بقلم: ســـيد غنـيـم
جزء كبير من محاضرتي بمدرسة الناتو أوبراميرجاو بميونيخ بدور كبار القادة لسياسات الناتو، 30 يناير 2020
ملخص ما ذكرته بشأن تركيا في ورقتي الإستراتيجية “التنافس في الشرق الأوسط في ديناميات أمنية جديدة”
أولاً: السياسة العامة التركية: تركيا 2023.. أمة كبرى، وقوة عظمى
يسعى الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”، من أجل تحقيق “تركيا الجديدة” جعل تركيا ضمن الدول الأولى عالميا على مستوى العالم وفي كافة المجالات، ويطمح لتحقيق مجموعة جديدة من الأهداف لتركيا كما يراها بحلول 2023 مع انتقاله من منصب رئيس الحكومة الى رئاسة الجمهورية، وهو منصب من الممكن ان يبقى فيه لولايتين كل منهما من خمس سنوات.
تتمحور أهداف “إردوجان” طبقاً لما أعلنه في برنامجه الانتخابي: “ديمقراطية ورفاهية واحترام على الطريق نحو تركيا الجديدة”، وتعهد “إردوجان” بأن “تركيا الجديدة” ستكون الأقوى على الساحة الدولية، وموحدة أكثر في مجتمع دائم التنوع، تنعم باقتصاد أكثر تطوراً.
ويطمح “إردوجان” وما يسعى لتحقيقه من أهداف، أن “تركيا الجديدة تحتضن مجتمعها الذي أصبح أكثر تنوعا، وتشمخ بفضل رفاها الاجتماعي و اقتصادها المزدهر والاستقرار السياسي والديمقراطية المتقدمة”.
وضمن أهداف “إردوجان” أربعة أهداف رئيسة وهي الدفع بالتقدم الديمقراطي، وضمان التناغم بين المؤسسات السياسية والمجتمع، وتحسين الرفاهية الاجتماعي ووضع تركيا في مصاف أرقى دول عالم. ولطالما سعى “اردوغان” لتعزيز نفوذ تركيا في العالم عبر تحويلها إلى لاعب رئيسي على الساحة الدبلوماسية بحيث باتت طموحات الجمهورية تذكر بما وصلت إليه السلطنة العثمانية. وقد توقع المحللون، بأن يعتمد “أردوغان” سياسة جامعة تشعر فيها الأقليات العرقية والدينية مثل الأكراد والعلويين بالأمان. وأن يفوز “إردوجان” في الانتخابات حالة إعادتها وضمان الدستور لعقدها.هذا، ويفتخر “إردوجان” بسجله الاقتصادي إذ شهدت سنوات حكمه نمواً وتحولاً اقتصاديا في تركيا.
وقد وفى إردوجان بوعوده بشأن تعديل الدستور التركي وتعزيز صلاحيات رئيس الدولة في حال فوزه بالانتخابات الرئاسية.ويعمل إردوجان على تنفيذ أولوياته الأربع للوصول إلى “تركيا الجديدة بحلول العام 2023″، اي سنة الاحتفال بالذكرى المئوية الاولى لإقامة تركيا الحديثة على يد مصطفى كمال أتاتورك، وتنفيذاً لخريطة الطريق للسنوات الخمس المقبلة والتي أسماها “على طريق تركيا الجديدة” شمل فيها أهدافه الأربعة وهي:-
التطلع لمزيد من الديمقراطية – ضمان تطبيع السياسة الديمقراطية في مجتمع حر – تحسين السياسة الاجتماعية، وتحسين العلاقات مع الجوار – جعل تركيا واحدة من أكبر عشرة اقتصادات في العالم.
ثانياً: العلاقات التركية الأمريكية:
فقد الرئيس رجب طيب إردوجان حجم كبير من العلاقات التركية/ الإقليمية والدولية، والتي طالت العلاقات التركية/ الأمريكية رغم ما حققه من مكاسب عديدة في المقابل، وأزعم أن كل من البلدين، تركيا والولايات المتحدة، مسؤولاً عن تردي العلاقات بينهما.أهم ما أجج توتر العلاقات الأمريكية/ التركية هو الموقف الأمني في سوريا، حيث قامت الولايات المتحدة بتسليح بعض عناصر الأكراد (المصنفة إرهابية) لمحاربة تنظيم داعش (المصنف إرهابياً) في سوريا، والذي تنامى مع تزايد دعم إسرائيل لإنفصال دولة كردية، الأمر الذي تزامن مع الإنقلاب العسكري السادس في تركيا ضد إردوجان، لتأتي فرصة مزدوجة لإردوجان (إشغال الجنرالات الأتراك في عمليات عسكرية ضد الأكراد المسلحين من جانب، والتوغل في الأراضي السورية لعمق حوالي 30 كيلومتر من جانب آخر)، خاصة مع قرار ترمب بسحب القوات الأمريكية من سوريا بنهاية عام 2018. ليزداد التوتر بين تركيا والولايات المتحدة، مع إعلان تركيا عزمها شراء صواريخ S400 الروسية الحديثة المضادة لطائرات الجيل الخامس الأمريكية.لاحظت في الفترة الأخيرة، أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في حالة غليان متزايد من موقف إردوجان، والذي يرونه أنه ينتهج سياسية عدوانية، خاصة بعد التغير الحاد في الموقف الأمني التركي لصالح روسيا واتفاقية سوتشي بعد أن كانت تركيا تشكل الحد الأمامي للدفاعات للناتو أمام روسيا، وموقف إردوجان الحاد تجاه أوروبا بشأن قضية اللاجئين وأمور أخرى منها ما هو تاريخياً وما هو حديثاً، أهمها مناوراته الإقليمية غير المحدودة في تطلعاته العثمانية الجديدة (كما قال بالحرف د. إيلان بيرمان النائب الأول لرئيس مجلس السياسة الخارجية الأمريكية بالعاصمة واشنطن، والذي يتوقع تزايد العلاقات الأمريكية/ التركية سوءً وتوتراً خلال العام المقبل).
في أوائل ديسمبر 2019 أصدر الكونجرس الأمريكي بمجلسيه (النواب والشيوخ) قرارات تقضي بإدانة الإبادة الجماعية للأرمن لأول مرة منذ أكثر من نصف قرن، وهو ما يعد بمثابة ضغط سياسي على أنقرة. كما قامت لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ في وقت لاحق بطرح صيغة تشريعية يمكن أن تمنع تركيا من شراء مقاتلة من طراز F-35 مع السماح في الوقت نفسه لقبرص (التي تحتفظ تركيا معها بنزاع إقليمي طويل الأمد) للبدء في شراء الأسلحة الأمريكية. الأمر الذي يعكس إجماعاً متزايداً في الكونجرس على أن الولايات المتحدة (المرتبطة منذ فترة طويلة بتركيا في حلف الناتو) ستكون حكيمة في البدء في وضع خطط عسكرية وسياسية أخرى. ربما كان الأبرز، أن جنرال تشارلز والد، نائب قائد القيادة الأمريكية/ الأوروبية السابق، قد صرح بأن الولايات المتحدة يجب أن تسحب قواتها من قاعدة إنجيرليك بتركيا، وتضعهم في مكان آخر مع حلفاء جديرين بالثقة وسط تنامي ابتعاد تركيا عن الولايات المتحدة وميلها الاستراتيجي تجاه خصومها روسيا وإيران. وهو، في رأيي، الأمر الذي تتحسب له تركيا، خاصة بعد أن هدد إردوجان بمنع القوات الأمريكية من استخدام قاعدة إنجرليك الجوية والتي تضم حاليا ما يصل إلى 50 سلاح نووي أمريكي. وهو بدوره يشير إلى أمر شديد الخطورة وهو سعي حكومة إردوجان للحصول قدرات نووية مستقلة، الأمر الذي حالة حدوثه يمهد لخروج تركيا من المظلة الأمنية التي يوفرها حلف الناتو لها، والتي صُممت جزئياً لتغطية المساعي النووية لأعضاء الحلف.كل ما سبق لا شك يأتي في مصلحة روسيا وما كانت تخطط له من زمن، بل يُعد نقطة مكسب جديدة لها على حساب الولايات المتحدة (ارتباطاً بالظروف الراهنة).
على صعيد آخر، أشار إردوجان علناً إلى اتفاقياته الاقتصادية والأمنية مع الحكومة الليبية بطرابلس، والمُعترف بها دولياً، والتي تشير لخططه لدعم حكومة السراج بتوافق مع روسيا، والذي يعتبره خصومه إنخراطاً في الحرب الأهلية الليبية. الأمر الذي يبدو استكمالاً لتنفيذ الاستراتيجية الروسية في البحر المتوسط امتداداً من الشرق الأوسط تجاه شمال إفريقيا. بالفعل، بوتين يستغل أخطاء خصومه بمهارة شديدة، كما أن إدارته يدرسون خطوات الخصوم المستقبلية جيداً ويعدون لها كافة السيناريوهات الممكنة وإمكانية مواجهتها.يحاول الرئيس ترمب تبرأة موقفه أمام تركيا من قيام الكونجرس باعتبار مذبحة الأرمن خلال الحرب العالمية الأولى إبادة جماعية. في نفس الوقت لا تستطيع الإدارة الأمريكية تغيير دفة العلاقات الأمريكية/ التركية لاتجاه إيجابي أكثر اقتراباً. لا شك أن الولايات المتحدة تسعى لتحسين علاقاتها مع تركيا في ظل الظروف الراهنة، إلا أنني أتوقع محاولات أمريكية/ أوروبية لإخراج إردوجان من المسرح السياسي التركي.
ثالثاً: العلاقات الروسية/ التركية:
اعتبرت روسيا ما قامت به الولايات المتحدة خطأ إستراتيجي يجب الاستفادة منه، عندما قامت الولايات المتحدة بدعم قوات سوريا الديمقراطية (SDF)، ومعظمها من الأكراد، لمحاربة داعش في سوريا، وقد اعتبرت تركيا ذلك موقفاً مزدوجاً تمارسه الولايات المتحدة بأنها تدعم منظمة مصنفة إرهابية. كما اعتبرت تركيا أن أي دعم للأكراد قد يؤدي إلى استقلال كردستان كدولة مستقلة تدعمها بشكل أساسي إسرائيل والولايات المتحدة. وهذا يجعل تركيا تحمل مخاوف من تقسيم أراضيها إلى جانب الدول الثلاث الأخرى (سوريا وإيران والعراق) التي تضم أعدادًا كبيرة من الأكراد. شجعت هذه المحاولة لتعزيز استقلال كردستان إردوجان على المضي قدماً في الاتفاقيات الدبلوماسية مع روسيا وإيران وسوريا، مع إتاحة الفرصة لنشر القوات التركية داخل سوريا وبالتالي تقويض الوجود العسكري الأمريكي وتخطيطه وأهدافه في سوريا.من جانب آخر، وبعد الانقلاب العسكري عام 2016 في تركيا، كان على إردوجان إبقاء جنرالات الجيش التركي مشغولين بالتحركات العسكرية في سوريا وشرق المتوسط مستقبلاً لضمان الأمن القومي التركي وحماية مصالحها.
تركيا قوة إقليمية، وثاني أكبر قوة عسكرية (مشاركة) في الناتو، وحليفة للولايات المتحدة وإسرائيل. يطل على البحر المتوسط وتمتلك مضيقين (البوسفور والدردنيل) اللذين يعتبران أهم ممرين لروسيا لعبوره روسيا إلى المياه الدافئة بالبحر المتوسط عبر البحر الأسود. كما أن تركيا أفضل وأهم موقع لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر خط أنابيب يعبر أراضيها. كل هذا أدى بوضوح إلى التفكير في أسباب صبر بوتين على أردوجان بعد أن قامت طائرة مقاتلة اعتراضية تركية بإسقاط طائرة مقاتلة قاذفة روسية فوق الأراضي السورية في عام 2015، فضلاً عن اغتيال السفير الروسي في أنقرة في وقت لاحق علناً على أيدي ضابط أمن تركي.
تتمتع تركيا بالأولية في إستراتيجية روسيا، فضلاً عن إيران وإسرائيل ومصر وليبيا، حيث أنها دول تمثل مفتاح البحر المتوسط الذي يربط الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من الجنوب وأوروبا من الشمال. تمثل هذه الدول إما صمام أمان لدول جنوب أوروبا أو مصدر تهديد للنفوذ الأمريكي في المنطقة.ترى روسيا الاتحاد الأوروبي أنه يشكل دائرة الاهتمام الأكبر والأكثر أهمية وشمولاً في أوليات إستراتيجية الأمن القومي التركي، أما الأقاليم مسرح التنافس التركي كـ(الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والساحل والصحراء والقرن الأفريقي والبلقان) فتمثل دوائر الاهتمام الأصغر نسبياً ولكنها الأكثر خطورة.
حققت روسيا أكبر استفادة ممكنة من الأخطاء الأمريكية والأوروبية والإسرائيلية في كافة الأقاليم محل التدخل/ الاهتمام التركي وأهمها الشرق الأوسط وشمال أفريقيا متضمنة شرق المتوسط، حيث استفاد بوتين من الانسحاب الأمريكي من سوريا وما رآه العالم على أنه تخلي عن الأكراد، حيث قام بوتن بالوساطة بين الأكراد وتركيا والذين كادوا أن يكونوا فريسة لتركيا بعد الانسحاب الأمريكي، كما استفاد بوتين قبل ذلك من دعم إسرائيل لإنفصال إقليم “كردستان” وتصاعد مشاكل أوروبا مع تركيا بسبب اللاجئين والموقف التركي في سوريا وفي البلقان، الأمرين الذين ساعدا على تحول تركيا (ثاني أكبر قوة عسكرية مشاركة بالناتو) التدريجي، من قوة تحتل الحد الأمامي لدفاعات الناتو أمام روسيا إلى حليف لروسيا في سوتشي والأستانة. ناهيك عن صبر بوتين على إردوجان أكثر من مرة أهمها قيام مقاتلة اعتراضية تركية بإسقاط مقاتلة قاذفة روسية في نوفمبر 2015، وقيام ضابط أمن تركي باغتيال السفير الروسي في أنقرة علناً خلال بث تليفزيوني مباشر لمؤتمر صحفي له عام 2017. كل ذلك مكن روسيا من تحقيق أهدافها المرحلية كضمان حرية المرور عبر مضيقي البوسفور والدردنيل التركيين إلى المياه الدافئة بالبحر المتوسط، وإنشاء مشروع ترك ستريم لتمرير الغاز التركي لأوروبا وتصدير صواريخ الدفاع الجوي S400 المضادة لطائرات الجيل الخامس الأمريكي بل وتوسيع الفجوة بين تركيا وحلفائها الغربيين بصورة أكبر قد تحرمها العودة لهم.
رغم الخلاف الروسي/ التركي في إدلب بسوريا وفي ليبيا، إلا أن روسيا تبدو قد نجحت في تحقيق وجود أكبر لها أمام أوروبا والناتو شرق المتوسط وشمال أفريقيا والذين يُعدا أهم مصدر لتهديد جنوب أوروبا ومصدر الطاقة البديل عن الغاز الروسي.. فروسيا تهدف لكي تكوناً وسيطاً في الأزمة الليبية في محاولة لجعلها مسرح نفوذ تالي لها عقب سوريا. كما أن أي صراع قد يتسبب فيه إردوجان شرق المتوسط، والذي زج جيشه في بؤرة صراع سابقة بالفعل شمال سوريا، سيشكل فرص أكبر للوساطة الروسية المستهدفة في المتوسط.
من جانب آخر، في الوقت الذي يستمر الجانب التركي في دعم اتفاقياته الاقتصادية والأمنية التي أبرمها مع حكومة السراج في ليبيا، بل البدء في دخولها حيز التنفيذ، تقوم الدول المتضررة ضمن “منتدى غاز شرق المتوسط” باتخاذ كافة الإجراءات تجاه الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي للطعن في صحة الاتفاقية الاقتصادية التركية/ الليبية، والضغط على تركيا وحكومة السراج بكافة الوسائل الممكنة.الأمر الذي قد يحسمه الموقف الروسي تجاه تركيا من خلال مقايضة بين روسيا وتركيا حول دوري روسيا في سوريا وليبيا ارتباطاً بأحد احتمالين، يتلخص الأول في تنازل تركي صريح في سوريا خاصة إدلب أمام المطالب الروسية، مقابل دور روسي أقل دعماً لحفتر في الأزمة الليبية.. أما الثاني فيتلخص في العكس، أي تنازل روسي أمام التحرك التركي في سوريا، مقابل منح روسيا دور أكبر في ليبيا مع احتواء التحرك التركي المنتظر في الأزمة.السياسات الخارجية المستقلة لتركيا في ديناميات أمنية جديدة:- السياسات الخارجية المستقلة
تعتبر تركيا مثالًا واضحًا على كيفية قيام حكومات الشرق الأوسط باتباع سياسات خارجية مستقلة عن إرادة القوى العالمية أو في تناقض تام معها. على الرغم من كونها عضوًا في الناتو وحليفًا تقليديًا للغرب، فقد تمكنت أنقرة من متابعة أجندة الأمن الخاصة بها بشأن القضايا الإقليمية الأكثر إثارة للانقسام، مثل الحرب السورية والعلاقات مع إيران وأزمة قطر التي تقودها السعودية. بالنسبة للملف السوري، عملت تركيا، وهي مؤيد قوي للمعارضة السورية، من أجل منطقة حظر الطيران، ومنعت الجماعات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة YPG / YPJ من الحصول على أراضي متجاورة، ولم تشارك إلا بعد فوات الأوان وعلى مضض في القتال ضد الدولة الإسلامية. وقد أدى ذلك إلى نزاعات متعددة مفتوحة ، وتهديدات بالمواجهات العسكرية مع الولايات المتحدة في منبيج ، وإسقاط طائرة روسية في نوفمبر 2015. بعد عام، أطلقت تركيا أول عملية برية (درع الفرات) في شمال سوريا لإزالة ما يلي: الجماعات الإرهابية، بما في ذلك قوات حماية الشعب الكردية التي تدعمها الولايات المتحدة. في وقت لاحق تلا ذلك هجوم عفرين “لاقتلاع الميليشيات الكردية” حسب أردوغان. راقبت الولايات المتحدة ما يسمى “القلق”، لكن لم يتم فعل الكثير.
على الرغم من أن لكل من الولايات المتحدة وروسيا علاقات وثيقة مع الأكراد السوريين، يبدو أن القوتين استوعبا بهدوء المخاوف الأمنية الرئيسية لأنقرة، بما في ذلك قبول الوجود العسكري التركي في كل من المناطق الحدودية الشمالية وإدلب. في المجال الدبلوماسي، استفادت تركيا بالمثل من علاقتها المزدوجة مع الولايات المتحدة وروسيا. لعبت أنقرة دورًا قياديًا في المسار الدبلوماسي المتنافس في روسيا (محادثات أستانا وسوتشي) وتتعاون مع روسيا في صفقات إزالة التصعيد ومؤخرًا بشأن نزع السلاح العسكري. المناطق العازلة في إدلب.
رابعاً: تركيا وأزمة قطر:
لا شك أن أزمة قطر قد أثرت سلباً على تركيا الداعم السياسي الأهم للإخوان المسلمين في المنطقة، إلا انها أضعفت المنافس الخليجي لتركيا بشكل عام.- من المؤكد أن إيران هي المستفيد الأكبر من عدم تماسك دول مجلس التعاون الخليجي، ومن عدم تحولها إلى اتحاد سياسي وعسكري يشكل تهديدًا كبيراً ضد إيران.- تحقق أزمة قطر ميزة كبيرة لمصر، حيث زادت من احتياج السعودية والإمارات والبحرين لدعم مصر)، مع الأخذ في الاعتبار أن قطر وتركيا عدوتان لمصر. هذا يضعف بشدة موقف جماعة الإخوان المسلمين حيث تدعمها مالياً وسياسياً من قبل قطر وتركيا.
أسئلة تطرح نفسها:
الأول: لو افترضنا (جدلاً) أن قامت روسيا فجأة بضرب اليونان اليوم لأي سبب، كيف سيكون رد تركيا؟ هل التصدي عسكرياً لروسيا دعماً لليونان (منافس تركيا وعدوها التاريخي اللدود) تنفيذاً للفصل الخامس من بروتوكول الناتو؟ أم التأني ومحاولة الوساطة بين الأطراف؟ أم غض البصر؟
الثاني: كيف سيكون تصرف الناتو أمام تداعيات تسريب تركيا عناصر مرتزقة سوريين وأسلحة ومعدات لليبيا، وفقاً لما جاء بالتليفزيون الألماني؟
الثالث: تركيا التي لديها قواعد عسكرية في قطر والصومال، وطبقاً لمراكز الدراسات الإستراتيجية يحتمل أن تعمل على إنشاء قواعد عسكرية أخرى في ليبيا والسودان وتشاد، كيف سيكون موقف الناتو حيال تركيا في هذا الصدد؟ هل احتواء تلك التوسعات والاستفادة منها في إستراتيجيات الناتو المستقبلية كدولة عضو بالحلف، أم تقويضها كدولة تعمل على محور منفصل بشكل قد يعوق إستراتيجيات الناتو؟
الرابع: استطاعت روسيا إدارة التنافس الإيراني – الإسرائيلي – التركي على النفوذ في سوريا، رغم اختلافاتهم المتصاعدة، مما احكم من تمكين روسيا على الموقف على حساب قوات الناتو بالمسرح السوري.. ولو افترضنا جدلاً أن روسيا ستحاول تكرار إدارة التنافس على النفوذ بين الدول الفاعلة بالمسرح الليبي، كيف سيكون موقف الناتو هذه المرة، خاصة مع سمعة الناتو شديدة السوء في ليبيا بشكل خاص وفي المنطقة بشكل عام؟
Sayed Ghoneim, MG (ret)
Chairman, IGSDA