د. سامح أحمد رفعت
ومع دخول العملية العسكرية الروسية في (أوكرانيا) ليومها الخامس أعلنت وزارة الدفاع الروسية أنها حققت سيادة جوية كاملة على سماء (أوكرانيا)، مما يعني أن النصر قد أصبح وشيكاً.
والسيادة الجوية تعني السيطرة على السماء بصورة شبه مطلقة مما يجعل القوات الجوية المعادية غير قادرة على أي تدخل مؤثر
العجيب أن (روسيا) أطلقت هذا التصريح في الوقت الذي كانت طائرات البيرقدار الأوكرانية TB-2 تقصف الأهداف الروسية في (خيرسن) و(خاركيف) وشمال (كييف)، مع الوقت بدأت القوات الجوية الأوكرانية ومنظومات الدفاع الجوي الخاصة بها في إنزال خسائر كبيرة في الجانب الروسي (في الكثير من دول العالم بما فيهم روسيا وأوكرانيا تعتبر منظومات الدفاع الجوي جزء من القوات الجوية)
ولكن هل حققت (روسيا) سيادة جوية على (أوكرانيا) في أي لحظة؟
طبقا لتعريف مصطلح (سيادة جوية) فالإجابة لا، فبعد مرور أكثر من ١٥ شهراً على الغزو الروسي لأوكرانيا لازال جزءاً كبيراً من القوات الجوية الأوكرانية عاملا وينفذ ضرباته بصورة شبه يومية ضد أهداف روسية في (أوكرانيا)، بل وفي الداخل الروسي أحياناً.
حجم الدفاع الجوي الأوكراني تضاعف عدة مرات مع دخول الأنظمة الغربية الحديثة لأوكرانيا مثل NASMAS و IRIS-T و Patriot PAC-3 بالإضافة إلى بعض النظم القديمة مثل الهوك والكروتال.
يبقى السؤال، لماذا فشلت القوات الجوية الروسية في تحقيق سيادة جوية فوق (أوكرانيا) رغم الفارق الكبير بين البلدين لصالح (روسيا) بالطبع؟
١- تعاني (روسيا) بشدة في مجال الذخائر الموجهة Precision Guided Munition PGM فعلى سبيل المثال في عاصفة الصحراء عام ١٩٩١م كان ١٠% من الذخائر التي استعملتها قوات الحلفاء ضد العراق ذخائر موجهة وارتفعت تلك النسبة لبين ال٧٠-٩٠% في حربي (كوسوفو) ثم غزو العراق عام ٢٠٠٣م ثم ارتفعت ل١٠٠% في عمليات الناتو في (ليبيا) عام ٢٠١١م.
في المقابل نجد أن نسبة الذخائر الموجهة تاني استعملتها القوات الجوية الروسية سواء في حرب الشيشان الثانية أو غزو جورجيا ٢٠٠٨م يتراوح بين ١.٥-٣%. وعدم استعمال ذخائر موجهة يعني الحاجة لطلعات جوية أكثر من المطلوب، يعني احتياج الطيار للنزول بسرعته وبمقاتلته لارتفاعات قريبة كي يستطيع إصابة الهدف بدقة معقولة مما يجعله في متناول منظومات الدفاع الجوي المحمولة كتفاً وقصيرة المدى والمتوفرة بكثرة في (أوكرانيا)، يعني قدرات محدودة على تنفيذ أي عمليات قصف ليلية أو أجواء رؤية غير جيدة.
٢- وحتى الذخائر الموجهة القليلة التي تستعملها (روسيا) بها مشاكل جمة. فلو أردنا عمل تقسيمة بسيطة لأنواع الذخائر الجو-أرض الموجهة فهي إما موجهة تليفزيونيا أو ليزريا أو بالقمر الصناعي (هناك طرق أخرى ولكن تلك الطرق الثلاث هم الأشهر). بالنسبة للذخائر الموجهة بالقمر الصناعي وهي الأشهر في (الناتو) حالياً بسبب رخص ثمنها وفعاليتها الكبيرة نجد أن (روسيا) تمتلك نظرياً قذيفة موجهة بالقمر الصناعي ألا وهي KAB-500SE ولكن على أرض الواقع لم تستعملها إلا بكميات محدودة في (سوريا) وواضح أن هناك مشاكل إما في الإنتاج أو في الأداء. بالنسبة للذخائر الموجهة ليزريا وهي تعتمد على فكرة بسيطة ألا وهي إضاءة الهدف المراد بشعاع ليزري ويتم التقاط انعكاس هذا الشعاع بواسطة مستشعر في القنبلة ويتم توجيهها ناحية الهدف المضاء حتى إصابته. ورغم أننا نتحدث عن تقنية قديمة موجودة منذ سبعينيات القرن الماضي إلا أن (روسيا) لديها الكثير من المشاكل لإتقان تلك التقنية. استعملت تلك التقنية لأول مرة في حرب (فيتنام) بواسطة مقاتلات الفانتوم حيث يقوم ضابط مخصوص بجوار الطيار بإضاءة الهدف بشعاع الليزر يدويا حتى تصيب القنبلة هدفها. مع الوقت قام الغرب بإدخال مفهوم بود التهديف الذي يحتوي على كاميرا متقدمة وجهاز رؤية أمامي يعمل بالأشعة تحت الحمراء Forward Looking Infra Red (FLIR) s لرؤية الأهداف ليلا أو في الظروف الجوية السيئة بالإضافة إلى محدد ليزر. وفي الوقت الذي أنتجت فيه العديد من الدول مثل (فرنسا) و(إسرائيل) و(الصين) و(تركيا) بودات تهديف متقدمة فشلت (روسيا) حتى يومنا هذا في إنتاج أي بود تهديف بدائي حتى. كل ما استطاعت عمله هو إدماج محددات ليزر أوتوماتيكية مع كاميرات متواضعة. بما يعني أنه حتى القذائف الروسية الموجهة ليزريا لا تستطيع إصابة أهدافها ليلاً أو في ظروف الرؤية المنخفضة ودقتها أقل من نظيراتها الغربية.
٣- اعتماد القوات الجوية الروسية على تصاميم قديمة تمتلك بصمات رادارية كبيرة مقارنة بنظيراتها الغربية مما يجعلها عرضة بسهولة للإصابة بواسطة صواريخ الدفاع الجوي.
٤- تعتمد (روسيا) على تكتيكات قديمة لإخماد الدفاعات الجوية المعادية Suppression of Enemy Air Defense (SEAD)s حيث تعتمد معظم تكتيكات الإخماد الحديثة على طائرات بدون طيار لكشف أماكن الرادارات المعادية ومن ثم تشغيلها ثم قصفها بصواريخ مضادة للرادار. روسيا لا تمتلك طائرات بدون طيار قادرة على القيام بتلك المهام مما يجعل صواريخ المضادة للرادار عديمة القيمة في الكثير من الأحيان. وهكذا نجد أنه رغم الحجم الكبير للقوات الجوية الروسية إلا أنها لم تستطع القضاء على منظومات الدفاع الجوي المتوسطة وبعيدة المدى الأوكرانية مثل البوك أم Buk-M والأس-٣٠٠ S-300 وبالتالي ظل الطيران العالي خطر على المقاتلات الروسية طوال الحرب وحتى تلك اللحظة. حاولت (روسيا) بشدة إخماد الدفاعات الجوية الأوكرانية في بدايات الحرب ولكن الخسائر الكبيرة التي منيت بها جعلها لا تحاول المحاولة مرة أهرى والاكتفاء بمحاولة قصفها بالمدفعية أو باللانسيت.
٥- افتقاد روسيا لطائرات إنذار مبكر وإستطلاع متقدمة وحتى الطائرة الموجودة لديهم بيرييف ايه ٥٠ A-50 أعدادها محدودة جداً وفي الغالب لا تعمل بسبب الخوف من منظومات الأس-٣٠٠بي التي لازالت في الخدمة عند (أوكرانيا).
٦- عدم وجود طائرات بدون طيار مقاتلة شبيهة بالأنظمة الموجودة لدى دول الناتو.
صحيح أن القوات الجوية الروسية كبيرة ولكنها تفتقد للكثير من الأنياب والمخالب الضرورية في القرن الحادي والعشرين