دكتور سَــــيْد غُنــــيْم دكتوراه العلوم السياسية زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا، ورئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع
“المباراة السياسية في السودان بين الأطراف الدولية”
١- الصين:
بلا شك، تهتم بكين بالسودان بشكل كبير وتراقب الموقف عن كثب، وهي متواجدة فيها بقوتها الناعمة بالفعل منذ فترة طويلة، ولكنها لا تتدخل أمنياً حالياً، لأنها بشكل عام تتحسب التدخل في الأزمات خاصةً وقت اشتعالها، والسبب ببساطة هو عدم خبرتها في التعامل مع الأزمات المشتعلة مقارنة بموسكو وواشنطن، فضلاً عن تفضيلها الاحتفاظ بقوتها الصلبة، وعدم التورط في الشؤون الداخلية للدول أو الاستنزاف اقتصادياً في صراعات لن تفيدها.
٢- روسيا:
تتداخل موسكو من فترة كبيرة مستغلة جماعة ڤاجنر في السودان وليبيا ومالي ووسط أفريقيا وسوريا وغيرهم، ومهمة جماعة ڤاجنر في السودان حالياً توفير الأمن لمناجم التعدين.
أقام مؤخراً محمد حمدان دقلو (حميدتي) قائد قوات الدعم السريع شبه العسكرية علاقة مع جماعة ڤاجنر، تحديداً خلال احتجاجات 2019 ضد البشير ، تحولت جماعة ڤاجنر من كونها شركة أمن مسلح مسؤولة عن تأمين مناجم الذهب إلى أن تكون لاعباً مباشراً بشكل فعلي في محاولة قمع المظاهرات ضد البشير.
بعد الإطاحة بالبشير، حاول يڤجيني بريجوچين قائد جماعة ڤاجنر التحالف مع قائد القوات المسلحة السودانية الفريق أول عبد الفتاح البرهان، إلا أن هذا التقارب فشل بعد مذبحة الخرطوم عام 2019 عندما فرقت الأجهزة الأمنية السودانية بعنف أحد الاعتصامات، مما دفع مجموعة ڤاچنر للعودة إلى دورها الأصلي لتأمين مناجم التعدين وتحديداً الذهب. والذي بصدده وحسب معلومات متواترة اعتباراً من فبراير ٢٠٢٣ نفذت ست رحلات طيران عسكرية لتهريب الذهب من السودان إلى اللاذقية، للمساعدة في تمويل الغزو الروسي لأوكرانيا. وجميعها كانت تتم تحت إشراف القوات العسكرية السودانية المسؤولة عن مناجم الذهب وهي قوات الدعم السريع بقيادة دقلو (حميدتي)، وهو ما وضح سبب التواصل المباشر بين الكريملين وحميدتي. وقد قام حميدتي بزيارة موسكو يوم ٢٣ فبراير ٢٠٢٢، أي قبل الحرب الأوكرانية بيوماً واحداً، حيث يواظب حميدتي على إرسال الذهب لروسيا لتمويل آلة الحرب الروسية في الحرب الجارية، ولكن اهتمام روسيا بالسودان له هدف آخر لا يقل أهمية، وهو التنسيق المنفصل بشأن إتاحة الأمر لروسيا لإنشاء قاعدة عسكرية في السودان تطل على البحر الأحمر، وهو ما أعلنه حميدتي شخصياً في أحد تصريحاته المسجلة. الأمر الذي أحرج مصر بشدة، والتي لا تقبل وجود أي قواعد عسكرية أجنبية أيً كانت في دولتها أو في الدول التي تمثل عمقاً استراتيچياً لها، وهي ليبيا والسودان. ومع تردي الموقف السوداني والتعاون المتزايد بين حميدتي وڤاجنر، وزيارة حميدتي لأديس أبابا في ٢٢ يناير ٢٠٢٢ ومقابلته وزير الدفاع الإثيوبي أبراهام بلايوهو.. ثم قيام حميدتي ومعه قوات الدعم السريع بالقتال ضد الجيش السوداني المدعوم من مصر، والذي يمثل لمصر وتد استقرار السودان وتأمين حدودها مع مصر والتصدي لأزمة سد النهضة، واحتجاز القوات الدعم السريع جنود مصريين متواجدين للتدريب في السودان، تسبب كل ذلك لحدوث انزعاج شديد لمصر وبما قد يدفعها للتفكير في إعادة تقييم الموقف تجاه الأطراف في السودان.
٣- الولايات المتحدة:
واشنطن تراقب الموقف بتركيز ومتابعة دائمة وأظنها تسعى للتدخل في السودان بشكل مختلف، وهو في ظني مقايضة البرهان ومصر على أساس دعم البرهان وبما يدعم تأمين حدود مصر الجنوبية مقابل تقويض ڤاجنر وطردهم من السودان في إطار تضييق الخناق على روسيا.
نعود مرة أخرى للصين في نفس نقطة الارتكاز، وهي أن الصين لا تتقبل أنشطة ڤاجنر في أفريقيا والتي تتعارض أحياناً كثيرة مع مصالح بكين ونفوذها في أفريقيا.
لذلك أرى أن تقييم حميدتي وتحركه ضد القوات المسلحة السودانية ، وربما بناءً على وعد روسي بالدعم أو على الأقل إعطاء الضوء الأخضر للتحرك ، كان خطأً ولم تحسب تداعياته بدقة، ليس فقط بسبب حجم قوات الدعم السريع، وقدراتهم التسليحية غير الكافية في مواجهة القوات المسلحة السودانية، ولكن أيضاً لأن حميدتي كشف عن سلوكه المغاير والمنفرد عدة مرات، وبما قد يؤدي إلى عزل روسيا عن الأصدقاء المهمين في الشرق الأوسط.
دكتور سَــــيْد غُنــــيْم