معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع:
القسم الأمني والعسكري
دكتور سَــــيد غُنــــيم
زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا
رئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع
الأستاذ الزائر بالناتو والأكاديمية العسكرية الملكية ببروكسل
 
 
صباح السبت 14 يونيو 2025
أولاً: مقدمة:
رفعت القيادة الإسرائيلية السرية عن تقرير استخباراتي إسرائيلي في 12 يونيو، والذي زعم أن إيران تقترب من نقطة اللاعودة في قدرتها على تسليح برنامجها النووي، وأن التخصيب السريع لليورانيوم من جانب إيران سيمكنها من تسليح وإنتاج أسلحة نووية متعددة بسرعة، ما يضر ببقاء إسرائيل.
بناءً عليه، في الساعات الأولى من يوم 13 يونيو شنت إسرائيل حملة جوية تستهدف البرنامج النووي الإيراني وقيادة النظام الإيراني بمهمة إضعاف وتدمير وإزالة خطر تسليح إيران لبرنامجها النووي.
ثانيًا: الحملة الجوية الإسرائيلية التي تستهدف الأهداف النووية والعسكرية الإيرانية:
1- الهدف من العملية:
الهدف الاستراتيجي الأبعد من العملية الجوية الإسرائيلية هو: إزالة التهديد النووي الإيراني وبما يضمن أمن حماية إسرائيل، وذلك من خلال تحقيق هدفين قريبين رئيسيين:
– إجبار إيران إلى شل حركة إيران ودفعها إما لسقوط النظام الملالي، أو الاستسلام، أو الانهيار الداخلي.
– فرض تأثيرات عسكرية مُحددة على إيران، ما يصعب على إيران الرد الفعال السريع، وإن تم يكون بتكلفة عالية. حيث استهدفت الضربات الدفاعات الجوية ومواقع الصواريخ، بالإضافة إلى قادة رئيسيين.
2- التأثيرات المفروضة:
تفرض ضربات الحملة الجوية الإسرائيلية 3 تأثيرات على الجيش الإيراني:
– الأول: تحييد قدرات الإنذار والصد (وسائل الإنذار المبكر والدفاعات الجوية الإيرانية): وذلك بضرب رادارات الإنذار المبكر في منطقة خاتم الأنبياء للدفاع الجوي الغربي في محافظة همدان، وقواعد وبطاريات الصواريخ المضادة للطائرات المسؤولة عن حماية المنشأة النووية في فوردو. وبما يمكن الطائرات الإسرائيلية غير الشبحية من الجيل الرابع من العمل في المجال الجوي الإيراني بسهولة أكبر.
– الثاني: إضعاف قدرات الرد (الصواريخ والمسيرات الإيرانية المؤثرة بعيدة المدى): وذلك وبقيام طائرات القتال والطائرات المسيرة الإسرائيلية بضرب العديد من صوامع وقاذفات الصواريخ الباليستية الإيرانية. وربما تكون هذه الضربات قد دمرت بعض الصواريخ ومنصات الإطلاق ومخزونات الصواريخ الإيرانية، مما يقلل من قدرة إيران على الرد الفوري والفعال.
– الثالث: تعطيل منظومة القيادة والسيطرة الإيرانية: حيث شنت إسرائيل حملة اغتيالات استهدفت القيادة العسكرية الإيرانية. ولتقويض هذا التأثير، عيّن المرشد الأعلى علي خامنئي قادة آخرين بدلاً لغالبية القادة العسكريين الذين قتلوا.
3- الاستفادة من التأثيرات:
كمرحلة أولى، الضربة الجوية الإسرائيلية ضد إيران بقوة 200 طائرة قتال، والتي نفذت مهمتها الأولية في 5 هجمات جوية، فضلاً عن هجمات بالطائرات المسيرة بواسطة القوات الخاصة الإسرائيلية والعملاء داخل إيران، وذلك ضد 100 هدف، شملت ما تبقي من وسائل الدفاع الجوي الإيراني كمرحله أولي لتحييد وسائل صد الهجوم.
ثم بالمرحلة الثانية، استكملت تدمير وسائل الرد الإيراني من صواريخ ومصانع ومخازن للمسيرات، إضافة لاغتيال رئيس الأركان وقائد الحرس الثوري وقائد القوات الجوفضائية والصاروخية، وقادة آخرون، ثم انتهاءً بتدمير جزئي لبعض المنشآت النووية الرئيسية، واغتيال أبرز علمائنا في المجال النووي وتعطيلها عن تطوير قنبلتها النووية.
التاثيرات:
– في مجال استهداف منشآت البرنامج النووي الإيراني:
من خلال تحقيق التأثيرات التي ذكرتها أعلاه، ضربت إسرائيل البنية التحتية النووية الإيرانية يومي 13 و14 يونيو في محاولة لشلّ قدرات إيران على تخصيب اليورانيوم. وقصفت إسرائيل عدة منشآت في مجمع نطنز للتخصيب. وأكدت صور الأقمار الصناعية أن الغارات الجوية الإسرائيلية دمرت محطة تخصيب الوقود التجريبية (PFEP) في نطنز. وتضم المحطة أكثر من 1700 جهاز طرد مركزي متطور، بما في ذلك أجهزة طرد مركزي من طرازي IR-4 وIR-6، لإنتاج يورانيوم مخصب بنسبة 60%. كما أكدت صور الأقمار الصناعية أن الضربة ألحقت أضرارًا بمحطات الكهرباء الفرعية ومباني الدعم الحيوية لإمدادات الطاقة في جميع أنحاء المنشأة.
في المقابل، في 13 يونيو، أكد المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل جروسي، تعرض موقع نطنز لغارة جوية، لكنه قال إن تقارير رصد الوكالة والتقارير الإيرانية لم تُظهر “ارتفاعًا في مستويات الإشعاع”.
كما ضربت إسرائيل منشآت نووية في مركز أصفهان للتكنولوجيا النووية (ENTC) في محافظة أصفهان، بما في ذلك منشأة لإنتاج اليورانيوم المعدني وبنية تحتية لإعادة تحويل اليورانيوم المخصب لإنتاج الوقود النووي. ويضم مركز أصفهان للتكنولوجيا النووية العديد من المنشآت النووية الأخرى، بما في ذلك منشأة لتحويل اليورانيوم، ومصنع لتصنيع الوقود، ومختبر لتصنيع الوقود، بالإضافة إلى مفاعلات.
وهناك تقارير غير مؤكدة تزعم أن إسرائيل استهدفت منشأة فوردو لتخصيب الوقود. ويُعتبر موقع فوردو محصنًا بشكل خاص ضد الضربات الجوية، حيث يمتد جزء كبير من المنشأة عميقًا تحت الأرض.
– في مجال استهداف قدرات الدفاع الجوي والصواريخ الباليستية الهجومية الإيرانية:
• أسفرت غارة إسرائيلية عن مقتل عقيد وجندي في موقع الدفاع الجوي “حضرة معصومة” بمحافظة قم، والذي يحمي منشأة فوردو النووية. يقع موقع الدفاع الجوي، المعروف أيضًا باسم مجموعة فوردو للدفاع الجوي، على بُعد حوالي 16 كيلومترًا شرق مصنع فوردو لتخصيب الوقود. وكان قائد قوات خاتم الأنبياء للدفاع الجوي، العميد علي رضا صباحي فرد، قد تفقد الموقع سابقًا في 16 أبريل لتقييم الجاهزية العملياتية.
– في مجال استهداف القدرات العسكرية:
• استهدفت غارة إسرائيلية قاعدة صاروخية رئيسية في محافظة كرمانشاه. وتُظهر صور الأقمار الصناعية أن الغارات الجوية الإسرائيلية دمرت منشأة يُرجح أن إيران استخدمتها لتخزين الصواريخ الباليستية. ويُقال إن القاعدة تدعم عمليات نشر الصواريخ في غرب إيران، وتُخزن صواريخ باليستية، بما في ذلك صاروخ “قيام-1”.
* استهدفت أيضًا القاعدة الجوية التكتيكية الثانية التابعة لسلاح الجو في تبريز، ومواقع عسكرية أخرى غير محددة في محافظة أذربيجان الشرقية.
– في مجال استهداف العلماء والقادة الإيرانيين:
* استهدفت الغارات الإسرائيلية مناطق متعددة في محافظة طهران، حيث سُمع دوي انفجارات في أحياء رباط كريم، وبهارستان، وملرد، وشهر الري في مدينة طهران.
* تم تفعيل أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية فوق أنديمشك ودزفول (محافظة خوزستان)، وأصفهان، وباكدشت (محافظة طهران)، وقم.
* وقوع غارات في بستان آباد ومراغة (محافظة أذربيجان الشرقية)، وفي محافظة زنجان.
* وقوع أضرار في قاعدة تبريز الجوية ومطار مدني.
* وقوع انفجارات في بوين زهراء (محافظة قزوين) ومحمد شهر (محافظة البرز).
* استهداف أعضاء بارزين في شبكة الأبحاث النووية الإيرانية. حيث اغتالت إسرائيل 5 علماء نوويين إيرانيين بارزين من جامعة شهيد بهشتي يومي 13 و14 يونيو. وتلعب جامعة شهيد بهشتي، التي تقع في طهران، دورًا هامًا في الأبحاث النووية الإيرانية.
وقد تم تأكيد اغتيال العلماء الآتي أسمائهم:
* فريدون عباسي: عالم نووي إيراني والرئيس السابق لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية.
* محمد مهدي طهرانجي: أستاذ فيزياء ومشرف سابق على مشروع آماد. كان مشروع آماد برنامج الأسلحة النووية الإيراني قبل عام 2003.
* أحمد رضا ذو الفقاري: أستاذ الهندسة النووية في جامعة شهيد بهشتي.
عبد الحميد منوشهر: عميد كلية العلوم النووية في جامعة شهيد بهشتي.
* أمير حسين فقي: رئيس مركز أبحاث العلوم والتكنولوجيا النووية، التابع لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية.
كما قتلت الغارات الإسرائيلية القادة العسكريين الآتي أسمائهم:
* قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، العميد إسماعيل قاآني.
* رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية جنرال محمد باقري.
قائد الحرس الثوري الإيراني جنرال حسين سلامي.
* قائد مقر خاتم الأنبياء المركزي جنرال غلام علي راشد.
فضلاً عن شخصية مدنية وهو:
المستشار الأعلى للمرشد الأعلى الإيراني علي شمخاني، (في حالة حرجة).
ثالثًا: الرد الإيراني على الضربة الجوية الإسرائيلية:
ردت إيران في البداية على الحملة الجوية الإسرائيلية الأخيرة بإطلاق أكثر من 100 طائرة مسيرة على إسرائيل من إيران بعد حوالي 6 ساعات من الغارات الإسرائيلية الأولى. مع ذلك، لم تدخل أي من الطائرات المسيرة المجال الجوي الإسرائيلي.
بعد حوالي 12 ساعة من هجوم المسيرات الإيرانية، أي بعد حوالي 18 ساعة من الغارات الإسرائيلية الأولية، نفذت إيران هجومًا صاروخيًا باليستيًا (مزدوج الموجة) من الأراضي الإيرانية استهدف عشرات المواقع العسكرية والقواعد الجوية الإسرائيلية، حيث أطلقت إيران حوالي 100 صاروخ باليستي أو أقل على إسرائيل.
الدفاعات الجوية الإسرائيلية اعترضت غالبية الصواريخ الإيرانية التي عبرت إلى الأراضي الإسرائيلية. حيث اعترضت أنظمة THAAD الأمريكية بعض الصواريخ. وسقط ما لا يقل عن 7 صواريخ أو صواريخ اعتراضية إسرائيلية في تل أبيب. كما اندلع حريق في شمال إسرائيل بسبب شظايا صاروخية سقطت.
أسفرت الهجمات عن إصابة 35 شخصًا على الأقل. وقد تسيء المصادر تفسير المعلومات المتعلقة بهذا الهجوم.
هذا هو الهجوم المباشر الثالث الذي تشنه إيران على إسرائيل. أطلق الحرس الثوري الإيراني على الهجوم اسم “عملية الوعد الصادق 3″، وأعلن أنه جاء ردًا على الغارات الإسرائيلية الأخيرة على الأراضي الإيرانية. نفذت إيران عمليتي الوعد الصادق 1 و2 ضد إسرائيل في أبريل وأكتوبر 2024 على التوالي.
رابعًا: الاستنتاجات والتوقعات:
1. أتصور أن إسرائيل تحاول بكل الطرق ألا تلعب التنس مع إيران كما في السابق (أي ضربة من إسرائيل ثم رد بضربة من إيران وهكذا). وللحفاظ على المبادأة التي تمتلكها إسرائيل حاليًا، سيكون عليها مواصلة ضرب إيران حتى تنجح في اسقاطها بالضربة القاضية (تغيير الحكم الملالي)، أو هزيمتها بلمس الاكتاف (انهيار الدولة) أو بدفعها للاستسلام (سقوط الحرس الثوري الإيراني). المهم إن كانت إسرائيل ستنجح في ذلك أم لا.
ولذا ستعمل إسرائيل على التحول من التفوق الجوي إلى السيطرة الجوية الكاملة على أجواء طهران ومحيطها على الأقل، مع التركيز على الغرب، وهو اتجاه اقتراب وهجوم القوات الجوية الإسرائيلية، بهدف الاستمرار في استكمال تدمير المحطات والمخزونات النووية والقدرات الصاروخية الإيرانية، سواء بالقوات الجوية أو قوات خاصة وعملاء على الأرض.
2. من ناحية إسرائيل، وكما ذكرنا، أي حملة جوية مُصممة لإلحاق ضرر كبير بالبرنامج النووي الإيراني ستكون مهمة طويلة الأمد، وتُعد الضربات التي شُنت يومي 13 و14 يونيو بمثابة الدفعة الأولى في حملة جوية تستمر أسابيع، حسب تقديرنا. وليس من الواضح فورًا متى ستُقرر إسرائيل أن البرنامج النووي الإيراني لم يعد يُشكل تهديدًا لبقائها.
3. سيكون من الصعب تقييم نجاح أو فشل كافة هجمات الحملة الجوية الإسرائيلية بناءً على تحقيق الأهداف المحددة لها في هذه المرحلة المبكرة.
4. إيران قد وضعت بالفعل خطة للرد، خاصة مع تعيين قادة جدد بسرعة تزامنًا مع الرد على إسرائيل، وإن كان ليس ردًا كبيرًا. المهم أن يتمكن القادة الخلفاء اعتماد الضربة كرد يُذكر على إسرائيل. ومع ذلك، قد يواجه القادة الجدد صعوبة في تنفيذ خطة الرد الاستراتيجي الأكبر، نظرًا للخسائر التي تكبدتها الغارات الإسرائيلية التي استهدفت قدرات الرد الإيرانية.
5. لا أحبذ الاعتماد على الفيديوهات المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي في الجانبين، فقد نشر مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي لقطات تُظهر عشرات الخطوط المضيئة في السماء خلال الهجوم الصاروخي الباليستي الإيراني على إسرائيل في أكتوبر 2024، وزعموا أن جميع الخطوط كانت صواريخ باليستية، على سبيل المثال. وتبين لاحقًا أن بعض الخطوط كانت صواريخ اعتراضية باليستية، وليست صواريخ. ويتم تحفيز وسائل الإعلام الحكومية الإيرانية على المبالغة في نجاح الهجوم، وقد تنشر معلومات مضللة.
6. ستوقف إيران المفاوضات الأمريكية الإيرانية بشأن الملف النووي.
7. قد تسعى إيران لاستخدام أوراق ضغط ضد الولايات المتحدة ودول الخليج لدفع إسرائيل للتوقف. ومنها التلويح بإغلاق مضيق هرمز وتنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية وأمريكية حول العالم. حيث قد تعمل إيران على استخدام المسيرات بأنواعها وزوارق الصواريخ والألغام البحرية.
8. حالة قيام إيران باستهداف أهداف مدنية إسرائيلية قد ترد إسرائيل بالمثل، إلا أن ذلك سيتعارض مع خطاب نتانياهو للشعب الإيراني لحثه ضد الحكم الملالي.
9. ستظهر تخوفات دولية حالة تمكن إسرائيل من تدمير للبرنامج النووي الإيراني، حيث سيكون شاغلها الأكبر عدم تسرب إشعاعات ذات مستوى خطر، وكذا كيفية منع وصولها لايدي مهربين.
شارك

administrator

استشاري الأمن الدوَلي والدفاع، رئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع، الإمارات العربية المتحدة، وأستاذ زائر في العلاقات الدولية والأمن الدولي في أوروبا وشرق آسيا، (مصري)