أولاً: مقدمة:
كان هناك توقعات لبعض المراقبين أن تقوم الصين بتنفيذ عمل عسكري ضد تايوان خلال العام 2024، رغم المشاكل الاقتصادية التي تواجهها الصين، والحاجة الماسة للطاقة في ظروف أمنية دولية صعبة في شرق أوروبا والشرق الأوسط ووسط وشرق أفريقيا، فضلاً عن التناقص المستمر في القوة البشرية الصينية، والصعوبات التي تواجه الزراعة، إلا أن هذا لم يحدث. حقيقي أن الصين خزنت ما يحقق البقاء باكتفاء غذائي ذاتي لمدة عام ونصف إلا أن أزمة الغذاء في حد ذاتها ما زالت كائنة، حسب خبراء الأمن الغذائي الدوليين. كل هذا في وجود الحزب الديمقراطي التقدمي The Democratic Progressive Party (DPP) الأكثر معارضة للصين في تايوان.
ويعتبر الحزب الشيوعي الحاكم في الصين أن تايوان جزء من أراضيه، رغم أنه لم يسيطر عليها قط، وتعهد بالاستيلاء على الجزيرة بالقوة إذا لزم الأمر. ولا شك أن الغالبية العظمى من التايوانيين ليس لديهم رغبة في العيش تحت الحكم الصيني. وهم يرون الرئيس الصيني شي جين بينج أنه الزعيم الأكثر استبدادية مر على الصين منذ جيل كامل، وهو ما دفع بكين لقناعة أن “إعادة التوحيد الحتمي” للجزيرة مع البر الرئيسي لا يمكن تأجيله إلى أجل غير مسمى.

ثانياً: المناورة العسكرية الصينية الأولى “السيف المشترك 2024 أ”:
في مايو 2024 بدأت الصين مناورتها العسكرية “السيف المشترك 2024 أ” والتي تُعد الأكبر منذ أكثر من عام، بعد أيام فقط من تولي “لاي تشينغ تي” رئاسة تايوان، ذلك الرجل الذي تكرهه بكين علانية لدفاعه عن سيادة تايوان والحفاظ على هويتها المتميزة.
لذا بدأت قيادة المنطقة الشرقية بجيش التحرير الشعبي، مناورات أعلن هدفها الاستراتيجي “لاختبار القدرة على الاستيلاء بشكل مشترك على السلطة وشن هجمات مشتركة واحتلال المناطق الرئيسية”، حيث تم بها الآتي:
– مشاركة 19 قطعة بحرية (مدمرة/ فرقاطة) تابعة للبحرية الصينية بالقرب من مضيق تايوان.
– 7 قطع بحرية (لنشات مرور ساحلي) تابعة لحرس السواحل (الشرطة) الصينية طوقت الجزيرة من الشرق.
– 49 طائرة طرازات سوخوي 30 وJ-16 ، وطائرات استطلاع ورصد راداري بعيدة المدى طراز KJ-500 حول تايوان وجزرها النائية.
– 35 طائرة عبرت الخط المتوسط، وهي نقطة ترسيم غير رسمية في مضيق تايوان لا تعترف بها بكين ولكنها كانت تحترمها إلى حد كبير حتى السنوات الأخيرة.
وجرت المناورة لمدة يومين، وشملت عمليات مشتركة للجيش والبحرية والقوات الجوية والقوات الصاروخية الصينية، في مضيق تايوان – المسطح المائي ضيق الذي يفصل جزيرة تايوان عن البر الرئيسي للصين – وكذلك في شمال وجنوب وشرق تايوان. وللمرة الأولى، شاركت في مناورات جيش التحرير الشعبي الصيني أيضًا سفن خفر السواحل الصيني، والتي تعمل في مناطق حول جزر كينمن وماتسو وووكيو ودونجين النائية في تايوان، وتقع قبالة الساحل الجنوبي الشرقي للصين.

وأدانت وزارة الدفاع التايوانية التدريبات العسكرية الصينية ووصفتها بأنها “استفزازات غير عقلانية” ونشرت قواتها البحرية والجوية والبرية ردا على ذلك. في ظل فوضى في المجلس التشريعي، حيث تتمتع أحزاب المعارضة التي تفضل علاقات أوثق مع الصين بالأغلبية، وقد ضغطت من أجل إخضاع إدارته لتدقيق أكثر صرامة. حيث خرج الآلاف، معظمهم من الشباب، إلى الشوارع للاحتجاج على محاولة المعارضة تسريع وتيرة مشاريع القوانين المقترحة لمنح البرلمان المزيد من السلطات. ولكن على الرغم من استعراض بكين الكبير للقوة، استمرت الحياة كالمعتاد في تايوان، التي اعتاد سكانها البالغ عددهم 23 مليون نسمة على التهديدات العسكرية الصينية، حتى بعد أن أصبحت أكثر انتظامًا وبروزًا في السنوات الأخيرة.
وركزت المناورة الصينية “السيف المشترك 2024 أ” على ممارسة تكتيكات جديدة في حصار تايوان. حيث ترى الصين تايوان أنها جزيرة معزولة في البحر، ذات اكتفاء ذاتي محدود نسبياً. حيث يعتمد اقتصاد تايوان على التصدير، ويعتمد معظم استهلاكها للطاقة على الواردات. بمجرد محاصرتها وحصارها، قد يؤدي إلى انهيارها اقتصادياً. وحققت التدريبات “اختراقًا جديدًا” من خلال دخول المياه القريبة من ووتشيو ودونغين، والتي تتمتع بأهمية جغرافية كبيرة، والتي ينظر إليها الجيش التايواني على أنها مواقع أمامية لعمليات الدفاع عن مضيق تايوان. ومن ثم، تزيد هذه المناورات العسكرية من تقليص مساحة نشاط الجيش التايواني. كما أن حركة خفر السواحل الصينية بالقرب من الجزر النائية وما حولها شكلت جانبًا جديدًا مهمًا من المناورات الحالية، والتي تتبع مناورات التطويق السابقة في أغسطس 2022 وأبريل 2023. فالضغط بواسطة خفر السواحل والقوات الأخرى في المياه القريبة من تلك الجزر البحرية أمر مستجد متعمد.

ثالثاً: المناورة العسكرية الصينية الثانية “السيف المشترك 2024 ب”:
بدأ الجيش الصيني في 14 أكتوبر 2024 مناورة أخرى بمسمى “السيف المشترك 2024 ب”، والتي من مسماها تعتبر مكملة للمناورة التي تمت في مايو الماضي. حيث صرح مسؤول عسكري بجيش التحرير الشعبي الصيني بأن “القوات ستبقى دائما في حالة تأهب قصوى، وستواصل تعزيز الاستعداد القتالي من خلال التدريب الشاق، وستحبط بحزم محاولات استقلال تايوان. وهددت الصين بإحتمال وقوع المزيد من هذه الأعمال في المستقبل الأمر الذي أثار إدانات من تايوان والولايات المتحدة.
وعلى الرغم من أنها تبدو أقصر من التدريبات السابقة، إلا أنها كانت أكثر كثافة من حيث محاكاة الهجمات السريعة ونشر السفن والطائرات، ولكنها شملت بشكل أساسي مهمة “حصار ميناء رئيسي”. مما يوضح أن الهدف من ذلك هو إظهار قدرة الصين على وقف واردات الطاقة، خاصة في موانئها التي تفرغ الغاز الطبيعي المسال. وهذا التكتيك يمكن أن يضغط على تايوان ويعزلها قبل أي غزو شامل. وهو ما نفته شركة الطاقة التايوانية CPC التي تديرها الدولة مشيرة لأن واردات الغاز الطبيعي المسال لم تتأثر، وواصفة إياها بالأخبار الكاذبة التي تشير إلى عكس ذلك على الإنترنت.
وقد أظهرت الخريطة، التي أصدرها الجيش الصيني، أن تلك المناورة كانت أقرب إلى تايوان مما كانت عليه في التدريبات السابقة جميعها، لأول مرة، مناطق داخل المنطقة المتاخمة لتايوان والتي يبلغ طولها 24 ميلاً (39 كم). وقد شارك خفر السواحل الصيني، وهو الآن الأكبر في العالم على الإطلاق، في تلم المناورة بشكل أكبر من ذي قبل، حيث طوق جزر ماتسو التي تسيطر عليها تايوان بجانب الساحل الصيني وعمل على جانبي البر الرئيسي لتايوان. فهو قادر على الحفاظ على وجود شبه دائم بالقرب من تايوان وصولاً إلى بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه. مما قد يدفعه إلى للصعود على متن سفنها المدنية بدعاوى تتعلق بإنفاذ القانون. مثل هذه الحالات يمكن أن تكون استفزازا خطيرا للغاية وسيبذل خفر السواحل التايواني قصارى جهده لمنعه بحسب نائب قائد خفر السواحل التايواني هسيه تشينغ تشين. وبعد فترة وجيزة من بدء التدريبات، إعتقل خفر السواحل التايواني شخصًا صينيًا يستخدم قاربًا مطاطيًا للاقتراب من إحدى الجزر الصغيرة شديدة التسليح التي تسيطر عليها تايوان قبالة مدينة شيامن الصينية.

وقد شارك في المناورة “السيف المشترك 2024 ب” القوات الآتية:

  • 125 طائرة عسكرية، دخلت 90 طائرة منطقة تحديد الدفاع الجوي التايوانية، وما لا يقل عن 125 طلعة جوية لمحاكاة حصار الجزيرة، وبحلول صباح اليوم الأخير في المناورة، ارتفع عدد الطلعات الجوية إلى 153 طلعة جوية وهو رقم قياسي، وفقا للرصد.
  • 34 قطعة بحرية متنوعة، 17 قطعة منها تابعة للقوات البحرية، و17 قطعة تابعة لخفر السواحل الصيني.
  • مدفعية صاروخية بعيدة المدى.

وقد استجاب الجيش التايواني لهذه التحركات العسكرية من خلال رفع درجات استعداد وحدات الدفاع الجوي، ونشر نظم دفاع ساحلي صاروخية متنقلة، مع إطلاق مقاتلات إعتراضية لتأمين المجال الجوي للجزيرة بموجب قواعد الإشتباك المتبعة.

وتعمل تحت قيادة المنطقة الشرقية الصينية ثلاث تشكيلات ميدانية، وأرقامها هي (71 –72 –73)، ويتكون كل منهما مما يقارب 6 ألوية مقاتلة. بالإضافة إلى أسلحة الدعم من القوات البحرية والمكونة من (لوائين بحريين، و13 فوج جوي مشكلين من مقاتلات وطائرات موجهة بدون طيار وفرقة قاذفات استراتيجية).

رابعًا مقارنة سريعة بين المناورتين:

المحور السياسي والآمني:

  • السيف المشترك 2024-أ:
  • التوقيت:

أجريت هذه المناورة في النصف الأول من عام 2024، وجاءت في وقت كان مرجحاً فيه أن أقوم الصين بغزو تايوان، إلا إنها تمت في صورة مناورة تدريبية عسكرية معتادة من جانب الصين ضد تايوان، وكانت متزامنة مع تطورات سياسية كبيرة، مثل الانتخابات في تايوان والتغيرات في العلاقات بين الولايات المتحدة والصين.

  • الرسالة السياسية:

كانت المناورة بمثابة رد على الحكومة التايوانية المؤيدة للاستقلال وصفقات الأسلحة الأمريكية مع تايوان. والهدف السياسي منها يبدو أنه كان إعادة التأكيد على موقف الصين الثابت حول “سياسة صين واحدة” وردع تايوان عن اتخاذ أي خطوات رسمية نحو الاستقلال. كما كانت رسالة تحذير إلى الولايات المتحدة وحلفائها من القدرات العسكرية المتزايدة للصين، بهدف الحفاظ على الهيمنة الإقليمية ومنع التدخل الغربي في بحر الصين الجنوبي.

  • السيف المشترك 2024-ب:
  • التوقيت:

تم إجراء المناورة في أكتوبر 2024، وهي فترة شهدت تصاعدًا في التوترات الدبلوماسية بين الصين وتايوان والقوى الغربية، بل وتزايد تورط أمريكي في تصعيد إسرائيلي إيراني في الشرق الأوسط، واستمرار تورط أمريكي في الحرب الروسية الأوكرانية شرق أوروبا. كما جاءت المناورة قبيل انعقاد قمم دبلوماسية هامة، مما يعكس حرص الصين على تأكيد موقفها بخصوص تايوان في خضم المفاوضات المتزايدة مع الولايات المتحدة وحلفائها.

  • الرسالة السياسية:

تبدو الأهداف السياسية لهذه المناورة أكثر توجهاً نحو الضغط والإكراه، حيث أبرزت استعداد الصين لفرض حصار محتمل على تايوان أشد مما سبق. ووكأن الصين تحاول الإشارة من هذه المناورة إلى استعداد بكين لتصعيد الضغوط العسكرية ردًا على استفزازات رئيس حكومة تايوان وإصرار واشنطن على موقفها تجاه الصين رغم الصراعات في أكثر من إقليم، مستهدفة بشكل خاص القيادة السياسية التايوانية وداعميها الدوليين، والسياسة الأمريكية بشكل عام سواء للإدارة الأمريكية الحالية أو المحتملة. ولذا سعت الصين من خلال هذه المناورة إلى إبراز قدرتها على إبقاء، ليس تايوان فقط، بل بحر الصين الجنوبي كله، معزولين سياسيًا وعسكريًا عن العالم​.

المحور العسكري:

  • النطاق والحجم:
  • السيف المشترك 2024-أ:

ركزت المناورة بشكل أكبر على الاشتباكات العسكرية التقليدية، بما في ذلك دوريات الجاهزية القتالية، والتوغل الجوي، وتدريبات الهجوم البرمائي. وشملت المناورة تكتيكات الأسلحة المشتركة مع مزيج من القوات البحرية والجوية والبرية، ولكنها حافظت على تركيز متوازن على إظهار قدرة الصين على الانخراط في هجوم مباشر على تايوان​.

  • السيف المشترك 2024-ب:

تبدو المناورة أوسع نطاقًا وأكثر كثافة، حيث شملت تكتيكات متقدمة لفرض الحصار، والسيطرة البحرية، والضربات البرية والبحرية. وواضح أن القوات الصينية تدربت على قطع طرق الإمداد البحري لتايوان والوصول إلى الموانئ الرئيسية. كما شملت المناورة استخدامًا أكثر تقدمًا للقوات الصاروخية وأنظمة الحرب الإلكترونية، مما يشير إلى أن الصين تطور قدراتها على السيطرة على الدفاعات التايوانية وعزل الجزيرة قبل إطلاق هجوم واسع النطاق ضدها​​.

  • نوعيات التسليح المستخدمة من حيث الغرض والهدف:
  • تم استخدام حاملة الطائرات الصينية Liaoning في الجزء الجنوبي شرقي من الجزيرة، والذي قد يكون بهدف العمل كقوة ضاربة مع المجموعة الخاصة بها من المدمرات والفرقاطات والغواصات ضد اى تدخل قريب من احتياطات الدول الغربية خاصة القريبة والمتمركزة فى الفلبين والدول المجاورة لها.
  • ورغم قدرات حاملة الطائرات Liaoningالكبيرة، إلا ان الطائرات المقاتلة المُحملة على متنها لا تستطيع العمل بكامل قدراتها العملياتية بسبب اضطرار تلك الطائرات الى تخفيف الأحمال من وقود وتسليح، للتمكن من الإقلاع من على ظهر الحاملة، لذلك قد يقتصر مهام القوات الجوية المنطلقة من حاملة الطائرات الصينية Liaoningعلى تقديم الدعم البحري للمدمرات والفرقاطات الصينية دون التمكن من تنفيذ سيادة أو حتى سيطرة جوية شاملة على مسرح العمليات.
  • استخدمت الصين الطائرات قاذفات القنابل طويلة المدى من طراز H-6K وهو طراز صيني معدل من القاذفة السوفيتية القديمة Tu-16، وقد اشارت التقارير إلى أن تلك القاذفات اتجهت الى مياه المحيطات البعيدة، ما يدل على إنها سوف تقوم بتنفيذ مهام الاستطلاع الإليكتروني ومهام الشوشرة والإعاقة الالكترونية لمسرح العمليات البعيد الكترونياً، والقيام بمهام استهداف السفن الرئيسية لأي قوة نجدة لتايوان بواسطة صواريخ جو/ سطح الصينية والمحملة على تلك الطائرات القاذفة H-6K.
  • تتعمد القوات الصينية القيام بأكبر عدد من الطلعات الجوية الممكنة والمرور بجانب تايوان لإجبار الجيش التايواني على استهلاك معداته بشكل يسرع من تقادم واستهلاك قطع الغيار التى لا تنتجها تايوان.
  • التكامل التكنولوجي:
  • السيف المشترك 2024-أ:

ركزت المناورة على الأنظمة القتالية التقليدية، بما في ذلك الطائرات المقاتلة، والقاذفات، والوحدات البحرية. كانت التطورات التكنولوجية ملحوظة، لكنها ظلت ضمن إطار الأنظمة التقليدية للحرب.

  • السيف المشترك 2024-ب:

مثلت المناورة قفزة في التكامل بين الذخائر الموجهة بدقة، وقدرات الصواريخ طويلة المدى، وتكتيكات الحرب الإلكترونية والسيبرانية. وأبرزت هذه المناورة قدرة الصين على شن حملة متعددة المجالات من خلال استهداف الدفاعات المادية والبنية التحتية الاتصالية والسيبرانية لتايوان. كما ركزت بشكل كبير على استخدام الصواريخ الجوالة والطائرات المسيرة، مما يعكس التحول في استراتيجية الصين نحو استخدام البعد النيراني عن بعد.

  • التركيز الاستراتيجي:
  • السيف المشترك 2024-أ:

كان التركيز الاستراتيجي أكثر على إظهار قدرة الجيش الصيني على القيام بهجمات برمائية واسعة النطاق وعمليات مشتركة، مع تسليط الضوء على المفهوم التقليدي للغزو المباشر أو الاشتباك العسكري مع تايوان. كانت المناورة تهدف إلى إظهار قدرة الصين على نقل القوات عبر مضيق تايوان وتأمين الشواطئ​.

  • السيف المشترك 2024-ب:

على النقيض، تحول التركيز الاستراتيجي نحو تكتيكات الحصار. شملت التدريبات محاكاة لتطويق تايوان وإجراء عمليات لمنع الدعم الخارجي من الوصول إلى الجزيرة. تعكس هذه التدريبات استراتيجية الصين المتطورة التي تعتمد على الضغط الاقتصادي والعسكري لإجبار تايوان على الاستسلام دون الحاجة إلى شن غزو شامل​.

  • التنفيذ العملياتي:
  • السيف المشترك 2024-أ:

ركزت المناورة بشكل كبير على العمليات البرمائية وتحركات القوات واسعة النطاق. وشملت التدريبات طلعات جوية للمقاتلات وقتالًا بحريًا وإنزالًا جويًا، وكانت جميعها مصممة لمحاكاة غزو مكثف لتايوان. ومع ذلك، فإن التدريبات كانت تترك مجالًا نظريًا لقوات الدفاع التايوانية للتصدي لمثل هذه التحركات.

  • السيف المشترك 2024-ب:

ركز التنفيذ هنا على التنسيق بين الضربات الصاروخية والحرب الإلكترونية بهدف شل قدرة تايوان على الرد. من خلال محاكاة ضربات صاروخية دقيقة على البنية التحتية العسكرية والمدنية الرئيسية، كانت الصين تهدف إلى التدرب على طرق سريعة لتحييد الدفاعات التايوانية. شملت التدريبات أيضًا منع تايوان من الوصول إلى البحار المفتوحة، وهي جزء أساسي من استراتيجية الصين عبر تطبيق استراتيجية Anti-access/area denial (or A2/AD)، التي تهدف إلى تقييد التدخل العسكري الأجنبي من الخصم لمنطقة العمليات.

خامساً: الاستنتاجات:

  • مستغلة الصراعات في أوروبا والشرق الأوسط، والتصعيد المصطنع من جانب كوريا الشمالية تجاه كوريا الجنوبية، تهدف الصين من خلال مناوراتها العسكرية المتكررة ضد تايوان “السيف المشترك – 2024 أ” و” السيف المشترك – 2024 ب” في جوهرها غير المعلن إلى:
  • إعادة تنشيط الضغط العسكري وبما يشكل تأثيراً حقيقياً على القيادة التايوانية الحالية. فبكين تحاول استغلال مناورات “السيف المشترك” في محاولة للزيادة الانقسامات داخل تايوان، الأمر الذي قد يضعف قيادتها ويضعف من تماسك مؤسساتها.
  • إظهار عامل القوة والقدرات التكنولوجية وبما يؤكد قدرة الصين على سيادتها الإقليمية لبحر الصين الجنوبي، والتصدي المتكرر لخطابات رئيس تايوان من خلال التصعيد الحذر في صورة استعراض القوة.
  • من الواضح أن التدريبات العسكرية واسعة النطاق التي أجرتها الصين هذا الأسبوع كانت تهدف إلى إظهار قدرتها على منع واردات تايوان (خاصة الغذاء والوقود) على الماء وفي الجو، في الأماكن التي من المرجح أن تقترب منها الولايات المتحدة وحلفاؤها من دفاعات الجزيرة إذا اختاروا ذلك. يُظهر التمرين ذلك وكيف تعمل الصين على تحسين تنسيق العمليات المعقدة التي تنطوي على مجموعة من القوات العسكرية والساحلية والصاروخية. من السهل القول بأن الضغط العسكري المتزايد للصين على تايوان يؤسس للأسف “لوضع طبيعي جديد” قد تتجاوزه (أو تغيره)، وبالتالي تعزيز التوتر، واستنزاف دفاعات الجزيرة، وربما حتى المقامرة على إجبار تايوان تدريجيًا على الاستسلام دون قتال.
  • ما زال نمط المناورات الصينية، سواء الحالية أو السابقة هذا العام حول تايوان، لا يشير إلى تهديد وشيك بالغزو. حيث تساعد هذه التدريبات في طمس الخطوط الفاصلة بين السلام والحرب، وبما قد يمكن من استخدام المناورات المستقبلية كذريعة لغزو فعلي لتايوان. ولذا أرى أن المناورات تبعث برسالة سياسية أكبر من كونها عسكرية إلى تايوان وحلفائها.
  • أي أن الصين لا تسعى لشن حرب على تايوان أو تنفيذ هجوم مباشر عليها، ولكن الصين تعمل باستراتيجية “كوبرا”، حيث تضغط على خصمها بقوة وتدريج ثابت المعدل، مع محاصرة الجزيرة من كل الأجناب تقريباً بحراً وجواً، وبما يمنع وصول أي إمدادات، مما يجبرها على الاستسلام دون قتال مباشر.
  • استخدام خفر السواحل جزء من استراتيجية “المنطقة الرمادية” التي لا تصل إلى حد الحرب وتهدف إلى فرض ما تعتبره الصين أنه (حقها) في إدارة مضيق تايوان والسيطرة عليه.
  • يبدو أن الصين تسعى لخلق ظروف أمنية في منطقة بحر الصين الجنوبي لصالحها، وذلك من خلال إجراءات تدريجية تضعها مع الوقت في موقف يمكنها بشكل أو بآخر من امتلاك وممارسة حق التفتيش على ظهر السفن المارة والمتجهة إلى تايوان وإلى وجهات أخرى.
  • يبدو أيضاً أن الصين تركز بدرجة أكبر على الهيمنة على بحر الصين الجنوبي، مقارنة بالتركيز على فكرة مهاجمة تايوان فى الوقت الحالي، حيث إن على الصين مد نفوذها البحري داخل بحر الصين وإستكمال السيطرة العسكرية عليه من خلال تقسيم الحدود وفقاً لرؤية بكين الخاصة تجاه الدول المجاورة، وبناء الجزر الإصطناعية وزيادة التواجد العسكري الصيني فى بحر الصين الجنوبي.
  • من جانب آخر، تعمل الصين على زيادة نشاطها العسكري البحري والجوي المعادي لتايوان، وبما قد يدفع الاستثمارات والتجارة الدولية للهروب بعيدًا عن منطقة التوتر، وبما يجبر تايون على الميل تجاه بكين للحوار لحل تلك المشكلات.
  • يمكن أيضًا رؤية المخاطر المتزايدة (بالإضافة إلى ما تم وصفه بالفعل) في التوقيت، حيث إن “نافذة الفرصة” من منظور الصين تتقلص وتغلق ببطء، ولكن بثبات، والانتخابات الأمريكية جارية، ومن المتوقع جولة أخرى من تصعيد الصراع بين إسرائيلي وإيران (بالإضافة إلى الصراع المستمر في أوكرانيا). علاوة على ذلك، أود أن أضيف أيضًا نوع التآزر بين حاجة الصين لإجراء تدريبات بحرية بشكل عام وأملها/ هدفها في محاصرة تايوان دون حرب (وهو أمر غير واقعي حاليًا كما نرى في نتيجة الانتخابات الأخيرة). من وجهة نظر الصين، فإنهم يجمعون بين الحاجة إلى الاستثمار في تطوير التدريبات المشتركة والبحرية على وجه الخصوص وبين أملهم المثالي في كسر إرادة تايوان في المقاومة. قد يبدو الأمر بسيطًا للغاية، لكنني أعتقد أنه يعكس نوعًا ما ما يجري.
  • ورغم ما سبق، وكما ذكرنا، نجد أن المناورات العسكرية الصينية واسعة النطاق تُطوِّق تايوان وتختبر دفاعات الجزيرة من حيث القدرة، بما في ذلك وظائف الخطوط الحمراء الموضوعة. وهذا يزيد من خطر اندلاع صراع، سواء كان عرضيًا أو متصاعدًا عمدًا، مما قد يجر الولايات المتحدة وحلفائها الآسيويين (أو غيرهم) إلى الصراع.
  • المسألة الأخيرة التي لا تزال بحاجة إلى نقاش هي “الخطوط الحمراء”. فهل تجاوز الطرفان الخطوط الحمراء التي قد تدفع الصين إلى الصراع أو تدفع حلفاء تايوان إلى التدخل؟ ربما يمكن تناول هذه المسألة في ورقة بحثية مستقبلية.

معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع:

القسم الأمني والعسكري

لواء دكتور سَــــيد غُنــــيم

زميل الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية

رئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع

أستاذ زائر بالناتو والأكاديمية العسكرية الملكية ببروكسل

شارك

administrator

استشاري الأمن الدوَلي والدفاع، رئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع، الإمارات العربية المتحدة، وأستاذ زائر في العلاقات الدولية والأمن الدولي في أوروبا وشرق آسيا، (مصري)