معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع:
القسم الأمني والعسكري
دكتور سَــــيد غُنــــيم
زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا
رئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع
الأستاذ الزائر بالناتو والأكاديمية العسكرية الملكية ببروكسل
 
يُصرّ ترمب على تعزيز علاقاته مع قادة الخليج في ظلّ فترة من الأزمات في الشرق الأوسط والمشاكل الاقتصادية في الولايات المتحدة. والشركاء الثلاثة الأكثر موثوقية لواشنطن في الخليج هم قطر والإمارات والسعودية لأسباب مختلفة، سواء من حيث الطاقة والقدرات المالية، وأدوارهم في القضايا الإقليمية، وبما قد يحقق الرؤية في حل تلك القضايا والأزمات، كالأزمة في اليمن، ومعالجة القضية مع إيران، وتحقيق الاستقرار في سوريا، والمساعدة في الوساطة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وذلك نيابةً عن الولايات المتحدة دون الحاجة إلى استثمار أموال أو قوات أمريكية، وهو الأمر بالغ الأهمية بالنسبة لترمب.
أما عما سيحاول الأطراف تحقيقه خلال زيارة ترمب للشرق الأوسط المدة من 13 – 16 مايو 2025، وحسب آراء متخصصون فضلاً عن وجهة نظري الشخصية، أتصور الآتي:
أولاً: المطالب/ الأهداف المحتملة للولايات المتحدة:
1. من الضروري أن يعود ترمب من الخليج بإنجازات كبيرة، أو على الأقل بمثل هذه الصورة، ليُرسل رسالة واضحة وجلية إلى الناخبين الأمريكيين بأن أجندته “أمريكا أولاً” ناجحة. في ضوء تداعيات الرسوم الجمركية، سيسعى ترامب لاستعادة دعم من صوتوا له العام الماضي لكنهم قلقون من سياساته التجارية. ولذا سيحتاج ترمب إلى تعهدات مؤيدة بصور يُظهر بها أنه حصل على مئات المليارات من هذه الدول الغنية. ومن ثم وقبل كل شيء، سيسعى ترمب إلى جذب استثمارات ضخمة من السعودية وقطر والإمارات في الاقتصاد الأمريكي. ولو كان الأمر يتعلق فقط بالسياسة، لكان قد زار عُمان أيضًا. ولعل عدم زيارته مسقط له علاقة أيضًا بعدم تعهد عُمان باستثمار مئات المليارات في الولايات المتحدة.
2. يهدف ترمب لخفض أسعار النفط، لا سيما بالنظر إلى تأثير الرسوم الجمركية على التضخم؛ ومع ذلك، قد يكون هذا نقاشًا صعبًا، نظرًا لمصالح السعودية في إبقاء الأسعار مرتفعةً لزيادة الأرباح.
3. يُعدّ تجميد الحرب في أوكرانيا أحد أهم أهداف السياسة الخارجية لترمب هذا العام. وحتى الآن، لم تُكلّل هذه الجهود بالنجاح. ومع ذلك، أثناء وجود ترمب في الرياض، من المرجح أن يستغل هذه المناسبة للإعراب عن امتنانه للقيادة السعودية لاستضافتها محادثات حول النزاع الأوكراني بين مسؤولين من واشنطن وموسكو في وقت سابق من هذا العام. حيث ساهمت السعودية كجسر دبلوماسي بين الولايات المتحدة وروسيا في تعزيز صورة السعودية كصانعة سلام ذات سياسة خارجية متوازنة، مما يزيد من حجم التزام دول العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة، تجاه الرياض.
ومن ثم، سيكون الطلب هنا من جانب ترمب، حيث سيحاول الحصول على أي دعم ممكن من الدول الخليجية الثلاث للوصول إلى خط النهاية لاتفاق وقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا، وبما ينقذ موقف ترمب الذي وعد ناخبيه إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية في يوم واحد.
4. الصين هي الأساس، ولذا نجد مطلب آخر من جانب ترمب من الدول الخليجية الثلاث، بل من كل دول الخليج الست، وهو النأي بنفسهم عن بكين وإثبات انحيازهم الكامل لواشنطن، وذلك مع ظروف تصعيد التنافس الأمريكي الصيني واشتعال الحرب التجارية بين البلدين.
5. ستدفع الولايات المتحدة لتوقيع الاتفاق الإبراهيمي بين السعودية وإسرائيل. كما ستدفع لتنشيط البنود المتفق عليها بين الإمارات وإسرائيل.
6. تتردد شائعات على عدة مواقع إخبارية دون مصادر موثقة، أنه قد يتم فتح النقاش بين السعودية والولايات المتحدة بشأن إنشاء قاعدة عسكرية أمريكية في جزيرة تيران في البحر الأحمر، والتي نوقش نقل ملكيتها من مصر للسعودية منذ سنوات، ولم يتم الاتفاق النهائي على ألية نقل الملكية. والهدف السعودي من إنشاء قاعدة عسكرية أمريكية في هذه الجزيرة هو تأمين قناة السويس ومنع دخول أي سفن مشبوهة يحتمل استخدامها في نقل أسلحة ومعدات عسكرية إلى قطاع غزة أو الأراضي اللبنانية، خاصة تلك القادمة من إيران. وهو من الواضح يصب في صالح أهداف إسرائيل.
وحسب المصادر، أن ذلك لن يُقبل من جانب مصر، حيث تتلخص مخاوف القاهرة في أثر ذلك أمنيًا على الاستثمارات الأجنبية في مصر، خاصة تلك الممنوحة لشركات صينية، حيث ستكون القاعدة العسكرية الأمريكية هدف مشروع لإيران لم تسهم به في صالح إسرائيل. كما ستقوض هذه الخطوة الترتيبات الأمنية القائمة في سيناء، والتي سمحت بموجبها إسرائيل للقاهرة بزيادة قواتها وبناء نقاط أمنية جديدة في إطار حربها ضد الإرهاب، والتي تسعى إسرائيل حاليًا لتقليصها. كما سيكون لذلك تداعيات على الدور الإقليمي لمصر ولعلاقاتها مع الغرب، حيث ترى القاهرة أن إقامة قاعدة أمريكية على الجزيرتين قد تعزز العلاقات الأمنية المباشرة بين السعودية وإسرائيل، مما قد يؤثر سلبا على الدور الإقليمي لمصر وعلاقاتها مع القوى الغربية التي لا تزال تعتبرها ذات مكانة مهمة في ضوء اتفاقية السلام مع إسرائيل.
وتحفظي على هذا الطرح، أن مطلب التطبيع السعودي الإسرائيلي ومطلب إنشاء قاعدة أمريكية في تيران يعتبرا مطلبان مكلفان للغاية لواشنطن وتل أبيب تمنحا السعودية الفرصة للمطالبة بمطالب ضخمة، كما أن المطلب الثاني سيدفع مصر للابتعاد عن واشنطن، كحليف استراتيجي مهم لها، متوجهة إلى الصين. ناهيك عن أن جغرافية الجزيرة لا تسمح سوى بتواجد عسكري محدود للغاية كنقاط مراقبة مثلاً ولا تستوعب إنشاء قاعدة عسكرية.
ثانياً: مطالب دول الخليج المحتملة:
1. ستكون القضية الفلسطينية محل نقاش، خاصة في الرياض الدوحة، دون الوصول لحل نهائي.
2. واشنطن متشككة في حكومة الشرع، في الوقت الذي تعمل فيه الدول الخليجية الثلاث على إقناع ترمب وإدارته باتباع نهجٍ مختلفٍ تجاه سوريا ما بعد الأسد.
وتتصدر السعودية دول الخليج من حيث التواصل مع دمشق منذ سقوط الأسد في 8 ديسمبر 2024، ويتجلى ذلك في كونها أول دولة أجنبية يزورها الشرع منذ توليه رئاسة سوريا. كما كانت زياراته إلى قطر والإمارات مهمةً أيضًا، من منظور سعي حكومة دمشق الجديدة إلى ترسيخ شرعيتها على المستوى الإقليمي. ومن ثم اتوقع أن تسعى الدول الخليجية الثلاث لإقناع ترمب برفع العقوبات عن سوريا مع سباق النفوذ الإقليمي فيها.
حيث ترغب دول الخليج في الاستثمار في سوريا، لكن استمرار واشنطن في فرض عقوبات قانون قيصر الذي يعود إلى عهد الأسد لا يزال يُمثل العقبة الأكبر.
ومع تعهد قطر والسعودية بتسوية ديون سوريا مع البنك الدولي، من المرجح أن تمارس هاتان الدولتان نفوذًا، وسيرغب ترامب في استخدامه .
حيث ستعمل الرياض وأبوظبي والدوحة على إقناع ترمب بضرورة استخدام نفوذ بلاده للضغط على إسرائيل لإنهاء سلوكها المارق في لبنان وغزة وسوريا، والتوقف عن شن عمليات عسكرية ضد إيران. حيث تشعر دول مجلس التعاون الخليجي بالقلق من احتمالات نشوب حرب تشمل إيران، وهو سيناريو قد يكون مدمرًا للغاية من منظور سلامتها الاقتصادية وأمنها القومي، بل وتخشى انفراد إسرائيل بالقوة مع تقويض قدرات ونفوذ إيران وتركيا.
3. ستعمل الدول الخليجية على محاولة موازنة الأمور، في ظلّ تحوّلات النظام الجيوسياسي العالمي، حيث إن قادة الخليج سيرغبون في مناقشة حرب ترمب التجارية، وإيجاد سُبُل لعزل أنفسهم بشكل أكبر عن التداعيات الاقتصادية والسياسية. سيُواصل هؤلاء القادة الخليجيون توخي الحذر، لا سيما في ظل تنامي التوترات بين الولايات المتحدة والصين.
4. التزود بالأسلحة فائقة التطور خاصة في الطائرات والدفاع الجوي والمسيرات.
وستسعى السعودية لإنهاء اتفاقية دفاع شاملة بين البلدين، والموافقة على إنشاء برنامج نووي سلمي.
5. قد تطلب السعودية إنشاء برنامج نووي سلمي.
6. قد تسعى الإمارات لعدم تقيد الاستثمارت المتبادلة بين الشركات الإماراتية والأمريكية المتخصصة في المجالات التكنولوجية، خصوصًا في مجال الذكاء الصناعي، وكذلك عدم وضع قيود على إستيراد الشرائح الإلكترونية المتطورة التي تستخدم في تدريب نماذج الذكاء الإصطناعي، حيث تتخوف الولايات المتحدة من أن تنتهي بها المطاف في الصين المحظور عليها إمتلاك تلك الشرائح الإلكترونية المتطورة.
وبشكل عام، أعتقد أيضاً أن الحصول على الرقائق الأمريكية سيكون أولويةً رئيسيةً للإمارات، وبدرجةٍ أقل للسعودية. حيث ستضغط الإمارات بقوة على ترمب لرفع قيود تصدير الرقائق المتقدمة، ربما مقابل استثماراتٍ كبيرةٍ في الذكاء الاصطناعي الأمريكي، وزيادةِ التباعد عن الصين.
7. قد تطلب الإمارات مزيد من الدعم الدبلوماسي الأمريكي في المحافل الدولية خاصة بشأن الموقف المُتخذ ضدها في الأزمة السودانية.
8. إستمرار العلاقات الإستراتيجية وإستمرار تصنيف الولايات المتحدة لقطر كحليف إستراتيجي خارج الناتو.
9. إستمرار التواجد العسكري الأمريكي على الأراضي القطرية وتقديم الضمانات الامنية لها.
10. تخفيف ردود الفعل المناهضة لقطر داخل الكونجرس ومجلس الشيوخ على خلفية دعم قطر لحركة حماس من وجهة نظر السيناتورز في تلك المؤسسات. وعدم وضع عقوبات او توجيه إنتقادات رسمية للعلاقات القطرية مع الجماعات الإسلامية حتى تسطيع قطر العمل كوسيط بينها وبين الولايات المتحدة حال ما احتدمت الأمور.
شارك

administrator

استشاري الأمن الدوَلي والدفاع، رئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع، الإمارات العربية المتحدة، وأستاذ زائر في العلاقات الدولية والأمن الدولي في أوروبا وشرق آسيا، (مصري)