بدأ الرئيس ترامب سحب قوات الولايات المتحدة من سوريا، معلنا يوم الأربعاء 19 ديسمبر 2018 أنهم نجحوا في مهمتهم لهزيمة الدولة الإسلامية، وقال مسؤولون أمريكيون إن واشنطن تفكر في سحب جميع قواتها من سوريا.

التقدير:

في البداية علينا ملاحظة الآتي:

أولاً: الهدف المُعلن من نشر قوات التحالف الدولية بقيادة الولايات المتحدة في سوريا عام 2014 والذي أعلنته إدارة أوباما وقتها خلال فترة رئاسته الثانية هو “هزيمة داعش”، والذي بتحقيقه يمكن نقل المسؤوليات إلى القوات المحلية، وبالتالي يمكن عندها سحب القوات الأمريكية من سوريا، رغم أنه وكما هو شائع إن الفضل الأكبر في هزيمة داعش في سوريا يرجع إلى الإستراتيجية التي إستخدمتها روسيا.

ثانياً: أعلن ترمب لأول مرة قرار إنسحاب القوات الأمريكية من سوريا يوم 29 مارس 2018، وأكد بعدها بأسبوع واحد على أن توقيت الإنسحاب مرتبط بتحقيق الهدف المُعلن.

ثالثاً: بعد هزيمة داعش في سوريا، فإن بقاء القوات الأمريكية المخصصة لذلك في سوريا يعد تعدي على السيادة القومية السورية أمام المجتمع الدولي، وهو الأمر الذي تستغله روسيا وتركيا مع أهدافهما المتعارضة مع التواجد العسكري الأمريكي بسوريا.

رابعاً: يجب ملاحظة أن فرنسا أعلنت أيضاً إنسحاب قواتها من سوريا، أما بريطانيا فلم تتخذ نفس الموقف الأمريكي والفرنسي.

خامساً: لا شك أن الإنسحاب العسكري الأمريكي من سوريا سيمكن بصورة أكبر من نجاح الإستراتيجية الروسية/ التركية/ الإيرانية بشأن تقاسم النفوذ في سوريا مع الاحتفاظ ببشار الأسد لفترة.. ورغم أن قرار الإنسحاب الأمريكي من سوريا يفترض أنه بتنسيق مسبق مع روسيا وتركيا، إلا أنه قد يورط البلدين وخاصة روسيا بتزايد تكلفة التواجد الروسي في سوريا لاتساع رقعة مسؤوليتها أمام الفراغ الأمني الذي ستتركه الولايات المتحدة.

سادساً: الإنسحاب العسكري الأمريكي من سوريا (بوضعه المُعلن) سيجنب احتمال أي مواجهات عسكرية بين القوات الأمريكية والتركية خلال العمليات العسكرية التركية المرتقبة ضد الأكراد شرق الفرات في مدينة “مينبج”، وهو ما يعتبر ضربة شديدة للجيش السوري الحليف السوري الأصيل للقوات الأمريكية والمشكل معظمه من الأكراد الذين عاونوا الولايات المتحدة في قتال داعش في سوريا.

سابعاً: ربما، وقبل أي شيئ، علينا أن نتفهم أن ترمب ومع إعلانه قرار انسحاب قواته من سوريا، لم يحدد توقيت لإنسحاب قواته من سوريا، ولم يضع أي خطة زمنية له حتى الآن.

والأهم هو فهم دلالات هذا الانسحاب، من وجهة نظري، فمن المرجح أن يكون له تأثير على الخريطة السورية أولا، ودراسة العقلية الأمريكية ثانياً، ووفقا للمعطيات الأتية:

  • لا شك أن الإنسحاب العسكري الأمريكي المخطط من سوريا سيؤثر نسبياً على النفوذ السعودي بها (الحليف الأمريكي المهم في المنطقة).. مع الوضع في الاعتبار أن قرار ترمب بسحب قواته من سورياً رغم عدم انتهاء مهة القضاء على داعش في سوريا يمثل رداً على ضغوط الكونجرس على ترمب بسبب دعمه الدائم للسعودية وإجباره وبن سلمان على تهدئة الوضع في اليمن.
  • الإنسحاب الأمريكي من سوريا في يبدو في صالح روسيا وتركيا، إلا أن الولايات المتحدة قد تعتبره توريطاً عسكرياً أكثر اتساعاً لهما خاصة روسيا وبما لا تستوعبه القدرات الروسية، خاصة لو كان لفترة غير محسوبة، وفقا لمبدأ المخاطر والفرص المتاحة، والتي تعتمدها واشنطن في بناء إستراتيجيتها.. ووفقا لما تقدم، قد ترى واشنطن في انسحاب قواتها من سوريا يسبب ضغطاً على موسكو، وليس العكس.
  • الإنسحاب العسكري الأمريكي من سوريا سيتيح الفرصة للآليات السياسية الأمريكية لإعادة تسوية العلاقات الأمريكية/ التركية، بهدف إعادة تركيا للصف الأمريكي/ الغربي كما كان، وبما يقوض جهود توسع النفوذ الروسي في الشرق الأوسط وشرق المتوسط ومنطقة البلقان.
  • لا شك أن موقف قوات سوريا الديمقراطية والتي تُعد الحلف الأهم للقوات الأمريكية في سوريا والمشكل معظمه من الأكراد، أصبح حرج خاصة أن الإنسحاب الأمريكي يجعل الأكراد فريسة لتركيا، إلا أن روسيا قد تكون جاهزة لخلق مكان ودور لتلك القوات الكردية وبما يؤمن مسار العمل الروسي وبتوافق مع تركيا.
  • بالتأكيد إسرائيل التي تدعم إنفصال الدولة الكردية غاضبة بشدة الآن.. إلا أنه من المحتمل أن يكون الإنسحاب العسكري الأمريكي تمهيداً لضربة عسكرية إسرائيلية ضد حزب الله وحلفائها في سوريا، إلا أن روسيا تتوقع ذلك وربما تجري تواصل دائم مع إسرائيل وحزب الله وإيران تجنباً لحدوثه.
  • لا شك أن إردوجان الحليف الحالي لروسيا وإيران وصاحب المصالح الإستراتيجية المشتركة مع روسيا قد يفكر بمعاونة الجيش السوري الحر بالتصدي لبشار الأسد بعد الانتهاء من مهمته أمام الأكراد، ولكن هل يتحمل أردوغان تكلفة هذه المساعدة، أم أنه سوف يخلق تعاونا جديداً، مع الدول الداعمة للجيش السوري الحر، وخصوصا قد تكون التكلفة أكبر من قدراته على المواصلة، في ظل التوتر مع الجانب السعودي.

لواء أ.ح. سيد غنيم
زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا
رئيس مركز دراسات الأمن العالمي والدفاع – أونلاين

شارك