معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع:
القسم الأمني والعسكري
دكتور سَــــيد غُنــــيم
زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا
رئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع
الأستاذ الزائر بالناتو والأكاديمية العسكرية الملكية ببروكسل
 
سؤال1: هل إسرائيل قوة إقليمية في الشرق الأوسط؟

الإجابة: لا..
فإسرائيل لا تمتلك العمق الاستراتيجي الداخلي ولا الحجم السكاني (الديموغرافي) الكبيرين والمناسبين لدولة يمكن اعتبارها قوة إقليمية حقيقية في الشرق الأوسط. ولذا، وعن نفسي، أطلق على إسرائيل “دولة ذات قدرات نوعية” أو “قوة نوعية” تعتمد على التفوق التكنولوجي والاستخباراتي وقدرات التخطيط الاستراتيجي بعيد المدى، وعلى رأس ذلك الدعم الأمريكي والدولي الواسع والمستمر، ما يمكنها من هزيمة أعدائها والتنافس وفرض الإرادة والنفوذ في محيطها الإقليمي.
الدول الجديرة بأن تكون قوى إقليمية في الشرق الأوسط هي تركيا وإيران ومصر، وهي تعد عملاقة سكانيًا (Giant)، فالتعداد السكاني لكل منها يتجاوز الـ90 مليون نسمة، وهو الحد الأدنى لتعداد الدولة العملاقة ديموغرافيًا، ومساحة كل منها تتجاوز المليون كيلومتر مربع عدا تركيا الأقل قليلاً. ونجد أن الدول الثلاث تتقارب في القوة العسكرية والدبلوماسية، وتعتنق نفس الديانة (بغض النظر عن المذهب)، وتتشابه في امتلاك الحضارات التي بعضها يضرب في عمق التاريخ. إلا أن تركيا وإيران اقتصادهما مبني على الإنتاج ولديهما قدرات الابتكار والإبداع، في الوقت الذي نجد فيه الاقتصاد المصري مبني على الموارد بشكل أكبر. ولكن مصر تتمتع بالقومية واللغة العربية التي يماثلها فيهما 21 دولة أخرى، بإجمالي تعداد حوالي 430 مليون مواطن عربي. إذن مصر لا تعد قوة إقليمية حقيقية، ولكنها قوة عسكرية كبيرة وتعد الأكثر تأثيرًا على معادلة التوازن في القوة.
أما المملكة العربية السعودية فهي دولة متوسطة ديموغرافيًا حيث إن تعدادها أقل من 90 مليون نسمة، وما زال اقتصادها مبني على الموارد ولا تمتلك قدرات الابتكار والإبداع بشكل مماثل لجوارها الإقليمي، ولذا تميل السعودية لمصر للاستفادة من قوتيها البشرية والعسكرية. والأمر ينطبق بدرجة أكبر على الإمارات، الدولة التي تصنف ضمن الدول الصغيرة ديموغرافيًا وجغرافيًا (Dwarf)، مثلها مثل إسرائيل وقطر والبحرين، والتي تعدادها السكاني أقل من 20 مليون نسمة.
ويجب ملاحظة، أن القدرة على فرض النفوذ ليس بالضرورة يرتبط بالقوة والقدرات الكبيرة بشكل مطلق، فالصين تعتبر ثاني دولة من حيث القوة عالميًا إلا أن نفوذها، ولو مؤقتًا، يعد محدودًا مقارنة بروسيا الأقل منها بدرجة كبيرة في القوة.
وبشكل عام، القوة الإقليمية هي دولة ذات سيادة تمتلك كافة أبعاد القوة الشاملة وعلى رأسها الأبعاد الاقتصادية والتكنولوجية والسياسية والجغرافية والديموغرافية، وغالبًا ما تمتلك القدرة على تشكيل الأحداث والسياسات في المنطقة، حيث تمارس نفوذًا وسلطةً كبيرين داخل منطقتها الجغرافية، يمكن أن ينبع هذا النفوذ من عوامل مختلفة، بما في ذلك القوة العسكرية والقدرات الاقتصادية والتكنولوجية والاستقرار السياسي.

سؤال2: ومن ثم، كيف يمكننا أن نرى الصين وإسرائيل في هذا السياق؟

هناك من لا يتفق مع القول بأن الصين أقل نفوذاً من روسيا. فروسيا أكثر وحشيةً ومباشرةً، وبالتالي أكثر نفوذاً، لكن الصين تتحرك تجاه النفوذ بذكاءٍ أكبر، وأكثر تستراً، وأكثر “حريةً في الوقت”. الصينيون يُدبّرون كل شيء، لكنهم لا يتصرفون تحت ضغط الوقت، بل على العكس، سيستخدمون نفوذهم متى رأوا ذلك ضرورياً وملائماً.. وتحديدًا، في الوقت المناسب.
وماذا لو كانت إسرائيل قوة إقليمية؟ يُمكن، بل يجب، ربط هذا بالوقت. في الوقت الراهن وفي المستقبل القريب، هناك من يعتبر إسرائيل القوة الإقليمية الأبرز في المنطقة، لأنها تُقرر مباشرةً ما يحدث على المستوى العسكري، وبدعمٍ من حلفائها، ما يحدث على المستوى السياسي (مثل الاتفاق الإبراهيمي). ولكن هل لدى إسرائيل القدرة على البقاء كقوة إقليمية على المدى الطويل؟ الإجابة لا. لأنهم يفتقرون إلى الحجم السكاني، والمساحة الجغرافية، والوحدة، إلخ.
الإمبراطوريات ظهرت واختفت مع مرور الوقت، لذا يجب أيضًا ربط مفهوم القوة الإقليمية أو العالمية بمفهوم الوقت (الوقت القصير <> المدى الطويل).
 
شارك

administrator

استشاري الأمن الدوَلي والدفاع، رئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع، الإمارات العربية المتحدة، وأستاذ زائر في العلاقات الدولية والأمن الدولي في أوروبا وشرق آسيا، (مصري)