أولاً: مقدمة:

أعلن المتحدث العسكري للحوثيين أنه قد تم إطلاق خمسة صواريخ باليستية وعددا من الطائرات المسيرة المفخخة في هجومهم يوم الإثنين 17 يناير 2022، حيث استهدفوا مطاري أبو ظبي ودبي أكثر المطارات ازدحاماً في العالم بالعبور الدولي، فضلا عن مصفاة نفط ومنشآت إماراتية حساسة أخرى. إلا أنه لم يكن هناك ما يؤكد استهداف دبي في هجوم يوم الاثنين.

ويوم الأربعاء 19 يناير 2022 قال السفير الإماراتي لدى الولايات المتحدة، أن المتمردين الحوثيين استخدموا صواريخ كروز وصواريخ باليستية، بالإضافة إلى طائرات مسيرة، في هجومهم على أبوظبي هذا الأسبوع والذي أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص وإشعال حرائق في مستودع وقود ومطار دولي. وقال العتيبة أن “عدة هجمات – مزيج من صواريخ كروز وصواريخ باليستية وطائرات بدون طيار – استهدفت مواقع مدنية” في الإمارات. وقد أجرى العتيبي كلمته خلال حدث افتراضي استضافه المعهد اليهودي للأمن القومي الأمريكي، حيث أُقيم هذا الحدث لمناقشة السياسات الأمريكية والعلاقات الإسرائيلية مع الإمارات والبحرين.

ثانياً: العوامل الورائية للهجوم:

1- أهداف الجانبين:

– يهدف الهجوم الذي شنّته جماعة أنصار الله (الحوثيين)، المدعومة من إيران، على الإمارات في 17 يناير 2022 إلى “تحييد الدور الإماراتي الذي برز في العمليات العسكرية التي شهدتها مؤخراً محافظتا شبوة ومأرب”، حيث نفذت قوات تابعة للتحالف الذي تقوده السعودية ضد جماعة الحوثيين في نوفمبر 2022 عملية إعادة انتشار من مناطق في محافظة الحديدة إلى محافظة شبوة. وقد شملت هذه القوات ألوية العمالقة، المدعومة من الإمارات، والتي تعد أكثر تنظيمًا من سائر الوحدات العسكرية المدعومة من التحالف. كما يهدف أيضاً إلى “تذكير القادة الإماراتيين بأن الحوثيين سيدرجون بلادهم على قائمة أهدافهم ما لم يتوقفوا عن التصعيد”. وسبق الهجوم استيلاء الحوثيين الأسبوع السابق على سفينة “روابي” الإماراتية قبالة ساحل الحديدة في البحر الأحمر، وهي سفينة كانت تنقل معدات طبية وعسكرية تابعة للقوات السعودية من جزيرة “سقطرى” اليمنية.

– في المقابل، نجد أن الهدف الأساسي للتحالف من عمليتهم الأخيرة يتلخص في “إعادة ضبط قواعد الاشتباك في اليمن، من خلال إرسال قوات عسكرية إلى جبهات مفتوحة بعد تجميد جبهة الحديدة نتاج اتفاقية ستوكهولم. حيث تمثّل الهدف الأساسي لهذه العملية في وقف التقدّم العسكري للحوثيين في شبوة ومأرب، ولا سيما بعد سيطرتهم على مديريات عدة في المحافظتين خلال الأشهر الثلاثة الماضية”. وقد حدث هذا التقدم على وقع تعثر المفاوضات التي تستضيفها عُمان بين السعودية والحوثيين، وفي المقابل حدوث توافق بين السعودية والإمارات على تنفيذ هذه العمليات في شبوة ومأرب بدعم الإمارات التي انسحبت من الحرب في اليمن منذ منتصف عام 2019. ويتداول معلومات أن الحوثيون قد أسقطوا طائرات درونز إماراتية قد قام الإماراتيون باستخدامها في اليمن ضدهم وأن هذه الدرونز من صنع الصين.

2- عدم التأكد من مواقع الإطلاق خاصة “الدرونز”، نظراً لبعد المسافة بين مناطق الإطلاق المحتملة داخل اليمن وبين مناطق الاستهداف في أبوظبي، مما يعطي احتمال أن الاستهداف ربما تم برعاية إيران أو من خلالها، سواء من المياه القريبة للإمارات أو من داخل الأراضي الإماراتية أو ربما من داخل دولة أخرى حدودية أو غير حدودية، وذلك بواسطة أذرع إيرانية كالحشد الشعبي في العراق أو بواسطة خلايا نائمة موالية لإيران، خاصة أن الهجوم على أبوظبي قد تزامن مع اجتماع عقده المتحدث باسم الحوثيين محمد عبد السلام مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، بعد لقاءه منذ حوالي أسبوع قبل الحادث مع وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في عُمان (المؤمن بدبلوماسية القوة)، حيث أن إيران تهدف إلى “ردع وترهيب دول الخليج، وعلى رأسهم السعودية والإمارات، ودفعهم لأخذ المصالح الإيرانية في الحسبان مقابل عدم تعريض أمن واستقرار دولهم للخطر، خاصة مع مستجدات التعاون مع إسرائيل عسكرياً واحتمالات استهدافها مقابل نجاح مفاوضات الاتفاقية النووية”.

ثالثاً: تأثيرات الهجوم:

1- رغم التنافس المتزايد على الصعيد الاقتصادي بين السعودية والإمارات، وانسحاب الإمارات من الحرب في اليمن منذ عامين، إلا أن عودة الإمارات لدعم العمليات في اليمن (من الخلف) ورد الحوثيين عليهم سيزيد من التعاون الإماراتي السعودي على الصعيدين العسكري والأمني.

2- تعاني السعودية من نقص شديد في صواريخ باتريوت المضادة للصواريخ، وربما ستلجأ للتواصل مع بايدن في هذا الشأن (وهو ما يتمناه بايدن الذي أعلن أن عاهل السعودية ينتظر اتصال منه لزيادة ضخ النفط لتقليل أسعاره). الأمر الذي يدفع أيضاً للتقارب العسكري مع الإمارات للتشارك في إنشاء منظومة مشتركة للدفاع الجوي.

3- بادرت الإمارات بالسلام المُعلن تجاه إيران وذلك بإرسال مبعوثها رئيس الأمن القومي الإماراتي لطهران للتفاوض بشأن العلاقات بين البلدين، وذلك بهدف تجنب استخدام القوة العسكرية بين البلدين سواء بشكل مباشر أو غير مباشر (بواسطة وكلاء)، ولكن نجد ما تم يوم الإثنين 17 يناير، مما يشير لعدم ضمان تجنب السلوك العنيف المعتاد من الجانب الإيراني.

4- إيران دولة تنتهج عقيدة أيدولوجية، وفي المقابل نجد الإمارات التي تنتهج العقيد الواقعية البرجماتية، ويعني هذا أن إيران لن تقبل الإمارات مجرد جار أو صديق وبالتأكيد لن تقبلها كدولة شريك أو حليف. فنجد العلاقات الإيرانية القطرية التي تستفيد منها إيران من خلال حقل النفط المشترك بينهما أو استخدام قطر كخنجر في ظهر دول الخليج وفي المقابل تنعم قطر بالأمن من جانب إيران (وليس الحماية)، نجد أنها تختلف بالتأكيد عن العلاقات الإيرانية الإماراتية التي لا ستفيد إيران منها بشيئ يذكر إلا زيادة الضغط على السعودية، الأمر الذي يجعلني أرى إيران تعمل على دفع الإمارت لـ “التبعية الإيرانية” وليس لأي نوع علاقة آخر كالشراكة أو الصداقة أو التحالف، وهو أمر لا يتماشى مع الطبيعة ولا الثقافة ولا مع التوجه الإماراتي الحالي الذي يعمل من أجل التوسع والريادة وليس العكس.

5- وفي كل الأحوال، لا زالت العلاقات بين البلدين في مرحلة ما بين التوتر والتنافر والتقارب الحذرين، خاصة أن التقارب بين البلدين ليس في الشكل المعلن بصورة كبيرة مقارنة بالتقارب السعودي الإيراني. إلا أنني أتوقع تزايد دور التفاوض بين البدين مع وضع الحادث الأخير وتداعياته في الاعتبار، حيث ستعتبره إيران في صالحها أمام الإمارات التي تأخذ موضع قوي نسبياً ارتباطاً بأدوارها في عدة بؤر وأقاليم تؤثر على المصالح الإيرانية كأفغانستان والقرن الأفريقي وشرق المتوسط والبلقان.

6- لا شك أن زيارة رئيس الأمن القومي الإماراتي لإيران أزعجت بشدة إسرائيل وكذا أي تقارب إماراتي إيراني حالي أو محتمل، ومن ثم فإن الحادث الحالي كان ضمن السيناريوهات المتوقعة في التقديرات الإسرائيلية والتي تُعد الأكثر فائدة لها، ومن ثم ستتعمد إسرائيل الاستفادة منه بكل قوة، وذلك في محاولة للوصول لشكل يتسم بـ “الحسم” في طبيعة العلاقات الإماراتية/ الإيرانية والعلاقات الإماراتية/ الإسرائيلية. حيث تدفع إسرائيل لإجهاض أي فرص تقارب بين الإمارات وإيران وربما يكون هذا الحادث وتداعياته من ضمن الفرص الأمثل لذلك.

7- ومن ثم، أتوقع أن تدفع إسرائيل للمزيد من التقارب مع الإمارات في كافة المجالات خاصة على الصعيدين العسكري والأمني من خلال التعاون العسكري المخابراتي وتزويد الإمارات بأسلحة متقدمة خاصة في مجال الدفاع الجوي ارتباطاً بما تحققه القبة الحديدية في إسرائيل ضد حماس. حيث أتوقع أن تطلب الإمارات المزيد من أسلحة الدفاع الجوي خاصة ضد الدرونز والصواريخ الباليستية، مما يشكل فرصاً مفتوحة أيضاً أمام الولايات المتحدة وأوروبا والصين وروسيا وكوريا بجانب إسرائيل لتزويد الإمارات بهذه الأسلحة. ويأتي ذلك في ظل ما تعانيه السعودية من نقص في صواريخ باتريوت المضادة للطائرات.

إلا أن إسرائيل ستعمل بكل قوة على إقناع الإمارات بتزويدها بمنظومة الدفاع الجوي ضد الصواريخ والدرونز، حيث سيتسبب ذلك في زيادة الترابط بين البلدين، وربما ستلجأ لها السعودية أيضاً في ذلك، مما يشكل منظومة دفاع جوي إسرائيلية داخل منطقة الخليج لتؤمن دول الخليج وأيضاً تؤمن إسرائيل بالتبعية كخط دفاع جوي أول أمام إيران. وهو ما يشكل صورة لاقتراب إسرائيل عسكرياً من الحدود الإيرانية من جهة الخليج. ولا شك أن كل ذلك سيزيد التكلفة على الإمارات والذي حالة نجاحه سيتيح الفرص للتقارب السعودي الإماراتي لتقاسم التكلفة.

8- الولايات المتحدة الواقعة تحت الضغوط من القوى المناظرة في بحر الصين الجنوبي وفي أوكرانيا شرق أوروبا تفكر بعناية وتحت ضغط كبير في أمن منطقة الخليج العربي خاصة مع حليفتيها الذين تخسرهما مع الوقت (السعودية والإمارات) حيث تزداد حدة (عدم الثقة) من جانبهما تجاه واشنطن، وسيكون على الولايات المتحدة مراجعة مواقفها تجاه الإمارات والسعودية خاصة من الناحية العسكرية والدبلوماسية، حيث قد يفكر بايدن في العودة لتصنيف الحوثيين حركة إرهابية، ولكن الكونجرس قد يبقى على موقفه من حيث تدخل السعودية في اليمن. إلا أن بايدن وإدارته سيعملوا بكل قوة لعدم انفراط علاقة واشنطن بأبوظبي والرياض وسيزيد بايدن من حجم التقارب العسكري مع البلدين وبما يطمئن بتوفير الحماية اللازمة لهما.

9- يأتي حادث استهداف الحوثيين لأبوظبي مع (ما يتردد) بشأن شروع روسيا وإيران لتنفيذ مناورات عسكرية قريباً في المنطقة، إلا أن روسيا قد نددت بشدة الحادث وأدانت الحوثيين في موقفهم. وستعمل روسيا على استغلال الموقف والتباعد الإماراتي الأمريكي النسبي لمحاولة التقارب مع أبوظبي أكثر خاصة على الصعيد الأصعدة الاقتصادية والعسكرية والأمنية.

10 – وتماشياً مع بروكينجز، ستضع هذه الحادثة الإمارات أمام خيارين:

الخيار الأول: ويتمثل في الانسحاب من التصعيد في مأرب وشبوة وتركيز عملياتها على مناطق بعيدة عن جبهة المواجهة مع الحوثيين. ففي حالة تراجع الإمارات، من المرجح أن يبقى هجوم هذا الأسبوع مجرد رسالة من الحوثيين لتحذير الإمارات من مغبة زيادة انخراطها العسكري. لكن ذلك قد يعني على الأرجح بقاء الإماراتيين عرضة لهجمات الحوثيين أو الجهات الداعمة لهم ويضعها في دائرة استهدافهم متى أرادوا. من ناحية أخرى، قد يضعف هذا الخيار من جديد الشراكة القائمة بين الإمارات والسعودية.

الخيار الثاني: وهو عكس الأول تماماً ويكمن في قيام الإمارات بزيادة انخراطها العسكري والسياسي والدبلوماسي في اليمن. ولتحقيق ذلك، سيتعين عليها تعزيز دفاعاتها الجوية للتحوّط ضد أي هجمات عسكرية محتملة في المستقبل. وسيجبرها هذا الخيار أيضاً على إعادة النظر في استراتيجيتها في اليمن وتنسيق نهجها العسكري هناك مع السعودية. لكن هذا القرار قد يؤثّر سلباً على العلاقات بين الإمارات وإيران، ويقوّض التقارب الأخير بينهما.وبغض النظر عن قرار الإمارات، لن تغيب تبعات الهجوم الأخير عن أفق الصراع في اليمن. فما حصل ليس سوى المثال الأحدث على تمدد الحرب خارج الحدود اليمنية، لتطال تداعياتها الكبرى المنطقة الأوسع. كذلك، يؤكد هذا المسار لماذا بات التوصل إلى حلٍّ حقيقي للصراع اليمني أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.

ولذا قد تتحول مسيرات الحرب في اليمن بشكل جذري نحو حسم الموقف أمام الحوثيين بسرعة حسم الأعمال العسكرية وتقويض قدراتهم وهو أمر ما زال صعب للغاية خاصة مع صعوبة جر الإمارات للتدخل العسكري المباشر مرة أخرى في اليمن.

د. سيد غنيم، دكتوراه في العلوم السياسية، زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا (مصر) – أستاذ زائر بالناتو

رئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع (IGSDA)، الإمارات العربية المتحدة

شارك

administrator

استشاري الأمن الدوَلي والدفاع، رئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع، الإمارات العربية المتحدة، وأستاذ زائر في العلاقات الدولية والأمن الدولي في أوروبا وشرق آسيا، (مصري)