيقة مكتظة بالسكان يمكن أن تشكل “تهديداً حقيقياً” للقوات النظامية
جاءت الهجمات المباغتة التي نفذها مقاتلون فلسطينيون من حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، لتصيب منظومة الدفاع الإسرائيلية في مقتل، إذ وصل مئات المقاتلين الفلسطينيين خلال ساعات إلى عمق البلدات والقواعد العسكرية الإسرائيلية في محيط قطاع غزة، بأعماقٍ مختلفة، تراوحت ما بين 2 كيلومتر إلى نحو 18 كيلومتراً في الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل منذ قيامها في 1948.

ومع اشتباكات دامية في أكثر من 20 موقعاً حول القطاع، نجح المقاتلون الفلسطينيون في الاستيلاء على مواقع عسكرية مهمة داخل وخارج البلدات الإسرائيلية، وكذلك أسر أكثر من 100 إسرائيلي، بينهم ضباط كبار في قوات الجيش، فضلاً عن قصف أماكن رئيسية في إسرائيل بضربات صاروخية متتالية.

ومع اقتراب اليوم الثالث للعمليات، كانت إسرائيل قد حشدت نحو 300 ألف من جنود الاحتياط، وتدفقت عشرات القوافل التي تنقل آليات عسكرية إلى محيط قطاع غزة، فيما كان الطيران الإسرائيلي يشن موجات قصفٍ غير مسبوقة ومتصاعدة على القطاع، مع تهديد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعواقب “سوف تظل ذكراها حاضرة لأجيالٍ”.

وبينما يعتبر خيار الاجتياح البري لقطاع غزة، هو الخيار الأكثر خطورة ودموية وتعقيداً، إلا أن الحشد العسكري الإسرائيلي حول القطاع، ينبئ بأن خيار الاجتياح البري قد انتقل من خانة “الخيارات المؤلمة غير المرجحة”، إلى الخيار العسكري المحتمل تنفيذه.

فكيف يمكن أن ينطلق “الخيار المر” للمعركة البرية المحتملة، وما هي طبيعة القوات المتوقع مشاركتها وأحجامها؟ وأين المسارات المرجحة لعملية الاجتياح، وما هي نقاط القوة والضعف للقوات الإسرائيلية ومنظومة الدفاع الإسرائيلي؟

إسرائيل.. القوة في مكمن الضعف

تمتلك إسرائيل واحداً من أقوى 20 جيشاً على مستوى العالم، فهو يحتل المركز الثامن عشر على قائمة “جلوبال فاير باور”، رغم أن تلك القائمة لا تحتسب القوة النووية، وهي القوة التي ترفض إسرائيل الإفصاح عن وجودها من عدمه، فيما تقدر مراكز أبحاث متخصصة، أن تل أبيب تملك ما قد يتجاوز 90 رأساً نووياً.

بالإضافة لذلك، تمتلك وتُصنع إسرائيل، طيفاً واسعاً من معداتها العسكرية، مثل دبابات القتال “ميركافا” التي تعتبر درة التاج بالنسبة للقوات البرية الإسرائيلية، خاصة مع تحديثها إلى فئة “ميركافا -4″، المزودة بنظم حماية مثل نظام “تروفي” المضاد للمقذوفات المضادة للدبابات.

وبخلاف ذلك، تملك إسرائيل واحداً من أكثر أسلحة الجو قوة وحداثة في المنطقة والعالم، إذ أصبحت أول دولة خارج الولايات المتحدة تشغل مقاتلة الجيل الخامس الشبحية “F-35” مع تطوير معدات خاصة للاستشعار وقدرات ربما لا تكون متوفرة في النسخ الأخرى التي تبيعها الولايات المتحدة لدول حليفة لواشنطن.

وفي الميدان، تتمتع إسرائيل، بنظام قوي لتجنيد الاحتياط، فكل الإسرائيليين مطلوبون لأداء الخدمة العسكرية من سن 18 وحتى 45 عاماً، وفيما يتكون الجيش الرئيسي من نحو 180 ألف جندي وضابط، إلا أن نظام استدعاء الاحتياط في إسرائيل يعد من الأكثر تطوراً في العالم، إذ تحتاج إسرائيل إلى 48 ساعة في المتوسط لحشد أكثر من 300 ألف جندي، بما يعني رفع القوة العسكرية على الأرض أضعافاً مضاعفة.

ورغم كل هذه التقنيات والقدرات العملياتية والاستراتيجية، يأتي مكمن ضعف المنظومة الأمنية الإسرائيلية، في عدة نقاط، أبرزها عدم القدرة على تحمل خسائر بشرية كبيرة، فضلاً عن كون استدعاء الاحتياط لفترات طويلة لجبهة القتال يضعف الاقتصاد الإسرائيلي بشدة، فضلاً عن ثغرة رئيسية تتمثل في عدم القدرة على تحقيق النصر حالة نجاح الخصم في امتلاك عنصر المفاجأة، والذي يضع المنظومة الإسرائيلية في موضع رد الفعل، ويفقدها التركيز ويجبرها على الاستمرار في ارتكاب الأخطاء.

بخلاف ذلك، أظهرت المعارك الأخيرة، ثغرة إضافية تتعلق بالمساحات الجغرافية، إذ أن الهجوم الذي شنه مقاتلون فلسطينيون، وصل عمقه إلى نحو 10 كيلومترات من الضفة الغربية المحتلة، وهو ما مثل خطورة شديدة على إسرائيل، إذ أن وجود اتصال بري بين الضفة والقطاع، يعني عزل وسط وجنوب إسرائيل عن باقي الأراضي، ويجبر القوات على العمل في ظروف صعبة للغاية، ويجرها لقتال دامٍ داخل المدن المكتظة، على الأراضي التي قامت عليها إسرائيل في 1948، وهو ما “يمثل تهديداً لوجود إسرائيل بالكامل في العقيدة العسكرية الإسرائيلية”.

تمثل خاصرة إسرائيل الرئيسية المعترف بها دولياً، وهي حدود 1967، منطقة ضيقة للغاية، إذ تصل في أقصى امتداد لها من القدس إلى الساحل إلى نحو 55 كيلومتراً، فيما تبعد عاصمتها السياسية تل أبيب عن منطقة تمثل مصدر تهديدٍ مثل قطاع غزة نحو 60 كيلومتراً فقط، فيما تبعد عن جنوب لبنان حيث ينشط حزب الله نحو 150 كيلومتراً.

حشود في الجنوب

تعتبر المنطقة الجنوبية في إسرائيل، المنطقة العسكرية الرئيسية المسؤولة عن تنفيذ أي عمليات اجتياح متوقع لقطاع غزة، ورصدت دراسة خاصة – حصلت عليها الشرق حصرياً – أجراها فريق معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع، أبرز التشكيلات العاملة في المنطقة الجنوبية.

واعتبرت الدراسة أن خيار الاجتياح البري لقطاع غزة يعد “آخر وأخطر رهان يمكن للجيش الإسرائيلي أن يتخذه”، مؤكدةً أن العمليات البرية في مساحة ضيقة من الأراضي المكتظة بالسكان، يمكن أن تشكل “تهديداً حقيقياً لأي قوات نظامية، وتوفر ميزة لأصحاب الأرض”، خاصة مع التجهيزات الدفاعية التي قد تكون الفصائل الفلسطينية أقامتها منذ فترة، استعداداً لمثل هذا السيناريو.

وتمثل الخسائر الكبيرة المتوقعة بين المدنيين من سكان القطاع، ثمناً سياسياً باهظاً، قد يمثل ضغطاً يتزايد مع استمرار العمليات التي من المتوقع، حسب طبيعة ميدان المعركة، أن تطول.

ولفتت الدراسة إلى أن “حرب المدن، خاصة التي تواجه قوات معادية من خارجها، تعتبر واحدة من أصعب وأعقد مسارح العمليات “، وأشار المعهد إلى “تجارب دامية مثل تلك التي شهدتها مدينة باخموت الأوكرانية”، وهي المعارك التي دامت لشهورٍ طويلة، رغم مغادرة أغلب سكانها قبل احتدام المعارك، على عكس الوضع في قطاع غزة الذي يسكنه أكثر من مليوني نسمة.

وتضم التشكيلات العسكرية الإسرائيلية في المنطقة الجنوبية، والتي يتوقع مشاركتها في الاجتياح البري لقطاع غزة:

لواء ناحال، وهو لواء النخبة في الجيش الإسرائيلي، الذي يجمع صفوة قوات المشاة الإسرائيلية، وتتمركز منطقة تدريبه في قاعدة تل عراد بالنقب. بالإضافة لذلك، يوجد لواء غيفعاتي، وهو لواء مشاة رئيسي في المنطقة الجنوبية، واللواء 215 وهو لواء مدفعية ميدان، ويتبع الفرقة 162 مدرع، التي تضم أيضاً اللواء 401 مدرع.

وتشمل القوات التابعة للمنطقة الجنوبية أيضاً، كتيبة 601 مهندسين عسكريين، فضلاً عن الكتيبة 33 كاركال، وكذلك الكتيبة الثانية مختلط، وسرية استطلاع تحمل رقم 401، فضلاً عن السرية رقم 298 من سلاح الإشارة.

وتعد هذه القوات هي القوة الاعتيادية التي تحشدها إسرائيل بشكل مستمر في المنطقة الجنوبية. لكن بعد تعبئة الاحتياط تضخمت أعداد القوات ونوعيتها في المنطقة الجنوبية، لتنضم الفرقة 252 مدرع ثقيل، التي تضم 3 ألوية مدرعة مع لواء مشاة ميكانيكي، ومدعومة بلواء من قوات المظلات، وفوج من مدفعية الميدان.

أيضاً انضم لتشكيل المنطقة الجنوبية، فرقتين مدرعتين، كل منهما بقوة 3 ألوية مدرعة وفوج من مدفعية الميدان لكل منهما.

بخلاف ذلك، حشدت إسرائيل الفرقة 611 مدرع التي تضم أيضاً ثلاثة ألوية مدرعة. وفي الجنوب تمركزت الفرقة 80 مشاة ميكانيكي، وهي الفرقة المكونة من لواءين مشاة ميكانيكي مع لواء مشاة وفوج مدفعية ميدان. فضلاً عن فرقة غزة، وهي فرقة مشاة خفيفة، تضم اثنين من ألوية المشاة مع كتيبة استطلاع.

بالإضافة لهذه القوات انضم إلى المنطقة الجنوبية لواء مشاة ميكانيكي مستقل.

التسليح والمعدات

تتسلح قوات المنطقة الجنوبية بشكل رئيس بحزمة واسعة من الأسلحة التي تشمل الدبابات والمدرعات والمدفعية والصواريخ المضادة للدبابات.

ومن أبرز الأسلحة، دبابات “ميركافا-4″، المزودة بنظام trophy للدفاع النشط والحماية من الصواريخ المضادة للدبابات، وهو نظام إسرائيلي تم تفعيله رسمياً في العمليات في 2011، رغم وجوده منذ 2009.

بخلاف “ميركافا”، وهي دبابة القتال الرئيسية للجيش الإسرائيلي، تحتشد أيضاً مدرعات NAMER، وهي مزودة بنسخة أخف من نظام تروفي لحمايتها، والمدرعة الإسرائيلية مبنية على هيكل دبابات ميركافا ودخلت الخدمة في 2008.

وتعتبر Namer، ناقلة جند قوية التدريع، وحلت بالتدريج محل المدرعة M113، التي تحتشد أيضاً في المنطقة الجنوبية لدعم القوات.

المدرعة Namer - AFP

وتشمل القوات المحتشدة أيضاً المدرعة Nagmachon (ناغماشون)، وهي واحدة من أكثر المدرعات الإسرائيلية تحصيناً، ويتجاوز وزنها 50 طناً، وهي مصممة لتحمل انفجارات الألغام، فضلاً عن تمتعها بدرع تفاعلي لمواجهة المقذوفات شديدة الانفجار. وتوفر المدرعة حماية كبيرة للطاقم، ويتم استخدامها في المناطق المأهولة.

وبخلاف الآليات المدرعة، تنشر إسرائيل صواريخ Spike المضادة للدبابات، وهي تتميز بمدى فعال يصل إلى 25 كم، مما يوفر مسافة كبيرة للاستهداف، خاصة أن قطاع غزة بالكامل يتراوح عرضه ما بين 5 إلى 15 كيلومتراً، فقط.

فضلاً عن القوات المحتشدة براً، هناك احتمالات أخرى لقيام إسرائيل بعمليات من البحر، لمعاونة القوات المتقدمة براً، سواء أن تجري هذه المعاونة بالنيران، عبر القصف من البحر، أو عبر القوات.

مراحل العمليات المتوقعة

ورغم خطورة وتعقيد فكرة الاجتياح البري لقطاع غزة، حيث يسكن أكثر من 2 مليون نسمة، في مساحة جغرافية ضيقة (يبلغ طول القطاع نحو 40 كيلومتراً فقط، فيما عرضه يتراوح ما بين 5 إلى 15 كيلومتراً)، إلا أن حشد القوات بهذه الأعداد الهائلة، والقصف المكثف وحجم التدمير الذي يجري في القطاع، قد يرفع من احتمالات الاجتياح البري. 

ولتنفيذ عمليات الاجتياح للقطاع، من المرجح أن يعمل الجيش الإسرائيلي على اختراق القطاع وعزله إلى 5 أجزاء هي محاور: بيت حانون – بيت لاهيا – جباليا في النطاق الشمالي، ومحور مدينة غزة، ومحور ثالث يضم دير البلح ومخيم النصيرات، ثم محوري خان يونس ومحور رفح على الحدود المصرية.

منطقة عازلة

وبحسب دراسة المعهد، فإن الأهداف من هذا المخطط لن تكون أقل من تدمير قدرة الفصائل الفلسطينية بشكل تام على تهديد إسرائيل عسكرياً، ولتحقيق ذلك، ترجح الدراسة سعي الجيش الإسرائيلي لإقامة منطقة عازلة بعمق 2-3 كيلومترات، لتأمين بلدات الجنوب من أي محاولة أخرى للاقتحام براً، بما قد يتضمن تدمير وإزالة أية مباني فلسطينية في النطاق المحدد.

رسم توضيحي للمنطقة العازلة الجديدة المتوقعة في قطاع غزة - الشرق

اقتحام على 3 مراحل

“تطهير وتمهيد نيراني”

ومع استمرار الحشد والقصف، ترجح الدراسة أن تأتي عملية الاقتحام البري للقطاع على 3 مراحل تبدأ بمرحلة “التطهير والتمهيد النيراني”، وهي المرحلة الحالية، إذ يجري تطهير البلدات الإسرائيلية في محيط غزة، والتأكد من عدم وجود مقاتلين من الفصائل الفلسطينية داخل أي منها، وإجلاء سكان عدد من المناطق إلى بلدات إسرائيلية أبعد. 

وتضم هذه المرحلة القصف العنيف الذي يجري حالياً بوتيرة متصاعدة على القطاع، وقد تستمر، لمدة تتراوح ما بين 3 إلى 7 أيام، بهدف مواصلة الضغط العنيف على قيادات حماس والجهاد، ومنعهم من امتلاك زمام المبادرة مرة أخرى، وفي الوقت نفسه، استكمال عمليات الحشد والاستعداد للمرحلة الثانية، بما في ذلك رسم خرائط حية بنظام SAR، لإنشاء صور ثنائية وثلاثية الأبعاد لمسرح العمليات. 

ومن المفترض أنه بنهاية تلك المرحلة، مع فرض حصار كامل على قطاع غزة، أن تتمكن القوات الإسرائيلية من الانتقال إلى المرحلة الثانية بطريقة آمنة، مع دفع مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى مغادرة القطاع، وتدمير البنية التحتية الحيوية والقدرات الصاروخية ومخازن الأسلحة والذخائر التابعة لحماس. 

“فتح مسارات”

أما المرحلة الثانية، فمن المفترض أن تبدأ فيها عملية تقدم مفارز إسرائيلية مدعومة بعناصر الاستطلاع على محاور الاقتراب من القطاع، لتطهير مسارات يمكن للقوة الرئيسية التقدم من خلالها، وهنا سوف تشكل القوات الخاصة العمود الفقري للمفارز المتقدمة التي من المتوقع أن تشتبك مع قوات الفصائل الفلسطينية في القطاع. 

“تقدم الدبابات”

وفي حال نجحت القوات المتقدمة في المرحلة الثانية في مهامها، ستبدأ المرحلة الثالثة وهي تقدم القوة الرئيسية مدعومة بالدبابات لاستكمال تدمير البنية التحتية العسكرية للفصائل الفلسطينية، وتدمير شبكة الأنفاق التي بنتها حماس في القطاع. مع البدء في فرض المنطقة العازلة بعمق من 2 إلى 3 كيلومترات بطول قطاع غزة، مع إمكانية فرض إجراءات أمنية تمنع عودة النازحين إلى القطاع مرة أخرى.

شارك

administrator