معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع:
القسم الأمني والعسكري
دكتور سَــــيد غُنــــيم
زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا
رئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع
الأستاذ الزائر بالناتو والأكاديمية العسكرية الملكية ببروكسل
 
أولاً: نتائج زيارة ترمب لمنطقة الخليج العربي:
أتم ترمب أول زيارة دبلوماسية له في ولايته الثانية إلى السعودية وقطر والإمارات، معتبراً الدول الثلاث تحمل أهمية شخصية بالنسبة له، وليس فقط للولايات المتحدة. أتاحت نتائج الزيارة لقادة هذه الدول فرصةً لإبراز تقارب واسع في المصالح الظاهرة على الأقل.
ربما عدم زيارة إسرائيل في هذه الزيارة، عكس ما فعل عام 2017 خلال ترمب1، بجانب التحركات الأخيرة للإدارة الأمريكية في الشرق الأوسط، ساهم في تنامي شعور إسرائيل بتهميشها عن التطورات الإقليمية الرئيسية. يرى محللون المعهد الوطني للدراسات الأمنية بجامعة تل أبيب أن ترمب وإدارته يُشيران إلى نية واشنطن إعادة تشكيل إطار التحالفات الإقليمية، ربما من خلال تقليل اعتمادها على إسرائيل خاصة وأن قادة الخليج ضغطوا على ترمب لرفع العقوبات عن سوريا (وهو ما فعله)، وللترويج لاتفاق نووي مع إيران من شأنه أن يُقلل من خطر الحرب. كما حثّوا ترمب على الضغط على إسرائيل لإنهاء الحرب في قطاع غزة، حيث طلبت السعودية تحديدًا تأجيل مسألة التطبيع مع إسرائيل مؤقتًا.
تمحورت الزيارة حول سلسلة من “التصريحات المشتركة” حول نوايا تعزيز الصفقات الاقتصادية، لا سيما في قطاعي الدفاع والتكنولوجيا، بقيمة إجمالية غير مسبوقة تُقارب تريليوني دولار. وقد وُضعت هذه الصفقات، التي لم تُوقّع رسميًا بعد، بالتعاون مع السعودية وقطر والإمارات.
السعودية: صفقات أسلحة، واستثمارات سعودية في الولايات المتحدة، وتعاون في سوق النفط وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، واتفاقية دفاعية، بالإضافة إلى التعاون النووي.
في هذا السياق، وخلافًا للتقارير السابقة، لم تحصل السعودية بعد على موافقة على برنامج نووي، ولم يُوقّع أي اتفاق جوهري بشأن هذه القضية خلال الزيارة.
صرح ترمب بأنه يتوقع استثمارات سعودية تُقدر بتريليون دولار في الولايات المتحدة. ويبلغ إجمالي حجم الصفقات المُعلنة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية حوالي 600 مليار دولار، منها 142 مليار دولار في عقود عسكرية ودفاعية.
قطر: توسيع التعاون الدفاعي والاستثمارات في الولايات المتحدة، بما في ذلك صفقة ضخمة لشراء طائرات من بوينج تُقدر قيمتها بنحو 100 مليار دولار. ووفقًا لبيان البيت الأبيض، وقّع الرئيس ترامب اتفاقية مع قطر لتعزيز التجارة المتبادلة بقيمة لا تقل عن 1.2 تريليون دولار.
الإمارات: تم التقدم في صفقات بقيمة 200 مليار دولار، تتعلق بشكل رئيسي بالتعاون في مجال الذكاء الاصطناعي. كما بُذلت جهود للترويج لاتفاقية أمنية، إلى جانب توقعات أمريكية باستثمارات ضخمة من الإمارات تصل إلى 1.4 تريليون دولار في التكنولوجيا الأمريكية على مدى عدة سنوات.
يرى المحللون الإسرائيليون رغبة واضحة لزعماء الخليج في تكريم ترمب لدرجة التنافس بينهم في ذلك، في المقابل، لم يبخل ترمب بإشاداته بمضيفيه، مؤكدًا تقديره العميق لقيادتهم وإنجازاتهم. ووصفت جميع الأطراف الزيارة بأنها نجاح استثنائي، حيث أشاد ترمب ومضيفيه بالإنجازات. كما يشتركوا جميعًا في النظر للزيارة على ما تم تحقيقه من إنجازات، كل لبلده ولأميركا على السواء.
ثانياً: ما حققته الزيارة لكلا الجانبين الصعيد الدبلوماسي:
1. التأثير المتبادل على السياسة الإقليمية: من أجل توطيد علاقاتها مع الولايات المتحدة، يتعين على دول الخليج أيضًا تقليص علاقاتها مع الصين إلى حد ما، وبالتالي معالجة المصالح الأمريكية الرئيسية.
2. الصراع على المكانة الإقليمية في مواجهة إيران: أتاحت الزيارة لدول الخليج الاستفادة من علاقاتها مع الولايات المتحدة لإبراز قدرتها على تحديد الأجندة الإقليمية المتعلقة بإيران، على الأقل خلال فترة حكم الرئيس ترمب. في مقابل هذه الصفقات الضخمة، تتوقع هذه الدول من الولايات المتحدة اتخاذ خطوات لضمان أمنها.
3. الاستعداد لتنسيق سياسات الطاقة قدر الإمكان: يُولي ترمب أهمية كبيرة لأسعار النفط، بينما يتمثل أحد الأهداف الرئيسية لدول الخليج في التأثير على أسعار النفط مقابل ضمانات أمنية.
4. تركيز ترمب على إعادة تشكيل هيكل التحالف الإقليمي: لا سيما من خلال دعواته لحل النزاعات وتعزيز الاستقرار، الذي يعتبره حيويًا لتحقيق الأهداف الاقتصادية لإدارته. في هذا السياق، كان من أبرز التطورات قرار ترامب المثير – بتشجيع من السعودية وتركيا – بلقاء الرئيس السوري أحمد الشرع، وإعلانه رفع جميع العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا منذ عام 2019. وصف ترمب هذه الخطوة بأنها تمنح سوريا فرصة للازدهار، وأوضح أنها تُمثل خطوة أولى نحو التطبيع بين الولايات المتحدة والنظام السوري الجديد.
5. مناقشات موسعة حول إيران والحرب بين إسرائيل وحماس، حيث أعرب ترمب عن رغبته في السعي إلى حلول مبتكرة وغير تقليدية، مفضلاً التفاوض على العمل العسكري كالآتي:
– إيران: حثت دول الخليج ترمب على التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران للحد من خطر الحرب، الذي قد يُقوّض اقتصاداتها واستقرارها. أوضح ترمب أنه غير مهتم بالعمل العسكري ضد إيران، وأعرب عن تفاؤله بالمفاوضات الجارية بين الولايات المتحدة وإيران. ومع ذلك، أكد أنه في حال فشل المحادثات، سيكون البديل زيادة الضغط الاقتصادي والعسكري على إيران (مع أنه امتنع عن تحديد طبيعة أي عمل عسكري).
– الحرب في قطاع غزة: طوال الزيارة، باءت بالفشل جهود إدارة ترمب للدفع باتفاق تبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس، بما في ذلك وقف إطلاق النار والتخطيط لمرحلة ما بعد الحرب. من جانبها، أكدت دول الخليج على ضرورة الضغط على إسرائيل لإنهاء الحرب، بينما طلبت السعودية تأجيل مسألة التطبيع مع إسرائيل مؤقتًا. ورغم أن ترمب كرر أمله في انضمام المزيد من الدول، وخاصة السعودية، إلى اتفاقيات إبراهيم، إلا أن الإدارة تعتقد أن هذه الآفاق لا تزال محدودة دون حدوث تحول كبير في الوضع في غزة.
6. من تصريحات القادة خلال الزيارة، يتضح أن كلاً من الإدارة الأمريكية ودول الخليج الثلاث كانت راضية عن توافقها في مجموعة واسعة من القضايا الملحة. ومع ذلك، ستُختبر الآثار العملية لهذا التوافق بمرور الوقت. ويمكن بالفعل تحديد العديد من مجالات الخلاف المحتملة:
– إنتاج النفط وتسعيره، حيث تهدف الإدارة الأمريكية لزيادة إنتاج النفط وانخفاضًا لاحقًا في الأسعار. وقد استجابت دول الخليج، وعلى رأسها السعودية، للطلب وتحركت لزيادة الإنتاج. ومع ذلك، نظرًا للضغوط الاقتصادية، وخاصةً في السعودية، وانخفاض أسعار النفط، قد يكون الحفاظ على هذا المستوى من الإنتاج أمرًا صعبًا. وقد أعلنت شركة أرامكو السعودية للنفط عن أداء ضعيف بسبب انخفاض الأسعار، ومن الواضح أنها تواجه صعوبات في تنفيذ المشاريع المخطط لها. وبالتالي، قد يعيق انخفاض أسعار النفط والضغوط الاقتصادية قدرة المملكة على الوفاء بالتزاماتها تجاه الولايات المتحدة. علاوة على ذلك، تتوقع دول الخليج من الإدارة الأمريكية تخفيض الرسوم الجمركية البالغة 10% المفروضة عليها، على الرغم من أن صادراتها إلى الولايات المتحدة لا تزال ضئيلة نسبيًا.
– السياسة تجاه إيران، حيث ترغب دول الخليج في تجنب التصعيد مع إيران، مع الحفاظ على علاقة جيدة معها. يبدو أن السعودية قد تعلمت درسًا من ولاية ترامب الأولى، التي شاركت خلالها في استراتيجية “الضغط الأقصى” ضد إيران وعانت جراء ذلك. من وجهة نظر الرياض، كانت هذه الاستراتيجية غير فعالة، بالإضافة إلى أنها كانت هدفًا لهجوم صاروخي إيراني، دون وجود دفاع أمريكي قوي. ومن ثم، فإن قرار الولايات المتحدة بمهاجمة إيران باستخدام قواعد في الخليج (حيث يتوقع أن تستضيف قطر قاذفات استراتيجية أميركية في قاعدة العديد الجوية) من شأنه أن يثير صراعا بين الدول الإقليمية والإدارة الأمريكية.
– حرب غزة والرغبة في إشراك السعودية في الاتفاق الإبراهيمي، حيث قد يُولّد صراع مُطول، وخاصةً الوضع الإنساني المُتدهور في غزة، ضغطًا داخليًا على الأنظمة العربية. ونتيجةً لذلك، استغلّت هذه الأنظمة الزيارة للضغط على ترمب بشأن هذه القضية. بل إنه انتقد الوضع الإنساني، بما في ذلك تصريحه بأن “الكثير من الناس يتضورون جوعًا” في غزة، وأن الوضع بحاجة إلى “معالجة”.
ثالثًا: الفرص والتحديات من وجهة نظر إسرائيل:
رغم أن زيارة ترامب إلى الخليج ركّزت على تعزيز التحالفات بين الولايات المتحدة ودول المنطقة – التي تُعدّ إسرائيل طرفًا رئيسيًا فيها – إلا أنه لم يُدرج إسرائيل في جدول أعماله. وبينما شدّد على أهمية التطبيع الإقليمي الشامل، ساهم غياب إسرائيل في الشعور بالإقصاء من العمليات الدبلوماسية المُثيرة التي تتكشف دون مشاركتها. خلق هذا الاستبعاد انطباعًا بأن الرئيس وإدارته ربما يُرسلان إشارة إلى الحكومة الإسرائيلية بأن واشنطن تسعى إلى إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية – ربما حتى من خلال تقليل اعتمادها على إسرائيل.
وتجدر الإشارة إلى أن إسرائيل لم تكن الطرف الوحيد المُستبعد. فقد استُبعد أيضًا قادة عرب بارزون آخرون – أبرزهم من مصر والأردن – ممن دُعوا إلى قمم الخليج خلال زيارة ترامب عام 2017.
تُمثل السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط والتعاون المتنامي بين الولايات المتحدة ودول الخليج، وخاصة المملكة العربية السعودية، تحديات وفرصًا لإسرائيل في آن واحد:
1. المخاطر والتحديات تجاه إسرائيل:
– الشعور بالإقصاء، ما يفقد إسرائيل ولو جزء من مكانتها المركزية كحليف رئيسي، وخاصة لصالح السعودية. ما قد يُقوض قدرة إسرائيل على جذب شركاء إقليميين وردع خصومها.
– تآكل التفوق العسكري النوعي لإسرائيل، حيث يُشكل البيع المحتمل لأسلحة متطورة إلى السعودية وقطر – حتى في حال عدم إبرام أي صفقات ملموسة – تهديدًا خطيرًا للتفوق العسكري النوعي الراسخ لإسرائيل، وهو مبدأ حافظت عليه الولايات المتحدة لسنوات. ومن دواعي القلق بشكل خاص لإسرائيل احتمال بيع طائرة مقاتلة متطورة من طراز F-35، والتي تسعى إليها السعودية وقطر والإمارات (والتي وُعدت بها مقابل توقيع الاتفاق الإبراهيمي مع رفض إسرائيلي تام).
– زيادة التنسيق بين الولايات المتحدة والسعودية وتركيا، يشير لتوافق ثلاثي قد يهمش إسرائيل في الحوارات الإقليمية المستقبلية حول تشكيل الشرق الأوسط ويهدد مصالحها.
– تبني ترمب للرواية العربية/الخليجية، والذي اتضح في تصريحاته فيما يتعلق بالتطورات في غزة وغيرها من الساحات الإقليمية. وقد تُوجّه هذه الرواية، التي يروج لها حلفاء الخليج الذين اكتسبوا نفوذًا كبيرًا على الإدارة الأمريكية، السياسة الإقليمية الأمريكية الآن.
– الاتفاق مع إيران، حيث تشترك إدارة ترمب ودول الخليج في مصلحة التوصل إلى اتفاق مع إيران، حتى لو أدى ذلك إلى تجاهل مطالب إسرائيل. وفي حال فشل المفاوضات، من المرجح أن تستغل الدول العربية علاقاتها المتينة مع إدارة ترمب للضغط على إيران لضبط النفس، بما في ذلك السعي للتأثير على الاعتبارات العملياتية لإسرائيل.
2. الفرص:
– الدفع بالتطبيع مع السعودية، خاصةً مع تصميم ترمب على توسيع نطاق اتفاقيات إبراهيم وهدفه بناء محور سني مناهض لإيران إلى زيادة الضغط الأمريكي على السعودية لتقديم لفتات تجاه إسرائيل. وفي حال اتخاذ قرار بضرب إيران، قد تضغط الإدارة على دول الخليج للسماح لإسرائيل بحرية التصرف، أو على الأقل توسيع التنسيق السري معها.
– التكامل الاقتصادي والتكنولوجي من خلال الشراكات الإقليمية، حيث يمكن لإسرائيل أن تندمج في الجهود الأمريكية الرامية إلى تعزيز المشاريع الاقتصادية والتكنولوجية المشتركة (مثل الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا – IMEC)، نظرًا لأن الولايات المتحدة ودول الخليج تنوي استثمار مبالغ طائلة في تحويل اللاعبين الإقليميين إلى قوى في هذه المجالات.
– الانخراط في آليات إقليمية رسمية، حيث قد يسمح توسيع التعاون الأمني ​​بين الولايات المتحدة ودول الخليج لإسرائيل بالانضمام إلى منتديات أمنية إقليمية، ومن المتوقع أن تنمو.
رابعًا: ستعمل إسرائيل على الآتي:
1. الحفاظ على العلاقة الاستراتيجية مع البيت الأبيض. وضمان إسرائيل توافق استراتيجيتها مع أولويات إدارة ترمب وأولوياته هو شخصيًا، سواء في الشرق الأوسط أو في آسيا تجاه الصين أو في أوروبا وأمريكا اللاتينية، بل وداخل الولايات المتحدة.
2. الحصول على التزام من واشنطن بعدم إجراء أي عملية أمنية أو دبلوماسية أو اقتصادية إقليمية دون تنسيق مسبق معها.
3. تعميق العلاقات مع السعودية، حتى في غياب التطبيع الرسمي، من خلال جميع القنوات الممكنة. والترويج لمنتدى أمريكي-إقليمي دائم يكون لإسرائيل فيه دور فاعل.
4. الحفاظ على التفوق العسكري الاستراتيجي لإسرائيل.
5. إنشاء تحالف نووي مع السعودية والإمارات، والتركيز بشكل خاص على ضرورة تعزيز التنسيق فيما يتعلق بخطة الولايات المتحدة للتعاون مع السعودية في الشؤون النووية، وخاصة فيما يتعلق بمسألة تخصيب اليورانيوم على الأراضي السعودية.
6. الاستفادة من العلاقات المتنامية بين الولايات المتحدة ودول الخليج بما يخدم مصالح إسرائيل.
خامسًا: الرأي:
1. ستعمل إيران على تشكيل تحالف نووي خليجي مع الإمارات والسعودية، في محاولة لتفويت نفس الفرصة على الولايات المتحدة وإسرائيل.
2. أهم ما قد تجهز له إسرائيل خلال كل ما سبق، عدم استقرار ترمب على حال معين، وهو ما سيجعلها تتحلى بالمرونة، وما يتطلب من باقي الدول الفاعلة التحلي بالمرونة وعدم الرهان على مستقبل توجه ترمب.
3. قد تصبح سوريا مسرحًا للتنافس الإقليمي (السعودية وتركيا مع الحكومة السورية من جانب – وإسرائيل والإمارات من جانب آخر).
4. قد تزيد عدة دول بالمنطقة، منها مصر، من قدراتها العسكرية لضبط معادلة التوازن في القوى.
5. قد يكون على مصر والأردن والعراق الاستثمار في تقاربهم التجاري، والطاقوي، والأمني،… في صورة مشروعات جاذبة لباقي الأطراف، وبما قد يخلق تكتلات موازية قد تحقق توازن هادئ يدفع للاستقرار أمام تصعيد لا يتوقف.
شارك

administrator

استشاري الأمن الدوَلي والدفاع، رئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع، الإمارات العربية المتحدة، وأستاذ زائر في العلاقات الدولية والأمن الدولي في أوروبا وشرق آسيا، (مصري)