دكتور سَــــيْد غُنــــيْم،

دكتوراه العلوم السياسية،

زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا،

ورئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع.

ألكسندر فوتشيتش، رئيس صربيا وصديق بوتين يصرح: لقد سُئلت عما إذا كانت القرم جزء من روسيا أو أوكرانيا، وإجابتي هي أن القرم جزء من أوكرانيا.. وإذا سُئلت عما إذا كانت دونباس جزء من روسيا أو أوكرانيا، فإجابتي هي أن دونباس جزء من أوكرانيا”.
الرأي:
تقليدياً، تُعد صربيا أحد أقرب حلفاء روسيا في أوروبا، وقد اعتاد الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش التحدث بانتظام مع بوتين. ويعود التحالف بين الدولتين الأرثوذكسية الشرقيتين إلى قرون. وذلك بعد الهدوء خلال الحقبة السوڤيتية في عهد الزعيم اليوغوسلافي جوزيب بروز تيتو، استعاد زخمه خلال حروب البلقان ثم عززه تدخل الناتو عام 1999 الذي أنهى الحرب في كوسوفو.
إلا أن الحرب الأوكرانية تضع العلاقات القوية بين الحليفين تحت ضغط واختبار شديد.
منذ قيام روسيا بشن الحرب ضد أوكرانيا، تحاول بلغراد أن تضع مسافة بينها وبين موسكو، حيث أدى الغزو الروسي لجارتها إلى توتر العلاقات، ليس بين روسيا وصربيا فقط، بل بين قادتيهما.
وفي مقابلة تليفزيونية في محل إقامته ببلغراد يوم الثلاثاء 7 فبراير 2023، رفض الرئيس ألكسندر فوتشيتش صراحة وبكلمات محددة مزاعم الرئيس الروسي ڤلاديمير بوتين بشأن حق روسيا التاريخي في الأراضي الأوكرانية، بل وتوقع قائلاً أن “الأسوأ لم يأت بعد” للصراع مع استمرار الجانبين وتعمقهم في الأزمة.
فوتشيتش، الذي عقد عشرات الاجتماعات مع بوتين في السنوات الأخيرة وتلقى دروس لتعلم اللغة الروسية ليتمكن من التحدث معه مباشرة دون مترجم، يقول اليوم “لم أتحدث مع بوتين لعدة أشهر”.
وقد صرح فوتشيتش أيضاً قائلاً “قلنا منذ البداية إننا غير قادرين ولا يمكننا دعم الغزو الروسي لأوكرانيا. بالنسبة لنا، القرم هي أوكرانيا، دونباس هي أوكرانيا – وستبقيا كذلك.”
إن إحجام بلغراد عن الانضمام إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في عقوبات ضد روسيا وضع صربيا تحت ضغط متزايد لقطع العلاقات مع بوتين وإمداداته من الطاقة، حتى في الوقت الذي أضرت فيه الحرب بالاقتصاد وأدت إلى ارتفاع التضخم.
يقول فوتشيتش، الذي أعيد انتخابه بأغلبية ساحقة العام الماضي “إن العضوية في الاتحاد الأوروبي هي هدفي النهائي”. إلا أنه في المقابل يقاوم ڤوسيتش العقوبات لرفضه الاعتراف باستقلال كوسوفو وتجربة صربيا الخاصة مع العزلة الاقتصادية، حيث تظل كوسوفو هي القضية التي تربط موسكو وبلغراد. وتعتبر صربيا كوسوفو مهد دولتها – مثلما يرى بوتين في أوكرانيا – ويظل الاعتراف بسيادتها أكبر عقبة أمام أي أمل في أن تحقق صربيا هدفها المتمثل في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
ورغم أن روسيا تبيع الغاز الطبيعي لصربيا بسعر أقل من سعر السوق، واتفاقهما بشأن قضية كوسوفو، لكن فوتشيتش قال “سيكون من الخطأ افتراض أن حكومتي تؤيد بالكامل القيادة في موسكو. نحن لسنا مبتهجين دائمًا بشأن بعض مواقفهم. لدينا علاقات تقليدية جيدة مع موسكو، لكن هذا لا يعني أننا ندعم كل قرار منفرد أو معظم القرارات التي تأتي من الكرملين.”
من الناحية الاقتصادية، بدأت صربيا في الخروج من مدار روسيا منذ سنوات. حيث تمثل روسيا حوالي 6٪ من التجارة الخارجية لصربيا. في المقابل، نجد أن الاتحاد الأوروبي هو الشريك الإقتصادي الأكبر لصربيا إلى حد كبير. ولتحقيق الاستقرار المالي في أواخر العام الماضي، حصلت صربيا على تمويل بقيمة 2.4 مليار يورو من صندوق النقد الدولي وقرضاً بقيمة مليار دولار من الإمارات، والتي تعمل على تعميق العلاقات مع الدولة البلقانية.
ومع ذلك، لا تزال صربيا تبرز في أوروبا – إلى جانب المجر – لموقفها من روسيا. حيث حافظت خطوطها الجوية الوطنية على رحلاتها إلى موسكو، وتُعد بلغراد وجهة مفضلة للسائحين الروس، وإن كان في الآونة الأخيرة تلاحظ استقبال صربيا المنفيين والفارين من نظام بوتين، وهو ما زاد التوتر بين موسكو وبلغراد. أما على الصعيد الشعبوي، فقد أظهر استطلاع للرأي أُجري خلال صيف العام 2022 أن بوتين هو الزعيم العالمي المفضل لدى الصرب.
وفي إطار متسق، نشرت مجموعة المرتزقة الروسية ڤاجنر إعلانا في صربيا خلال هذا الشهر فبراير 2023 بحثاً عن مجندين للقتال في أوكرانيا، الأمر الذي واجه رداً حازماً من فوتشيتش حيث صرح قائلاً: “ڤاجنر لن تفعل ذلك في صربيا”، مستشهداً بقوانين تمنع المواطنين الصرب من التطوع والانضمام لهذه النوعية من الشركات العسكرية.
ورغم أن استطلاعات الرأي أظهرت مؤخراً أن الصرب أصابهم الإرهاق بعد انتظار عقود من الزمن ليتم ضمهم إلى الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي يتعارض مع المد في دول غرب البلقان الأخرى التي تتوق للانضمام إلى الكتلة، بما في ذلك ألبانيا ومقدونيا الشمالية، إلا أن ڤوتشيتش مقتنع تماماً بأنه عندما يتم طرح هذا الخيار على المواطنين في استفتاء، فإنهم سيصوتون لصالح الانضمام للاتحاد الأوروبي ويعززون محورهم نحو الغرب. ولكي يحدث ذلك، قال إنهم سيحتاجون إلى تأكيدات بأن العضوية واقعية. وقد أكد ڤوتشيتش قائلاً “أعلم أن الاتحاد الأوروبي هو سبيلنا، لا توجد لنا سبل أخرى.”
الاستنتاجات:
1- موقف صربيا يزداد حرجاً وعناداً مع الوقت تجاه روسيا، وهو ما قد يدفع روسيا لاستغلال علاقاتها مع دول ذات نفوذ وقريبة لصربيا، مثل الإمارات، للضغط على ڤوتشيتش في هذا الشأن.
2- إصرار ألكسندر ڤوتشيتش رئيس صربيا على إعلان تصريحاته في تليفزيونه الوطني من مقر رئاسته في هذا التوقيت، يعد إشارة لتزايد ضعف موقف بوتين السياسي تجاه حلفاءه، في وقت تصعد فيه روسيا هجماتها العسكرية في أوكرانيا.
3- موقف رئيس صربيا ليس ميلاً أو دعما متعمداً لموقف الولايات المتحدة وأوروبا ضد روسيا، بقدر أنه رفضاً صريحاً للغزو الروسي وإشارة واضحة لعدم دعمه وعدم المشاركة في تحمل تداعياته، مما يفقد روسيا عمقاً استراتيجياً داخل عمق الناتو الجنوبي شرق أوروبا خلال الأزمة العسكرية الأمنية المتصاعدة الحالية.
4- قد يدفع موقف الرئيس الصربي الولايات المتحدة وأوروبا لمقايضته بشأن رفع العقوبات عن بلاده وتعجيل انضمامها للإتحاد الأوروبي، وربما الانضمام للناتو مستقبلاً، مقابل إجراءات صربية أكثر حسماً تجاه روسيا.
دكتور سَــــيْد غُنــــيْم
زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا
أستاذ زائر بالناتو والأكاديمية العسكرية الملكية ببروكسل
شارك

administrator

استشاري الأمن الدوَلي والدفاع، رئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع، الإمارات العربية المتحدة، وأستاذ زائر في العلاقات الدولية والأمن الدولي في أوروبا وشرق آسيا، (مصري)