معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع:
القسم الأمني والعسكري
دكتور سَــــيد غُنــــيم
زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا
رئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع
الأستاذ الزائر بالناتو والأكاديمية العسكرية الملكية ببروكسل
مع تداعيات ثورات الربيع العربي عام 2011، مع ضعف جيوش عدة دول عربية خاصة تلك التي زاد فيها الخلافات العرقية والطائفية ونشاط التنظيمات الإسلامية المسلحة في العديد من دول المنطقة ومنها مصر، حيث صنفت تلك التنظيمات المسلحة إرهابية عل المستويبن الإقليمي والدولي ، في ظل كل هذا نشأ تفاهم في مصر على أن الجيش يجب أن يكون قويًا وكبيرًا وحديثًا ومجهزًا تجهيزًا جيدًا، حيث أثبت الجيش المصري انحيازه للشعب مع الاستخدام الشرعي للقوة ضد التنظيمات المسلحة المصنفة إرهابية، وذلك مقارنة بجيوش دول عربية أخرى انحازت لأنظمتها الحاكمة.
وهنا كوّن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تفاهمًا آخر مفاده أن مصر لا يمكنها الاعتماد على الولايات المتحدة كمصدر وحيد، أو حتى كمصدر رئيسي، للأسلحة والذخائر والمعدات العسكرية، بل يجب على مصر تنويع مصادر مشترياتها العسكرية، وبناء قاعدة صناعية داخلية. ومع سقوط نظام بشار الأسد والانهيار السريع للجيش السوري، تعزز هذا التفاهم بشكل أكبر حيث أثبت صحته.
في الواقع، اشترت مصر في السنوات الأخيرة أسلحة من دول مختلفة، بما في ذلك طائرات رافال من فرنسا، وفرقاطات من فرنسا وإيطاليا وغواصات من ألمانيا، وأسلحة متنوعة من كوريا الجنوبية. ودرست مصر شراء أسلحة من الصين، وطائرات سوخوي-35 من روسيا لكنها تراجعت على ما يبدو عن الشراء من روسيا أمام قانون كاستا (CAATSA) الأمريكي، أو لوعود أمريكية مناظرة، لست متأكدًا بالضبط. يأتي ذلك مع حصول مصر على قطع بحرية فرنسية ميسترال كانت صفقة فرنسية لروسيا يُحمل عليها طائرات هليوكبتر من روسيا، بالإضافة إلى أنظمة قتالية للقوات الجوية والبحرية من إيطاليا.
كما تُجري مصر تدريبات مشتركة سنويًا مع جيوش مختلفة من الشرق والغرب في جميع أنحاء العالم. وتكتسب هذه المشتريات العسكرية مختلفة المصادر والتدريبات العسكرية المشتركة مع مختلف الجيوش أهمية كبيرة في علاقات مصر مع عدد من الدول، إذ تدعم مكانتها الإقليمية والدولية كدولة ذات قدرات وعلاقات دبلوماسية متنوعة ومتطورة. ففي نهاية المطاف، لن تحظى دولة تُعتبر عدوانية وغير مستقرة، ولا تتبع سياسة متوازنة، بمثل هذا التعاون، وبالتأكيد ليس من الدول الأوروبية الرائدة.
خلال رئاسة السيسي، وخاصةً خلال ولايته الثانية، عزّزت مصر وجودها العسكري على طول حدودها. ومن الأمثلة على ذلك التطوير الذي بدأ عام 2019 لقاعدة سيدي براني الجوية، بالقرب من الحدود الغربية مع ليبيا. وفي يوليو 2021، تم افتتاح قاعدة بحرية متطورة أيضًا في المنطقة الغربية على الساحل الشمالي بالقرب من الحدود الليبية.
للبناء العسكري أهمية محلية أيضًا، إذ يُقدّم للشعب على أنه يُعزز صورة الجيش القوية ذات النفوذ. وهو مهم للحفاظ على رضا وولاء كبار الضباط الذين يعتمدون على مكانة الجيش وصورته.
من المهم دراسة عملية البناء العسكري للجيش المصري مقارنةً بالجيوش الأخرى في الشرق الأوسط. أربعة من أكبر عشرة مستوردين للأسلحة في العالم خلال الفترة 2020-2024 هي دول في الشرق الأوسط: السعودية، وقطر، ومصر، والكويت. معظم الأسلحة تأتي من مصادر غربية: أكثر من 50% من الولايات المتحدة، و13% من إيطاليا، و10% من فرنسا. ووفقًا لتقرير صادر عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) في مارس 2025، خفضت دول الشرق الأوسط وارداتها من الأسلحة خلال الفترة 2015-2024 بنسبة 20% في المتوسط (شكل رقم 1).
خفضت مصر مشترياتها بنسبة 20% في الفترة 2023-2024. زادت السعودية، أكبر مشترٍ خلال هذه الفترة، من مشترياتها في تلك السنوات نفسها بنسبة 10-20%. وزادت إسرائيل من مشترياتها بأكثر من 20%.
تجدر الإشارة أيضًا إلى استحواذ مصر على منصات استراتيجية – طائرات مقاتلة وغواصات – في عام 2024 مقارنةً بالدول العربية الأخرى (شكل رقم 2). يمكن تفسير مشتريات مصر بالحاجة إلى استبدال المنصات القديمة.
شكل رقم 1: التعزيز العسكري للجيش المصري مقارنةً بالجيوش الأخرى في الشرق الأوسط.
شكل رقم 2: مشتريات الطائرات المقاتلة في الشرق الأوسط 2024.
شكل رقم 3: نسبة المشتريات المصرية من إجمالي المشتريات في الشرق الأوسط في عام 2024.
ما سبق يجعل إسرائيل تفكر دائمًا في ضرورة الحفاظ على الالتزام بمعاهدة السلام مع مصر، والاقتناع بفكرة التوازن الإقليمي في القوة وعدم انفراد إسرائيل بالقوة كما يسعى نتانياهو دائمًا، وفرض الإرادة الإسرائيلية على المنطقة بعد تقويض قدرات إيران ومحاولة إضعاف القدرات التركية، حيث إن مصر جاهزة لأي بدائل قد تُفرض عليها، ويجعل الحوار المباشر على مستوى كبار المسؤولين الخيار الأمثل وليس فرض الأمر الواقع بالقوة.
