دكتور سَــــيْد غُنــــيْم دكتوراه العلوم السياسية زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا، ورئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع

خلال حلقة نقاش بمنتدى عقده صحفيو الكرملين والأكاديميون وأنصار نوڤوروسيا حول “الجوانب العملية والتكنولوجية للمعلومات والحرب المعرفية في الحقائق الحديثة” في موسكو في 11 مارس، صرحت ماريا زاخاروڤا، المتحدث باسم الخارجية الروسية قائلة:
“الرئيس الروسي ڤلاديمير بوتين يفقد السيطرة على الرواية الإعلامية الروسية بشأن حرب أوكرانيا.. هناك صراعاً داخلياً في الدائرة المقربة من الرئيس بوتين.. لقد تنازل بوتين عن السيطرة المركزية على فضاء المعلومات الروسي.. الكرملين لا يمكنه تكرار النهج الستاليني المتمثل في إنشاء مكافئ حديث لمكتب المعلومات السوفيتي للتحكم مركزيًا في مساحة المعلومات الداخلية لروسيا بسبب القتال بين نخب لم يتم تحديدها في الكرملين”.
يأتي الاعتراف بعد أكثر من عام من إطلاق بوتين “العملية العسكرية الخاصة” في أوكرانيا في 24 فبراير 2022 ، بهدف تحقيق نصر سريع على الدولة الواقعة في شرق أوروبا.
مع استمرار الحرب، استخدمت روسيا ما يطلق عليه “فضاء المعلومات”، والمتضمن كافة وسائل الإعلام المتاحة، للترويج لوجهة نظر بوتين حول الصراع عبر منصات الأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي. وهو في رأيي أمر ليس بجديد على روسيا، حيث أن وسائل الإعلام ومسرحه الفضاء المعلوماتي الروسي يعد أحد أهم خمس ارتكازات قوة روسية بجانب (قوة الموارد المحلية خاصةً النفط والغذاء، والقوة العسكرية والنووية، والقوة التكنولوچية، والقوة الدبلوماسية عالية المناورة).
فلطالما استخدمت روسيا هذه الأساليب الإعلامية والدعائية للترويج لوجهة نظرها والتأثير على الشؤون العالمية، والتي وصلت ذروتها أثناء ثورات الربيع العربي والمستمرة متجاوزة عقد كامل، كما وصلت ذروتها أيضاً قبل نشوب الحرب الجارية.
وأتذكر في بداية الحرب تشريع قانون يجرم من يبث أي أخبار تخص الحرب ممكن أن تؤثر على الروح المعنوية للقوات الروسية أو تحرج القيادة السياسية الروسية وقراراتها في الحرب، تصل العقوبات فيها إلى ١٥ عاماً سجن مشدد والتي تطول ستجرم الكتاب وأصحاب الرأي والصحفيين بل والمدونيين على مواقع التواصل الاجتماعي حالة تجاوزهم الخط الأحمر.
الاستنتاجات:
١- تزايد الخلافات في الكرملين بين الأعضاء الرئيسيين في الدائرة المقربة من بوتين.
٢- تنازل بوتين إلى حد كبير عن مساحة المعلومات الروسية بمرور الوقت لمجموعة متنوعة من الجهات الفاعلة شبه المستقلة.
٣- على ما يبدو، بوتين غير قادر على اتخاذ إجراء حاسم لاستعادة السيطرة على الفضاء المعلوماتي الروسي.
ويبقى السؤال: ما سبب إعلان شخصية رسمية تحمل صفة المتحدث الرسمي للخارجية الروسية الاعتراف العلني بهذا الأمر الذي يشير لموقف صريح يضع بوتين صاحب القرار الأوحد في روسيا في وضع أضعف؟
يبدو أن ذلك محاولة رسمية لتهدئة الانتقادات من المدونين الروس، الذين أصبحوا ينتقدون بشدة طريقة تعامل الكرملين مع الحرب، وكذا تهدئة توقعات القوميين الروس فيما يتعلق بالقدرات الحالية للكرملين على التماسك حول رواية موحدة، أو ربما حتى سياسة موحدة.. حيث كافحت القوات الروسية لأشهر لإحراز تقدم كبير ضد أوكرانيا دون تحقيق الأهداف المعلن عنها، فوضعت الدولة الروسية في عدة مواضع متدنية دولياً، ما بين التخطيط الخاطئ، والكذب والمبالغة وتزييف الحقائق.. مما أدى إلى رد فعل عنيف داخل الفضاء المعلوماتي الروسي الأمر الذي أثر بشدة على الموقف الداخلي في الكريملين وتحديداً الدائرة المقربة لبوتين.
دكتور سَــــيْد غُنــــيْم
شارك

administrator

استشاري الأمن الدوَلي والدفاع، رئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع، الإمارات العربية المتحدة، وأستاذ زائر في العلاقات الدولية والأمن الدولي في أوروبا وشرق آسيا، (مصري)