دكتور سَــــيْد غُنــــيْم دكتوراه العلوم السياسية زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا، ورئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع
ذكرت في كتابي الصادر حديثا باللغتين اليابانية والعربية “حرب أوكرانيا.. صراع الدب والغزالة” أن الرئيس الروسي ڤلاديمير بوتين لم يطلق العملية العسكرية الروسية الخاصة أوكرانيا في فبراير عام 2022 كما اسماها لإيقاف توسع الناتو أو للتصدي لأي تهديد من جانبه، ولا لنزع سلاح النازيين الجديد في شرق أوكرانيا كما أطلق عليهم وما شابه. بل قام بغزو أوكرانيا لأنه شعر بتهديد نظامه حاكمه هو وبيلاروسيا من خلال دول الجوار وعلى رأسهم أوكرانيا وكازاخستان كما أنه يرى قوة الدولة في اتساع الرقعة الأرضية وزيادة الموارد وليس في القوة البشرية، وكان يعتقد أن الناتو قد أصبح ضعيفاً وعلى وشك التفكك بل وأوروبا بالكامل، وأن ما يطلقه في إطار العمليات النفسية من خلال منصاته الإعلامية عن ضعف أوروبا وأمريكا حقائق صدقها هو نفسه وليست وصف غير دقيق للوضع الأوروبي الأمريكي، كما أنه رأي أن جهوده لاستعادة السيطرة على أوكرانيا سياسياً واقتصادياً وعسكرياً بوسائل أخرى كما هو الحال على مع بيلاروسيا قد باءت بالفشل، فتصور أن غزو أوكرانيا عسكرياً سيجعل تنصيب حكومة موالية لروسيا في كييڤ آمناً وسهلاً.
باختصار شديد، بوتين لم يكن هدفه الدفاع عن روسيا ضد تهديد بعينه، بل كان هدفه توسيع قوة روسيا، والقضاء على الدولة الأوكرانية، وتفكيك الناتو وأوروبا، وهي الأهداف التي لا يزال يسعى إلى تحقيقها.
من ناحية أخرى وبالنظر من وجهة نظر الغرب، نجد أنهم لا يرون طريق إلى السلام الحقيقي سوى دعم أوكرانيا على إلحاق استعادة كامل أراضيهم سواء من خلال هزيمة روسيا بشكل قاطع أو بدونها، ثم المساعدة في إعادة بناء أوكرانيا وتحويلها إلى جيش ومجتمع قوي ومرن وبما يضمن مستقبلاً ألا يفكر أي زعيم روسي في فرصة مثل تلك التي انتهزها بوتين عامي 2014 و2022.
ويرون أنه من الممكن تحقيق هذا المسار إذا التزم الحلفاء الغربيين والآسيويين بدعم أوكرانيا في الجهود المطولة التي من المرجح أن تكون ضرورية للسير فيه. ويرون أنه إذا انجذب الغرب بدلاً من ذلك إلى وهم التوصل إلى حل وسط، فقد يؤدي ذلك إلى إنهاء الأزمة في الوقت الحالي أي على المدى القصير، ولكن على حساب قدر أعظم كثيراً من الأزمات على المدى البعيد أي في أوقات لاحقة.
وحسب استراتيچيون “فلقد أظهر بوتن أنه ينظر إلى التسوية باعتبارها استسلاماً، والاستسلام يشجعه على معاودة الهجوم. ولا يمكن لهذه الحرب أن تنتهي إلا عندما يشعر بوتين أنه قادر على حفظ ماء الوجه، بل عندما يدرك أنه غير قادر على النصر”.