دكتور سيد غنيم، دكتوراه الفلسفة في العلوم السياسية، رئيس IGSDA.
تعتبر الاختلافات في الرؤى والأهداف والمصالح السياسية بين الدول أمراً طبيعياً اعتادته الحكومات، ولا شك أن هناك اختلافات متعددة بين مصر والإمارات وبين مصر والسعودية وبين السعودية والإمارات، وهناك خلافات جذرية قديمة بين دول الخليج، ويتم احتواء معظمها في إطار المصالح المتبادلة والتهديدات المشتركة.
خلال شهري نوفمبر وديسمبر تردد في مراكز الدراسات الاستراتيجية الدولية أن الإمارات كانت ترى إن مصر (صاحبة النفوذ الاستخباراتي المتنامي في القرن الأفريقي) تمتلك معلومات بشأن تهديدات تستهدف سفارتي الإمارات في إثيوبيا والسودان وأخرى تستهدف مصالح الإمارات في القرن الأفريقي، وأن مصر لم تبلغ الإمارات بأي من هذه المعلومات، وأن مصر نفت ذلك تماماً.
كما أن مصر كانت قد انزعجت من دعم الإمارات لتطبيع العلاقات بين إثيوبيا وإريتريا عام ٢٠١٨، حيث كانت إريتريا تمثل ورقة ضغط على إثيوبيا في أيدي مصر، ومصر أيضاً انزعجت من دعم الإمارات لإثيوبيا في التصدي للتيجراي.. أما استثمارات الإمارات في إثيوبيا فلا أظنه مزعج لمصر، على العكس، فأي زعزعة في الداخل الإثيوبي بشكل مباشر أو غير مباشر يهدد الإستثمارات الأجنبية فيها ومنها الاستثمارات الإماراتية.. ناهيك أن حجم الإستثمارات الإماراتية في مصر ليست بقليل.. في النهاية إثيوبيا أصبحت مسرح تنافس، أظنه غير متعمد، بين أهم حليفين عربيين (مصر والإمارات).. فمصر كانت ترغب أن تقوم الإمارات بالضغط على إثيوبيا لصالح مصر وتتراجع عن مصالحها فيها، وهو في رأيي أمر يصعب تنفيذه.
أما عن الأسباب الرئيسية للاختلافات المصرية مع الإمارات والسعودية، فهي منذ عام ٢٠١٤ تقريباً، وسأقوم باستعراض أهمها:
أولاً: موقف مصر المختلف إلى حد كبير مع الخليج وإسرائيل في سوريا، حيث كان دعم دول الخليج (قطر والسعودية والإمارات) لعناصر معارضة إسلامية مسلحة، وأقصد هنا عناصر إسلامية معارضة في سوريا بعضها سلفية جهادية تابعة لتنظيم القاعدة أو تنظيم داعش، وكانت قطر تدعم “جبهة فتح الشام” التي كان اسمها “جبهة النصرة” سابقاً والمفرزة من تنظيم القاعدة والمعادية لتنظيم داعش، في الوقت الذي ترفض فيه مصر أي دعم للتنظيمات الإسلامية المسلحة خاصةً تلك المصنفة إرهابية أو تسعى لتصنيفها إرهابية.
ثانياً: إصرار مصر على الاكتفاء بالمشاركة بعناصر رمزية بعاصفة الحزم في اليمن عام ٢٠١٥ وليس بقوات رئيسية، في الوقت الذي كانت تسعى فيه السعودية لجمع أكبر قدر من القوات العربية والإسلامية ضمن التحالف العسكري الداعم للشرعية في اليمن.
ثالثاً: موقف مصر حينما كانت عضو غير دائم بمجلس الأمن تجاه مشروعي فرنسا وروسيا لوقف إطلاق النار في حلب في سبتمبر ٢٠١٦، حين أعلنت فرنسا، مدعومة من الغرب والخليج، عن طرحها آلية لوقف إطلاق النار في حلب، إلا إن روسيا ردت على المشروع الفرنسي باستخدام حق الـ “فيتو”.. بعدها مباشرة قدمت روسيا طرح مختلف يتضمن آلية لوقف إطلاق النار في حلب، وكان موقف مصر ثابت تجاه المشروعين الفرنسي والروسي حيث صوتت بالموافقة على كل منهما رغم رفض كل طرف لمشروع الآخر.
وما كان من السعودية وقطر وقتها سوى أنهما اتهمتا الموقف المصري بالازدواجية، ومنعت السعودية في أكتوبر ٢٠١٦ إمدادات أرامكو من النفط عن مصر لمدة ستة أشهر كاملة.
وأتذكر أنني كنت أحاضر وقتها في كلية دفاع الناتو بروما، وواجهت هجوم أكاديمي شديد في هذا الشأن بصفتي مصري، وكان ردي عليهم (مسؤولين ودارسين غربيين وأشقاء خليجيين) ببساطة “إن مصر ترى نفسها (جزء من الحل) في سوريا أيً كان صاحب الحل سواء فرنسا أو روسيا أو غيرهما، لأن مصر بصفتها دولة عربية إفريقية عضو غير دائم بمجلس الأمن تهدف لحل أزمة مشتعلة داخل دولة عربية اعتادت أن تشكل عمقاً استراتيجياً لمصر، وليست بصفتها طرف منافس في الأزمة لا يهمه إلا مصلحته ولو على حساب من يموت كل يوم في حلب. أما من وضعوا أنفسهم كـ (جزء من المشكلة) وكأنهم طرف له مصالح أيديولوجية وسياسية وعسكرية ضد روسيا وخاصة الدول العربية منهم، ففي رأيي قد اقترفوا خطأ جسيم ستظهر عواقبه فيما بعد.
رابعاً: إصرار مصر في أبريل ٢٠١٩ على النأي بنفسها عن الجهود الأمريكية لتشكيل “ناتو عربي” على غرار حلف شمال الأطلسي هدفه “التصدي” لسياسات طهران، حيث أعلنت مصر أنها مبادرة غير جادة. ولكن على حد فهمي كان للانسحاب المصري عدة أبعاد أخرى، منها إصرار مصر على سياسة “مسافة السكة” للدفاع عن الخليج حالة تعرض أي من دوله لاعتداء خارجي، وليس أن تكون عضواً في تحالف يقضي بالتدخل العسكري بشكل من الممكن أن يخالف ثوابت الأمن القومي المصري، وبعد آخر يتمثل في زيادة توقعات مصر بتقلص فرص استمرار ترمب في الحكم وهو الراعي الأصلي لهذه المبادرة، وأن الرئيس الأمريكي الذي سيأتي بعده لن يستمر في دعم الناتو العربي.
خامساً: إصرار مصر على تعطيل توقيعها حتى مطلع ٢٠٢٠ على تأسيس “مجلس الدول العربية والإفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن” ومقره الرياض والذي اقترحه العاهل السعودي قبلها بأكثر من عام في ديسمبر ٢٠١٨، والسبب في موقف مصر هو اقتراح السعودية ودول أخرى مرشحة بالمجلس على مشاركة إثيوبيا كعضو به، إلا أن رفض مصر كان بسبب عدم تمتع إثيوبيا بواجهة ساحلية على الإطلاق، كما أن مصر كانت ترفض أي جهود غير شرعية تدعم دور قوي لإثيوبيا في القرن الأفريقي والبحر الأحمر قد يضر بالمصالح المصرية.. وفي النهاية وقعت مصر في ٦ يناير ٢٠٢٠ دون عضوية إثيوبيا بالمجلس.
بالنظر إلى المستقبل على المديين القريب والمتوسط، وفي الوقت الذي تقرب فيه مصر وجهات النظر مع تركيا شرق المتوسط وليبيا، من المتوقع أن تحتفظ السياسة الخارجية للإمارات في شرق المتوسط بتركيز واضح معادي لسياسات تركيا، مع متابعة التجارة والمصالح الاقتصادية الأخرى. يمكن القول إن أبو ظبي يمكن أن تهدف أيضًا إلى استقطاب دول أخرى لها مصالح مهمة في شرق المتوسط، مثل إيطاليا، أو تلك التي تحرص بشكل متزايد على مواجهة تركيا، مثل السعودية، لزيادة الدعم الدولي وراء استراتيجيتها الإقليمية.
مصادر:
مصر تصوت لصالح مشروع القرار الروسي في مجلس الأمن والسعودية وقطر تنتقدان.
https://arabic.rt.com/news/844415-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D9%82%D8%B7%D8%B1-%D8%AA%D9%86%D8%AA%D9%82%D8%AF%D8%A7%D9%86-%D8%AA%D8%B5%D9%88%D9%8A%D8%AA-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B1-%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A/?fbclid=IwAR2lAK_XtAM_NAY8yIuvCfOfoDOrZsgJMAG2IW6C5GtKjIujbWrtIFDTLIo
وزير البترول المصري: أرامكو السعودية أوقفت تزويدنا بالنفط
https://www.bbc.com/arabic/business-37893785
مخططات البحر الأحمر تصميم منتدىً لدول الخليج والقرن الأفريقي الثلاثاء، 12 مارس 2019
https://www.brookings.edu/blog/order-from-chaos/2019/03/17/%D9%85%D8%AE%D8%B7%D9%91%D8%B7%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AD%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AD%D9%85%D8%B1-%D8%AA%D8%B5%D9%85%D9%8A%D9%85-%D9%85%D9%86%D8%AA%D8%AF%D9%89%D9%8B-%D9%84%D8%AF%D9%88/?fbclid=IwAR16OCwQjnoJ8f1dqJY4cDO1WRDwvELfP4npF7dBMORGVAk-WQiwYz_qUgg
مصر تنسحب من مبادرة الناتو العربي – Egypt withdraws from US-led ‘Arab NATO’ initiative
https://www.bbc.com/arabic/business-37893785?fbclid=IwAR0YaMODA6t4NiApAoCT3KlhAFpjQ3ipJSsf7fw6LsdVd01JyfDxuKBUXNQ
مصري يطرح أول استراتيجية علمية لمكافحة الإرهاب أمام حلف الناتو الأحد 23/أكتوبر/2016
https://www.dostor.org/1210901