الجزء الثاني: 23 فبراير 2024

المحور الأول: اشتعال الجبهات الشرقية

المحور الثاني: ماذا حققت العقوبات الغربية؟

المحور الثالث: الأمن الغذائي وأمن الطاقة (أزمات الحبوب والطاقة)

رأي معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع – دكتور سيد غنيم:

المحور الأول: اشتعال الجبهات الشرقية

عقب هجومي خيرسون وخاركيف المضادين في أواخر 2022، تركز القتال في الغالب حول مدينة باخموت خلال النصف الأول من 2023. في غضون ذلك، شيدت روسيا خط دفاعي بطول 800 كم استعداداً للهجوم الأوكراني المضاد. حيث بنت ما يقرب من ثلاثة خطوط دفاعية في زابورودجيا و«مجموعة من التحصينات المنفصلة المحيطة بالمدن الكبيرة».. تتمركز هذه التحصينات حول أولينكا ودونيتسك وماكيفكا وهورليفكا. تتألف المواقع الدفاعية في مقاطعتي زابورودجيا ودونيتسك من «أشكال متعددة من الحواجز المضادة للمركبات وخنادق المشاة ومواقع إطلاق النار المعدة للمدفعية والمركبات القتالية.

بدأت أوكرانيا هجوما مضادا في يوم 8 يونيو 2023، بهدف استعادة الأراضي التي احتلتها القوات الروسية في بداية الغزو الروسي لأوكرانيا 2022. توزع الهجوم على عدة محاور، بما في ذلك دونيتسك أوبلاست، زابورودجيا أوبلاست، وغيرها.

عرض على الخريطة التفاعلية (شاشة باللمس): خيرسون وخاركيف أولينكا ودونيتسك وماكيفكا وهورليفكا وزابورودجيا.

توضيح تفصيلي:

المرحلة الرابعة: إستهداف الإرادة الأوكرانية والإنسحاب الرابع (من 10أكتوبر 2022 الى 10ديسمبر 2022)

هزيمة الإرادة الاوكرانية وكسب الوقت لاستكمال التعبئة وتهيئة المسرح للدفاع أملاً فى استعادة المبادأة فى دونباس وذلك بتوفير حجم من القوات شرق نهر دنيبرو لإنشاء وتأمين منطقة عازلة لشبه جزيرة القرم بما يضمن تأمين اقليم دونباس والدفاع عنه.

  • الإجراءات:

قامت روسيا بتشكيل قوة مشتركة فى بيلاروسيا لإشغال القوات الاوكرانية شمالاً لتخفيف الضغط على خيرسون ودونيتسك ويهدد بقطع خطوط المواصلات اللوجستية الاوكرانية من الغرب واستغلت القوات الروسية قدراتها النيرانية ضد البنية التحتية الاوكرانية وجهزت دفاعات شرق نهر دنيبرو فى خيرسون وشمال غرب لوهانسك.

ولم تحقق القوات الروسية اى من اهداف هذه المرحلة، بل قامت بسحب قواتها من خيرسون تدريجيا الى شرق نهر دنيبرو خلال شهر نوفمبر 2022 واتخذت من مدينة جينيسيسك المطلة على بحر آزوف والتى تبعد عن خيرسون 200 كم عاصمة مؤقتة لخيرسون بما مكن القوات الاوكرانية من تحرير جزء كبير من استعادة السيطرة على جزء كبير من الأراضي منذ بدء الحرب فى فبراير 2022.

المرحلة الخامسة: إستعادة القوات الروسية المبادأة واستهداف مناطق إضافية (من 10ديسمبر 2022 الى 15 ابريل 2023)

  • الإجراءات:

هدفت روسيا لاستعادة المبادأة والسعى للاستيلاء على معظم أراضي دونباس من خلال الاستيلاء الكامل على العديد من القرى والبلدات الصغيرة ذات الاهمية التكتيكية خاصة فى دونيتسك وتحديداً فى (كريمينا وسوليدار وباخموت وأفدييفكا ومارينكا وفوهليدار وليمان) بطريقة تمكن القوات الروسية من الوصول الى العمق التشغيلى والاستيلاء على خط المار عبر المدن (ليمان وسلوفيانسك وكراماتورسك و قسطنطينيفيكا).

ونتيجة لذلك حققت القوات الروسية نجاحات فى مناطق مختلفة من الجبهة خاصة مناطق المستوطنات (كريمينا وسوليدار وباخموت وافدييفكا ومارينكا وفوهليدار) واستولت على سوليدار وحاصرت باخموت من ثلاث اتجاهات وحاولت تطويق افدييفكا.

وواصلت القوات الروسية إنشاء مواقع دفاعية فى مناطق خاركيف ولوهانسك وزابورودجيا وخيرسون عقب احتلالها بهدف صد الهجمات المضادة الاوكرانية.

هدفت القوات الاوكرانية للإعداد للتحول للهجوم بما يعرف بـ(هجوم الربيع) حيث تقدمت القوات الاوكرانية بشكل طفيف فى مناطق خاركيف ولوهانسك وزابارودجيا.

وحتى منتصف ابريل 2023 نجحت القوات الروسية فى الاستيلاء على معظم منطقة لوهانسك وحوالي 50% من منطقة دونيتسك و60% من منطقة وزابورودجيا و60% من منطقة خيرسون وعدة مستوطنات فى خاركيف.

ولم يحقق الطرفان أي من اهدافهما فى هذه المرحلة انا كانت دفاعية او هجومية.

المرحلة السادسة: إنتزاع القوات الاوكرانية المبادأة ومحاولة التحول للهجوم الاستراتيجي (من 15أبريل 2023 الى 4 يوليو 2023)

تحول القوات الروسية للدفاع النشط وقيام القوات الاوكرانية بتنفيذ تحضيرات اتحول الى الهجوم لاستعادة اجزاء من الأراضي المسيطر عليها من قبل روسيا

  • الإجراءات:

منذ بداية المرحلة ركزت روسيا فى قصف مستودعات الذخيرة وامكان تجمع القوات الاوكرانية بينما سعت اوكرانيا الى لاستكمال شبكة الدفاع الجوى لتحجيم القوات الجوية الروسية والهجمات الجوية والصاروخية ايضاً، وارتفعت الوتيرة العمليات الاوكرانية الخطوط الدفاعية الروسية سواء بالقصف الصاروخى أو بالطائرات دون طيار على المدينتين الساحليتين (ماريوبول وبيرديانسك) او بالقوات الخاصة والطائرات دون طيار داخل العمق الروسي مثل قصف مبنى الكرملين بقلب العاصمة موسكو فى مايو 2023.

استمرت روسيا فى قصف العمق الأوكراني باستخدام الطائرات دون طيار والصواريخ الجوالة وصواريخ ارض – ارض، وأعلن (يفغيني بريجوجين) قائد ومؤسس مجموعة فاجنر حسم معركة باخموت والسيطرة على كامل المدينة حيث تحملت فاجنر العبء الاكبر فى معركة باخموت.

المرحلة السابعة: تبادل قصف العمق الأوكراني والروسي (من نوفمبر 2023 الى يناير 2024).

استمرت القوات الروسية، فى عمل سلسلة من الهجمات واسعة النطاق على أهداف في كييف. لضرب الأهداف، تم استخدام كل من طائرات بدون طيار والصواريخ الفرط صوتية. وتم استهداف المصانع الاوكرانية لإنتاج الذخيرة والاسلحة.

كما تم استهداف الشبكات الكهربائية شمال كييف أعقبه انخفاض في حركة الإنترنت، على غرار احتراق محول.

وقد أصبحت المنشآت الصناعية المرتبطة بالمجمع الصناعي العسكري أهدافًا مؤكدة للضربات. حيث اصبحت الهجمات الجوية الدقيقة عليها يمكن أن تضعف بالفعل إمكانات الإنتاج العسكري لنظام كييف.

بدأت القوات الأوكرانية فى قصف واسع النطاق على شبه الجزيرة القرم بديلاً عن قصف العمق الروسي القوات وركزت المسلحة الأوكرانية على مهاجمة المستودعات والبنية التحتية لأسطول البحر الأسود على الجانب الشمالي من سيفاستوبول وبالقرب من إنكرمان. واستهداف مقار اسطول البحر الاسود الروسي.

المحور الثاني: ماذا حققت العقوبات الغربية؟

وصلت العقوبات، التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على روسيا لإجبارها على الانسحاب من أوكرانيا، لأكثر من 11 حزمة عقوبات، تغطّي نحو 1800 فرد وكيان.

وصلت العقوبات، التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على روسيا لإجبارها على الانسحاب من أوكرانيا، لأكثر من 11 حزمة عقوبات، تغطّي نحو 1800 فرد وكيان.

بوتين: الاقتصاد الروسي يمتلك احتياطيا كبيرا يمكنه من النمو وارتفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.5%، ونمت الصناعة بنسبة 6%، والاستثمار 10%؛ ما يعني قدرة موسكو على مواجهة العقوبات، بينما انخفض دين الدولة الخارجي من 46 مليار دولار إلى 32 مليارا.

أمّا التضخم، فقد وصل إلى 7.5%، وربما 8%، لكن البنك المركزي والحكومة “يتّخذان التدابير اللازمة لمواجهة ذلك”.

توضيح تفصيلي:

واصلت أوكرانيا التعاون بنشاط مع شركائها في تحالف يضم 40 دولة، إذ فرضت عقوبات على روسيا من الإتحاد الأوروبي، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة، كندا، سويسرا. ومن المتوقع أن يتوسع هذا التحالف، بما في ذلك من خلال إشراك دول آسيا وأمريكا اللاتينية.

ففي 12 يوليو 2023، أكد زعماء مجموعة السبع أن الأصول السيادية لروسيا (حوالي 300 مليار دولار أمريكي) في ولايات مجموعة السبع ستظل مجمدة حتى تدفع روسيا تعويضات الأضرار التي لحقت بأوكرانيا، واعترفوا بالحاجة إلى إنشاء آلية دولية للتعويض عن الأضرار التي لحقت بأوكرانيا الناجمة عن العدوان الروسي.

في 6 ديسمبر 2023، أعلنت دول مجموعة السبع في بيان مشترك عزمها فرض قيود على واردات الماس غير الأساسي المستخرج أو المعالج أو المنتج في روسيا بحلول 1 يناير 2024، ثم بحلول 1 مارس 2024 – قيود مرحلية على واردات الماس الروسي المصنعة في بلدان ثالثة.

أيضًا، في 20 ديسمبر 2023، تم فرض عقوبات جديدة على أولئك الذين يساعدون روسيا في تصدير النفط في إنتهاك لقيود الأسعار.

وإنخفض المتوسط ​​الشهري لعائدات صادرات روسيا من النفط التجاري في عام 2023 بمقدار 4.2 مليار دولار أمريكي على أساس سنوي. وكان هذا نتيجة للحد الأقصى لأسعار مجموعة السبع، وزيادة الخصومات على الخام الروسي والإنخفاض الأوسع في أسعار النفط العالمية.

أيضًا، في 20 ديسمبر 2023، تم فرض عقوبات جديدة على أولئك الذين يساعدون روسيا في تصدير النفط في إنتهاك لقيود الأسعار.

تأثير العقوبات الغربية على مستويات المعيشة في روسيا:

  • 1- لقد أعاقت العقوبات الغربية إنتاج روسيا للعديد من السلع وأدت إلى اتساع عجز الميزانية. وفي حين أن هذه التدابير وحدها لا تستطيع إنهاء الحرب، إلا أنها حدت من قدرة روسيا على استبدال معداتها العسكرية المدمرة وتمويل الحملة الروسية على اوكرانيا.
  • 2- بعد شن الحرب الروسية على اوكرانيا في 24 فبراير 2022، فرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والمملكة المتحدة والعديد من الدول الأخرى عدة جولات من العقوبات الاقتصادية. ورغم أن التهديد بمثل هذه التدابير لم يكن كافيا بوضوح لردع روسيا عن شن الهجوم، فإن العقوبات خلفت تأثيرا سلبيا على اقتصاد روسيا وقدرتها على شن حربها في أوكرانيا.
  • 3- أدت القيود المفروضة على الصادرات إلى روسيا إلى انخفاض وفي بعض الحالات انهيار في الإنتاج في العديد من القطاعات الصناعية. وكان للحد الأقصى لأسعار النفط المنقول بحرا المستورد من روسيا وهي العقوبة التي تم فرضها لأول مرة في ديسمبر 2022 – تأثير سلبي كبير على عائدات الضرائب الفيدرالية في البلاد. وهذا أمر مهم للغاية، حيث أن ما يصل إلى 40٪ من عائدات الضرائب الفيدرالية في روسيا كانت تأتي من قطاع الطاقة قبل الحرب.
  • 4- بعد الحرب مباشرة، اقتربت روسيا بشدة من أزمة مالية شاملة. وانخفضت القيمة الخارجية للروبل بنحو 30% في غضون أيام قليلة، واصطف الروس لسحب أموالهم من البنوك الروسية.
  • 5- استجاب البنك المركزي الروسي برفع سعر الفائدة الرئيسي إلى 20% وفرض قيود على سحب الودائع وتحركات رأس المال. وكانت هذه التدابير كافية لتهدئة الذعر الأولي في الأسواق المالية الروسية. وقد أدى ارتفاع أسعار الطاقة وانخفاض الواردات إلى رفع فائض الحساب الجاري للبلاد إلى مستوى قياسي جديد ــ 233 مليار دولار (10.4% من الناتج المحلي الإجمالي) ــ وهو ما دعم أيضاً قيمة الروبل.
  • 6- حزم العقوبات كان لها تأثير اقتصادي سلبي كبير في العديد من المجالات. وأدى سعر الصرف الأولي وصدمة التضخم إلى انخفاض مستويات معيشة الروس العاديين. انخفض حجم مبيعات التجزئة بنسبة 9.8% على أساس سنوي في أبريل 2022 ولم يتعاف حقًا منذ ذلك الحين.
  • 7- منعت العقوبات العديد من الروس من السفر إلى دول الاتحاد الأوروبي، التي كانت وجهات سفر شعبية للغاية في الماضي. واضطرت شركات الطيران الروسية إلى قطع مسارات رحلاتها بشكل كبير.
  • 8- تأثير سقف أسعار النفط على مالية الدولة الروسية:
  • 9- بعد الحرب، ارتفعت أسعار الطاقة العالمية. وخفض العديد من العملاء الأوروبيين مشترياتهم من النفط الخام والمنتجات النفطية الروسية طوعا. وفي صيف 2022، توقف تدفق الغاز الطبيعي من روسيا إلى دول الاتحاد الأوروبي، حيث رفضت شركات الطاقة الأوروبية دفع ثمن غازها بالروبل.
  • 10- أدت هذه الإجراءات إلى خفض صادرات روسيا وعائداتها الضريبية. ومع ذلك، كان القرار الأكثر أهمية هو قرار مجموعة السبع بوضع سقف لسعر واردات النفط المنقولة بحراً من روسيا عند 60 دولاراً للبرميل. ولم يدخل هذا القرار حيز التنفيذ إلا في 5 ديسمبر 2022. وفي الوقت نفسه، فرضت دول الاتحاد الأوروبي حظرا على استيراد النفط الخام الروسي المنقول بحرا. تم فرض حظر مماثل على منتجات النفط الروسية في 5 فبراير 2023، على الرغم من أن مساهمة النفط الخام في الميزانية الروسية كانت دائمًا أكبر بكثير (مقارنة بالمنتجات النفطية)
  • 11- كان لسقف أسعار النفط الذي فرضته مجموعة السبع وحظر الاتحاد الأوروبي على واردات النفط تأثير كبير على عائدات الضرائب في روسيا. وبشكل عام، انخفضت الإيرادات الضريبية الاسمية بنسبة 15% في الربع الأول. وتضررت إيرادات قطاع الطاقة بشدة بشكل خاص، حيث انخفضت بنسبة 43% عن الربع الأول من عام 2022.
  • 12- بلغ عجز الميزانية الفيدرالية الروسية 2400 مليار روبل في الربع الأول من 2023. وهذا يمثل أكثر من نصف العجز في الميزانية للعام بأكمله

حجم تجارة التجزئة، النسبة المئوية للتغير على أساس سنوي

  • 13- وتضررت مبيعات السلع الاستهلاكية المعمرة (مثل الأجهزة المنزلية) بشكل خاص. وفي فبراير 2023، كان التغير السنوي في تجارة التجزئة لا يزال 7.8%. لكن في أبريل، بلغ النمو السنوي بالفعل 7.4%، حيث كانت فترة الأساس منخفضة للغاية بالفعل بسبب العقوبات. وانخفضت مبيعات السيارات بنسبة 45% على أساس سنوي في الربع الأول من عام 2022. وفي الربع الأول من هذا العام، تجاوزت مبيعات السيارات الصينية مبيعات لادا، السيارة الأكثر شعبية المنتجة محليا في روسيا.

المحور الثالث: أزمات الحبوب والطاقة

  • على صعيد الحبوب:

بدأ ميناء ماريوبول الاستراتيجي شرقي أوكرانيا بالتعرض لحصار وهجمات عنيفة من القوات الروسية منذ مارس 2022 في إطار سعي موسكو لفرض سيطرتها على الأراضي الأوكرانية المحيطة ببحر “آزوف”، مما يسلط الضوء على أهمية تلك المنطقة وبحرها، وتأثيرها على مجريات الأحداث.

وتسلط هذه الخطوة الضوء على أهمية بحر “أزوف”، الذي بمجرد النظر إلى موقعه على الخريطة، يمكن فهم السبب وراء إصرار روسيا على السيطرة على الأراضي المحيطة به، فهو متفرع من البحر الأسود في جزئه الشمالي، ويتصل به عن طريق مضيق كيرتش.

فاقمت المخاطر مع تدمير روسيا البنية التحتية لتصدير الحبوب الأوكرانية، ولا سيما بعد الهجوم الروسي على موانئ في منطقة أوديسا، وفي نهر الدانوب بأوكرانيا، ما دفع أسعار القمح للارتفاع بشكل كبير.

تزامن مع تلك التطورات بشأن اتفاقية الحبوب، والارتفاعات العالمية بأسعار القمح، ودفعت تلك المعطيات صندوق النقد الدولي إلى أن يدق ناقوس الخطر؛ إذ ذكر كبير خبراء الاقتصاد لدى صندوق النقد الدولي أن أسعار الحبوب مرشحة للارتفاع بنسبة بين 10 إلى 15 بالمئة بعد انهيار اتفاقية الحبوب في عام 2023.

  • على صعيد الطاقة:

وصلت أسعار النفط والغاز إلى أعلى مستوياتها منذ ما يقرب من عقد من الزمن نتيجة للاضطراب الجيوسياسي، وكان التأثير أكبر بين ديسمبر 2021 ويونيو 2022؛ حيث زادت تكاليف الطاقة بنسبة 58.3 بالمئة منذ بدء العمليات.

ارتفعت تكلفة برميل النفط في منظمة أوبك إلى 114.3 دولار أميركي، كما ارتفع سعر الغاز عالمياً من 2.55 دولار أميركي في يناير 2022 إلى 3.27 دولار أميركي في يوليو 2022.

الاتحاد الأوروبي كان الأكثر تضرراً؛ إذ أنه يستورد 90 بالمئة من احتياجاته من الغاز الطبيعي، 41 بالمئة منها كان يأتي من روسيا، كما يستورد الاتحاد الأوروبي 46 بالمئة من فحمه و27 بالمئة من نفطه من روسيا.

منذ بداية العمليات الروسية في أوكرانيا، ارتفعت إمدادات النفط والغاز الروسي التي تدخل أوروبا بشكل حاد. في مارس وحده من عام 2022، دفعت أوروبا أكثر من 22 مليار يورو (24 مليار دولار أميركي) لروسيا من أجل النفط والغاز.

 

توضيح تفصيلي:

  • 1- تأثر أمن الغذاء:

تأثير الحرب على أسواق الغذاء العالمية شديد للغاية، لأن أوكرانيا تعد واحدة من أكبر مصدري المنتجات الزراعية في العالم، وتمتلك بعضًا من أخصب الأراضي عالمياً. وتعد أكبر مصدر في العالم لزيت عباد الشمس (50٪ من الصادرات العالمية)، وثالث أكبر مصدر للشعير (18٪)، والرابع للذرة (16٪)، والخامس للقمح (12٪). وفي عام 2021، صدرت أوكرانيا حبوبًا بقيمة 12 مليار دولار تقريبًا.

وتشكل الصادرات الأوكرانية (وخاصة القمح) أهمية بالغة بالنسبة لبعض الدول الآسيوية والإفريقية. ومن عام 2016 إلى عام 2021، حصلوا على 92% من القمح الأوكراني. في 17 يوليو 2023، إنسحبت روسيا من مبادرة حبوب البحر الأسود وبدأت في مهاجمة الموانئ الأوكرانية التي تخزن الحبوب المخصصة للتصدير، مما أدى إلى تفاقم أزمة الغذاء العالمية. وبعد إنسحاب روسيا من المبادرة، إنخفضت الصادرات من أوكرانيا مرة أخرى وارتفعت الأسعار.

أسعار الحبوب حول العالم من 2021

نتيجة للهجمات واسعة النطاق خلال عام 2023، عانت أوكرانيا من انخفاض في إمكانات التصدير لموانئها بنسبة 40٪، وتقريبًا، إذ تم تدمير 300 ألف طن من الحبوب، مما أدى إلى انخفاض صادرات شحنات الحبوب إلى دول آسيا وإفريقيا وأوروبا بنحو 3 ملايين طن شهريًا. بالإضافة إلى ذلك، خلال عام واحد صدرت أوكرانيا حوالي. 33 مليون طن من المنتجات الزراعية إلى 45 دولة، 60% منها ذهبت إلى دول أفريقيا وآسيا.

منذ 8 أغسطس 2023، دخلت الطرق المؤقتة للسفن المدنية من/إلى موانئ البحر الأسود في أوكرانيا حيز التنفيذ. واستخدمت أكثر من 550 سفينة الممر البحري الذي أنشأته القوات البحرية الأوكرانية لتزويد المنتجات الزراعية الأوكرانية لـ 27 دولة. وتواصل أوكرانيا عمليات التصدير عن طريق استخدام طرق بديلة، والأكثر فعالية من حيث تصدير الحبوب هو ممر الدانوب. إذ تم إفتتاح 23 محطة جديدة لنقل البضائع على حساب الاستثمار الخاص. وبلغ إجمالي حجم الشحن عبر موانئ الدانوب الأوكرانية حوالي 36 مليون طن.

في 10 أكتوبر 2023، أعلن رئيس الأوكراني عن إنشاء ممر جديد للحبوب عبر مولدوفا ورومانيا. وبالإضافة إلى البحر، طورت أوكرانيا السكك الحديدية، مما ساهم في زيادة الصادرات. وهناك توقعات إيجابية عالمية حالياً على استقرار الأسعار. لكن الإمدادات الغذائية العالمية لا تزال غير آمنة حيث أن الحرب والحصار الذي فرضته روسيا على موانئ البحر الأسود يقللان من قدرة أوكرانيا على تصدير الحبوب والمواد الغذائية إلى السوق العالمية. ويمكن رصد أهم المحطات في أزمة الحبوب كالآتي:

  • منذ بداية الحرب في فبراير 2022، تعطلت صادرات الحبوب الأوكرانية بشدة. لأكثر من أربعة أشهر، أغلقت السفن العسكرية الروسية الموانئ الأوكرانية في البحر الأسود.
  • بين يوليو 2022 ويوليو 2023، كان هناك اتفاق بين الأمم المتحدة وتركيا وروسيا للسماح بالتصدير عبر ممر إنساني بحري آمن في البحر الأسود (مبادرة حبوب البحر الأسود). غادرت أوكرانيا أكثر من 1000 سفينة محملة بالحبوب والمواد الغذائية الأخرى من ثلاثة موانئ أوكرانية (تشورنومورسك، وأوديسا، ويوزني/بيفديني) أثناء تنفيذ المبادرة.
  • وفي 17 يوليو 2023، أعلنت روسيا قرارها بإنهاء مبادرة حبوب البحر الأسود.
  • 65% من القمح المصدر من خلال مبادرة حبوب البحر الأسود وصل إلى الدول النامية. تم تصدير الذرة بالتساوي تقريبًا إلى البلدان المتقدمة والنامية.
  • قام برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة (أكبر منظمة إنسانية في العالم) بشحن القمح من موانئ البحر الأسود. واعتبارًا من يوليو 2023، كان البرنامج قد اشترى 80% من مخزونه من الحبوب من أوكرانيا، ارتفاعًا من 50% قبل الحرب. وغادر أكثر من 725000 طن من القمح الموانئ الأوكرانية إلى إثيوبيا واليمن وأفغانستان والسودان والصومال وكينيا وجيبوتي أثناء تنفيذ المبادرة.
  • يعد الاتحاد الأوروبي منتجًا ومصدرًا عالميًا رئيسيًا للقمح. وتشير التقديرات إلى أن الاتحاد الأوروبي صدر 31 مليون طن من القمح في العام التسويقي 2022/23. وتشمل بلدان المقصد الجزائر والمغرب ومصر وباكستان ونيجيريا.
  • في 17 يوليو، أعلنت الحكومة الروسية أنها ستنسحب من صفقة لتسهيل تصدير الحبوب من الموانئ الأوكرانية. وكان هذا الترتيب معمولا به منذ يوليو 2022. وأثارت خطوة الكرملين القلق على الفور، خاصة في البلدان التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي. وسارعت الحكومة الكينية إلى إدانة الانسحاب ووصفته بأنه “طعنة في الظهر” للدول المتضررة من الجفاف في القرن الأفريقي. وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش إن انسحاب روسيا “سيوجه ضربة للمحتاجين في كل مكان”.
  • وشهدت أسعار الحبوب تقلبات منذ ذلك الحين. وفي صباح يوم الاثنين بعد الإعلان، قفزت العقود الآجلة للقمح في شيكاغو – وهو معيار عالمي للأسعار لفترة وجيزة بنحو 3٪ قبل أن تنخفض في وقت لاحق من اليوم. وبحلول بعد ظهر الأربعاء، أعلنت روسيا أن جميع السفن في البحر الأسود المتجهة إلى الموانئ الأوكرانية ستعتبر بمثابة شحنات عسكرية محتملة اعتبارًا من يوم الأربعاء. وقفزت العقود الآجلة للقمح بنسبة 9%.
  • 2-تاثير امن الطاقة

لا يزال قطاع الطاقة يشعر بآثار الغزو الروسي لأوكرانيا، والذي أثار في فبراير 2022 أول أزمة طاقة عالمية حقيقية. وبعد مرور عامين، تراجعت أسعار الطاقة عن مستوياتها القياسية المرتفعة، لكن الاتجاهات تتباين بشكل كبير بين المناطق. وفي أجزاء كثيرة من العالم، لا تزال الأسعار مرتفعة – مما يعيق النمو الاقتصادي، ويضغط على الموارد المالية للأسر والشركات، ويزيد من تعقيد الجهود الرامية إلى تحسين القدرة على الوصول إلى الكهرباء. وتظل أسواق الطاقة، التي تواجه درجة عالية إلى حد غير عادي من عدم اليقين الجيوسياسي، على حافة الهاوية.

وتمر أوكرانيا بالفعل بفترة الشتاء الثالثة في الحرب، حيث أثبت قطاع الطاقة قوته. وفي فصل الشتاء 2023-2024، نفذت روسيا أكثر من 45 هجومًا صاروخيًا على منشآت البنية التحتية للطاقة الأوكرانية. تأثرت 25 منشأة توليد (معظمها محطات توليد كهرباء)، ونصف المحطات الفرعية لنظام النقل وشبكات الكهرباء الرئيسية. فقدت أوكرانيا ما يقرب من 50% من نظام الطاقة بأكمله، بما في ذلك منشآت التوليد والنقل بما في ذلك 40% من توليد الطاقة النووية، و60% من الطاقة الحرارية، وأكثر من 70% من طاقة الرياح وحوالي 20% من الطاقة الشمسية. بالإضافة إلى ذلك، لا تزال محطة الطاقة النووية في زابورودجيا تحت الاحتلال الروسي. وقد خفف من هذه الصدمات تلقي أوكرانيا 2023 حوالي 800 شحنة من المساعدات الإنسانية لقطاع الطاقة من 35 دولة.

وقد خصصت أوكرانيا والدول الحليفة 2.3 مليار دولار أمريكي لاستعادة كفاءة قطاع الطاقة وحمايته. وقد وصل إجمالي التزامات المساهمين من المصادر غير الحكومية ومن مختلف البلدان لمساهمات المنح لصندوق دعم الطاقة في أوكرانيا إلى أكثر من 400 مليون يورو. مما أدى إلى استعادة 2.1 جيجاوات من قدرة التوليد.

ولأول مرة أيضًا، تمر أوكرانيا بموسم التدفئة مع إنتاج الغاز محليًا. وزادت شركتا “نفتوجاز” الأوكرانية و”أوكرجاسفيدوبوفانيا” من حجم الإنتاج بأكثر من 10%، وتم اكتشاف آبار جديدة، وتم تجميع حوالي 10 مليارات متر مكعب من الغاز في مرافق التخزين في أوكرانيا. أما اليوم، فلدى أوكرانيا فرص لتصدير ما يصل إلى 1.7 جيجاوات، بعد تحويل شبكة الكهرباء الأوكرانية إلى التزامن الدائم مع الشبكة الأوروبية في 28 نوفمبر 2023.

بجانب ذلك، تواصل الحرب الروسية الأوكرانية إعادة تشكيل نظام الطاقة العالمي بطرق عميقة. لقد تغيرت أنماط التجارة في النفط والغاز الطبيعي بشكل كبير منذ الغزو الروسي حيث تتطلع الحكومات إلى تعزيز أمن الطاقة لديها. وفي الوقت نفسه، تنمو البدائل الأنظف للوقود الأحفوري بشكل أسرع من أي وقت مضى.

دكتور سَــــيْد غُنــــيْم
زميل الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية
رئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع
والأستاذ الزائر بالناتو والأكاديمية العسكرية الملكية ببروكسل

شارك

administrator

استشاري الأمن الدوَلي والدفاع، رئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع، الإمارات العربية المتحدة، وأستاذ زائر في العلاقات الدولية والأمن الدولي في أوروبا وشرق آسيا، (مصري)