أمر التكليف بـ”إستعادة الأمن ومواجهة الإرهاب في سيناء”، هل حان تنفيذ؟

أربع أعوام مرت على إنتشار ومكافحة الإرهاب في سيناء تمكنت فيها عناصر ولاية سيناء (أنصار بيت المقدس سابقاً) من تنفيذ عملياتها مستهدفة  قوات الجيش والشرطة المسؤولة عن إنفاذ القانون في سيناء، فضلاً عن بعض المدنيين من القبائل المناوءة لتنظيم ولاية سيناء.. والحرب على الإرهاب في سيناء لا تُعد حرباً طويلة، والقضاء عليه لن يتحقق إلا بهزيمة إرادته وإفشال أهدافه.

يهدف الإرهاب في مصر إلى تغيير الهوية المصرية من القومة إلى العقائدية من خلال العمل على إسقاط الدولة المصرية ذات الموقع الجيوإستراتيجي الأهم إقليمياً، وإعلان الدولة الإسلامية بها، وإنشاء قاعدة إستراتيجية عقائدية، كادت أن تحقق الوصل بين الدولة الإسلامية في العراق والشام ونظيرتها في ليبيا، لتمتد في كافة الإتجاهات الجغرافية لتزيد من حدة التهديد والتأثير في أوروبا وأفريقيا وآسيا.

ما يجري في سيناء بدء بنوع معين من الصراعات يطلق عليه علمياً “صراع خفيف الحدة – Low Intensity Conflict”، والذي يدور بين أقليات بالدولة وجيشها الحكومي في محاولة للتحول لما يسمى “الحرب الأهلية”، بهدف الاستيلاء وإعلان السيطرة على قرية أو مدينة من محافظة شمال سيناء، بهدف عزلها عن الدولة وإعلان سيادة الجماعات المُسلحة عليها كما حدث من قبل (على سبيل المثال) بدير الزور والموصل وسرت في سوريا والعراق وليبيا.

حالة حدوث ذلك، يثبت عدم سيادة الحكومة الشرعية للدولة المصرية على تلك المدينة، ويظهر عملياً وبشكل صريح، أمام المجتمع الدولي ومنظماته، أهم مؤشرين الدولة الفاشلة في مصر، وهو عدم فرض سيادتها على كافة أراضيها، وعدم إحتكارها لإستخدام القوة بها.. وهذا ما تعمل الدولة المصرية بقوة لإفشاله.

عقب ثورة 30 يونيو، احتشدت التنظيمات بالسلاح في قلب شوارع العريش (أكبر مدن شمال سيناء، وعاصمتها)، وأعلنت إنشاء “مجلس حرب” ضد الدولة، احتجاجاً على استجابة الجيش لمطالب الشعب والاطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي.

تبين لاحقاً من المضبوطات، حصول التنظيمات المسلحة على أسلحة نوعية مثل “صواريخ سام 7″، وكذلك صواريخ “كورنيت” المضاة للدبابات، وقواذف صاروخية وذخائر وأسلحة متنوعة، فضلاً عن انضمام عناصر من جنسيات أخرى (كشفت عنهم الحملات الأمنية المتلاحقة بعد ذلك).

استغلت انتشار الضربات الإرهابية في الوادي والدلتا (منهم حرق وتدمير 62 كنيسة في يوم واحد، عقب فض اعتصام رابعة في 14 أغسطس 2013)، في مد سيطرتها على مناطق في وسط وشمال سيناء، فيما ظلت جنوب سيناء هادئة نسبياً.

تنوعت خريطة النشاط الإرهابي لتتضمن تفجيرات وضربات شلت الحركة في المدن الكبرى بشمال سيناء (العريش- الشيخ زويد – رفح – بئر العبد)، مع نجاحها في شن هجمات على القوات المسلحة عبر الساحل، ومحاولة منع الإجراءات الانتخابية (اغتيال القضاة في فندق على ساحل العريش) وغيرها.

حاول تنظيم ولاية سيناء الاستيلاء بقوة السلاح على مدن كبرى في شمال سيناء من خلال عمليات برية عديدة وأيضاً عمليات ساحلية قرب العريش، بهدف إعلان تأسيس “إمارة إسلامية”، لإظهار فشل الدولة، وذلك بنفس التكتيكات العسكرية التي نفذتها داعش بنجاح كبير في عدة مدن بالعراق وسوريا وليبيا.

طورت العناصر الإرهابية تكتيكاتها في سيناء لأسلوب حرب العصابات (تنفيذ إغارات، كمائن، محاولة الإستيلاء على نقاط قوية وأسلحة ومعدات..)، مما يدل على تخطيط أعلى من قدراتهم.. في المقابل تمكنت قوة إنفاذ القانون المصرية من تأمين منطقة الساحل بالكامل، وضمان عدم وجود أي عناصر مسلحة على طول ساحل شمال سيناء (من رفح المصرية وحتى بورسعيد)، فضلاً عن دحض كل محاولات في الهجوم للاستيلاء على مدن أو فرض السيطرة الجغرافية على أي منطقة مأهولة بالسكان (آخر الهجمات وأكبرها كان محاولة الاستيلاء على الشيخ زويد، وتم سحقها، وتكبد التنظيم الإرهابي خسائر فادحة، واعترف بهزيمته فيها بالفعل).

غيرت نسبياً العناصر الإرهابية في سيناء من تكتيكاتها ثانية، حيث تحولت لمفهوم العمليات الصغيرة السريعة، مثل قنص الجنود، أو محاولة استهداف القوات خلال حركتها على الطرق السريعة.. وحاولت التغطية على خسارتها المتتالية، ولجأت لحيل مثل إقامة كمائن صغيرة (قد لا تتجاوز خمس دقائق)، في جنح الليل ببعض القرى قرب رفح والعريش، وتوزيع منشورات تحذر المواطنين من تدخين السجائر أو التعاون مع القوات، وبث مقاطع فيديو قصيرة جداً، للترويج لأنفسهم لدى جماهيرهم، وتأكيد تواجدهم على الأرض رغم الضربات.

شهدت العمليات المسلحة تراجعاً حاداً، فبعد فشلها في محاولات الاستيلاء على المدن، حاول التنظيمات الإرهابية خلال عامي 2015 / 2016 الاستيلاء على أي نقاط تفتيش ثابتة تابعة للجيش أو الشرطة، لكنها فشلت أيضاً في الارتكاز في أي نقطة أمنية، إلى أن نجحت القوات المسلحة في القضاء على أهم بؤر الإرهاب في سيناء بمنطقة جبل الحلال بنهاية شهر فبراير 2017 والذي أضعف افرهاب في سيناء بشكل كبير، مما أدى لأن تلجأ عناصر ولاية سيناء لتنفيذ خطة بديلة دلت على شدة ضعفها، وتبنى على الفتنة الطائفة وتدويل إستضعاف الأقباط وإستهدافهم، حيث قامت بشن حملات تخويف للسكان، واغتيال الأقباط في العريش، بدعوى “تفريغ المدينة من الكفار”، وبالفعل شهدت العريش وقتها موجة نزوح خوفاً من الإرهاب.

عقب ذلك واجه تنظيم ولاية سيناء جهوداً مكثفة للقضاء عليه عبر عمليات قوات إنفاذ القانون (الجيش والشرطة)، في شمال سيناء تحديداً في قرى (المقاطعة – البرث – المهدية – جنوب رفح).. وتصاعدت الصدامات بين التنظيم وأبناء القبائل في سيناء مثل قبائل السواركة والتربين والتيهة وغيرهم، والتي أعلنت عزمها مواجهة الإرهاب، فيما يطلق عليها اسم “صحوات سيناء”، تشبيها بالأفواج القبلية التي شكلتها الولايات المتحدة في العراق لمواجهة القاعدة.. وكان رد تنظيم ولاية سيناء بتنفيذ عملية جديدة من نوعها في الفترة الأخيرة في سيناء وهي قتل مئات المصليين بمسجد العريش في نوفمبر 2017، والذي كلن يجمع وقتها العديد من أبناء تلك القبائل، فضلاً عن تنفيذ أحكام إعدام موسعة لآخرين من تلك القبائل في العريش.

عقب ذلك وبنهاية شهر نوفمبر 2017 كلف الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي رئيس أركان حرب القوات المسلحة الفريق محمد فريد حجازي المعين حديثاً بإستعادة الأمن ومواجهة الإرهاب في سيناء خلال ثلاث شهور تنتهي بنهاية شهر فبراير 2018.

بالتأكيد قامت القوات المسلحة المصرية بإعداد خطة متكاملة لمواجهة الإرهاب وإستعادة الأمن في سيناء تُنفذ من خلال عدة مراحل.. أتوقع أن المرحلة أولى تركزت في إعداد المسرح وبما يمكن من نشر قوات ضخمة في سيناء من مختلف الأفرع الرئيسية لضمان تحقيق هدفها بسرعة وحسم، كما قامت بتأمين السواحل البحرية والطرق الرئيسية، تؤمنها إجراءات جمع وتحليل معلومات على أعلى مستوى، حيث أجرت استطلاع بكافة الوسائل المتاحة لشمال سيناء، وذلك تمهيداً للمرحلة التالية (طبقاً لتقديري) بشن حصارات مُحكمة حول معاقل الإرهاب التي تم رصدها، خاصة في الشيخ زويد والبرث والماسورة ومناطق أخرى، إستعداداً للمرحلة التي تليها والتي تستخدم فيها القوات الجوية لتنفيذ قذفات نيرانية مكثفة على العناصر الإرهابية في المناطق المحاصرة بأسلوب (الأرض المحروقة) وقد يتم تنفيذ هذه المرحلة على التتالي أو التوازي وطبقاً للموقف.. يلي ذلك قيام عناصر القوات الخاصة بتنفيذ عمليات نوعية تقضي خلالها على كافة العناصر المُحاصرة أو التي تحاول الفرار من الحصار.  تتدخل القوات البرية بتشكيلات غير نمطية لحسم المهام والقضاء على العناصر الإرهابية.

 

سيد غنيم
زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا
رئيس مركز دراسات الأمن العالمي والدفاع – أونلاين

شارك