15-May-2019

خلفية تاريخية

في سبتمبر 2008 ، طلبت إسرائيل من الولايات المتحدة الضوء الأخضر لقصف المواقع النووية في إيران. وكان رد الرئيس الأمريكي جورج بوش الإبن على رئيس الوزراء الإسرائيلي أنه لن يدعم الهجوم على إيران، وهو الأمر الذي أعلنته مصادر دبلوماسية أوروبية كبيرة وتم نشره في صحيفة الجارديان في ذلك الوقت. في وقت لاحق ، حاول مرة أخرى لكنه واجه الكثير من العقبات خاصة عندما تم انتخاب السياسي الأمريكي “الديمقراطي” السيد باراك أوباما رئيسًا للولايات المتحدة في يناير 2009.

ومع تولي باراك أوباما التابع للحزب الديمقراطي رئاسة الولايات المتحدة في نفس الفترة تزايدت المفاوضات بين الولايات المتحدة بمشاركة الدول الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن ومعها ألمانيا والاتحاد الأوروبي حتى وصلت لحل نهائي في يوليو 2015 وهو ما سمي بخطة العمل المشتركة (الاتفاقية النووية) مع إيران التي نجحت في إنشاء حوالي 80% من برنامجها النووي. وأعلنت بنودها بصفحة إليكترونية منفصلة بموقع البيت الأبيض الأمريكي مقابل رفع العقوبات عن إيران وتحرير أرصدتها المجمدة، إلا أن تلك الاتفاقية كانت ضد رغبة إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي.

إلى أن وصل الرئيس دونالد ترمب التابع للحزب الجمهوري لمنصب رئيس الجمهورية خلفاً لأوباما (عدوه اللدود) ليقلب الأمور رأساً على عقب وذلك بضغط من إسرائيل، وأعتقد أن ترمب وبعض مستشاريه ونتنياهو بدأوا تنفيذ مخطط من خمس خطوات رئيسية لتركيع إيران وعودتها لطاولة التفاوض بشأن الاتفاقية النووية، أولها أن قرر ترمب إنسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية مع إيران وقام بإزالة الصفحة الإلكترونية المتضمنة بنود الاتفاقية من الموقع الرسمي للبيت الأبيض، وأعلن رسمياً ضرورة عودة إيران لطاولة التفاوض بشأن الاتفاقية النووية بشروط جديدة (الأمر الذي رفضته إيران تماماً). ليستكمل ترمب إجراءاته للعمل على عزل إيران وتشديد العقوبات عليها مقابل عدة اتهامات لها أهمها دعم عدم الاستقرار في المنطقة والتدخل في شؤون دولها، والإصرار على تصنيع الصواريخ البالستيكية المحظورة.

إلا أن الدول الخمس الباقية فضلاً عن الاتحاد الأوروبي أصروا على  الاستمرار في الاتفاق النووي مع إيران، ليزيد ترمب من إصراره في الانسحاب من الاتفاقية، وقام نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل بعرض وثائق على الأمم المتحدة لإدانة إيران وبرنامجها النووي دولياً.

وقام ترمب بالخطوة الثانية وذلك بزيادة وتيرة العقوبات الاقتصادية على إيران، حيث قررت الولايات المتحدة معاقبة أي شركة ستتعامل مع ايران، إسوة بما تم مع كوريا الشمالية في توقيت سابق.

عقب ذلك نفذت الخطوة الثالثة وهي قيام الولايات المتحدة بإدراج الحرس الثورى على قوائم الإرهاب، وإعلان تسعون يوماً مهلة للدول التي تستورد النفط من إيران، ولتعويض النقص المتوقع في النفط طالبت الولايات المتحدة دول الخليج بزيادة إنتاجها استعداداً لحل محل إيران مع الدول الثمانية المعنيين بالمهلة.

الموقف الحالي

مع تردي الحالة الاقتصادية في الداخل الإيراني في عدة مجالات أصبح من الممكن اندفاع إيران لاتخاذ إجراء عدائي ضد خصومها. فقامت إيران بتحريك بعض من قواتها البحرية تجاه مضيق هرمز والذي يتحكم في خروج أكبر نسبة نفط للعالم، معلنة أنها قد تقوم بغلق المضيق كخيار استراتيجي لها مقابل تلك الضغوط الواقعة عليها.

بالمقابل بدأ ترمب في خطوته الرابعة، حيث أعلنت الإدارة الأمريكية عن قيامها بدفع قوات لمنطقة الخليج العربي للرد على ما أسمته بـ”التهديدات الإيرانية للمصالح الأمريكية في المنطقة”، والذي تلاه قيام القيادة المركزية الأمريكية، ومقرها مدينة تامبا بولاية فلوريدا، بدفع تشكيل قتال إستراتيجي إلى منطقة الخليج العربي، والذي طبقاً لتقديري، بهدف تحقيق الآتي

أولاً: ردع إيران والقوى الكبرى المنافسة وإثبات القوة الأمريكية في المنطقة، في وقت تجرى فيه مفاوضات بشأن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وبشأن التسلح النووي بين الولايات المتحدة وروسيا

ثانياً: إجبار إيران على العودة للتفاوض بشأن خطة العمل المشتركة (الإتفاقية النووية) بشروط (أمريكية) جديدة

ثالثاً: تحسُّباً لعدم انصياع إيران للعقوبات الأمريكية

رابعاً: تحسُّباً لأي عمل عدائي إيراني

ردود فعل تكتيكية

في يوم الأحد الموافق 12 مايو 2019، أعلنت وزارة الخارجية الإماراتية أن أربع سفن تجارية (ناقلتين نفط سعوديتين – ناقلة نفط إماراتية – ناقلة نفط نرويجية) قد تم استهدافها بـ”عمليات تخريب”، وذلك بالقرب من المياه الإقليمية لدولة الإمارات دون وقوع إصابات. وقد نفت حكومة الفجيرة تقارير إعلامية عن انفجارات داخل الميناء وقالت أن المنشأة تعمل بشكل طبيعي. وذلك رداً على ما أعلنته بعض وكالات الأنباء التابعة/ الموالية لإيران في وقت سابق من نفس اليوم أنه تم رصد انفجارات بالقرب من ميناء الفجيرة في الإمارات العربية المتحدة.

وفيما يتعلق بهذا الشأن أتصور ثلاث سيناريوهات ممكنة وراء تلك العمليات

الأول: قيام عناصر من القوات الخاصة الإيرانية أو أي من أذرعها العسكرية بالوكالة أو بواسطة أطقم سفن مارقة تعمل فى مجالات القرصنة والتهريب والتي تتواصل مع جهات إيرانية بعمليات التخريب، بهدف إظهار أن أمن دول الخليج هش وغير قادر على حماية السفن العابرة في مجاله.

الثاني: قيام جماعات مسلحة (إرهابية) ممولة من أي من الأطراف التي تسعى إلى تنفيذ ضربة عسكرية قوية ضد إيران، كإسرائيل، على سبيل المثال.

الثالث: قيام عناصر إرهابية بتنفيذ تلك العملية بهدف إندلاع حرب كبرى في المنطقة لتهيئة الظروف لها لعودة ممارسة أنشطتها.

وجميعها احتمالات مبدئية وطبقاً للمعلومات المتاحة من قبل وكالات الأنباء والمصادر الرسمية.

وفي يوم تالي أعلنت السعودية عن هجوم استهدف محطتي ضخ بترول في الرياض، وأعلن الحوثيون مسؤوليتهم عن تنفيذ الهجوم باستخدام طائرات موجهة بدون طيار  إيرانية الصنع (أبابيل) مستهدفة منشآت نفطية سعودية .

وترى القيادة المركزية الأمريكية الهجمات ضد ناقلات النفط التجارية جنوب الخليج العربي وكذا قيام الحوثيين بعمل مكرر كالذي قامت به ضد السعودية أنها إجراء (تكتيكي) في مواجهة عملية استراتيجية ضخمة، ولا يعد منطقياً الرد عليها بضربات إستراتيجية بواسطة قاذفات إستراتيجية بي-52 أو طائرات إف-35 مثلاً.

ردود فعل سياسية

مع زيادة الضغوط الأمريكية على أيران أعلنت طهران عن أنها غير ملزمة ببعض بنود الاتفاقية النووية والذي يعني أنها قد تستمر في مشروعها، الأمر الذي أراه يمثل خطأ كبير قد يستفز الاتحاد الأوروبي والدول العظمى التي وقعت على الاتفاقية، خاصة مع تعرض روسيا لحرج شديد مع تزايد احتمال الحرب ضد إيران.

وفي نفس التوقيت بدأ وزير خارجية إيران بإجراء جولات لبكين وطوكيو في محاولة لطلب دعم موقف طهران السياسي، مع تحرك الدوحة وسويسرا (حلقة الاتصال الرئيسية بين واشنطن وطهران) في محاولات وساطة لتهدئة الموقف.

أما عن قرار الخارجية الأمريكية بشأن مغادرة الدبلوماسيين والعاملين بالوظائف غير الأساسية بالسفارة والقنصليات الأمريكية بالعراق فضلاً عن تحذيرات السفارة الأمريكية لرعاياها بالعراق وكذا بعض الدول الأوروبية، فلا أظنه تمهيداً لإعلان الولايات المتحدة الحرب ضد إيران، ولكنه ربما إجراء تحذيري واجب تم تحسباً لاحتمال استهداف رعاياهم بواسطة عناصر مسلحة بالعراق قد تكون موالية لإيران.

واستكمالاً لأعمال الردع المتواصلة، وفي إطار مسلسل الضغط الذي تمارسه الولايات المتحدة على إيران لتحقيق الهدف الإستراتيجي السياسي الأمريكي الأساسي، تقوم الولايات بتنفيذ المرحلة (الخطوة) الخامسة وهي أن تطالب الولايات المتحدة بإعادة نشر قواتها في منطقة الخليج العربي براً وبحراً، وذلك لتنفيذ أي أو كل من اولاً: إجراء مناورات عسكرية مشتركة كبرى تتضمن الولايات المتحدة وحلفائها بالمنطقة. ثانياً: أو/و لتأمين وإحكام السيطرة على مناطق إستراتيجية أساسية كمضيق هرمز ومضيق باب المندب، فضلاً عن تأمين الموانئ الرئيسية ومحطات النفط ، والمطارات والأهداف الإستراتيجية الهامة بالبنية التحتية بالدول الحليفة المهددة بالمنطقة، وذلك من خلال القوات الثابتة والدوريات المتحركة بأنواعها.

وحالة مشاركة مصر في تلك المناورة أو/ وفي إجراءات التأمين، فقد تكون لتأمين باب المندب فضلاً عن أهداف إستراتيجية أخرى. جديرٌ بالذكر أن مصر تشير دائماً باستعدادها لحماية دول الخليج من أي تهديد باعتبارها العمق الإستراتيجي الشرقي والشرقي الجنوبي لمصر، وأن أمن الخليج من أمن مصر.

خمس إجراءات قبل إندلاع الحرب

مما سبق، أرى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب وإدارته كانوا قد قرروا، بالتنسيق مع بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل، تنفيذ خمسة إجراءات رئيسية ضد إيران لإجبارها على العودة إلى طاولة المفاوضات بشأن خطة العمل المشتركة (الإتفاقية النووية)، كالآتي:

أولاً: انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية مع إيران، والذي تم في مايو 2018.

ثانياً: العقوبات الأمريكية الجديدة الصارمة على إيران والتي هي محل التنفيذ منذ الإعلان عنها في مايو 2018.

ثالثًا: إدراج الحرس الثوري الإيراني كتنظيم إرهابي أجنبي من قبل الولايات المتحدة، والذي تم في مطلع شهر أبريل 2019.

رابعاً: النشر الأول لوحدات القوات الجوية والبحرية الأمريكية في الخليج العربي والذي تم مع مطلع شهر مايو 2019.

خامساً: النشر التراكمي للقوات الأمريكية (قوات بحرية وجوية وبرية ودفاع جوي ومشاة البحرية) بحجم ضخم في المنطقة.

ويبقى طبيعة ردود فعل إيران للتحول للخطوة السادسة من عدمه، مع الوضع في الإعتبار أن هناك معوقات للحرب.

معوقات احتمالات نشوب حرب

أولاً: إدراك إدارة ترمب أن الظروف السياسية والأمنية بالمنطقة لا تحتمل حدوث حرب أمريكية مباشرة ضد إيران كالتي قامت بها الولايات المتحدة على العراق من قبل، فضلاً عن الحروب وعدم الاستقرار في اليمن وسوريا وليبيا.

ثانياً: عدم التوازن في الخسائر حيث أن تأثير تدمير (10) أهداف في إسرائيل مثلاً قد يعادل تأثير تدمير (100) هدف في إيران، ارتباطا بالعمق الإستراتيجي الداخلي وعدد الأهداف الهامة والمؤثرة بكلا الدولتين.

ثلثاً: إعلان ترمب بشكل متكرر مسبقاً أنه لن يورط الولايات المتحدة في أي حرب ثانية ذلك الخطأ الذي وقع فيه رؤساء أمريكيين قبله.

رابعاً: رفض الدول الكبرى زيادة التوتر بالمنطقة وخاصة بشكل مباشر ع إيران، الأمر الذي يؤثر بشدة على مصالحها.

نقطة حرجة

قيام القيادة السياسية بدفع قوات عسكرية بهدف الردع لا يعني عدم قدرة القوة العسكرية على تنفيذ مهمتها العسكرية الأساسية كاملة. ومن ثم، هناك نقاط وجب اعتبارها بشأن التحرك السياسي/ العسكري الأمريكي ضد إيران:

أولاً: قد يكون الهدف الإستراتيجي السياسي في ظروف الحرب مختلف عن الهدف الإستراتيجي العسكري، ونجد أن الهدف السياسي هنا “التصدي للتهديدات الإيرانية للمصالح الأمريكية في منطقة الخليج العربي، وإجبار إيران على العودة للتفاوض بشأن خطة العمل المشتركة (الإتفاقية النووية) بشروط أمريكية جديدة”.

أما الهدف العسكري الذي تحرك به التشكيل الأمريكي هو “شل قدرات إيران على استخدام كافة أسلحة الدفاع الجوي والصواريخ والأسلحة الجوية والبحرية الإيرانية، وذلك بتدمير كل ما هو مؤثر من منصات الصواريخ البالستيكية ومنصات الدفاع الجوي والقواعد الجوية والبحرية والقطع الجوية والبحرية الرئيسية” أي أنه ليس مجرد تهويش، ولكنه لن يقوم بالضرب إلا بمحددات معينة.

ومما سبق نلاحظ أن الهدف السياسي الإستراتيجي قد لا يكون إعلان الحرب ولا الاستخدام الفعلي للقوات، ولكن هذا لا يعني عدم قدرة القوات على تنفيذ المهام المكلفة بها بشكل كامل كهدف إستراتيجي عسكري.

ثانياً: أن إرسال القوات الأمريكية للخليج العربي لم يكن أمراً عشوائياً، فقائد القيادة المركزية الأمريكية، وقبل قيامه بتكليف قائد التشكيل الاستراتيجي لتنفيذ المهمة، قد قام هو وهيئة قيادته بإجراءات “تقدير الموقف الإستراتيجي” والتي تتضمن دراسة كافة المعلومات المتحصل عليها عن موقف إيران السياسي والعسكري والأمني والاقتصادي والاجتماعي، وموقف حلفائها السياسيين والعسكريين وأذرعها التي تقاتل بالوكالة عنها، وموقف القوى العظمى المضادة كالصين وروسيا ودراسة إمكانية تدخلها سياسياً أو عسكرياً من عدمه، وغير ذلك من تهديدات محتملة.. ومن جانب آخر دراسة موقف الحلفاء السياسيين والعسكريين للولايات المتحدة بالمنطقة، ومسرح العمليات، وغيرها من أمور متعلقة.

ثم يقوم قائد التشكيل الإستراتيجي وهيئة قيادته بعمل نفس الإجراءات ليحدد حجم وتشكيل قتاله بشكل نهائي وكذا مطالبه من الدعم، ثم يعرض قراره على قائد القيادة المركزية الأمريكية في حضور هيئة قيادته والمعنيين من البنتاجون.. ولن يتحرك قائد التشكيل لتنفيذ المهمة إلا وهو متفهم تماماً لها ولديه كافة القوات والأسلحة والمعدات التي تمكنه من تحقيقها بكفائة، وليس لأنه مجرد ذاهب للخليج في رحلة بحرية ويعود دون حرب.. مع الوضع في الاعتبار أن الهدف العسكري الأمريكي لا يتضمن الغزو البري لإيران، حتى الآن على الأقل.

ثالثاً: العديد من التقارير الإستراتيجية الأمنية والعسكرية الدولية أفادت أن القوات الأمريكية التي تم دفعها للخليج العربي قد تفوق القدرة على التعامل مع كافة الأهداف الإيرانية وبما يشل من قدرات إيران.

رابعاً: المشكلة الحقيقية ليست في شل قدرات إيران العسكرية، ولكن في أن أي رد ناجح من إيران أو من أذرعها بالوكالة في عمق إسرائيل مثلاً سيكون تأثيره شديد الخطورة مقارنة بالتأثير الذي سيحدث في داخل إيران.

لــــواء أ.ح. ســــيد غنــــيم
زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا
رئيس مركز دراسات شؤون الأمن العالمي والدفاع – أونلاين
www.igsda.org

شارك

administrator