دكتور سَــــيِْد غُنــــيِْم
زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا
رئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع – أستاذ زائر بالناتو

أحمد عادل عبدالعال
باحث مشارك معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع

مقدمة:

على الرغم من مرور أكثر من عام على هجوم الجيش الفيدرالي الإثيوبي لإقليم تيجراي للقضاء على حركة التمرد هناك، إلا أن نيران ذلك الإجتياح بدأت تستشري في العديد من مناطق الدولة الإثيوبية، مدفوع بتفاعل عرقي متعدد الإتجاهات كلً له رؤيته ومصالحة، إلى جانب تباين في مواقف الدول أصحاب المصالح تساهم في ضبابية المشهد الإثيوبي، وتفتح الباب على كافة الإحتمالات لمستقبل الدولة الأثيوبية، وبالتالي شكل القرن الإفريقي من بعده.

نظرة عامة على مستجدات الصراع: 

تمثل قوات تيجراي المحرك الرئيسي لما يحدث الأن في الحرب الأهلية الإثيوبية، إذ أنها بالرغم من الهزيمة الأولية التى منيت بها داخل إقليمها، إلا أنها إستجمعت قواها وبدأت في شن هجوم مضاد يهدف إلى إسقاط حكومة أبي أحمد، وذلك بعد أن تحالف معهم جيش تحرير الأورومو ذو العرقية الأكبر ضمن المكون الإثيوبي([1])، إذ يتحرك التيجراي على أكثر من محور لتسرع الضغط لسقوط أبي أحمد.

 فهناك هجمات تنفذها شرقاً في إقليم “عفر” لقطع الطريق الواصل بين العاصمة أديس أبابا وميناء جيبوتي، ذلك الطريق الذي يمثل شريان إقتصادي حيوي للحكومة الإثيوبية، إلى جانب العمل على فك الحصار الذي فرضة الجيش الإثيوبي منذ عام تقريباً على المنافذ البرية الرابطة بين إقليم تجراي ودولة السودان غرباً، يضاف إلى ذلك الهجمات التى تتم على إقليم أمهرة بغرب البلاد، والذي يسعى لإسقاط حكم الأمهرة في الإقليم، وتسريع وتيرة سقوط أبي أحمد بمركز الحكم من خلال المزيد من إفقاده لشرعيته.

كل هذه الحركات شجعت ظهور تحالفات أخرى مضادة لحكم أبي أحمد، إذ تم تشكيل تحالف ثلاثي في الجنوب الغربي من البلاد، مكون من (جيش تحرير أورومو  وجبهة تحرير بني شنقول وجبهة تحرير جامبيلا)، يهدف إلى مواجهة حكومة أبي أحمد المركزية التى صنفت أول مكونين من هذا التحالف أمهما تنظيمين إرهابيين. وكان آخر هذه التمردات هو إعلان جبهة تحرير ألاقو إنفصال محافظة “واج حمرا” عن إقليم أمهرة بعد أن سيطرت عليها قوات جبهة تحرير تيجراي، والتى يبدو أنها سياسة يتبعها التيجراي في المناطق خارج إقليمها تساهم في زعزعة إستقرار الأقاليم التابعة لنفوذ أبي أحمد([2]).

موقف القوى الإقليمية والدولية:
الأمم المتحدة:

حذرت الأمم المتحدة من أن الوضع في إثيوبيا يتجه إلى “حرب أهلية حقيقية” مشيرة في ذلك إلى حجم الضحايا وأزمة وصول المساعدات الإنسانية الأساسية إلى المحتاجين([3]).

الولايات المتحدة:

فرضت الولايات المتحدة عقوبات على مسئولين إثيوبيين وإريتريين تتهم بإرتكاب إنتهاكات في حق مدنيين عُزٓل([4])، ما يدلل أيضاً على وجود دور عسكري لإيريتريا فيما يحدث بالداخل الإثيوبي.

الصين:

تدعم الصين الحكومة المركزية لأبي أحمد لصفته الشرعية، إذ زار وزير الخارجية الصيني أديس أبابا، وأكد الدعم القوي ضد أى حركات تمردية في إثيوبيا، إلى جانب بعض الأخبار التى تشير إلى وجود بعض الأسلحة الصينية بأيدي الجيش الإثيوبي([5]).

ألمانيا:

تتخذ ألمانيا موقفاَ سلبياَ حيال ما يحدث في إثيويبا، فلم تتخذ أى مواقف توضح موافقتها أو إعتراضها على القتال الدائر هناك، على الرغم من إمتلاكها لأدوات ضغط متمثلة في المؤسسات والشراكات الإنمائية التى تنفذها بالشراكة مع الحكومة الإثيوبية([6]).

مواقف الدول العربية من الأزمة الإثيوبية:
أولاً: طبيعة العلاقت العربية الإثيوبية:

كانت العلاقات بين السعودية وإثيوبيا حادة منذ سنوات عديدة في تاريخ، وذلك لعدم التوافق بين البلدين في بعض المواقف حول القضايا الثنائية والإقليمية. إلا أنه، وفي المقابل، في حرب الخليج عام 1991 اتخذت إثيوبيا موقفًا قويًا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ضد غزو العراق للكويت، وكذا تجاه الحرب الأهلية الليبية في عام 2011، والذي جلب دول مجلس التعاون الخليجي وخاصة الإمارات وقطر، بصورة أقرب إلى إثيوبيا مما كانت عليه من قبل. ولكن على أي حال، لا يمكن وصف علاقات الإمارات وقطر بإثيوبيا بالعلاقات القوية. أما العلاقة الوثيقة منذ سنوات بين الإمارات وإريتريا فتضيف سبباً جيوسياسياً آخر لعدم قوة العلاقات الإماراتية مع إثيوبيا، والتي قد تتأثر حالة نجاح أبيْ أحمد في تطبيع العلاقات الإثيوبية – الأريترية. وفي كل الأحوال ستبقى المصالح الخليجية في اليمن سبباً قوياً لوجود الدور والدعم الخليجي (بشقيه) لأي منفذ سيطرة لها على اليمن من جهة القرن الإفريقي، وهو ما يؤكد ضرورة قيام الإمارات والسعودية باستغلال المصالحة الإثيوبية مع إريتريا بشكل يحقق مصالحها هي ولو على حساب دولة حليف مهم مثل مصر، رغم أنها ليست الدولة المقصود بالتنافس الأماراتي في القرن الأفريقي. حيث أن الإطار الأساسي للتنافس سواء الإماراتي أو السعودية فهو أمام قطر وتركيا وليس مصر، ويأتي ذلك بشكل قد يضبطه الإيقاع الأمريكي في القرن الإفريقي.

وقد تطورت العلاقات الإماراتية والسعودية بنظيرتها الإثيوبية بدرجة كبيرة (بجانب الاقتصادي) على الصعيدين (الأمني) متضمناً البعد العسكري و(الاستخباراتي).

أزمة إقليم “تيجراي”

في خريف 2020 شهد إقليم تيجراي الواقع شمال إثيوبيا نزاعاً دموياً مع الحكومة المركزية في أديس أبابا. وما تزال أزمة الإقليم مستمرة في وقت يتدفق فيه المزيد من اللاجئين إلى السودان حيث ظروف المخيمات التي يقيمون بها كارثية.. وهو إقليم صغير، لكنه يتمتع بنفوذ سياسي واقتصادي كبير في تاريخ إثيوبيا. ويعد الإقليم الغني بالزراعة أحد الوجهات السياحية الهامة في البلاد. كما يضم مراكز تاريخية ودينية مصنفة على قائمة التراث العالمي وفي مقدمتها مدينة أكسوم مهد الكنيسة القبطية الإثيوبية.

في منتصف نوفمبر 2020 اتهم المتحدث الرسمي للتيجراي الإمارات بدعم إثيوبيا بالـ”درونز” لاستهداف قواتهم، وأشار إلى أن الدرونز يتم اطلاقها من القاعدة العسكرية الإماراتية المتواجدة في ميناء “عصب” بإريتريا، ولكنه لم يستطع تقديم دليل على اتهامه. وكان يتردد وقتها معلومات بمراكز الأبحاث الدولية أن مصر هي اللي تمتلك أدلة لتلك المعلومات التي أعلنها متحدث التيجراي.

قبل ذلك بعامين تقريباً كانت الإمارات قد دعمت إجراءات تطبيع العلاقات بين إثيوبيا وإريتريا، حيث إن الإمارات لديها علاقات مع إريتريا تعتبر قديمة نسبياً مقارنة بعلاقاتها مع إثيوبيا. ومنذ عام 2015 تمتلك الإمارات، كما ذكرت، قاعدة عسكرية في ميناء عصب الإريتري، وهي أول منشأة عسكرية إماراتية من هذا النوع في الخارج.

قد نخرج مما سبق بنتيجة سطحية، وهي أن إثيوبيا وإريتريا (مدعومين من الإمارات) ضد “التيجراي”، وأن مصر مصلحتها استمرار “التيجراي” في نشاطاتهم العسكرية ضد إثيوبيا. وقد اتاحت العمليات العسكرية الإثيوبية ضد “التيجراي” الفرصة لقيام المجتمع الدولي بتوجيه انتقادات لرئيس إثيوبيا، الحائز على جائزة نوبل للسلام، نظراً لانتهاك بلاده حقوق الإنسان ضد عناصر “التيجراي”، الأمر الذي دعم شوكة مصر في قلب إثيوبيا ودعم موقف مصر نسبياً في قضية سد النهضة.

أسباب دعم الإمارات لإثيوبيا:
يعد الأمن الغذائي أهم هدف تسعى إليه دول الخليج وتعد إثيوبيا أحد أهم دعائم هذا الهدف، من جانب آخر، نجد سببين رئيسيين آخرين:

الأول: أن إثيوبيا وإرتيريا من موقعهما الجيوستراتيجي (بديلاً عن جيبوتي) تدعما تحقيق أهداف الإمارات الأمنية في اليمن والسياسية والاقتصادية في البحر الأحمر.

الثاني: أن الدعم الإماراتي يمكن أن يضمن لإثيوبيا نفوذاً كبيراً في أفريقيا، وبالتالي سيكون للإمارات حصة كبيرة في هذا النفوذ من خلال إثيوبيا.

ارتباطاً بذلك، على الصعيد الاقتصادي، تمتلك الإمارات حالياً (100) مشروع استثماري في إثيوبيا في قطاعات مختلفة، كالزراعة والصناعة والعقارات والصحة والتعدين وغيرها. وهو ما يدفع الإمارات دائماً لوأد/ منع / إنهاء أي حروب أهلية أو اضطرابات في إثيوبيا.

وعلى الصعيد الدبلوماسي والعسكري، في نوفمبر 2020 وخلال لقاء السفير الإثيوبي بأبوظبي مع وزيرة التعاون الدولي الإماراتي، قام السفير الإثيوبي بتقديم وعداً رسمياً بإنهاء العملية العسكرية ضد “التيجراي” في أقرب وقت ممكن.. ناهيك إن إثيوبيا تم منحها حصة عمالة أكبر في الإمارات خلال العامين الماضيين.

ورغم علاقات الإمارات الوثيقة بمصر وحجم الاستثمارات الإماراتية لدى مصر كأهم حليف عربي، إلا أن ما يمكن أن تقدمه إثيوبيا للإمارات يصعب على مصر تقديمه، خاصة الموقع الجيوستراتيجي في القرن الإفريقي. وأزعم أن مصر كانت متحسبة لذلك، فكانت تخطط منذ عام 2014 باتخاذ خطوات جادة لتوقيع اتفاقيات عسكرية مع دول حوض النيل ومعظم دول شرق أفريقيا، خاصة تلك التي ذات علاقات متوترة مع إثيوبيا. ومن جانب آخر كانت مصر قد بادرت في مطلع 2019 لتوقيع اتفاقية مع جيبوتي لإنشاء منطقة اقتصادية حرة بها كثاني دولة بعد الصين، وربما قد تسعى مصر لإبرام اتفاقيات تعاون عسكري واستخباراتي مع جيبوتي وإنشاء تواجد عسكري مصري على أرضها.

على صعيد آخر، وفي نفس السياق، نجد أن نتنياهو، في إطار انفتاحه على إفريقيا، كان يتوسع في إثيوبيا في في مجالات تكنولوجيا الزراعة والطاقة والمياه وغيرها، وهو ما إزداد منذ 2014 تقريباً. وأزعم أن من ضمن اهداف نتنياهو دعم مستقبل العلاقات السعودية والإماراتية مع إثيوبيا وليس دعم سد النهضة ضد مصر، حيث أظن أن نتنياهو يضع من ضمن عدة سيناريوهات إمكانية تأثر مصر بندرة المياه مما يؤدي لتحدي بيئي شديد الخطورة يهدد مستقبل مصر والمنطقة بالكامل، الأمر الذي يضر بإسرائيل بشكل مباشر. إلا أن الضغوط المصرية على إثيوبيا يلزمها ضغط على الإمارات كداعم رئيسي لإثيوبيا، بل وعلى إسرائيل بصفتها حليف مهم للإمارات (بهدف التطبيع أساساً والتصدي للعدو المشترك والمتمثل في إيران والإرهاب والإسلام السياسي).

وهنا كان لحادثة حي الشيخ جراح التي أدت للحرب الإسرائيلية على غزة أن تتيح الفرصة لدور مصري شعبي استغل موقف إسرائيل الأضعف نسبياً أمام المجتمع الدولي في تلك لأزمة، خاصة مع تحول موقف بايدن من كونه داعم للموقف الإسرائيلي تدريجياً إلى موقف المنتقد، والسبب الرئيسي في ذلك تزايد ضغوط اليسار الديمقراطي الأمريكي على بايدن وبينهم من هم من أصول يهودية وفلسطينية. حيث قاموا بحث بايدن على إيقاف إسرائيل وإرجاعها عن الاستمرار في العمل العسكري ضد الفلسطينيين، ومنع إسرائيل من القيام بشن عملية عسكرية برية على غزة.

وقد أدت الأزمة الإسرائيلية الفلسطينية لوضع الإمارات في موقف حرج نسبياً لم تعتاده لفترة طويلة، وجعلها تغير لهجتها تجاه الأزمة الإسرائيلية/ الفلسطينية، كما أثر نسبياً على سرعة تحرك خطوات التطبيع، وهو ما استغلته مصر خاصة مع نجاح وساطتها في وقف إطلاق النار في غزة.

ثانياً: تطور العلاقات الإماراتية المصرية حول إثيوبيا:

كشفت مصادر متطابقة عن تصاعد أزمة علاقات غير مسبوقة بين الإمارات ومصر على خلفية التباين في عدد من الملفات الإقليمية. حيث أجمعت  على أن العلاقات المصرية الإماراتية أضحت في أضعف مراحلها على وقع تراجع دعم أبوظبي للحكومة المصرية. وتلاحظ تراجع دعم أبوظبي للقاهرة اقتصادياً أو فيما يتعلق بملفات المنطقة التي قررت الإمارات التحرك فيها بما يتوافق مع مصالحها الخاصة من دون النظر للمصالح المصرية.

ونشبت أزمة كبيرة بين الإمارات ومصر بعدما وجّهت أبوظبي اتهامات للقاهرة بامتلاكها معلومات استخباراتية بشأن استهداف سفارتي أبوظبي في كل من إثيوبيا والخرطوم، من دون إبلاغ المسؤولين الإماراتيين بها، للتعامل مع الموقف.

وقد واجه طحنون رئيس المخابرات العامة المصرية اللواء عباس كامل بتلك المعلومات، حيث نفى الآخير بدوره ذلك الأمر، أو أن القاهرة تمتلك أي معلومات بشأنه. إلا أن الإمارات تعتقد أن القاهرة ربما تكون بالفعل حصلت على معلومات بشأن استهداف سفارتي الإمارات في إثيوبيا والسودان. وذلك نظراً للنشاط الاستخباراتي المصري أخيراً في منطقة القرن الأفريقي نتيجة للعديد من المتغيرات، والتي يأتي على رأسها ملف أزمة سد النهضة.

وفي حال صح أن مصر حصلت على معلومات من هذا النوع ولم تبلغها إلى أبوظبي، فإن السبب قد يكون حالة الغضب المصري تجاه الإمارات، نظراً لدور أبوظبي في دعم إثيوبيا في مواجهة التحركات المصرية الرامية للضغط على أديس أبابا لإجبارها على التوصل إلى اتفاق ملزم بشأن سد النهضة. وتمتلك القاهرة معلومات بشأن دعم عسكري ولوجستي واستخباري كبير قدّمته أبوظبي لأديس أبابا خلال الفترة الماضية. وبالتحديد في أزمة إقليم تيجراي، والأحداث التي يشهدها، والتي كانت القاهرة تعوّل على استغلالها للضغط على إثيوبيا، لتسريع عملية الوصول إلى اتفاق.

وحصلت القاهرة على معلومات بشأن تزويد الإمارات لإثيوبيا، بأسلحة نوعية متطورة أخيراً، كما أمدتها بمعلومات خاصة بتحركات عربية كانت تعوّل عليها مصر بشأن أزمة سد النهضة.

وهو ما كان بمثابة الصدمة للقيادة السياسية المصرية، ما انعكس على العلاقات بين مصر والإمارات. وهناك العديد من الملفات في المنطقة تشهد تبايناً كبيراً بين مصر والإمارات، في مقدمتها الملف الليبي. إذ تتحرك القاهرة بعيداً تماماً في الوقت الراهن عن الموقف الإماراتي، بعد فترة طويلة من التحالف والتنسيق المشترك في الملف.

ثالثاً: مواقف أهم الدول العربية تجاه الأزمة الإثيوبية:

السعودية:

أصدرت السعودية بياناً حثت فيه جميع الأطراف على وقف العنف والسماح بوصول المساعدات الإنسانية العاجلة([7])، جاء هذا تزامناً مع دعوة المملكة رعاياها بمغادرة إثيوبيا نتيجة الوضع الأمني هناك. فلم تكن هذه أولى تحركات السعودية في شأن يخص إثيوبيا، إذ أن المملكة قد سعت للتوسط في قضية سد النهضة لكن قوبل هذا برفض إثيوبي، وهذا ما دفع بشكل كبير بإصدار المملكة بيان تساند فيه حقوق كل من مصر السودان في تلك القضية([8])، إلى جانب ظهور توترات بين علاقات البلدين بعد أن إحتجت إثيوبيا على المعاملة غير الإنسانية لمواطنيها المقيمين في السعودية([9])، ويدفع الإهتمام السعودي بتلك المنطقة إلى تأمين إستثماراتها التى بدأت بشكل كبير منذ عام 2008، حين أطلق الملك عبدالله بن عبدالعزيز مبادرة “الإستثمار الزراعي الخارجي” والتى أضحت تستثمر ما يزيد على 13 مليار دولار في الإقتصاد الإثيوبي بخلاف الإقتصاد السوداني([10]).

الإمارات:

تلعب الإمارات دور مهم خلال السنوات الماضية في الداخل الإثيوبي، فبجانب الإستثمارات التى تضخها الإمارات في قطاعات مختلفة بالإقتصاد الإثيوبي، وحجم العمالة الإثيوبية الوافدة للإمارات الذي إتخذت نسبة أكبر، نجد أن الإمارات سعت بشكل مباشر لمنع أو وأد أي توترات أمنية تزعزع إستقرار أي من دول القرن الإفريقي، خاصة إثيوبيا، فقد كان للإمارات دور هام في إنهاء الحرب الحدودية بين إريتريا وإثيوبيا في منتصف عام 2018 كوسيط استراتيجي برعاية أمريكية، وذلك سعياً لغلق كافة القضايا القديمة التى تؤرق أمن تلك المنطقة، مما يفسر ما تردد حول دور الطائرات بدون طيار الإماراتية التى شاركت في إسناد الجيش الفيدرالي الإثيوبي في مواجهة جبهة تجراي بشكل مباشر، وذلك إنطلاقاً من قاعدة عصب الإيريترية.

مصر:

لم تصرح مصر بموقفاً محدداً تجاه الأزمة الإثيوبية، إلا أنه بالنظر إلى خريطة القرن الأفريقي نجد أن إثيوبيا محاطة بكل من جيبوتي والسودان وجنوب السودان وكينيا والصومال، كما تعتبر أوغندا أقرب دولة لأثيوبيا ضمن الدول غير الواقعة على حدودها. في الوقت الذي نجد فيه أن مصر قد وقعت اتفاقيات دفاع مع كل من السودان وكينيا ولديها نفوذ قوي في جنوب السودان وفي صومالي لاند (الواقعة شمال الصومال المتاخم لأثيوبيا والتي تنادي بالانفصال عن الصومال)، ناهيك عن أن سفير الصومال الجديد بالقاهرة قد أعلن في مارس 2021 استعداد بلاده لبدء تقارب مع مصر.. فضلاً عن توقيع مصر على اتفاقيات دفاع مع أوغندا وبوروندي، وربما دولة أخرى محيطة قريباً.

المواقف الإقليمية والدولية عسكرياً تجاه أطراف الصراع الإثيوبي:

الإمارات:

يتردد ضمن معلومات متداولة غير موثقة العديد من الأخبار حول المساهمة الإماراتية بطائرات موجهة بدون طيار (درونز)  لصالح الحرب ضد جبهة التيجراي، حيث تعتبر الإمارات بناءً على هذه المعلومات أحد أبرز العناصر التى ساعدت الجيش الفيدرالي الإثيوبي في التصدي لجبهة تحرير تجراي، إلا أنه ليس هناك أدلة على ذلك.

مصر:

قامت مصر بدفع قوات برية وجوية للمشاركة في مناورة مشتركة مع القوات السودانية على حدود إثيوبيا، بشكل يلوح بالقوة ضد إثيوبيا وذلك خلال شهر مايو عام 2021.

تركيا:

سعت تركيا لبيع طائرات بدون طيار مسلحة لإثيويبا، عقب توقيع إتفاقية تعاون عسكري بين البلدين في أغسطس من العام الحالي([11])، تبعها أخبار متناثرة عن بدء وصول هذه الطائرات إلى  إثيوبيا بالفعل، وهو مؤشر على تعويل الجيش الإثيوبي على قدرات تلك النوعية من التسليح التى إستشعر قوتها في عمليات العام الماضي بإقليم تجراي، على الرغم من وجود بدائل أقرب وأسرع من هذه الفئة، مثل الطائرات الصينية بدون طيار وينج لونج1 و2 والتى كانت تستخدمها الإمارات من قاعدتها الجوية في إيريتريا.

أريتريا:

تشير بعض التقارير إلى أن هناك قوات تابعه لإريتريا مشاركة في القتال على أرض إقليم تيجراي لصالح إثيوبيا، معززة ببعض عناصر صومالية تم دفعها إلى ميدان القتال بعد أن أتموا تدريبات أولية في معسكرات داخل إيريتريا([12])، ويعدو هذا منطقياً بشكل كبير، إذ أن أساس الخلاف الإثيوبي مع الإيرتري هو مع إقليم تجراي، لذا فمن مصلحة إيريتريا أن لا يعود التجراي لواجهة الحكم أو السيطرة على القرار الإثيوبي كما كان من قبل.

إيران:

هناك معلومات متداولة بشأن بدء تدخل إيراني عسكري لصالح إثيوبيا ولكنه غير محدد الملامح، والذي قد يكون بهدف استعادة النفوذ الإيراني بالتعاون مع الصين في القرن الإفريقي أمام الولايات المتحدة وإسرائيل، وكذا خلق ساحة مفواضات أمام الإمارات والسعودية وتركيا.

الصين:

تدعم الصين بشكل كبير الحكومة المركزية لأبي أحمد، إذ زار وزير الخارجية الصيني أديس أبابا، وأكد الدعم القوي ضد أى حركات تمرد في إثيوبيا، إلى جانب بعض الأخبار التى تشير إلى وجود أسلحة الصينية يستخدمها الجيش الإثيوبي([13])، إذ تسعى الصين لحماية مصالحها التى بدأت بفاعلية في عام 2000 حتى أصبحت المستثمر الأجنبي الأول بإثيوبيا، وأيضاً الدائن الأول لها بقروض تفوق الـ 13مليار دولار([14]).

VI.  إتجاهات الحرب الإثيوبية:

من المرجح ألا تنتهي الحرب الأهلية بشكل متوازن بين الأطراف الإثيوبية، إذ أن جميعها، وبالأخص أبي أحمد من جهة والتيجراي من جهة أخرى، قد فقدا أدوات الوساطة والحوار أو حتى التفاوض، لذا فإن تلك الوتيرة من القتال لن تنتهي في الأغلب سوى بإنتصار أحد الطرفين بشكل كامل، أو ظهور وسيط قوي كالولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، نظراً لأن الولايات المتحدة قد أدانت الجيش الإثيوبي.

ستشجع بيئة الحرب الأهلية الحالية على بروز حركات إنفصال داخل الأقاليم الإثيوبية ذاتها، ما يزيد من مؤشر التفتت الذي يتصاعد مع إطالة فترة الحرب الأهلية، ما يخلق بيئة مشحونة بالصراع تمتد لما بعد إنتهاء الصراع الثنائي (جبهة تيجراي وحلفاءها، وأبي أحمد وحلفاءه).

ستتزايد خلال الفترة القادمة داخل بعض الأقاليم الإثيوبية أصوات تنادي بالإنفصال عن الدولة الفيدرالية والمطالبة بالحكم الذاتي.

في المقابل يتزايد الدعم العسكري الخارجي للجيش الإثيوبي لضمان سرعة القضاء على العناصر المتمردة.

التأثيرات المستقبلية للحرب الأهلية الأثيوبية: 
حالة حسم الصراع لصالح الحكومة الإثيوبية:

سيتم استعادة الاستقرار لإثيوبيا وبالتالي، نظام إقليمي في القرن الإفريقي لصالح الصين والإمارات والسعودية وإيران وإثيوبيا وإريتريا.

حالة زيادة التصعيد العسكري وعدم حسم الصراع لصالح إثيوبيا:

سيزداد العبء المرتبط بهجرة اللاجئين لدول الجوار الإثيوبي بشكل كبير، مما سيشكل ضغوطاً إقتصادية وإجتماعية على تلك الدول التى تعاني أغلبها من ضعف إقتصادي بالأساس، مما قد يشكل بيئة مساعدة للجماعات الإرهابية والمرتزقة لتجنيد أفراد جدد، خاصة في الجزء المسلم من الإثيوبيين النازحين. وقد تؤدي إنفصالات بعض الأقاليم تحدي خطير لدول الجوار، والتى قد تتجه للإندماج مع أقاليم دول مجاورة، ما قد يهدد وحدة تلك الدول، أو أن تصبح بداية تشكيل حدود سياسية جديدة لبعض أجزاء القرن الإفريقي. وستتأثر بشكل كبيرالإستثمارات الأجنبية، خاصة الصينية والإماراتية، التى كانت تضخ بالسنوات الماضية، ما يشكل تهديد للرؤى الإقتصادية لشرق إفريقيا والتى كانت إثيوبيا حجر أساس بها، كالسعودية والإمارات، إلى جانب تأثر حركة التجارة بميناء جيبوتي الذي تعتمد على إثيوبيا بشكل كبير، مما قد ينقل ثقل الإهتمام بجيبوتي كميناء مدخل لشرق إفريقيا بسبب التوترات التى قد تزداد في الجوار الإثيوبي، إلى دول أخرى مثل تنزانيا أو السودان. من جانب آخر، ستعود التوترات الحدودية بين إثيوبيا وإيريتريا بشكل كبير نتيجة تورط إيريتريا بشكل مباشر في القتال بإقليم تجراي. 

3. في حال حدوث أسوأ الإحتمالات وهو “تفكك إثيوبيا”:

سيصبح شرق إفريقيا بدون كتلة إرتكاز تحافظ على إتزانة، مما يخلق تنافس بين تلك الدول، ما يزيد من عدم إستقرارها لعدم وجود أى دول أخرى تستطيع لعب دور بديل لإثيوبيا، لكنه سيفتح مجال تمدد نفوذ لقوى إفريقية مضادة بشكل أكبر مثل مصر للعب دور الموازن لشرق إفريقيا.


[1] الصراع في تجراي: تعرف على الجماعات المسلحة التى وحدت صفوفها ضد حكومة أبي أحمد – bbc – 14/8/2021 – https://bbc.in/3ID7zHq .

[2]  إلى أين يتجه الصراع في إقليم تجراي الإثيوبي – أحمد عسكر – مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية – 16/8/2021 – https://bit.ly/30kIWy4 .

[3]  الأمم المتحدة تحذر من إنزلاق إثيوبيا إلى حرب أهلية حقيقية – سكاي نيوز عربية – 9/11/2021 – https://bit.ly/3dEosDc .

[4]  أمريكا تفرض عقوبات على مسئولين إثيوبيين  بسبب تجراي – الأهرام – 25/5/2021 – https://bit.ly/31EtdKV .

[5]  وزير خارجية الصين يصل إثيوبيا.. والمستجدات والعلاقات على الأجندة – العين الإخبارية – 1/12/2021 – https://bit.ly/31HeP4C .

[6]  أزمة إثيوبيا – ما سبب حيرة أمانيا وترددها من إتخاذ موقف حاسم؟ – dw -27/11/2021 – https://bit.ly/3dHYRto .

[7]  السعودية تصدر بيانا حول الحرب في إثيوبيا – RT – 11/11/2021- .https://bit.ly/3ycTCeB

[8]  السعودية تؤكد مساندتها لمصر والسودان للحفاظ على حقوقها المائية – العين الإخبارية – 7/7/2021 – https://bit.ly/31OcEft .

[9] إثيوبيا تشكو إلى السعودية “المعاملة غير الإنسانية” لمواطنيها في المملكة – SPUTNIK – 10/8/2021 – https://bit.ly/31Pc6pJ.

[10]  كيف تتحكم المصالح في موقف السعودية والإمارات من أزمة سد النهضة – مصر360 – 16/4/2021 – https://bit.ly/3lVhY7K .

[11]  تركيا تريد بيع درون للمغرب وإثيوبيا وسط رفض مصري – زمان – 18/10/2021 – https://bit.ly/3pPhukH .

[12]  تحقيق: هل تورطت دول أخرى في الحرب بإقليم تجراي الإثيوبي – DW  – 23/3/2021 – https://bit.ly/3rW0094 .

[13]  وزير خارجية الصين يصل إثيوبيا.. والمستجدات والعلاقات على الأجندة – العين الإخبارية – 1/12/2021 – https://bit.ly/31HeP4C .

[14]  كيف تلاحق إدارة بايدن النفوذ الصيني في إثيوبيا؟ – مركز المستقب للأبحاث والدراسات المستقبلية – 27/5/2021 – https://bit.ly/3lVPcE6 .

شارك

administrator

استشاري الأمن الدوَلي والدفاع، رئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع، الإمارات العربية المتحدة، وأستاذ زائر في العلاقات الدولية والأمن الدولي في أوروبا وشرق آسيا، (مصري)