دكتور سامح رفعت

مع احتدام الحرب العالمية الأولى بدأت الدول تبحث عن حل للحالة التكتيكية اللامسبوقة الموجودة على الجبهة الغربية. فالقوتين المتحاربتين تحصنا في خنادق تحت الأرض خلف عشرات الأمتار من الأسلاك الشائكة والمدافع الرشاشة.

وأصبحت الأرض بين الفريقين المتحاربين على الجبهة الغربية تعرف باسم No man’s land فأي رجل يطأ تلك الأرض يتم تمزيقه بالمدافع الرشاشة فورا.

وبدأت كل من (فرنسا) و(بريطانيا) في تطوير سلاح جديد قادر على تحمل طلقات المدافع الرشاشة واقتحام الخنادق المحصنة لتطوير الهجوم والفوز بالحرب

وكانت لبريطانيا السبق بتصميم الدبابة الأولى في التاريخ والتي حملت اسم مارك 1. وكان لدخول المارك 1 ميدان المعركة أثرا واضحا في قلب دفة الحرب لصالح قوات الحلفاء ضد (ألمانيا) بعد أن استطاعت قوات الحلفاء خرق الخطوط الدفاعية الألمانية في اكثر من موضع بفضل الدبابة. كان المارك 1 وحشا حديدا يتمتع بدرع من الصلب سمكه في بعض الأماكن يصل ل1.2 سم  ويصل وزنه ل32 طن.

ومنذ ذلك الحين بدأ السباق بين صناع المدافع وصناع الدروع، كلما ظهر درعا أقوى ظهر مدفع أقوى. ومع الوقت أصبح واضحا أن الطلقات العادية حتى لو بعيار كبير لن تكون قادرة على خرق دروع الدبابات …

 لذا قام البريطانيون مرة أخرى بتقديم الحل

قذائف الطاقة الحركية الإختراقية او الKinetic energy penetrators والتي تعتمد على معادلة فيزيائية بسيطة

القوة الدافعة momentum  تساوي الكتلة*السرعة mv

عن طريق استعمال أكثر المعادن كثافة نستطيع أن نقوم بتصميم قذيفة ثقيلة صغيرة الحجم وعن طريق تصغير قاعدة القذيفة يمكننا زيادة السرعة الفوهية للمدفع المنطلقة منه وبالتالي زيادة قدرات تلك القذائف على خرق دروع الدبابات

كانت تلك القذائف فعالة جدا ضد الدبابات ولكن بها مشكلة بسيطة، فأنت هنا تتحدث عن قذيفة معدنية مصمطة بلا أي رأس متفجر، والتاريخ العسكري يسجل الكثير من الحالات التي تقوم فيه مثل تلك القذائف بخرق الدبابة أو المدرعة أو المدفع والخروج من الجهة المقابلة دون إحداث أي أضرار بمحرك أو مدفع الدبابة/المدرعة، بل ودون إصابة أيا من أفراد الطاقم

وبشكل متزامن في (ألمانيا) و(إنجلترا) ظهر حل جديد لتلك المعضلة

قذائف الHEAT أو High explosive anti tank  أو قذائف الحشوة الجوفاء ,والتي استعملت قاعدة كيميائية اسمها قاعدة (مونرو) تلك المرة … وكانت تلك القائف المتفجرة قادرة على خرق أسمك الدروع وإعطاب الدرعة/الدبابة بالكلية مع قتل وإصابة جميع أفراد الطاقم … ولم يجد صناع الدبابات حلا إلا زيادة سمك الصلب في درع الدبابة إلى ما يقارب ال30سم ووصل وزن الدبابات مع نهاية الحرب لما يزيد على ال90 طنا

وأصبحت حركة الدبابات بطيئة جدا وغير عملية

وخرج البريطانيون بالحل مرة أخرى وكان هذا الحل عبارة عن درع جديد يحمل اسم Chobham وهو مزيج من الصلب مع الألومنيوم والسيراميك والبورون، مزيج جعل الدرع أخف وأكثر صلابة.

ولكن لك تنتشر الدروع المركبة على نطاق واسع إلا بعد حرب 1973 والخسائر الفادحة التي أحدثتها قاذفات الHEAT المصرية من طراز الساجر في دبابات الأم-48 الإسرائيلية

ويتم قياس كفاءة الدرع بسمك الصلب المتجانس المكافئ RHA والقياس يتم مرتين مرة بسمك الصلب المكافئ ضد قذيفة حشوة جوفاء ومرة أخرى بسمك الصلب المكافئ لقذيفة طاقة حركية

وعلى الجانب الآخر يتم قياس كفاءة القذيفة المضادة للدبابات بقدرتها على خرق أي سمك من الصلب المتجانس

يعني على سبيل المثال

دبابة مثل الأمريكية أم1 أيه1 ابرامز تمتلك درع أمامي بسمك تقريبا 1500مم من الصلب المتجانس ضد قذيفة HEAT وتقريبا 670مم  من الصلب المتجانس ضد قذيفة KE

لو جئنا لقذيفة حشوة جوفاء شهيرة جدا ألا وهي الروسية كورنيت

الكورنيت تستطيع خرق 1300مم من الصلب المتجانس أي أن الكورنيت والذي يعتبر تقريبا أفضل قذيفة صاروخية محمولة كتفا مضادة للدبابات في (روسيا) لا يستطيع خرق الدرع الأمامي للدبابة الأمريكية أم1 أيه1.

وبالطبع هذا لا يعني أن الأبرامز الأمريكية منيعة ضد الكورنيت الروسي، فصحيح أن الكورنيت لا يستطيع خرق الدرع الأمامي للدبابة أم1 أيه1 ولكنه يستطيع أن يطيح بالبرج الذي يحوي المدفع بمنتهى السهولة كما أنه يستطيع خرق الدبابة الأمريكية من الأجناب والخلف بسهولة ايضا.

في المرة القادمة بإذن الله سنسرد الفروق الرئيسية بين الدبابات الروسية والدبابات الغربية وفلسفة صناعة الدبابات في (روسيا) ودول (الناتو) وأشهر القواذف المضادة للدبابات.

 

 

 

 

شارك

editor