معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع:
القسم الأمني والعسكري
دكتور سَــــيد غُنــــيم
زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا
رئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع
الأستاذ الزائر بالناتو والأكاديمية العسكرية الملكية ببروكسل
 
مراحل العملية الإسرائيلية في غزة “السيوف الحديدية”
والتي نشرتها وعرضتها يوم الثلاثاء 09 يناير 2024، أي مر على نشرها 5 أشهر ونصف.
دخلت العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة شهرها الرابع مع اتفاق واضح من المراقبين أن إسرائيل لم تحقق أي من أهدافها المعلنة في العملية وذلك رغم الانخفاض في أنشطة الفصائل في الجزء الشمالي من قطاع غزة دون توقف في شن الضربات الصاروخية من دخل القطاع إلى أنحاء إسرائيل، فقط إزهاق أرواح وإصابة عشرات الآلاف المدنيين الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، وتصعيد مستمر، فضلاً عن توسع محتمل في رقعة الحرب قد تطول دول أخرى.
وقد أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت يوم الأحد 07 يناير 2024 عن تحول إسرائيلي في الحرب في غزة إلى المرحلة الثالثة، ماذا يعني ذلك وما هي المراحل العمليات الإسرائيلية الثلاث؟
هدف إسرائيل من العملية العسكرية في غزة “السيوف الحديدية” هو: إنشاء نظام أمني جديد في قطاع غزة وبما لا يمنح أي ظروف تهدد المواطنين الإسرائيليين والمستوطنين.
وقد خطط الجيش الإسرائيلي منذ اعلان عملية السيوف الحديدية وحتى اليوم 09 ينير 2023 لتنفيذها خلال ثلاثة مراحل رئيسية كالآتي:
1- المرحلة الأولى، (07 – 18 نوفمبر 2023) – تنفيذ عملية عسكرية موسعة:
الهدف: تدمير الفصائل الفلسطينية وتفكيك الهيكل العسكري لها من خلال الإضرار بالبنية التحتية، وذلك لتحقيق هزيمة حاسمة لحماس وتدميرها.
الإجراءات:
أولاً، خلال المدة من 07 – 27 أكتوبر 2023: احتواء وتدمير وتطهير آثار الاختراق الذي نفذته المقاومة الفلسطينية في المواقع العسكرية والمدنية في غلاف غزة والذي وصل أقصاه إلى أطراف مستعمرة أوفاكيم التي تبعد حوالي 20 كم من قطاع غزة. تزامن مع ذلك عمليات القصف الجوي والمدفعي والبحري، والتي استمرت حوالي 3 أسابيع وتم فيها استهداف مراكز المقاومة، وشملت أيضا تعطيل البنية التحتية والأبراج السكنية وغيرها لتوصيل رسالة مفادها “القادم سيكون أسوأ”.
ثانياً، خلال المدة من 27 أكتوبر إلى 18 نوفمبر: الهجوم البري على قطاع غزة وتدمير البنية التحتية والأصول العسكرية من القادة والأفراد والأسلحة والمعدات والثكنات للفصائل الفلسطينية في القطاع، وتقسيم القطاع إلى قسمين رئيسيين يفصل بينهما “وادي غزة”. وشملت، علاوة على القصف النيراني، توغل للجيش الإسرائيلي بوحدات من 3 فرق (162 مدرع في اتجاه ساحل البحر ومدينة بيت لاهيا وطريق الشاطئ – 252 مدرع من اتجاه معبر إيريز وفى اتجاه بيت حانون – الفرقة 36 مدرع من اتجاه معبر كارنى تجاه جنوب مدينة غزة)، بهدف تدمير قدرات المقاومة من مراكز ومنشآت ومقرات واستهداف قدراتها النيرانية والعددية في شمال القطاع.
2- المرحلة الثانية، (19 نوفمبر 2023 – 06 يناير 2024) – الاستمرار في القتال (بكثافة أقل):
الهدف: استكمال القضاء على جيوب المقاومة.
الإجراءات:
تخفيض حدة القتال، بتقليل حجم القوات نسبياً خاصة الميكانيكية والمدرعة، مع دخول حجم أكبر من الوحدات الخاصة ووحدات التدريب، وتنفيذ تدريبات شاملة للتعلم الفوري من الأخطاء والدروس المستفادة.
وفي رأيي، لم تختلف الأحوال كثيراً في معظم فتراتها عما كان بالمرحلة الأولى، حيث استمرت مناطق في الشمال خارجة عن السيطرة لفترات طويلة، مثل حي الشجاعية ومخيم جباليا، ومع هذا، تم الإعلان الذي صاحبه دخول قوات جديدة من الوحدات الخاصة لتطهير المناطق المستولى عليها. وجاءت الهدنة يوم 24 نوفمبر والتي استمرت 6 أيام، توقفت فيها اعمال القتال. ومع استئناف القتال، بدا التوغل البري من الجنوب من اتجاه معبر كيسوفيم في اتجاه مناطق خان يونس وبنت سهيلا وخربة خزاعة وعبسان ودخول وحدات من الفرقة 89 والفرقة 99 ميكانيكي المسؤولة عن تقسيم القطاع. وتركز المجهود الرئيسي في هذه المرحلة على مدينة الثانية في الأهمية (خان يونس)، مع توسيع رقعة السيطرة على منطقة المخيمات المركزية في الوسط بواسطة القوات التي أنهت مهامها في الشمال ودفع وحدات جديدة مثل اللواء 900 (كفير) واللواء 261 مشاة دفاع إقليمي من الفرقة 143 دفاع إقليمي (فرقة غزة) ووحدات أخرى، وسحب وحدات من الفرقة 252 مدرع والفرقة 36 مدرع، وكلاهما احتياط. وقد حاولت القوات الإسرائيلية خلال هذه المرحلة التقدم بقوات تجاه الشريط الحدود مع مصر جنوب القطاع للسيطرة على محور فيلاديلفيا مع فشل التنسيق مع مصر في هذا الشأن، إلا أنها يبدو قد قابلت مقاومة شديدة منعتها من ذلك، فأعلنت إسرائيل عدم عزمها لاحتلال المحور، مع إعادة المحاولة مع مصر لتكثيف وسائل المراقبة المختلفة على محور فيلاديلفيا على حدود البلدين دون جدوى.
3- المرحلة الثالثة، (اعتباراً من 07 يناير 2024) – إنشاء نظام أمني جديد في قطاع غزة وتسليم القطاع لسلطة حاكمة:
الهدف: إنشاء نظام أمني جديد في القطاع، وخلق واقع أمني جديد لمواطني ودولة إسرائيل، ولسكان المستوطنات بالمنطقة المحيطة بقطاع غزة. ثم إزالة مسؤولية إسرائيل عن الحياة اليومية في قطاع غزة.
الإجراءات:
الاستمرار في سحب القوات الإسرائيلية تدريجياً من القطاع، مع خلق منطقة أو مناطق عازلة في قطاع غزة.
ورغم بدء هذه المرحلة، إلا أنه تلاحظ استمرار النشاط العسكري للفصائل الفلسطينية في وسط وجنوب القطاع، الأمر الذي قد يشير لأكثر من سيناريو محتمل للمناطق العازلة في القطاع.
ومن ثم، يبدو أن المرحلة الثالثة ترتبط بعنصرين رئيسيين: الأول: عنصر القوات: والذي يتعلق بإدخال وحدات جديدة وسحب وحدات تقاتل في القطاع، واعتقد أنه سيتم سحب بعض وحدات من الفرقة 36 مدرع والفرقة 162 مدرع. والثاني عنصر المهام: ويحتمل أنها ستتركز في إنشاء مناطق عازلة (آمنة)، قد تكون انطلاقاً من منطقة “تل الهوا” جنوب مدينة غزة، وبما يقسم القطاع عرضياً من طريق البحر إلى شارع صلاح الدين، وحتى معبر “ناحال عوز”. وكذلك هناك معالم لقطاع أمنى آخر انطلاقا من معبر كيسوفيم وحتى جنوب دير البلح والذي شهد هو الآخر أعمال تجريف موسعة على اجنابه ربما لخلق ممر لوجيستي دائم للقوات الإسرائيلية. مع استمرار مهام التفتيش، انطلاقا من تلك المناطق والقطاعات لاستكمال تدمير البنية التحتية للمقاومة بمعاونة نيرانيه من القوات الجوية والبحرية ونيران المدفعية الدقيقة.
مما سبق نلاحظ الآتي:
1- لم تحقق إسرائيل أهدافها المعلنة منذ بدء عمليتها السيوف الحديدية في غزة.
2- من أهم أسباب عدم قدرة إسرائيل على تحقيق هدفها السياسي الاستراتيجي أو الأهداف العسكرية المعلنين للمرحلتين الأولى والثانية من العملية، إصرار إسرائيل على البدء في تنفيذ عملية التوغل البري ثم الغزو البري داخل القطاع دون انتظار نتائج التمهيد النيراني، بل ودمج فترة التمهيد النيراني مع التوغل والغزو في مرحلة واحدة، حيث إنه أمر غير معتاد في التخطيط الاستراتيجي العسكري ويعتبر خاطئ تماماً.
3- ستضطر القيادة العسكرية الإسرائيلية للاستمرار في القتال في قطاع غزة بنفس الوتيرة دون تخفيض حقيقي لا في القوات ولا في وتيرة القتال وقتل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين لحين تحقيق أهدافها.
4- من المنتظر أن تطول فترة الحرب (عسكرياً) حالة استمرار تقبل إسرائيل لدفع الثمن من أرواح جنودها واقتصادها وخسارة حلفائها.
5- ستبقى أهم إرتكازات القوة للفصائل الفلسطينية احتفاظها بالرهائن والأسرى الإسرائيليين وقدرتها على شن هجمات صاروخية خارج القطاع.
شارك

administrator

استشاري الأمن الدوَلي والدفاع، رئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع، الإمارات العربية المتحدة، وأستاذ زائر في العلاقات الدولية والأمن الدولي في أوروبا وشرق آسيا، (مصري)