أولاًملخص تمهيدي:

روسيا هي المورد الرئيسي للغاز إلى أوروبا من خلال ثلاثة خطوط أنابيب عبر أوكرانيا (نورد ستريم 1) وعبر أوكرانيا أيضاً وأستونيا (نورد ستريم 2) وعبر تركيا (ترك ستريم).

تركيا، في الوقت الذي تتمتع فيه بعلاقات مميزة مع روسيا، “ودرة تاجها صواريخ إس -400 الروسية لتركيا”، نرى أن تركيا زودت أوكرانيا بطائرات مسيرة وأنشأت معها صناعات عسكرية مشتركة، بل وحاولت أن تكون الوسيط الإقليمي بين روسيا وأوكرانيا، الأمر الذي رفضته موسكو، ليس فقط لأن تاريخ تركيا مع روسيا الواقع في منطقتي البحر الأسود وبحر آزوف، ومحيطها الإقليمي غير مرحب به من قبل روسيا على الإطلاق ؛ ولكن أيضاً، لا يريد بوتين التعامل مع أردوغان كند أو نظير، في الوقت الذي يعمل فيه أردوغان دائماً على لعب أدوار في عدة مناطق بما في ذلك البحر الأسود كقوة مناظرة بل ومتفوقة أحياناً أمام من حوله. لذلك، ستبقى فرنسا، القوة الأوروبية القوية التي تعارض دائماً النهج الأمني التركي داخل وخارج الناتو، وهي كذلك الوسيط الأفضل في الظروف الحالية بين روسيا وأوكرانيا، وحتى بين موسكو وواشنطن وبروكسل عاصمة أوروبا والناتو، على الرغم من موقفها المتضارب مع روسيا في مالي وليبيا. القلق الرئيسي بين فرنسا وروسيا هو استخدام عناصر فاجنر في إفريقيا وليبيا. تحاول فرنسا الآن تعزيز الدفاع الأوروبي، بالتأكيد دون أي نجاح حتى الآن. علاوة على ذلك، تولت فرنسا رئاسة الاتحاد الأوروبي حتى يوليو 2022، وهو ما يفسر جهود ماكرون لمعالجة الأزمة الروسية / الأوكرانية. مع الوضع في الاعتبار أن فرنسا تركز على إفريقيا والشرق الأوسط أكثر من أوروبا الشرقية. ربما هذا هو سبب وجيه أيضاً لدعم وساطتها في الأزمة الأوكرانية.

تعتبر العلاقات التركية الروسية المرنة في سوريا والشرق الأوسط والبلقان على حساب الولايات المتحدة بشكل أساسي في تلك المناطق وحتى مضيق البوسفور والدردنيل هما أهم منفذ لروسيا على المياه الدافئة للبحر الأبيض المتوسط. أما بالنسبة للعلاقات الروسية / التركية داخل البحر الأسود، فهناك أبعاد أخرى.

من ناحية أخرى، تركيا، والتي تمتلك أجهزة ومراكز استخبارات وفكر وتنبؤ عالية الكفاءة، لطالما توقعت موقف روسيا العدواني والمتصاعد حالياً ضد أوكرانيا. وسواء كان ذلك نتيجة للحرب بين روسيا وأوكرانيا أو نتيجة فرض عقوبات اقتصادية أمريكية/ أوروبية شديدة على روسيا، فإن الغاز القادم من روسيا عبر ممراته الثلاثة إلى أوروبا سيتعطل سواء بإردة روسيا أو بدون إرادتها.

في هذا الصدد، تركيا التي كانت علاقاتها سيئة خلال السنوات الماضية مع الولايات المتحدة، أرى أن مواقفها وعلاقاتها تتغير. في الوقت الذي تحولت فيه السياسة الأمريكية تجاه تركيا مؤخراً إلى سياسة متساهلة، يسود التعاون العسكري والتفضيل الاستراتيجي أيضاً من قبل الولايات المتحدة، تجد أن أنقرة تقترب من الولايات المتحدة.

تركيا التي تعتبر حالياً منافساً للسعودية في أهم أركان قوتها، وهي القاعدة الأيديولوجية الإسلامية، حيث اعتادت السعودية أن تعتبر نفسها زعيمة الدول الإسلامية لمجرد وجود مكة والمدينة على أراضيها و فيها كعبة المسلمين ومسجد نبيهم. ومع ذلك، فإن السعودية بحاجة ماسة إلى قوة تركيا في تحالف إسلامي قوي ضد إيران.

تركيا التي اعتادت أن ترى مصر (الدولة الديموغرافية العملاقة، مثل تركيا وإيران) أهم منافس لها شرق المتوسط ، لكنها لا تزال في أمس الحاجة إليها كحليف وليس كمنافس. والسبب أن مصر دولة مؤثرة في ليبيا من الغرب وغزة شرقا والسودان جنوبا والأهم شرق المتوسط شمالاً. ترى تركيا والناتو الساحل الشمالي لمصر أنه الساحل الأكثر تماسكاً مقارنة بباقي الدول شرق المتوسط، والذي يمتد من رفح على الحدود مع غزة شرقاً، إلى السلوم على الحدود الليبية غرباً. تعتبر الولايات المتحدة والنتو، وحتى روسيا، الساحل الشمالي لمصر أقوى فك سفلي يمكنه القبض على روسيا بالتعاون مع الفك العلوي، وهو الساحل المتماسك لتركيا عضو الناتو، وليس اليونان أو أي دولة أخرى شمال شرق المتوسط.

التنافس التركي الإيراني (الإمبراطوريتان السابقتان والدولتان الديموغرافيتان العملاقتان)، بغض النظر عن التقارب المؤقت بينهما على حساب القضايا الراهنة. لطالما كانت إسرائيل العدو المشترك للدول القومية العربية في دعمها للقضية الفلسطينية وإيران. لو استمرت هذه الحالة واكتسبت إيران قدراً من التفوق النووي، لكان من الممكن أن يتطور وضع قد يشكل تهديداً حقيقياً لوجود إسرائيل ذاته. ومع ذلك، وبسبب تصميم إيران اليوم على توسيع نفوذها، وتصديرها للعقيدة الثورية، واستفزازها المستمر لجيرانها ودعمها للجماعات الإرهابية المختلفة، نجحت إسرائيل في تحويل إيران إلى عدو مشترك مع مجموعة من الدول العربية خاصة الأقوى منها والأغنى.

الأسئلة التي تطرح نفسها حالياً أمام صناع القرار من الدول المعنية هي:

1-      ما السبب الرئيسي للتصعيد الروسي ضد أوكرانيا؟

2-      كيف ستكون العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة والناتو؟

3-      كيف ستكون العلاقات بين تركيا وروسيا وأوكرانيا؟

4-      كيف ستكون العلاقات الإقليمية بين تركيا وإسرائيل وإيران، وبين تركيا ومصر والسعودية والإمارات وقطر؟

ثانياًورائيات التصعيد الروسي ضد أوكرانيا:

1-     البعد الدولي (التنافس الاستراتيجي الدولي):

في أكتوبر 2021، تصاعد التوتر بين الصين وتايوان إلى درجة لم تحدث منذ 40 عاماً، بحسب وزير الدفاع التايواني، رغم تكراره. وفي ديسمبر 2021، حشدت روسيا قواتها على حدود أوكرانيا، معلنة عدوانية خطاباً عدوانياً تجاه جيرانها الجنوبيين، الذين ساد الهدوء منذ انتهاء الحرب بينهما قبل نحو سبع سنوات. أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن اقتراح لاتفاق أمني شامل مع الناتو، تم تلخيصه في مطالب محددة وصريحة من الناتو والولايات المتحدة، وتلى ذلك تطورات وتصعيد تنتهي بإعلان بوتين ولايتي مينستم ولوهانسك الإنفصالتيين جمهوريتين مستقلتين عن أوكرانيا.

بناءً على ما ذكرته أعلاه، أعتقد أن ما حدث مؤخراً من الصين في بحر الصين الجنوبي ضد تايوان في أكتوبر 2021، بالتزامن مع موقف روسيا في البحر الأسود ضد أوكرانيا بعد شهرين فقط وإعلان الصين دعمها للتحركات الروسية، هو تحقيق أهداف صينية روسية، بعضها منفصل، والبعض الآخر مشترك. يعتبر التصعيد الصيني الأخير ضد تايوان رسالة للولايات المتحدة تظهر نية الصين الجادة لفرض سيطرتها على بحر الصين الجنوبي، الذي تعتبره الولايات المتحدة مكاناً لإبحار أسطولها السابع، الأكبر في أسطولها العسكري، في سياق التصعيد بين بكين وواشنطن. يحمل التصعيد الروسي ضد أوكرانيا ثلاثة مطالب واضحة، تسعى جميعها إلى استعادة هيبة الاتحاد السوفيتي القديم وإهدار نجاحات ومكاسب الولايات المتحدة وأوروبا منذ انهيار الاتحاد السوفيتي حتى الآن، والحفاظ على منطقة عازلة أكبر بين روسيا وروسيا. أعداؤها الغربيون.

لتحقيق هذين الهدفين المنفصلين للصين وروسيا، من الضروري الدفع وراء الأهداف والمصالح المشتركة للبلدين، بشكل أساسي، هو تشتت الجهود الأمريكية الأوروبية في ساحات استراتيجية مهمة وخطيرة للغاية (شرق آسيا وأوروبا الشرقية)، وأزعم أن الصين لديها هدف أن تسحب الولايات المتحدة أسطولها السابع الذي تزايدت قوته شرق آسيا في بحر الصين الجنوبي إلى البحر المتوسط وشرق أوروبا ضضد روسيا في الأزمة الأوكرانية الحالية وبما يخفف الضغط عن الصين. كما تهدف كل من الصين وروسيا إلى زيادة الضغط على الولايات المتحدة بكل قوتها، الأمر الذي يحرم واشنطن من احتكار القرارات الدولية ويقلل من تركيزها على العديد من القضايا الإقليمية والدولية التي تضر بشدة بمصالح الصين وروسيا.

2-     البعد الإقليمي (التوازن الاستراتيجي الإقليمي):

تعتبر تركيا من الدول القليلة في أوروبا والعالم التي أقامت علاقات ومصالح مع كل من روسيا وأوكرانيا، مما يمكنها نظرياً من التدخل والتوسط، كما هو الحال في آسيا الوسطى وأفغانستان وغيرهما من القضايا والملفات الدولية. على الرغم من ذلك، لا تزال تركيا تعتبر “دونباس” إقليماً أوكرانياً([i]). الأمر الذي يزعج روسيا بشدة. علاوة على ذلك، قامت تركيا مؤخراً، خلال السنوات القليلة الماضية، بتزويد أوكرانيا بالسلاح وفتحت الباب أمام التصنيع المشترك.

هل كان أردوغان في سلوكه الأخير تجاه أوكرانيا يستهدف ما يحدث الآن؟ هل كان يحسب خطواته حتى لو لم يقصدها؟

ثالثاًالناتو وتركيا:

1-      أهمية تركيا لحلف الناتو والولايات المتحدة:

تركيا من أولى الدول التي انضمت للناتو في 18 فبراير عام 1952، أي مع بدايات الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، وعقب انتهاء الحرب العالمية الثانية بسبع سنوات. والسبب في الموافقة على عضوية تركيا بحلف الناتو رغم تاريخها المرفوض من العديد من الدول الأوروبية، هو أن موقع تركيا الجيوستراتيجي يجعلها تمثل الحد الأمامي الجنوبي لدفاعات الناتو أمام الاتحاد السوفيتي، كما أن تركيا تمتلك مضيقي البوسفور والدردنيل الذان حالة غلقهما يحرم تسرب القوات الروسية في البحر الأسود إلى المياه الدافئة في البحر المتوسط، وحالياً لتركيا دور هام في دعمها للدول المنفصلة عن الاتحاد السوفيتي في منطقة البحر الأسود، وأهمها أوكرانيا وجورجيا. فضلاً عن ذلك، يعد إطلال تركيا على شرق المتوسط أهمية حيوسياسية وعسكرية شديدة الأهمية تجاه جنوب أوروبا والشرق الأوسط.

2-      ملامح تزايد الفجوة بين تركيا والناتو والولايات المتحدة:

–        سحبت دول الناتو في 2015 منظومتها الدفاعية باتريوت من تركيا بعد وضعها في تركيا في بداية الحرب السورية. مما دفع تركيا إلى شراء منظومتين إس-400 الروسية. الأمر الذي أدى إلى قيام الولايات المتحدة باستبعاد تركيا من برنامج الطائرات المقاتلة F-35، وفرضت واشنطن عقوبات على تركيا لشرئها منظومة الصواريخ الروسية، مع السماح في الوقت نفسه لقبرص، التي تحتفظ تركيا معها بنزاع إقليمي طويل الأمد، للبدء في شراء الأسلحة الأمريكية، ناهيك عن الاستراتيجيات التركية المتباينة مع الناتو والولايات المتحدة في شمال شرق سوريا، والأولويات المتطورة في شرق المتوسط. لا شك أن التردي في العلاقات لم يؤثر فقط على التفاعل بين واشنطن وأنقرة، ولكن على التماسك داخل حلف الناتو والتطورات الأمنية في الشرق الأوسط.

–        كما قامت الولايات المتحدة بتسليح بعض عناصر الأكراد (المصنفة إرهابية) لمحاربة تنظيم داعش (المصنف إرهابي) في سوريا، من جانب آخر.

–        صرح الجنرال تشارلز والد، نائب قائد القيادة الأمريكية/ الأوروبية السابق بأن الولايات المتحدة يجب أن تسحب قواتها من قاعدة إنجيرليك بتركيا، وتضعهم في مكان آخر مع حلفاء جديرين بالثقة وسط تنامي معاداة تركيا لأمريكا وميلها الاستراتيجي نحو خصوم الولايات المتحدة مثل روسيا وإيران. وهو على ما أظن الأمر الذي تتحسب له تركيا، خاصة بعد أن هدد إردوجان بمنع القوات الأمريكية من استخدام قاعدة إنجرليك الجوية والتي تضم حاليا ما يصل إلى (50) سلاح نووي أمريكي.

–        في الحرب بين أرمينيا المدعومة من روسيا وأذربيجان المدعومة من تركيا، انحازت بعض دول حلف الناتو الى أرمينيا كفرنسا واليونان، ونددت بشدة بدعم تركيا لأذربيجان. وفي ديسمبر 2019 أصدر الكونجرس الأمريكي قرارات تقضي بإدانة الإبادة الجماعية للأرمن لأول مرة منذ أكثر من نصف قرن

–        فتحت تركيا حدودها لعبور المهاجرين نحو اوروبا وهو ما اعتبرته العديد من العواصم الغربية محاولة ابتزاز تركية لأوروبا.

–        صعدت الأحزاب اليمينية في أوروبا والتي تدعو لفك الارتباط بتركيا وطردها من حلف الناتو وعدم انضمامها الى أوروبا ([ii]) حتى وسائل الإعلام اليسارية كصحيفة واشنطن بوست الأمريكية نشرت مقالات تدعو لطرد تركيا من التحالف الغربي.

–        في 2017،  سحبت تركيا قواتها من مناورات للناتو بعد استخدام اسم إردوغان وصورة اتاتورك على لوحات إطلاق النار في أحد ميادين التدريب. وقال أردوغان : “لا يمكن أن يكون هناك تحالف كهذا”([iii]).

–        بعد انقلاب 2017 الفاشل ضد أردوجان، شرعت تركيا في إحالة الضباط الذين لديهم توجهات نحو الغرب الى التقاعد وزادت في المناصب والترقيات الجنرالات الذين يتبنون توجهات نحو الشرق وخصوصا روسيا([iv]).

–        في 2019 هددت الدول الأوروبية تركيا بفرض عقوبات عليها بسبب تنقيبها عن الغاز في منطقة شرق المتوسط. واظهرت الدول الأوروبية دعما لليونان وقبرص ضد أنقرة.

لقد لاحظت شخصياً في فترة سابقة، أن الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي في حالة غليان متزايد من مواقف إردوغان، منها ما هو تاريخي وما هو حديث، أهمها مناوراته الإقليمية المستقلة غير المحدودة في تطلعاته، حيث بدأ الغرب يرونه أنه ينتهج سياسية عدوانية، خاصة بعد تغير الموقف الأمني التركي لصالح روسيا وقمم سوتشي في روسيا، ومواقفه بشأن قضية اللاجئين عبر حدوده لأوروبا، وأمور أخرى.

كل ما سبق لا شك يأتي في مصلحة روسيا وما كانت تخطط له من زمن، بل يعد نقطة مكسب جديدة لها على حساب الولايات المتحدة (ارتباطاً بالظروف الراهنة).

لا شك أن وساطة تركيا بين روسيا وأوكرانيا أو وقوفها ضمن صف الناتو كحليف رئيسي، كلاهما يمثل فرصة لإصلاح العلاقات مع الولايات المتحدة وأوروبا. إلا أنني تعجبت مؤخراً لموقف السفير الأمريكي والبريطاني الذين قابلا، في ظل الأزمة الحالية في أوكرانيا، حاكم إسطنبول إمام أوغلو، وهو منافس إردوغان في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهو بالتأكيد أغضب أردوغان وحزبه.

لكن في الآونة الأخيرة، أرى أن موقف الولايات المتحدة من تركيا آخذ في التحول، والسياسة الأمريكية تجاه تركيا تحولت لتكون أكثر تسامحاً، على الرغم من الانتقادات الليبرالية لإدارة بايدن. يسود التعاون العسكري والتفضيل الاستراتيجي الأمريكي لتركيا.

وقد بدأت ملامحها مع مطلع العام 2022، حيث أعلنت تركيا أنها تعمل على تفاصيل آلية جديدة لوضع أجندة إيجابية ومشتركة مع الولايات المتحدة. وقال المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين لمجلة كريتر السياسية التركية في 4 يناير: “يمكننا جعل المشاكل أكثر قابلية للإدارة من خلال وجهة نظر استراتيجية وموقف بناء. وهذا يسمح لنا بالعمل عن كثب في المجالات التي نتفق عليها. لكل هذه الخطوات، يجب اتخاذ خطوات أكثر جذرية حتى تتداخل وجهات نظرنا الاستراتيجية “.

وأجرى وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو ونظيره الأمريكي أنتوني بلينكين مكالمة هاتفية وناقشا إنشاء آلية استراتيجية مشتركة بين الحليفين في الناتو.

كما التقى أردوغان وبايدن في روما في أكتوبر 2021، على هامش قمة مجموعة العشرين. وعلى الرغم من عدم الكشف عن تفاصيل الآلية الجديدة رسمياً، إلا أن هناك تصريحات من الجانبين تلمح إلى قواسم مشتركة حول بعض القضايا الشائكة، لا سيما الخلافات حول سوريا وطرد تركيا من برنامج طائرات F-35 بسبب شرائها صواريخ إس -400 الروسية.

أهم ما تهدف إليه تركيا في هذا الشأن قيام الولايات المتحدة بإنهاء دعمها لوحدات حماية الشعب الكردية السورية، التي تعتبرها أنقرة جماعة إرهابية. كما أن تركيا تهدف أيضاً لتصحيح الموقف الأمريكي بشأن S-400، وأن تتخذ واشنطن خطوات حاسمة ضد الحركة التي يقودها فتح الله غولن، زعيم المعارضة التركي المقيم في الولايات المتحدة والتي تتهمه تركيا بأنه العقل المدبر لمحاولة الانقلاب عام 2016 في تركيا.

في أواخر أكتوبر 2021، زار وفد من وزارة الدفاع الأمريكية أنقرة للتفاوض بشأن بعض القضايا المتعلقة بإزالة تركيا من برنامج F-35. طالبت تركيا بسداد 1.4 مليار دولار مقابل استبعادها، أو الشراء المحتمل لـ 40 طائرة من طراز Lockheed Martin F-16 و 80 مجموعة تحديث لتحديث أسطولها المحلي.

ويرى مراقبون أمريكيون وأتراك أن العلاقات بين واشطن وأنقرة تشهد انفراجاً مع الحوار المقترح حول آلية استراتيجية مشتركة من شأنها معالجة قضايا الخلاف الرئيسية مثل برنامج F-35 وتعاون الولايات المتحدة مع وحدات حماية الشعب الكردية في شمال شرق سوريا في إطار عملية “العزم الصلب”.

إلا انه من غير المحتمل أن تحرز الولايات المتحدة وتركيا تقدماً كبيراً في التوصل إلى إجماع حول شمال شرق سوريا، ومع ذلك، فمن المرجح أن يتوصل كلاهما إلى حل وسط بشأن إزالة تركيا من برنامج F-35، والتوترات مع منافسيها في منتدى غاز شرق البحر الأبيض المتوسط، واستراتيجية لاحتواء العدوان الإيراني في المنطقة.

كما تدعم واشنطن مبادرات التقارب الأخيرة التي قامت بها تركيا مع جيرانها، لا سيما بحثها عن حوار مع أرمينيا، حيث قال بلينكين مؤخراً إن الولايات المتحدة تدعم الخطوات التي اتخذتها أنقرة ويريفان لإصلاح العلاقات المتوترة

وتحاول تركيا حالياً تسريع خطوات التطبيع مع الجوار في المنطقة من خلال تطوير أجندة إيجابية مع عدة دول، في محاولة منها للعودة لسياسة صفر مشاكل مع الجوار.

كل ما سبق، قد نلاحظه على الأرض ومن خلال وسائل الإعلام، لكنني أعتقد أن السبب الرئيسي وراء تساهل سياسة بايدن تجاه تركيا مؤخرًا يمكن رؤيته لسببين:

السبب الأول: بشكل عام، هو المواقف الاستراتيجية التركية في وسط التنافس بين الولايات المتحدة والناتو والشريكين الأقوياء الصين وروسيا في الشرق الأوسط وشرق أوروبا وآسيا الوسطى والقرن الأفريقي. يتصاعد هذا التنافس ضد الولايات المتحدة وترى إدارة بايدن كيف أن تركيا تعتبر دولة رئيسية في العديد من القضايا مع روسيا وفي مبادرة الحزام والطريق الخاصة بالصين. مع الأخذ في الاعتبار عقيدة “الواقعية” لبايدن، والتي تعزز مصالح الولايات المتحدة بشأن القيم المشتركة عند الحاجة ، مع الحفاظ على القيم الأمريكية كأداة للضغط عند الحاجة إليها أيضاً، وأعتقد أن عام 2022 بالنسبة للإدارة الأمريكية الحالية هو عام المصالح أكثر من كونه عام القيم التي تتبناها دائماً الولايات المتحدة في علاقاتها مع الدول حول العالم.

السبب الثاني: بشكل خاص، هو موقف تركيا – الدولة التي يُطلق عليها دائمًا “ثاني أكبر مشاركة عسكرية في الناتو” – باعتبارها تشكل النسق الأول الاستراتيجي لدفاعات الناتو الجنوبية أمام روسيا في البحر الأسود. هذا يعتمد على تخوف دائم من احتمال بعينه:

اليوم، بافتراض السيناريو الأسوأ هو أن القوات البحرية الروسية بدأت في تطويق أوكرانيا باستخدامها في البحر الأسود، حتى دون إعلان الحرب رسمياً (مناورات عسكرية ضخمة على سبيل المثال)، فإن هذا سيظهر أنه عدواناً واضحاً على أوكرانيا، وتهديداً كبيراً على حدودها البحرية وعلى اقتصادها الذي يعتمد على تصدير البضائع الضرورية إلى عدة دول.

في هذه الحالة، سيتعين على الناتو أن يفكر أكثر في الخيارات المتاحة الأكثر فاعلية، والتي ستعتمد ليس فقط على الاستعداد لتكثيف الإجراءات المضادة، ولكن أيضاً على الاستعداد للعب دور مؤثر لتركيا كلاعب محوري، حيث تمتلك أنقرة مضيقي البوسفور والدردنيل، مع الأخذ في الاعتبار أن هذه الميزة الاستراتيجية تجعل كل من روسيا والناتو يحاولان إقناع تركيا بأن تكون في صفها ضد الآخر. المشكلة أن تركيا بحاجة إلى الغاز من روسيا في هذا البرد القارس، وبوتين يعرف ذلك، فمن في الطرفين سيكون الأكثر نجاحاً في انضمام تركيا إلى جانبه؟ هل أردوغان في هذه الحالة يُعتبر في مأزق، أم أنه يواجه فرصة للضغط على القوتين العظميين ووالناتو؟

من ناحية أخرى، خارج البحر الأسود، ورغم أن تركيا تواجه ظروفاً اقتصادية صعبة للغاية، إلا أنها تدير علاقاتها بشكل إيجابي مع منافسيها لتعزيز علاقاتها معهم، حيث تلجأ إلى بعض التنازلات من جانبها خاصة فيما يتعلق بالإخوان المسلمين، وقضايا الطاقة والأمن في ليبيا وفي شرق المتوسط.

أزعم أن تركيا تميل في الوقت الراهن إلى العودة لعلاقاتها القوية مع الولايات المتحدة وإسرائيل، ولكن هذا قد يأخذ تركيا بعيداً عن روسيا وإيران، خاصة أنه تم قطع إمدادات الغاز الإيراني عن تركيا مؤخراً، بسبب الصعوبات المحلية المزعومة.

رابعاًروسيا وتركيا:

في ظل تصاعد الفجوة بين تركيا وحلف الناتو، اتجهت تركيا الى تقاسم النفوذ أو المشاركة مع روسيا في عدة قضايا أقليمية كالآتي:

1-      تفاوض البلدان على التهدئة في سوريا وتوصلا الى تفهمات مشتركة حول منطقة إدلب آخر معقل للمعارضة المسلحة في سوريا.

2-      توصل البلدان الى تفهمات مشتركة لوقف الحرب بين أذربيجان وأرمينيا ونشرت تركيا وروسيا قوات حفظ السلام مشتركة  بين أذربيجان وأرمينيا. 

3-      تقاسم البلدان معا النفوذ في ليبيا، تحالفت تركيا مع القوات المسيطرة على المنطقة الغربية والعاصمة طرابلس ونشرت قواتها هناك، فيما تحالفت روسيا مع الجنرال المتقاعد خليفة حتفر ونشرت مرتزقة الفاجنر هناك.

4-       تمكن البلدان من تجاوز خلافات كادت أن تشعل حرباً بينهم منها إسقاط أنقرة مقاتلة روسية على الحدود التركية ومقتل السفير الروسي في تركيا على يد مسلح تركي.

إلا أنه ومع شروع تركيا في حفر قناة إسطنبول الواصلة من البحر الأسود إى بحر مرمرة ثار غضب روسيا حيث أنها لن تخضع للاستثناءات الدولية التي تتمته روسيا بها عند المرور عبر مضيقي الدردنيل والبوسفور.

خامساًتركيا والأزمة الأوكرانية الحالية:

1- دعت تركيا الى وساطة في الأزمة الأوكرانية، لكن روسيا لا تعتبر أنقرة وسيط للأسباب التالية:

قيام تركيا بتزويد أوكرانيا بالأسلحة وفتح باب التصنيع المشترك، حيث تقدم تركيا دعم عسكري وفني شمل 12 طائرات درونز بالإضافة إلى تعاقد على بيع فرقاطات تركية لأوكرانيا مما يزيد من قدرات أوكرانيا الدفاعية في البحر الأسود([i])، في حين أن بعض أعضاء الناتو تجنبوا بيع أسلحة لأوكرانيا، حيث امتنعت ألمانيا تماماً عن بيع أسلحة دفاعية لأوكرانيا من خلال وكالة الدعم والمشتريات التابعة للناتو.

كما تعتبر تركيا أن منطقة دونباس – التي يحتلها انفصاليون موالون لروسيا – جزء من أوكرانيا ولا تدعم انفصالها([ii]).

رفض تركيا الاعتراف بأن القرم روسية، بل تظهر تعاطف تجاه مسلمي التتار الأتراك، وتقدم الدعم لهم، حيث أدى سقوط “القرم”، ثم احتمال احتلال أوكرانيا الى بسط النفوذ الروسي في البحر الأسود وتحجيم التمدد والنفوذ  التركي في هذه المنطقة.

على أي حال، أرى أن روسيا تتعامل مع الملفات المختلفة أمام تركيا بشكل منفصل، حيث تتعامل مع الملف السوري بشكل منفصل عن الملف الأوكراني أمام تركيا. ولكن ستضطر موسكو لاتخاذ اجراءات قوية وتُصْعِد في كل الملفات حال نشوب صراع بين روسيا وأوكرانيا، مع انخراط أنقرة في دعم أوكرانيا.

2-فرنسا هي الوسيط المثالي في الأزمة الأوكرانية:

القلق الرئيسي بين فرنسا وروسيا هو استخدام روسيا لعناصر فاغنر في إفريقيا وليبيا. تحاول فرنسا الآن تعزيز الدفاع الأوروبي، بالتأكيد دون أي نجاح حتى الآن. علاوة على ذلك، تتولى فرنسا رئاسة الاتحاد الأوروبي حتى يوليو 2022، وهو ما يفسر جهود الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لمعالجة الأزمة الروسية/ الأوكرانية. المعتاد، أن تركز فرنسا على إفريقيا والشرق الأوسط أكثر من أوروبا الشرقية. ربما هذا هو سبب وجيه أيضاً لدعم وساطة فرنسا في الأزمة الأوكرانية.

يرى بعض المسؤولين الأوروبيين وجهات نظر مناهضة أن ماكرون شخص أناني يركز وساطته من أجل مصالحه الشخصية التي قد تساعده في انتخابات الرئاسة المقبلة. من المعروف أن القادة الحقيقيين لأوروبا هم الأمين العام للاتحاد الأوروبي (السيد جيبي ترانهولم ميكلسن) ، ورئيس المفوضية الأوروبية (السيدة أورسولا فون دير لاين) ، والممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية و السياسة الأمنية/ نائب رئيس المفوضية الأوروبية (السيد جوزيب بوريل). لكنهم لم يتحركوا نحو الوساطة مع روسيا للأزمة الأوكرانية ، ربما لأنهم جميعًا يعرفون أن الدول الأوروبية لم تتفق بالإجماع على قرار أوروبي موحد أمام بوتين.

3- دعم تركيا المتزايد لأوكرانيا وإمكانيات الحرب يزيدان مخاوف تركيا من الإجراءات المضادة الروسية، على النحو التالي:

تعطل إمدادات القمح لتركيا التي تعاني حاليا من أزمة قمح وارتفاع أسعاره. وتعطيل تدفق السياح الروس. والتصعيد في إدلب السورية ضد تركيا ودعم الأكراد. وتعطل الصادرات الزراعية التركية لروسيا. وتعطيل عمل الشركات التركية في مجال البناء في روسيا والقوقاز. واستهداف معدات تركية في أوكرانيا. والتصعيد في ليبيا وأذربيجان ضد المصالح التركية.

على كل حال أرى أن روسيا تتعامل مع الملف السوري بشكل منفصل عن الملف الأوكراني مع تركيا.

4- موقف تركيا المحتمل حالة اجتياح روسيا لأوكرانيا:

ستكرر تركيا ذات الموقف الذي اعلنته في حرب جورجيا روسيا في 2008، حيث دربت تركيا قوات جورجيا ودعمتها بالأسلحة، لكن خلال الحرب بين روسيا وجورجيا التزمت تركيا بعدم التصعيد ضد روسيا وعدم الانحياز لأي طرف، وعرقلت أنقرة المرور الأمريكي الى البحر الأسود وسمحت فقط بسفن مساعدات صغيرة [iii]). لكن نضع في اعتبارنا أن تركيا اليوم تختلف عن تركيا في 2008 من حيث القوة العسكرية، فهي أكثر اعتماداً على نفسها، لكن وضعها الاقتصادي لايزال ضعيفاً ولا يحتمل العقوبات.

سادساًالعلاقات التركية الإقليمية في الشرق الأوسط:

1- العلاقات التركية/ الإسرائيلية/ الإيرانية:

التنافس التركي الإيراني (الإمبراطوريتان السابقتان والدولتان الديموغرافيتان العملاقتان)، بغض النظر عن التقارب المؤقت بينهما على حساب القضايا الراهنة. لطالما كانت إسرائيل العدو المشترك للدول القومية العربية في دعمها للقضية الفلسطينية وإيران. لو استمرت هذه الحالة واكتسبت إيران قدراً من التفوق النووي، لكان من الممكن أن يتطور وضع قد يشكل تهديداً حقيقياً لوجود إسرائيل ذاته. ومع ذلك، وبسبب تصميم إيران اليوم على توسيع نفوذها، وتصديرها للعقيدة الثورية، واستفزازها المستمر لجيرانها ودعمها للجماعات الإرهابية المختلفة، نجحت إسرائيل في تحويل إيران إلى عدو مشترك مع عدد كبير وعلى نطاق واسع من الدول العربية من بينها أقوى وأغنى تلك الدول.

تتقاطع مصالح تركيا وإسرائيل في عده نقاط متشابكة، أولها من وجهة النظر التركية هو ملف غاز شرق المتوسط، وذلك من خلال حثها إسرائيل على إتمام خط الغاز المنطلق من آبارها إلى السوق الأوروبية ليمر من الأراضي التركية بدلاً من المقترح للمرور من اليونان أو الوضع الفعلي بتصديره عن طريق مصر، وذلك حتى تمتلك تركيا كروت ضغط إضافية في مواجهة أوروبا، وأيضاً للإستفادة الإقتصادية من عائدات المرور إلى جانب تنويع مصادرها من الغاز الذي يشكل أحد القضايا المهمه الأن للإقتصاد التركي. ولذلك نلاحظ أن أنقرة تغازل تل أبيب، في محاولة لإقناعها بتصدير الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا عبر تركيا. وربما تكون المكافأة إعلان التطبيع التركي الكامل مع إسرائيل.

وعلى صعيد الملف الفلسطيني فإن إسرائيل ترفض بشكل كبير استمرار التواجد التركي الداعم للفصائل الفلسطينية بقطاع غزة، ومن جانب آخر تتطلع الدوائر الإسرائيلية لإعادة العلاقات بين البلدين لعهدها السابق، خاصة في الملفات الصناعية العسكرية والتجارية، ولذا قد يكون القتارب التركي الأمريكي في صالح هذا الهدف. إلا ان إسرائيل تتفهم جيداً طبيعة شخصية إردزغان الرافض للنفوذ الإسرائيلي في أواسط الجيش التركي كما كان معتاد سابقاً والذي كان يجعل لإسرائيل عبر الجيش التركي تأثيراً على القرار السياسي التركي.

2- العلاقات التركية المصرية:

على الرغم من الصدام الحاد بين الموقف المصري والتركي في الأعوام السابقة، ومحاولات التقارب الأخير من مبادرة الطرف التركي تجاه مصر، إلا أن الملفات الثلاث الرئيسية المتشابكة بين البلدين (ترسيم الحدود البحرية – التدخل التركي في ليبيا – دعم تركيا لتنظيم الإخوان المسلمين) لم يتم التوصل لحل توافقي يجمع الطرفين، إذ أن عدم إستعجال الطرف المصري في عودة العلاقات الطيبعية بين البلدين يكاد يرهق الجهود التركية في ملفات قد إستثمرت فيها بشكل كبير، خاصة الوضع في ليبيا والملف الفلسطيني، إلا أن حجم التبادل التجاري بين البلدين (المائل لصالح تركيا) يجعل من التحرك الصدامي لتركيا تجاه مصر محدد بسقف معين، لهذا ستسعى تركيا بشكل كبير أولاً لعودة العلاقات السياسية لوضع مقبول يسمح لها بأن تدخل في عضوية منتدى غاز شرق المتوسط، أو على الأقل يكون لها حصة من تصدير الغاز المصري والإسرائيلي إلى أوروبا كمرحلة أولى، حتى يستقر الوضع السياسي في الداخل الليبي ويتم تحرك الإتفاقية الثنائية مع الحكومة لإعادة خلخلة الوضع القائم بشرق المتوسط وإتنزاع حصة ترى فيها تركيا حق أصيل لها.

من ناحية أخرى، أعتادت تركيا أن ترى مصر (الدولة الديموغرافية العملاقة، مثل تركيا وإيران) أهم منافس لها في البحر الأبيض المتوسط​​، لكنها لا تزال في أمس الحاجة إليها كحليف وليس كدولة منافسة. والسبب أن مصر دولة ذات نفوذ في ليبيا من الغرب وغزة شرقا والسودان جنوبا والأهم في منطقة شرق المتوسط ​​شمالا. وترى تركيا وحلف شمال الأطلسي مصر بساحلها الشمالي هو الساحل الأكثر تماسكاً، والذي يمتد من رفح على الحدود مع غزة في الشرق إلى السلوم على الحدود الليبية في الغرب. تعتبر الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، وحتى روسيا، الساحل الشمالي لمصر أقوى فك سفلي يمكنه الاستيلاء على روسيا بالتعاون مع الفك العلوي، وهو الساحل المتماسك لتركيا، وليس اليونان أو أي دولة أخرى في شرق البحر المتوسط.

3- العلاقات التركية السعودية:

لقد أثر التوظيف التركي لقتل الصحفي السعودي كمال كاشجشي على رؤية المملكة لطيبعة العلاقة بين البلدين، والتي من المتوقع أن تستمر في برودها الحالي خلال المستقبل القريب على الأقل، في ظل ضعف الروابط الداعمة لعودة علاقات قوية بين البلدين، سواء كانت في تبادل تجاري الذي يعد ضعيفاً للغاية، أو مصالح مشتركة قد تلتقلي فيها البلدان، لذا فإن تركيا إذا أرادت فتح صفحة جديدة مع السعودية قد يكون من خلال الدخول كوسيط بينها وبين الحوثيين أو إيران، وذلك توظفاً لورقة علاقتها الجيدة مع إيران على الأقل.

من جانب آخر، وبشكل عام، تُعد تركيا حالياً المنافس الأهم للسعودية في أهم أركان قوتها، فالسعودية تعتبر القاعدة الأيديولوجية الإسلامية، حيث اعتادت السعودية أن تعتبر نفسها زعيمة الدول الإسلامية لوجود مكة والمدينة على أراضيها والمتضمنين كعبة المسلمين ومسجد نبيهم. ومع ذلك، فإن السعودية بحاجة ماسة إلى قوة تركيا في تحالف إسلامي قوي ضد إيران.

من جانب آخر، في الوقت الذي تتجه فيه السعودية نحو مشروع انفتاحي علماني وتلفظ الوهابية والتطرف، نجد تركيا ما زالت تستضيف جماعات الإسلام السياسي وتستثمر جهودها في مناطق النفوذ التركي.

نقطة الإلتقاء بين السعودية وتركيا قد يكون مشروع الطائرات بدون طيار التي تحتاجها الرياض في الحرب على الحوثيين،  وتطور العلاقات متوقف على غلق أنقرة قضية جمال خاشقجي، التي أعتقد أن أنقرة قد تغلقها مع مرور الوقت بعد زيارة الرئيس الفرنسي الى الرياض وتغاضي الغرب عن ملاحقة ولي العهد محمد بن سلمان.

4- العلاقات التركية/ الأماراتية:

يتعين على أردوغان أن يفتح صفحة جديدة مع محمد بن زايد ، لكنه ، شخصيًا ، ليس سعيدًا بتقارب بلاده مع الإمارات. في الوقت الذي لن ينسى فيه أردوغان أبدًا أن محمد بن زايد كان وراء الانقلاب العسكري ضده عام 2016 (كما إدعى أردوغان ذلك وقتها علناً)، تسعى تركيا إلى زيادة التقارب مع الإمارات للحفاظ على خطوات عودة العلاقات التي بدأت عام 2021، وتفعيل الاتفاقات التي أبرمت بين محمد بن زايد وأردوغان في نوفمبر 2021 وفي فبراير 2022، من أجل كسر التنافس بين البلدين في شرق المتوسط ​​وفي القرن الأفريقي وفي أفغانستان، والتي قد تكون بالتنسيق مع إسرائيل كما قد تتعارض مع مصالح اليونان وقبرص، أم مصر فقد تكون مستفيدة رغم ما يبدو من تعارض مصالح معها، بالإضافة إلى الدور المؤثر للإمارات في ليبيا قبل وقف إطلاق النار. لذلك، تهدف تركيا إلى قطع الارتباط الإماراتي اليوناني من جهة، ومن جهة أخرى تحاول الاستفادة من الاستثمارات في الاقتصاد التركي، إلى جانب العلاقات بين البلدين في مجال الصناعة العسكرية. الأمر الذي قد يدفع اليونان وقبرص للتقارب اكثر مع مصر بعيداً عن تركيا.

5- العلاقات التركية/ القطرية:

هي الأفضل والأكثر استقراراً على الأصعدة الأيديولجي والسياسي والأمني والاقتصادي، إلا أن المحفز الأساسي لهذا التقارب هو الإختلاف والصدام متعدد الإتجاهات مع المحيط الإقليمي للطرفين، وبما أن هناك تغيير كبير مستجد للطرفين ومحيطهم الإقليمي، فقد يتحول هذا الإستقرار إلى تنافس بين الطرفين، إذ تستهدف قطر إتمام التنظيم الهادئ لكأس العالم هذا العام، بالإضافة لمحاولة إبقاء قاعدة الإتصال مع حركة طالبان ممثله في مكتب تمثيلها بالدوحة مركز نشط، وهو ملف قد يشهد تجاذب متباين بين قطر وتركيا لتسويق كل منهما نفسه كلاعب رئيسي في أفغانستان، ومع التقارب التركي الإماراتي الأخير فإن نطاق الإختلافات بين البلدين يتجة للإزدياد، إلا أنه يتميز بأرضية أيدولوجية تكاد تكون موحدة للجانبين، مما يشير إلى أن أي إختلاف أو تضارب مصالح سيقف عند سقف معين بحيث لا يصل إلى صدام.

سابعاًالخلاصة:

تركيا دولة قوة إقليمية رئيسية آخذة في الصعود، ومع ذلك، فإن أردوغان هو المشكلة الرئيسية للولايات المتحدة وأوروبا ولعدة دول مجاورة في الشرق الأوسط والمناطق المحيطة بها، وليست تركيا نفسها هي المشكلة، وبالتالي قد يكون خروج أردوغان من منصبه هدفًا يجعل استعادة العلاقات مع تركيا أسرع.

==================

المراجع:

[i]) تقرير معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي (Sipri) – 2020.

[ii]) TRT World, Turkey supports Ukraine’s territorial integrity over Donbass, Crimea, 18 December 2020,  https://www.trtworld.com/europe/turkey-supports-ukraine-s-territorial-integrity-over-donbass-crimea-42486

[iii]) Atlantic Council, Turkey and Black Sea Security: Ten Years After the War in Georgia, 08 August 2018,  https://www.atlanticcouncil.org/blogs/new-atlanticist/turkey-and-black-sea-security-ten-years-after-the-war-in-georgia/

شارك

administrator