دكتور سيد غنيم، دكتوراة الفلسلفة في العلوم السياسية، رئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع – IGSDA.
بعد الاتفاقية العسكرية بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا في إقليم الباسفيك ضد الصين على حساب فرنسا، ومع التوتر الإعلامي الدائر حول الباسفيك، هل تنشب حرب بين الولايات المتحدة والصين؟
موشي يعلون، وزير الدفاع الإسرائيلي السابق: “يجب على الولايات المتحدة أن تنضم إلى إسرائيل في الاصطفاف مع المعسكر العربي السني في مواجهة إيران”.
ولم توجه الولايات المتحدة طلقة واحدة تجاه إيران رغم التصعيد العسكري الشديد ضد إيران عام 2019.
د. مالكولم ديفيز، استراتيجي عسكري بمعهد السياسة الاستراتيجية الأسترالي: “أستراليا يجب أن تقف عسكرياً مع الولايات المتحدة لمواجهة الصين”.
ولن توجه الولايات المتحدة طلقة واحدة تجاه الصين. وأذكر أنه منذ عقود الولايات المتحدة عندما أبرمت إتفاقية دفاع مع الناتو (كعضو رئيسي بالحلف)، تلاها اتفاقيات دفاع منفصلة في آسيا والباسيفيك مع (أستراليا، واليابان، وكوريا الجنوبية، وتايوان، وتايلاند، والفلبين) ولم تخرج طلقة واحدة ضد الصين.
حلفاء الولايات المتحدة يحثونها على محاربة أعدائهم الإقليميين خاصة أنهم أيضاً خصوم للولايات المتحدة. وإن كانت إيران عدو إقليمي لإسرائيل في الشرق الأوسط، فالصين ثاني قوة عالمية عظمى وليست مجرد قوة إقليمية كإيران أو تركيا.
كررتها مرات في محاضراتي الدولية وفي أكاديمية ناصر العسكرية العليا أنه “في حالة نشوب حرب بين الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية الصين الشعبية، القوتين النوويتين العظمتين في العالم، فالمنتصر بالتأكيد سيكون روسيا الاتحادية، أكبر قوة نووية، وثالث القوى العالمية. وبالتأكيد كل من الولايات المتحدة والصين يدركان ذلك جيداً ولديهما القدر الكاف من العقل لتجنب أي مواجهة عسكرية بينهما. ومن ثم، ليس فقط الأستراليين هم من يحثوا الولايات المتحدة على مواجهة الصين عسكرياً لضمان أمن بلادهم، بل الروس أيضاً سعياً لنصر مجاني على حساب خسائر القوتين العظمتين.
من جانب آخر، أقولها في محاضراتي في اليابان وكوريا الجنوبية وهندوراس (المعترفة بتايوان كدولة وليس الصين) بل وفي تايوان نفسها، أن الولايات المتحدة لن تحارب الصين حالة اجتياحها تايوان، ولكن الولايات المتحدة تستغل أي كيان يخرج من إطار (سياسة صين واحدة – One China Policy) في الضغط على الصين ومحاولة خلخلة سيطرتها على بحر الصين الجنوبي. وأزعم أن أسترايا واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان قبلهم، بل والصين نفسها، يعلمون ذلك جيداً.
على الصعيد الاقتصادي، نجد أن الصين، الدولة الأسرع في التحرك، قد أطلقت مبادرة الحزام والطريق مع بدايات العقد الماضي، وهي تعلم ما تواجهه الولايات المتحدة وحلفائها من صعوبات حالة منافسة الصين اقتصادياً رغم أن الولايات المتحدة ما زالت متفوقة اقتصادياً. فالمبادرة اليابانية العالمية المشتركة بين اليابان والولايات المتحدة والهند وأستراليا “إندو-باسيفيك منطقة حرة ومفتوحة – Free and Open Indo-Pacific Strategy” ما زالت في مرحلة التخطيط بسبب بطء الدول الأعضاء الأربعة في اتخاذ القرارات بشأن شكلها ومحاورها وأهدافها النهائية.
ما أريد قوله، أن الولايات المتحدة والصين تتجنبا المواجهات العسكرية، كما أن الولايات المتحدة تواجه صعوبات شديدة حالة منافسة الصين اقتصادياً. ومن ثم، فإن هدف الصين الرئيسي يتركز في تعظيم اقتصادها وانتزاع حلفاء الولايات المتحدة في آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية، أما الولايات المتحدة فتسعى لقتل اقتصاد الصين وليس منافسته وضمان الهيمنة على النظام العالمي. وكلا الهدفين لا يتحققا سواءً بالمواجهة العسكرية أو من خلال التنافس الاقتصادي بين البلدين، ولكن من خلال قدرة كل منهما على تعاظم التطور التكنولوجي، ونجاح الاستراتيجيات الاقتصادية، وتعاظم التحالفات الدولية والإقليمية، والمرونة الدبلوماسية التي تمكن من تطويق الآخر وفرض الضغوط عليه.
أما عن الأزمة الجارية والتي تعد الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا أهم أطرافها ضد فرنسا، فأنني أرى أن الولايات المتحدة وبريطانيا منافساً اقتصادياً لأوروبا ولكنهم جميعاً (الولايات المتحدة وبريطانيا ومععظم دول أوروبا) واقفين على أرضية أمنية مشتركة تتمثل في حلف الناتو في الأساس. ورغم أن فرنسا تبدو بين دول الناتو وكما يعرفها البعض بالـ Reluctant أي “الممانع”، والمقصود هنا أنها أحياناً كثيرة رافضة لقرارات الناتو، وهو موضوع في رأيي لا يؤثر في مدى بقاء الناتو وتماسكه. كما نجد أن الموقف الأمريكي البريطاني مع أستراليا تجاه فرنسا لا يهدد الاتحاد الأوروبي ولا الناتو ولا ينذر بتفكك أي منهما بسهولة كما يتصور البعض، ولكنه يوضح طبيعة البرجماتية الغربية والمرونة الدبلوماسية في ترتيب الأوليات وعلى رأسها الاقتصاد أو لمجابهة عدو رئيسي، ولو على حساب دولة حليف، تلك الأمور التي لا نفهمها – نحن العرب – جيداً أحياناً كثيرة.