دكتور سَــــيد غُنــــيم
زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا
رئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع
الأستاذ الزائر بالناتو والأكاديمية العسكرية الملكية ببروكسل
 
الحدث: أعلن الجيش الإسرائيلي سيطرته العملياتية على ممر فيلادلفي، وهو قطاع من الأراضي في جنوب غزة على طول الحدود المصرية، حسبما ذكرت صحيفة تايمز أوف إسرائيل في 29 مايو. وكانت القوات الإسرائيلية متواجدة عبر حوالي 75٪ من أراضي الممر، مع المنطقة المتبقية، وهي جزء قريب من البحر، تحت سيطرة النيران الإسرائيلية، مما يؤدي فعليًا إلى عزل ما تبقى من المسلحين في غزة عن الحدود المصرية.
الرأي:
يجب أولاً أن نتفهم أن ممر فيلادلفي هو الاسم الذي تطلقه إسرائيل على الحدود بين غزة ومصر، وبموجب الشروط الدبلوماسية بين إسرائيل ومصر، من المفترض أن يكون منزوع السلاح وفقا لمعاهدة عام 1979. واعترضت مصر على عودة القوات الإسرائيلية إلى المنطقة، لكن القاهرة تشعر بقلق أكبر بشأن تدفق اللاجئين الفلسطينيين إلى مصر من القوات الإسرائيلية على الحدود. ومن غير الواضح إلى متى ستبقى إسرائيل على طول الحدود، حيث تبنت إسرائيل استراتيجية الغارة والانسحاب في غزة بينما تمتنع عن نشر عشرات الآلاف من القوات والشرطة اللازمة لاحتلال القطاع بالكامل.
إذا، فما الهدف من الإعلان الإسرائيلي هذا؟
يأتي الهدف من هذا الإعلان الإسرائيلي والذي يكمن فيه سبب أهميته، أن السيطرة على ممر فيلادلفي أمر أساسي لعملية رفح الإسرائيلية على المستويين السياسي والعسكري الإستراتيجي.
فمن الناحية السياسية، يسمح هذا الإنجاز للحكومة الإسرائيلية بادعاء انتصار كبير على حماس وغيرها من المسلحين الفلسطينيين، مما يعزز بعض الدعم الحربي للحكومة ويبرر مخاطر الانتقال إلى رفح على الرغم من الاعتراضات الأمريكية والدولية.
ومن الناحية العسكرية الاستراتيجية، فهو نذير بالسقوط المحتمل لرفح في أيدي القوات الإسرائيلية، مما يؤدي إلى نهاية الأهداف العسكرية الإسرائيلية الشاملة المتمثلة في العمل في جميع المدن الرئيسية في غزة. كما أن السيطرة على الممر (من وجهة نظر إسرائيل وحسب إدعاءها) تقلل من قدرة المسلحين على إعادة الإمداد عبر طرق التهريب في مصر، وقد تكشف عن مواقع كبار قادة حماس والرهائن الإسرائيليين و/أو مخابئ الإمدادات الرئيسية الموجودة في المنطقة.
إلا أنني أتوقع أن إسرائيل سوف تتفاجأ قريباً بأن الاعتبارات والمعلومات التي بنيت عليها هدفها من هذا الإعلان خاطئة وغير دقيقة، خاصة وان الموقف يزداد تعقيداً في غزة وارتباطاً بمحيطها. ويمكن أن أوضح توقعي هذا من خلال المنطق التالي:
لنفترض أنه لا أسلحة تأتي من مصر (وهو ما أنا متأكد منه)، ولنفترض أن عناصر الفصائل الفلسطينية والرهائن ليسوا في رفح فقط وسيظهرون مرة أخرى كما في شمال غزة (وهو ما أنا متأكد منه أيضًا)، كيف سيكون وضع الجيش الإسرائيلي والحكومة الحالية ونتنياهو أمام أهالي الرهائن والجنود والمتظاهرين الإسرائيليين والمجتمع الدولي؟ خاصة عندما تتسع الحرب وتتسبب في سقوط المزيد من القتالي في الجنود الإسرائيليين والاقتصاد الإسرائيلي والإقليمي والعالمي.
والإجابة ببساطة، فيما يتعلق بالاستمرار المحتمل والزيادة في ظهور المقاتلين مرة أخرى داخل المواقع التي تم “تطهيرها والسيطرة عليها” بالفعل، سيكون ذلك بالتأكيد كابوساً لإسرائيل، وقد يجرهم إلى صراع طويل الأمد على غرار مكافحة التمرد بدلاً من عملية واضحة وصامدة محدودة الوقت. ومثل هذا التطور الخطير سيجعل الأمر صعبًا جدًا على إسرائيل ومصر وأيضًا على جميع التحالفات الدولية التي لن ترغب في التورط في كابوس آخر لمكافحة التمرد والمتمثل في التصدي للعناصر المسلحة في غزة والمواقع المجاورة.
وهذا بالضبط ما يعني أنه إعلان خاطئ مبني على اعتبارات ومعلومات خاطئة.
شارك

administrator

استشاري الأمن الدوَلي والدفاع، رئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع، الإمارات العربية المتحدة، وأستاذ زائر في العلاقات الدولية والأمن الدولي في أوروبا وشرق آسيا، (مصري)