تفرح الشعوب بالتقارير عن زيادة قوتها العسكرية، هذا حقٌ أصيل، يفرح المواطن حين يعلم أن درعه وسيفه (القوات المسلحة)، تخطو للأمام بثقة، لكن بين «الفرح» و«الحقائق المنظمة»، مسافة لابد أن يدركها المواطن وصانع القرار فى الوقت نفسه، فالمواطن – من غير ذوى الخبرة المباشرة – يتعرض لكم هائل من التقارير «غير الدقيقة» التى تعتبر القوة العسكرية، هى أساس تصنيف القوى فى الإقليم «الشرق الأوسط وشمال أفريقيا»، والعالم. وهى تقارير تخلط الأمور المنظمة علمياً بشكلٍ فج، وتساندها دعاية غير مسبوقة، ترفع سقف التوقعات بعيداً عن الحقائق، وتخلط معايير القوة الشاملة للدولة ببعضها، والنتيجة، أحلام سعيدة مبنية على تقارير «مغلوطة»، فيما المستفيد الأكبر من هذه «الدعاية الفجة»، هم الإسرائيليون، الذين يستخدمون مثل هذه التقارير للحصول على أكبر معونة عسكرية فى تاريخهم، وبينما نفرح نحن – كشعب – بالمعلومات المضللة، تفتح الدول الكبرى خزائن سلاحها أمام تل أبيب.
فى هذا المقال التحليلى، يشرح اللواء أركان حرب سيد غنيم، عبر تدقيق علمى مفهوم القوة الشاملة للدول، ويستعرض التقارير غير الدقيقة، ويوضح نماذج حسابات علمية لمفهوم قوة مصر الشاملة، ويطرح معادلات القوة بشكل رياضى مبسط، يمكّن المواطن من معرفة الحقائق، ويطرح أمثلة للتقارير الرصينة ذات الثقل العلمى والمادة الاحترافية.
مصر بتفرح..
يصدر سنوياً كل من الموقع الإلكترونى جلوبال فاير باور «Global Fire Power – GFP»، والموقع الإلكترونى بيزنس إنسيدر «Business Insider» تقارير متابعة لأحجام القوة العسكرية دولياً وإقليمياً وحجم الإنفاق العسكرى لها.. وحيث يقومان بفرض ترتيب للدول بناءً على حجم القوات والأسلحة والمعدات العسكرية مع عدم درج السلاح النووى ضمن المقارنات، كما يقومان بوضع ترتيب آخر موازٍ بناءً على حجم الإنفاق العسكرى لكل دولة أيضاً.
وقد اعتادا الموقعان الإلكترونيان المتخصصان بتصنيف القوة العسكرية وضع مصر فى ترتيب متقدم نسبياً على العالم ضمن أكبر جيوش لثلاثين دولة بناءً على ما تمتلكه من قوات وعتاد آخذة ترتيبها الثالث عشر إقليمياً بعد إسرائيل (الحادى عشر)، وتركيا (الثامن) وقبل السعودية (الخامس والعشرين)، وإيران التى وضعها الموقع فى ترتيب متأخر خارج الثلاثين دولة الأولى.
أما فى عام 2016 وبعد تعديل الترتيب أكثر من مرة خلال الأربعة أشهر الأولى وكما هو مُعتاد كل عام بواسطة موقع جلوبال فاير باور، تم وضع ترتيب مصر فى حجم القوة العسكرية ليكون (الثانى عشر) سابقة إسرائيل لأول مرة منذ سنوات والموضوعة فى الترتيب (السادس عشر)، وإيران (الحادى والعشرين)، والسعودية (الرابع والعشرين)، مع احتفاظ تركيا بترتيبها (الثامن).. فى الوقت الذى رصد فيه نفس الموقع الإلكترونى حجم النفقات العسكرية المصرية (4.4) مليار دولار فقط بترتيب (الخامس والأربعين) علماً بأن صفقات شراء قطعتى الميسترال البحرية والـ(24) طائرة الرافال من فرنسا وحدها قُدرت بحوالى (5.3) مليار دولار ومليار يورو أى ما يقرب من (6) مليارات دولار أى كانت مصادر التمويل، غير أسلحة المعونة الأمريكية والمقدرة بـ(1.3) مليار دولار، أما إسرائيل فقد وضع لها ميزانية نفقات تسليح قدرها (15.6) مليار دولار بترتيب فى النفقات (الخامس عشر)، والسعودية (56.7) مليار دولار بتريب نفقات عسكرية الثالث على العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، وكأن السعودية تدفع عشرات أضعاف ما تدفعه مصر فى نفس قطعة السلاح المُشتراه من نفس المصدر.
عدم الدقة الملحوظ ليس فقط فى أحجام النفقات العسكرية للدول ومنها مصر، لكن ربما أيضاً يظهر بشدة فى المبالغة الكبيرة فى حجم قطع الدبابات والمدفعية والدفاع الجوى والتى تحتاج لمراجعة وتدقيق حقيقيين.
قد لا يعلم الكثيرون أن موقع «جلوبال فاير باور» يعتمد فى تقاريره على مصادر إلكترونية محددة وهى موقع المخابرات المركزية الأمريكية الحكومى، وموقع «وورلد فاكت بوك»، والموسوعة الحرة «ويكبيديا» ومواقع أخرى، فضلاً عن تقديرات يقوم باستنتاجها بناءً على المعلومات المتاحة من تلك المصادر.. وقد لا يعلم الكثيرون أيضاً أن موقع جلوبال فاير باور لا يبنى تقاريره على القدرات النوعية ولا على بنود الكفاءة القتالية العسكرية الخمسة، ولا على القدرات النووية للدول، ولكنها تُصاغ بناءً على حسابات رقمية بحتة لعدد الأفراد والدبابات والعربات المدرعة وعدد قطع مصادر نيران القوات البرية من المدفعيات بأنواعها والصواريخ، فضلاً عن حجم القطع البحرية والجوية وحجم إنتاج النفط ونفقات التسليح وحجم الدعم الإدارى والفنى.
لا شك أن خبر متداول بمواقع التواصل الاجتماعى «والتى أصبحت المصدر الرئيسى للعديد من الجرائد الرسمية وغير الرسمية، بل وربما لبعض الجهات الحكومية أيضاً» يقول «القوة العسكرية المصرية لأول مرة تحتل المركز الأول عربيا والثانى عشر عالمياً، لتتفوق على الجيش الإسرائيلى بواقع أربعة مراكز» يعتبر قطرة مياه باردة فى يوم شديد الحرارة تروى ظمأ المصريين وتدغدغ مشاعرهم بجرعات حماس وعاطفة شديدة بل وآمال عريضة فى مستقبل القوة العسكرية المصرية إقليمياً ودولياً، ولكن هل تحمل تلك القطرة أمراً حقيقياً؟
وسواء تعمد القائمون على موقع جلوبال فاير باور المبالغة فى تقييم القوات المسلحة المصرية من عدمه فهو بالتأكيد يتفق مع آراء المحللين الغربيين والإسرائيليين الذين يدعمون مطالب إسرائيل الأخيرة برفع المعونة الأمريكية لها إلى (5) مليارات دولار وأكثر، وتبقى إسرائيل المستفيد الأول دائماً، مقابل التنديد بزيادة نفقات الجيش المصرى لشراء أسلحة تقليدية أمام إسرائيل والذى جاء تفصيلاً بتقرير يوليو 2015 الصادر من مركز الدراسات الأمنية الاستراتيجية للتنبؤ الأمريكى «استراتفور» والذى يُطلق عليه «مخابرات الظل» نظراً لحجم العاملين من رجال الـ«سى آى إيه» المتقاعدين، حيث يرى التقرير أن إسرائيل لم تصبح تهديداً حقيقياً لمصر بينما تُصر مصر على تعظيم حجم أسلحتها التقليدية «على حد قول كاتبو التقرير».. ذلك فى الوقت الذى اجتمع فيه الكونجرس وباقى محاور صناعة القرار بالإدارة الأمريكية لزيادة المساعدات العسكرية المصرية لمكافحة الإرهاب.
تقرير التوازن العسكرى السنوى لعام 2016..
على صعيدِ آخر نجد «تقرير التوازن العسكرى السنوى لعام 2016» والصادر من المركز الدولى للدراسات الاستراتيجية بالولايات المتحدة الأمريكية International Institute for Strategic Studies | IISS فى شهر فبراير 2016، والذى قد يُعد أكثر دقة وموضعية مقارنة بتقارير الموقعين الإلكترونيين السالف ذكرهما، حيث يتضمن تقرير التوازن العسكرى السنوى لعام 2016 «التقرير السنوى العالمى للقدرات العسكرية واقتصاديات الدفاع»، والذى يهدف بشكل رئيسى لتقييم الميزانيات العسكرية وأحجام جيوش الدول وليس لحساب الكفاءة القتالية لها، ولا يقيس أى قدرات غير عسكرية، حيث يرتب التقرير بالأبجدية وليس بالقوة العسكرية فى جميع أقسامه، وجديرٌ بالذكر أنه يضع دول الخليج ومصر وإسرائيل وإيران واليمن ودول شمال أفريقيا ضمن مجموعة منطقة إقليمى (الشرق الأوسط وشمال أفريقيا)، فى الوقت الذى يضع فيه تركيا ضمن مجموعة دول أوروبا ربما لكون الجيش التركى أحد عناصر حلف شمال الأطلسى «الناتو».
ونجد أن تقرير التوازن العسكرى الدولى لعام 2016 قد ذكر أن إسرائيل ما زالت الأقوى عسكرياً بين بلدان الشرق الأوسط بنفقات عسكرية قدرها (15.5) مليار دولار، وأن السعودية هى الأكثر والأقوى عتاداً ارتباطاً بحجم ميزانيتها المخصصة للدفاع «الثالث عالمياً والأول شرق أوسطياً وعربياً» بما قيمته (81.9) مليار دولار، وأن الإمارات هى الأكفأ فى التدريب القتالى بين دول الخليج بنفقات عسكرية قدرها (14.4) مليار دولار، وأن مصر ما زالت تحارب الإرهاب الموالى لتنظيم «داعش»، وأن قوات مصر البحرية تحت قيادة السعودية والمكلفة بتأمين باب المندب ذات كفاءة تدريبية قتالية عالية، ونفقات مصر العسكرية قدرها (7.18) مليار دولار، وأن إيران تمتلك أسلحة ومعدات استراتيجية وتدريب عال عليها مقارنة بدول المنطقة بنفقات عسكرية قدرها (15.9) مليار دولار.
الأسس العلمية الحقيقية والواجبة لتقييم القدرة العسكرية للدولة
أولاً: تتمثل العوامل المؤثرة فى القدرة العسكرية من المنظور السياسى العسكرى فى (6) عناصر رئيسية وهى (القدرات القتالية للأفرع الرئيسية للقوات المسلحة وقوات الدفاع الشعبى المخطط تعبئتها فى ظروف الحرب وقدرات الردع المتيسرة – حجم المخزون الاستراتيجى من الاحتياجات العسكرية «أسلحة- ذخائر- قطع غيار- معدات- مركبات..»، وكذلك القدرة على الاستعواض – كفاءة القيادة العسكرية الاستراتيجية فى التخطيط وإدارة العمليات وممارسة أعمال القيادة والسيطرة – كفاءة خطط التعبئة، والقدرة على تعبئة موارد وقدرات قطاعات الدولة لصالح المجهود الحربى – درجات الاستعداد القتالى للقوات المسلحة – كفاءة إعداد أراضى الدولة كمسرح للعمليات الحربية، والتأمين المادى، والنقل لخدمة الصراع المسلح، ومدى صلابة وتحصين الجبهة الداخلية ضد ضربات العدو الجوية والصاروخية بأسلحة دمار شامل، ووقاية السكان والأهداف الاستراتيجية من تأثير هذه الضربات).
ويتلخص مفهوم القدرة القتالية، والعوامل المؤثرة فيها فى أنه البيان الإحصائى للقوة العسكرية الذى تعقد على أساسه المقارنات على المستويات المختلفة مع قوى التهديد الخارجى، ويتضمن هذا البيان القوة البشرية وحجم ونوع الوحدات والتشكيلات.. ويوجد عديد من العوامل المؤثرة على القدرة القتالية المؤثرة بالإيجاب أو السلب تتمثل فى عوامل أساسية (ثابتة) تتمثل فى الكفاءة النوعية للسلاح، وعوامل رئيسية تتمثل فى كفاءة وفاعلية التنظيم والتوازن النسبى بين عناصره، والكفاءة القتالية، وحجم القوات البرية والجوية والبحرية سلماً وحرباً، والعقيدة القتالية، والقيادة والسيطرة. هذا إلى جانب عوامل أخرى مساعدة (متغيرة) وتتمثل فى معامل الاستخدام التكتيكى العام للأسلحة وهو ما يسمى معامل التأثير الميدانى (طبيعة الأرض، التوقيت، الطقس..).
ومما سبق نجد أن أهم الأسس العلمية لتقييم القدرة العسكرية للدولة تبنى على التقييم الدقيق للكفاءة النوعية للأفراد والأسلحة والمعدات والحجم العددى لهم، وكفاءة وفاعلية والتوازن النسبى لتنظيم الوحدات والتشكيلات القتالية بجانب عناصر الكفاءة القتالية الخمسة والمعروفة عالمياً وهى (الاستعداد القتالى – التدريب القتالى – الحالة الفنية للعتاد – الحالة الإدارية – الروح المعنوية والانضباط العسكرى).
«القوة الشاملة للدولة – National Power» – قدرة الدولة على تحقيق مصالحها دولياً، والتأثير على غيرها.
ورغم كل ما سبق إلا أن ترتيب الدول واعتبارها قوى إقليمية أو دولية من عدمه فلا يكون بناءً على قدرات الدفاع فقط، ولكن بناءً على ناتج حساب «القوة الشاملة للدولة».. حيث تحسب قوة الدولة بتجميع كافة الإمكانات وتأثيراتها الإيجابية والسلبية، ويُعرف بناتج تجميع القوى المختلفة للدولة (السياسية، والاقتصادية، والعسكرية، والاجتماعية، والبيئية والجغرافيا السياسية «الجيوبوليتكية»، والتكنولوجية، والمعرفية والقوى البشرية) بكل سماتها وخصائصها من قوة وضعف، وهو ما ينتج عنه تأثيرات إيجابية للسمات القوية فتحسب بالإضافة، وأخرى سلبية للسمات الضعيفة يتم حسابها بالخصم، ويكون ناتجها النهائى عبارة عن محصلة كَميّة تسمى «قدرة الدولة على تحقيق مصالحها فى المجتمع الدولى وفى التأثير على غيرها».. وبمقارنة تلك المحصلة، أو مقارنة مفرداتها مع نظيرها لدولة أخرى يمكننا قياس قوة الدولة وقدراتها فى المجتمع الدولى، أو مقابل خصومها، مع الوضع فى الاعتبار ثبات معيار القياس المُستخدم حتى تكون نتائج المقارنة دقيقة وذات دلالات هادفة قدر الإمكان، فقد انتهى عصر مقارنة قوى الدول بناءً على حجم القوة العسكرية فقط.
وهناك عدة معايير للقياس، والاختلاف بينها هو اختلاف العناصر الأساسية المستخدمة فى القياس (نوعاً وعدداً) باختلاف العلماء المُنَظِّرين.. فقد حدد العالم «ويلهيلم فيكس» متغيرين لحساب قوة الدولة الشاملة من خلال العلاقة بينهما، بينما وضع العالم «إف. سى. جيرمان» مصفوفة رياضية من (26) متغيراً فى أربعة عناصر أساسية هى (السكان، والموارد، والمساحة، وقوة العمل).. أما العالم الأمريكى «راى كلاين» فقد اعتمد على خمسة متغيرات هى (الكتلة الحيوية، والقدرة الاقتصادية، القدرة العسكرية، والهدف الإستراتيجى والإرادة القومية).. ويشتمل مقياس «كلاين» على الكتلة الحيوية وعناصرها ومنها:
1- الأرض، والموقع، والمساحة، وعدد السكان، والمواصلات بأنواعها سواء مواصلات جوية أو بحرية أو برية.
2- التجانس العرقى.
3- التركيبة السكانية.
4- المناخ.
5- الخصائص النوعية للسكان.
كما يشمل:
1- القدرة الاقتصادية.
2- القدرة العسكرية.
وبالتالى المقارنة بين الدول من وجهة نظر «كلاين» تتم وفقا للمعادلة الآتية:
القوة المحسوسة للدولة «ق م» = الكتلة الحيوية وتتضمن السكان والمساحة «ك» + القدرة الاقتصادية «ص» + القدرة العسكرية «ع» × (الاستراتيجية القومية «هـ» + الإرادة الوطنية «أ»).
مع ملاحظة حجم السكان وحجم المساحة المشغولة بالسكان فى الدولة.
أى أن: ق م = (ك + ص + ع) × (هـ + أ)
PP = (C+E+M) × (S+W)
وقد حدد «كلاين» ثلاث ركائز للإرادة الوطنية هى: مستوى التماسك الوطنى (33%)، وقوة القيادة السياسية (34%)، ومدى ملاءمة الاستراتيجية العليا للدولة للمصالح الوطنية وتحقيقها لهذه المصالح (33%). أما قيم التماسك الوطنى فهى اثنتان: التناسق والتكامل الثقافى (25%)، والتناسق والتكامل الإقليمى (8%). وقسّم أيضاً قوة القيادة الوطنية إلى اثنتين: قدرة القيادة التنفيذية (الحكومة) (17%)، ومستوى الانضباط الاجتماعى (17%).. ولقد وافق كلاين على رأى بعض المحللين بعدم جدوى وضع معدل لقياس الأهداف السياسية والإرادة الوطنية لكثير من دول العالم الصغرى والنامية.
ولإعطاء مثال لمقارنة قوة الدولة الشاملة بين مصر وإسرائيل وطبقاً لنمط «كلاين» نلاحظ الآتى:
1- تتفوق مصر على إسرائيل فى الآتى:
a. الكتلة الحيوية (مساحة + سكان) بنسبة 3.3 (مصر): 1 (إسرائيل)، حيث إن مساحة مصر المأهولة بالسكان حوالى (70) ألف كيلومتر مربع مقابل (21) ألف كيلومتر مربع لإسرائيل.. وحجم سكان مصر حوالى (90) مليون نسمة وإسرائيل حوالى (8) ملايين نسمة أى بنسبة (10.1: 1) ليحققا نسبة إجمالية 6.7 (مصر): 1 (إسرائيل).
b. القوة الاقتصادية بنسبة 1.1 (مصر): 1 (إسرائيل) حيث استند كلاين فى ذلك بصفة أساسية إلى إجمالى الناتج القومى للدولة، وكذا التحول من إنتاج السلم إلى إنتاج الحرب، والذى يراه وقتها أنه يميز مصر عن إسرائيل.
أى أن النسبة العامة النظرية = 3.9 (مصر): 1 (إسرائيل).
2- وتتفوق إسرائيل على مصر فى الآتى:
a. القوة العسكرية التقليدية بنسبة 0.57 (مصر): 1 (إسرائيل). حيث أدخل «كلاين» ومن وجهة نظره العوامل الكم نوعية فى كل ما يتعلق بالقوات المسلحة (مستوى الأداء فى الحروب، التنظيم، الروح المعنوية، الكفاءة النوعية للفرد والسلاح، والقيادة والسيطرة، تعبئة الاحتياطيات الاستراتيجية.. إلخ).
b. القوى الأخرى المحسوسة بنسبة 0.59 مصر: 1 (إسرائيل).
أى أن النسبة العامة النظرية = 0.58 (مصر): 1 (إسرائيل).
وبالتالى، فإن إجمالى القوة الشاملة طبقاً لنمط «كلاين» يمثل ميزان التوازن الشامل لصالح مصر بنسبة 2.24: 1.
إلا أنها تعتبر مقارنة غير دقيقة حيث أغفل كلاين عامل السلاح النووى الإسرائيلى ووسائل استخدامه والذى يزيد (عشرة أضعاف) قدرة دولة مناظرة غير نووية والكفاءة النوعية للأسلحة والمعدات والتى تعتبر لصالح إسرائيل، أما الكفاءة النوعية للقادة والأفراد فقد يتنافس عليها الجانبان من وجهة نظر مراقبين كثيرين ارتباطاً بالمستوى العلمى والثقافى واللياقة البدنية والمهارات فى استخدام الأسلحة والمعدات والروح المعنوية والانتماء الوطنى، ونوعية القيادات وقدرتها على ممارسة أعمال القيادة والسيطرة والتخطيط وإدارة العمليات وتنفيذ المهام التى تحددها القيادة السياسية والتى أظنها شخصياً لصالح مصر.
ويضيف بعض الأكاديميين العسكريين والسياسيين متغيرين آخرين هما القدرة الدبلوماسية، وقدرة ممارسة النفوذ دولياً وإقليمياً.. ليأتى بعد «كلاين» اللواء أ.ح. أحمد فخر مدير أكاديمية ناصر العسكرية العليا الأسبق، الذى استخدم معادلة «كلاين» وأضاف عليها عنصرين جديدين، وهما «القدرة الدبلوماسية» والتى تعد إحدى القدرات غير الملموسة، و«القدرة على فرض النفوذ» إقليمياً وعالمياً.. إلا أن الأوزان المستخدمة التى حددها للقدرات المختلفة للدولة تُعتبر غير مناسبة.
أما د. جمال زهران أستاذ العلوم السياسية، فقد تميز أسلوب قياسه عن «كلاين»، بأن المنظور الذى أخذ به هو منظور يمكن تطبيقه على المستوى الإقليمى، وكذلك على المستوى العالمى، إذ تسبب أوزان الدول طبقاً لقيمها الفعلية غير المرتبطة بالقوى العظمى، ومن ثم يمكن ترتيبها بعد ذلك طبقاً لمحصلة قدرتها.. وقد استخدم د. جمال زهران معادلة الانحراف المعيارى المعروفة فى القياسات الإحصائية بأنها أكثر دقة وأقرب إلى الواقع، بينما استخدم «كلاين» الأوزان النسبية طبقاً للمعايير التى وضعها بتقديره الشخصى.. كما أضاف زهران الكثير من العناصر التفصيلية فى الحساب بما يؤدى إلى تقدير أدق للقوة الشاملة للدولة.. إلا أنه ربما تجاوز عن فاعلية الأسلحة والمعدات عند حساب القدرة العسكرية، كما تم إغفال القدرة النووية للدولة.
لنصل للدكتور نبيل فؤاد الذى اتفق فى تعديلاته مع الإطار العام لمعادلات كل من «كلاين» واللواء أحمد فخر، والدكتور جمال زهران، إلا أنه اختلف معهم فى تحديد ما هى العناصر الملموسة والعناصر غير الملموسة، إذ أضاف أبعاداً أخرى للعناصر غير الملموسة مثل القدرة التكنولوجية، وقدرة الإعلام والمعلومات.. حيث أضافت التعديلات الكثير من مكونات العناصر الفرعية لكل قدرة بما يؤدى إلى تقدير أدق للقوة الشاملة للدولة.. ولم يغفل عند حساب القدرة العسكرية الأسلحة فوق التقليدية: (كيماوية – بيولوجية – نووية)، فتوصل إلى طريقتين لحساب القوة الشاملة للدولة، إحداهما سريعة، والأخرى دقيقة تعتمد على الأساليب الإحصائية والانحراف المعيارى المأخوذة عن د. جمال زهران، وتتميز هذه التعديلات بالقياس الدقيق للقدرة العسكرية، إذ أضاف أوزاناً جديدة، واستخدم معاملات دقيقة تعطى مصداقية للحساب.
ويتضمن النموذج المصرى الأكاديمى سبعة عناصر أساسية متغيرة يشتمل كل منها على العديد من التفاصيل الدقيقة، يمكن قياسها كميا قبل أن توضع القيمة فى النموذج الرياضى التالى:
P. P = (C + E + M + I) x (S + W + D)
حيث إن:
Total Perceived Power P. P = قوة الدولة المدركة (إجمالى القوى الوطنية الشاملة).
Critical Mass C = الكتلة الحيوية.
Economic Capability E = القدرة الاقتصادية.
Military Capability M = القدرة العسكرية.
Image (Influence) I = قدرة ممارسة النفوذ دولياً وإقليمياً.
Strategic Goal S = الهدف الإستراتيجى للدولة.
Will to Pursue National Strategy W = الإرادة القومية.
Diplomacy Capability D = القدرة الدبلوماسية.
ويُدرس كل قدرة من كافة مكوناتها، فى منظور إقليمى متكامل، ويمكننا هنا أن نلاحظ ظهور أبعاد الأمن القومى كاملة، والتى تتحول إلى قيمة حسابية تُهيئ مفرداتها التفصيلية دراسة وافية تحدد السياسات المتخصصة لكل بعد، والإستراتيجيات المتخصصة النابعة من السياسات. ويصوغ صانعو القرار الإستراتيجى الوطنية على أساس حسابهم للقوى الوطنية الشاملة، وسياسات الأمن الوطنى لها.. وتقوم بتلك الحسابات جهات رصد دولية متخصصة تحدد بها قدرات القوة الشاملة لكل دولة، وترتب الدول بناءً عليها إقليمياً فى الأساس لضمان وحدة وثبات المعايير، ولكنها لن تكون على درجة كبيرة من الدقة بالطبع لصعوبة تقييم بعض العناصر الهامة المشتركة فى المعادلة الحسابية.
أما نموذج مؤسسة «راند – RAND» الأمريكية لقياس القوة الشاملة للدولة فيتضمن ثمانى قدرات رئيسية وهى (القوى الاجتماعية ذات التأثير السياسى الداخلى، والقوى السياسية الدولية، القوى البشرية، والقوى الاقتصادية، والإمكانيات الزراعية، وموارد الطاقة، والقدرات التكنولوجية، والقدرات البيئية والنوعية)، والعجيب انه لم يتضمن القوة العسكرية، وأنه أخرج الإمكانيات الزراعية من ضمن القوى الاقتصادية.. وعلى صعيد آخر تقوم بتقييم العناصر الفاعلة غير الحكومية كالجمعيات والمنظمات الأهلية غير الحكومية والقوى الناعمة مثل الإعلام والصناعة السينمائية وغيرها باعتبارها عوامل داعمة لقوى الدولة الشاملة.
دور الدولة
يتطلب ما سبق ضرورة تعيين فريق علمى متخصص مكون من خبراء حقيقيين لديهم التأهيل والخبرات اللازمة فى كافة مجالات القوى الشاملة للدولة (القوى السياسية «داخلياً وخارجياً، والدبلوماسية»، والقوى الاقتصادية «زراعية – صناعية – سياحية .. إلخ»، والقوى العسكرية، والقدرات البيئية «جغرافية – موارد محلية .. إلخ»، والقوى البشرية، والقدرات الثقافية والمعرفية) للقيام بمهمة إعادة تقييم موقف الدولة المصرية وتحديد عناصر القوة الشاملة للدولة المصرية والتى تتناسب إقليمياً مع دول الجوار، على أن تكون ذات محددات ثابتة وواضحة ومتكاملة وبما يمكن الحساب بناءً عليها، يُشرف عليها مجلس الأمن القومى المصرى، وبناءً عليه تُكلف وزارات الدولة كل فى تخصصه بأهداف مرحلية محددة لتطوير أدائها فى الاتجاهات الصحيحة، وبما يزيد من وزن عناصر القوة المطلوبة للدولة فى منظومة متلاحمة تجعل من مصر قوى إقليمية بل قوى دولية مستقبلية حقيقية.
* زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا
استشارى الأمن القومى والدفاع
تعريف بالكاتب
اللواء أركان حرب سيد غنيم، استشارى الأمن القومى والدفاع بأبوظبى، ورئيس فريق المفكرين الدوليين متعدد الجنسيات «معهد شؤون الأمن العالمى والدفاع». وهو محاضر زائر بأكاديمة دفاع حلف الناتو بروما، وبقسم العلاقات الدولية بكلية الإعلام بالجامعة الأمريكية بالإمارات، كما يترأس ويحاضر بالعديد من المؤتمرات الإقليمية والدولية.
غنيم حاصل على زمالة «كلية الحرب العليا» بأكاديمية ناصر العسكرية العليا، وعلى درجة الماجستير فى العلوم العسكرية من كلية القادة والأركان، وفى العلوم السياسية من جامعة «بالشوستان» بباكستان. كما حصل على دبلوم العلوم السياسية من الكلية الملكية للعلوم بجامعة «كرانفليد» ببريطانيا، فضلاً عن دورات تدريبية فى دبلوماسية الدفاع وعمليات حفظ السلام من المملكة المتحدة وأيرلندا والولايات المتحدة وفرنسا، ودورات أخرى عديدة فى مصر، وهو خريج الكلية الحربية المصرية.
تولى غنيم مناصب عسكرية محلية ودولية مهمة أثناء خدمته بالقوات المسلحة، حيث شارك فى تخطيط وإدارة عمليات حماية المواطنين وتأمين الانتخابات عقب ثورة يناير، وعمل رئيساً لأركان بعثة الأمم المتحدة بنيبال، ومهام دولية أخرى بالأمم المتحدة والقيادة المركزية الأمريكية فى صحراء المغرب ورواندا وفلوريدا بالولايات المتحدة.
غنيم حاصل على ميداليات وأنواط عديدة محلية ودولية خلال خدمته الطويلة بالقوات المسلحة والأمم المتحدة.