رابط المقال بجريدة الأخبار
http://akhbar.akhbarelyom.com/newdetails.aspx?sec=%D9%8A%D9%88%D9%85%D9%8A%D8%A7%D8%AA+%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B1&g=6&id=370883
بقلم: سيد غنيم..
إستراتيجية قطر
قطر ذات الـ(39) ربيعاً، وهو عمرها كدولة معترف بها، تمتلك موقعاً جغرافياً/ سياسياً شرق المملكة العربية السعودية برياً، شمال الإمارات وجنوب البحرين وغرب إيران مائياً، وهو موقع لا تحسد عليه برغم أنه يحقق ميزة إقتصادية هامة، حيث يطل على أكبر حقل غاز في العالم (حقل الشمال)، والذي تمتلك قطر معظمه وتمتلك منه إيران الجزء الأصغر.
قطر وتعدادها السكاني الذي قد يتجاوز الـ300 ألف مواطن بقليل ومساحتها التي تصل إلى 11437 كم2 وتظهر جغرافياً كبروز ضئيل للغاية يطل على الخليج العربي خارجاً من بطن مارد مساحته 2 مليون و250 ألف كم2 وهو السعودية ذات التعداد السكاني 31 مليون و500 ألف مواطن، أي أن مساحة السعودية تصل لما يقرب مائتي ضعف مساحة قطر، وتعدادها السكاني حوالي 105 ضعف تعداد قطر.
هذا الفرق الشاسع في المساحة والتعداد السكاني، والموقع المحصور بين السعودية والخليج العربي (جغرافياً)، وإمتلاكها لأكبر حقل غاز في العالم (إقتصادياً)، وإنحصارها بين ألد ثلاث أعداء لإيران (سياسياً/ طائفياً)، جعل قطر تفكر في كيفية ضمان بقائها وتأمين مصيرها من منطلق أنها مطمع للسعودية والتي يمكن أن تقوم بإبتلاعها في أي وقت.
كـ(رد فعل) أظن أن قطر قد بدأت في ضرورة تحسين علاقاتها السياسية والاجتماعية مع إيران لتأمين مصالحها الإقتصادية معها وكذا تأمين جبهتها الشرقية كمنفذ من الأطماع الخليجية فيها خاصة السعودية، وهناك بالفعل إتفاقيات أمنية مبرمة بين قطر وإيران، المعروف منها تم أُبرمه عامي 2010 و2015 في مجال مكافحة الجريمة ومكافحة الإرهاب وتأمين السواحل البحرية، وكلاهما أغضب الدول الثلاث المحيطة لها بشدة.
وعلى صعيد آخر فكرت قطر في كسب حلفاء دوليين وإقليميين يمكن أن يحققوا لها الضمان السياسي والأمني اللازمين لحمايتها عند الضرورة، فتم معاونتها لوضع إستراتيجية أراها عبقرية تحقق ذلك لقطر على المديين المتوسط والبعيد.. حيث أصبحت قطر حليفاً إستراتيجياً لكل من إسرائيل (أهم حليف للولايات المتحدة والتي تعتزم أن تكون العمود الفقري المنتظر للمنطقة)، كما أصبحت حليفاً إستراتيجاً لتركيا (أهم قوة عسكرية في المنطقة وثاني أكبر قوة عسكرية بالناتو). وعلى صعيد آخر تم التفكير في إستبدال أنظمة الحكم العربية بأنظمة أخرى موالية لقطر، وتم إختيار تنظيم الإخوان المسلمين ممثلاً للإسلام السياسي كأفضل بديل سياسي لحكم الدول العربية، والذي وافق عليه في البداية كل من الولايات المتحدة وإسرائيل، وذلك بدعم سياسي تركي ودعم مالي وإعلامي من قطر نفسها.. على أن يتم إزاحة معظم الحكام العرب، يليهم ربما حكومات دول الخليج على مراحل، لتصبح على المدى البعيد دول ذات ولاء كامل للأسرة الحاكمة القطرية والحكومة التركية تضفيها موافقة أمريكية إسرائيلية.. ومن ثم حالة بقاء حكام الخليج تكون الدول العربية ذات الأنظمة الموالية لقطر مطوقة تماماً لدول الخليج داعمة للنفوذ القطري، وفي حالة سقوط الأسر الحاكمة بدول الخليج ربما تتغير خريط منطقة الخليج العربية بل وخريطة المنطقة بالكامل.
لا شك أن هذه الإستراتيجية المدروسة جيداً والتي تتلخص خطواتها في علاقات أمنية وسياسية واقتصادية مع إيران وتركيا وإسرائيل، وعلاقات إستراتيجية مع الولايات المتحدة وفرض تنظيم الإخوان المسلمين لتسيد الحكم بالدول العربية وإحتكار بيع الغاز لأوروبا بديلاً عن روسيا ودول المتوسط ودعم تنظيمات مُصنفة إرهابية تحارب بديلاً عنها وعن دول عربية أخرى بالوكالة في المنطقة، لا شك أنها إستراتيجية جديرة بالتأمل فاقت كل التوقعات ربما ساهم في وضعها بكامل خططها القصيرة والمتوسطة وبعيدة المدى الدولة الداعم الأكبر لتنظيم الإخوان في العالم وهي بريطانيا، وأنها رغم سقوط تنظيم الإخوان بالمنطقة، ما زالت تستفيد من نجاحاتها أمام الحصار المفروض على قطر، والتي يجب مجابهتها بواسطة إستراتيجيات أكثر عبقرية وعمقاً وليس بواسطة لاعبين محترفين على المستوى التكتيكي.
سيد غنيم
زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا
إستشاري الأمن الدولي – أستاذ محاضر بأكاديمية دفاع الناتو