معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع:
– فريق خبراء المحيطين الهندي والهادئ
– القسم العسكري
– فريق الباحثين المشاركين

دكتور سَــــيْد غُنــــيْم

زميل الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية

أستاذ زائر بالناتو والأكاديمية العسكرية الملكية ببروكسل

أولاً: مقدمة – متغيرات الداخل الصيني:
شي جين بينج الرئيس الحادي عشر للصين اتخذ قرارات غير اقتصادية للغاية تشير للاستعداد لتنفيذ عمل ما في تايوان. منها التصرف في بنوك الصين والقيام ببيع أسطولها الضخم من الطائرات المدنية، وتجميع وتخزين ما يحقق اكتفاء ذاتي لمدة عام ونصف من حصاد الحبوب، فضلاً عن تخزين كميات هائلة من الهيدروكربونات. من جانب تم بيع جزء من سندات الخزانة الأمريكية، كما تلاحظ خروج العديد من الصينيين بأموالهم الدولارية من أمريكا إلى العمل المصرفي الذي لا يخضع للعقوبات، وكأن شي چين بينغ يؤكد ما يعلنه مراراً في خطاباته أمام اللجنة الدائمة للحزب الشيوعي قائلاً “استعدوا لصراع كبير”. ويتزامن ذلك مع قدر القوة التي انتزعها لنفسه منفرداً منذ حكم ماوتسي تونج، من منافسيه ومناظريه ومعارضيه وحتى من قوة الحزب الشيوعي نفسه. ولا ننسى أن شي چين بينغ هو الرئيس الصيني الوحيد الذي استمر في الحكم لفترة ثالثة. والتي عقب تنصيبه مؤخرًا في أكتوبر 2022، تم أمام الجميع خلال مؤتمر الحزب الشيوعي بسحب سلفه “هو چينتاو” من مقعده في مجلس الحزب، في إعلان صريح بانتزاع القوة والانفراد بها. ثم قام شي چين بينغ بتطهير الحزب الشيوعي من جميع قادته غير الموالين تباعاً خلال حملات مكافحة الفساد. جديرٌ بالذكر أن هناك ثلاثة فصائل من الحزب الشيوعي وهي: “الحزب الشيوعي – ورابطة الشباب الشيوعي – والأمراء الشباب”، وحالياً ومع حملات التطهير من الفساد وغيرها، الهيئات الثلاث خالية من أي معارضين للرئيس الصيني.
ولذا بدا لبعض المراقبين أنه من المتوقع أن تقوم الصين بتنفيذ عمل عسكري ضد تايوان خلال العام 2024، وتحديداً خلال الربيع أو الصيف اعتباراً من شهر مايو يونيو، ارتباطاً بظروف الطقس في بحر الصين الجنوبي ومحيط تايوان حيث تهب الرياح عبر مضيق تايوان بقوة، بجانب كافة الإجراءات الاقتصادية والسياسية المتخذة والتي تم ذكرها سلفاً، فضلاً عن التركيز على القاعدة العسكرية الصينية في ذات الاتجاه والمناورات البحرية المتكررة والمحتملة.
كل ذلك رغم المشاكل الاقتصادية التي تواجهها الصين، والحاجة الماسة للطاقة في ظروف أمنية دولية صعبة في شرق أوروبا والشرق الأوسط ووسط وشرق أفريقيا، فضلاً عن التناقص المستمر في القوة البشرية الصينية، والصعوبات التي تواجه الزراعة. حقيقي أن الصين خزنت ما يحقق البقاء باكتفاء غذائي ذاتي لمدة عام ونصف إلا أن أزمة الغذاء في حد ذاتها ما زالت كائنة، حسب خبراء الأمن الغذائي الدوليين.
وهناك ما يمكن تعريضه للخطر خاصة ممتلكات الصينيين من العقارات والفنادق في الولايات المتحدة أمام تصعيد العقوبات على الصين. وهو ما سيدفع أصحاب تلك العقارات من الصينيين للهروب بأموالهم من أمريكا ومن الدول التي تنفذ العقوبات على الصين، مما سيجعل قيمة هذه العقارات زهيدة للغاية.
كل ما سبق أيضاً يتسق مع فوز الحزب الديمقراطي التقدمي The Democratic Progressive Party (DPP)الأكثر معارضة للصين.
ثانياً: المناورات العسكرية الصينية “السيوف المشتركة 2024 أ”:
بدأت الصين مناورتها العسكرية “السيوف المشتركة 2024 أ” والتي تُعد الأكبر منذ أكثر من عام، وتأتي بعد أيام فقط من تولي “لاي تشينغ تي” رئاسة تايوان، ذلك الرجل الذي تكرهه بكين علانية لدفاعه عن سيادة تايوان والحفاظ على هويتها المتميزة.
ونددت بكين بـ “لاي” ووصفته بأنه “انفصالي خطير” ونددت بخطاب تنصيبه يوم الاثنين، والذي دعا خلاله الصين إلى وقف ترهيبها لتايوان، والذي أصبح أكثر وضوحًا في عهد الزعيم الصيني شي جين بينغ.
فيما وصفته بأنه “عقاب قوي على الأعمال الانفصالية لقوى استقلال تايوان”، بدأت قيادة المنطقة الشرقية بجيش التحرير الشعبي، الذي يفوق جيش تايوان تسليحا، المناورات صباح الخميس 23 مايو 2024، والتي أعلنت هدفها الاستراتيجي “لاختبار القدرة على الاستيلاء بشكل مشترك على السلطة وشن هجمات مشتركة واحتلال المناطق الرئيسية”، حيث أرسلت 19 قطعة بحرية (مدمرة/ فرقاطة) تابعة للبحرية الصينية بالقرب من مضيق تايوان و7 قطع بحرية (لنشات مرور ساحلي) تابعة لحرس السواحل (الشرطة) الصينية طوقت الجزيرة من الشرق، و49 طائرة طرازات سوخوي 30 وJ-16 وطائرات استطلاع ورصد راداري بعيدة المدى طراز KJ-500 حول تايوان وجزرها النائية، بما في ذلك 35 طائرة عبرت الخط المتوسط، وهي نقطة ترسيم غير رسمية في مضيق تايوان لا تعترف بها بكين ولكنها كانت تحترمها إلى حد كبير حتى السنوات الأخيرة.
ويعتبر الحزب الشيوعي الحاكم في الصين أن تايوان جزء من أراضيه، رغم أنه لم يسيطر عليها قط، وتعهد بالاستيلاء على الجزيرة بالقوة إذا لزم الأمر. وحسب مراقبين، فإن الغالبية العظمى من التايوانيين ليس لديهم رغبة في العيش تحت الحكم الصيني. وهم يرون الرئيس الصيني شي جين بينج أنه الزعيم الأكثر استبدادية في الصين منذ جيل كامل، والذي أوضح أن “إعادة التوحيد الحتمي” للجزيرة مع البر الرئيسي لا يمكن تأجيله إلى أجل غير مسمى.
وتجري المناورات التي تستمر يومين، والتي تشمل عمليات مشتركة للجيش والبحرية والقوات الجوية والقوات الصاروخية الصينية، في مضيق تايوان – وهو مسطح مائي ضيق يفصل جزيرة تايوان عن البر الرئيسي للصين – وكذلك في شمال وجنوب وشرق تايوان، وفقا لجيش التحرير الشعبي. وللمرة الأولى، شاركت في مناورات جيش التحرير الشعبي الصيني أيضًا سفن خفر السواحل الصيني، والتي تعمل في مناطق حول جزر كينمن وماتسو وووكيو ودونجين النائية في تايوان، وتقع قبالة الساحل الجنوبي الشرقي للصين.
وتشكل تدريبات جيش التحرير الشعبي أول اختبار حقيقي للسياسي المخضرم في إدارة التوترات مع بكين، التي رفضت عرضه لإجراء محادثات واستئناف السياحة والتبادل الطلابي عبر المضيق. بل واتهمت وزارة الدفاع الصينية لاي بدفع تايوان إلى “وضع خطير من الحرب” و”اللعب بالنار”.
ثالثاً: الموقف التايواني:
في المقابل، أدانت وزارة الدفاع التايوانية التدريبات العسكرية الصينية ووصفتها بأنها “استفزازات غير عقلانية” ونشرت قواتها البحرية والجوية والبرية ردا على ذلك. وقال المكتب الرئاسي التايواني، إنه “من المؤسف أن نرى الصين تهدد الديمقراطية والحرية في تايوان والسلام والاستقرار الإقليميين باستفزازات عسكرية أحادية الجانب”، مضيفا أن تايوان لديها “الثقة والقدرة على حماية الأمن القومي”.
يشهد لاي تشينغ تي بداية مزدحمة ومضطربة سياسياً لرئاسته بعد توليه السلطة خلفا للزعيمة دكتور تساي إنغ وين (والتي استقبلتني أن وفريقي أكثر من مرة خلال تنفيذ انشطتنا الأكاديمية في تايوان اعتباراً من سبتمبر 2016 ولعدة سنوات)، ليبدأ لاي فترة ثالثة تاريخية على التوالي للحزب الديمقراطي التقدمي الحاكم.
وعلى الصعيد الداخلي، يواجه لاي فوضى في المجلس التشريعي، حيث تتمتع أحزاب المعارضة التي تفضل علاقات أوثق مع الصين بالأغلبية، وقد ضغطت من أجل إخضاع إدارته لتدقيق أكثر صرامة. حيث خرج الآلاف، معظمهم من الشباب، إلى الشوارع للاحتجاج على محاولة المعارضة تسريع وتيرة مشاريع القوانين المقترحة لمنح البرلمان المزيد من السلطات. ولكن على الرغم من استعراض بكين الكبير للقوة، استمرت الحياة كالمعتاد في تايوان، التي اعتاد سكانها البالغ عددهم 23 مليون نسمة على التهديدات العسكرية الصينية، حتى بعد أن أصبحت أكثر انتظامًا وبروزًا في السنوات الأخيرة.
رابعاً: أنماط وتكتيكات جديدة
ركزت مناورات جيش التحرير الشعبي السيوف المشتركة 2024 أ” على ممارسة تكتيكات جديدة في حصار تايوان. حيث ترى الصين تايوان أنها جزيرة معزولة في البحر، ذات اكتفاء ذاتي محدود نسبياً. حيث يعتمد اقتصاد تايوان على التصدير، ويعتمد معظم استهلاكها للطاقة على الواردات. بمجرد محاصرتها وحصارها، قد يؤدي إلى انهيارها اقتصادياً. ولذا تهدف المناورات العسكرية الصينية جنوب تايوان لحصار مداخلها، وتحديداً ميناء كاوشيونغ، والذي يُعد الأكبر في تايوان وقاعدة مهمة لقواتها البحرية. أما المناورات التي تجري شرق تايوان فتهدف إلى قطع واردات الطاقة عنها وقطع طرق الهروب لقوى “استقلال تايوان” وخط الدعم من الولايات المتحدة وحلفائها. في الوقت الذي تحتفظ فيه الولايات المتحدة بعلاقات وثيقة، ولكن غير رسمية مع تايوان، وهي ملزمة بموجب القانون بتزويد الجزيرة بالأسلحة للدفاع عن نفسها. ولا شك أن التدريبات حققت “اختراقًا جديدًا” من خلال دخول المياه القريبة من ووتشيو ودونغين، والتي تتمتع بأهمية جغرافية كبيرة، والتي ينظر إليها الجيش التايواني على أنها مواقع أمامية لعمليات الدفاع عن مضيق تايوان. ومن ثم، تزيد هذه المناورات العسكرية من تقليص مساحة نشاط الجيش التايواني.
من جانب آخر، نجد ان حركة خفر السواحل الصينية بالقرب من الجزر النائية وما حولها شكلت جانبًا جديدًا مهمًا من المناورات الحالية، والتي تتبع مناورات التطويق السابقة في أغسطس 2022 وأبريل 2023. فالضغط بواسطة خفر السواحل والقوات الأخرى في المياه القريبة من تلك الجزر البحرية أمر مستجد متعمد.
خامساً: الهدف الحقيقي من المناورات العسكرية الصينية “السيوف المشتركة 2024 أ” – هل تهدف الصين لغزو تايوان بالفعل؟
خلال محاضراتي لسنوات في تايوان واليابان ذكرت في أكثر من موضع، آخرها محاضرتي في مؤسسة ساساكاوا للسلام في طوكيو، حول رؤيتي للموقف الأمني في بحر الصيني الجنوبي، إبريل 2024، ذكرت أن الصين يمكن أن تستخدم القوة العسكرية في حالات محددة وهي:
1- وجود تهديد خارجي قد يؤثر بشكل خطير على سلامة أراضي الصين، والذي قد يتمثل في:
– تهديد خطير ضد الحزب الشيوعي الصيني.
– إعلان تايوان أو أي مقاطعة أو حكومة أخرى نفسها دولة مستقلة عن الصين.
2- الوجود الهائل للقوة العسكرية الغربية في بحر الصين الجنوبي.
3- توحيد كوريا الشمالية مع كوريا الجنوبية.
وفي رأيي، أزعم أن نمط المناورات الصينية حول تايوان لا يشير إلى تهديد وشيك بالغزو. حيث تساعد هذه التدريبات في طمس الخطوط الفاصلة بين السلام والحرب، وبما قد يمكن من استخدام المناورات المستقبلية كذريعة لغزو فعلي لتايوان. ولذا أرى أن المناورات تبعث برسالة سياسية أكبر من كونها عسكرية.
فمناورة “السيوف المشتركة – 2024 أ” في جوهرها غير المعلن في رأيي تهدف إلى: “إعادة تنشيط الضغط العسكري وبما يشكل تأثيراً حقيقياً على القيادة التايوانية الحالية. فبكين تحاول استغلال مناورة “السيوف المشتركة” في محاولة للزيادة الانقسامات داخل تايوان، الأمر الذي قد يضعف قيادتها ومؤسساتها.
شارك

administrator

استشاري الأمن الدوَلي والدفاع، رئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع، الإمارات العربية المتحدة، وأستاذ زائر في العلاقات الدولية والأمن الدولي في أوروبا وشرق آسيا، (مصري)