أولاً: مقدمة:
في البداية علينا أن نعترف بحقيقة واضحة على الأرض أن الولايات المتحدة لم تعد مسيطرة على مفاتيح الأمور في الشرق الأوسط كما كان الموقف عليه من قبل. وتشهد إدارة بايدن موجة من الإجراءات التنفيذية التي تتناول قضايا السياسة الخارجية الملحة مع التراجع الفوري عن إجراءات كانت قد اتخذتها إدارة ترمب، في محاولة لإعادة بناء النظام الدولي بشكل (على الأقل) يركز مرة أخرى على المعايير والقيم الأمريكية والاتفاقيات والمعاهدات الدولية. ونجد أيضاً محاولات بايدن لاستعادة النظم الإقليمية الست أو حتى إعادة صياغتها في نفس الإطار الدولي الذي يهدف له، ومنها إقليم الشرق الأوسط. إلا ان إدارة بايدن تواجه العديد من المتغيرات والتحديات مما سيدفع ها لاتخاذ العديد من الإجراءات الهامة لمواجهتها والتغلب عليها. وسأحاول تلخيصها في عدة نقاط رئيسية
ثانياً: التحديات التي تواجه إدارة بايدن في منطقة الشرق الأوسط:
ثمان أسئلة تطرح نفسها
بشأن الاتقاقية النووية مع إيران، هل من الممكن العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)؟
برغم صدور قرار رفع العقوبات الأمريكية عن إيران، والشروع في التحرك لعودة الإدارة الأمريكية الجديدة إلى ما قبل مايو 2018 بشأن الاتفاقية النووية مع إيران، إلا أن هناك مشكلة تعد خطيرة والتي أدت لها سياسات ترمپ الخاطئة تجاه إيران، وهي أن إيران قد صعدت من قدرات مشروعها النووي كرد فعل داخلي تجاه سياسات ترمپ. فمن يضمن قدرات المشروع النووي الإيراني النووي اليوم مقارنة بقدرات نفس المشروع قبل عامين ونصف؟ من حق إيران أن تكون دولة قوية ومستقرة، ولكن إذا امتلكت سلاح نووي أو تعاظمت قدراتها النووية فمن الضامن لمستقبل استقرار المنطقة؟ من جانب آخر، لم يعد البرنامج النووي الإيراني وحده ما يهدد إسرائيل ودول الخليج، فهناك اجماع من السعودية وإسرائيل أن ترسانة الصواريخ الإيرانية أصبحت تشكل تهديداً خطيراً، خاصة بعد تنفيذ هجمات صاروخية دقيقة على منشآت النفط السعودية في 14 سبتمبر 2019. فضلاً عن تصريح روحاني “أن برنامج الصواريخ الباليستية والقضايا الإقليمية غير قابلة للتفاوض”.
هل من الممكن استعادة تركيا كحليف استراتيجي أصيل للولايات المتحدة؟
أدى عاملان رئيسيان إلى إحداث شرخ في علاقات تركيا القوية مع الولايات المتحدة. دعم الولايات المتحدة للأكراد في سوريا ضد داعش، من خلال توفير الأسلحة لميليشيا وحدات حماية الشعب التي تتخذ من سوريا مقراً لها (تُعرف بالعامية باسم وحدات حماية الشعب) بسبب صلاتها الوثيقة بحزب العمال الكردي، الذي لطالما كان التهديد الإرهابي الرئيسي للدولة الدولة التركية، والمواقف الأمريكية تجاه حركة فتح الله غولن، التي يلقي الأتراك باللوم عليها بشكل عام في محاولة الانقلاب الفاشلة في صيف 2016 ضد حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان. في أعقاب محاولة الانقلاب، شن أردوغان حملة قمع شاملة على مستوى البلاد ضد من يشتبه في أنهم متعاونون مع غولن، مما أدى إلى طرد الآلاف من موظفي الدولة من مناصبهم وفصل أكثر من 20 ألف معلم وأكاديمي. لكن أردوغان لم يكتف بمجرد تطهير السياسة التركية من نفوذ جماعة غولن. منذ ما يقرب من ثلاث سنوات، مارست حكومته ضغوطًا نشطة على الولايات المتحدة لتسليم زعيم الحركة المنعزل، فتح الله غولن، من مقر إقامته في المنفى في جبال بوكونوس في بنسلفانيا. حتى الآن، قاومت الحكومة الأمريكية هذا الضغط – وهو الأمر الذي أثار استياءً كبيرًا ليس فقط بين الموالين للنظام، ولكن الأتراك القوميين أيضًا.
من جانب آخر وبنفس القدر، كان قرار تركيا بالحصول على دفاعات جوية روسية متقدمة (إس -400) محفزاً لزيادة سوء العلاقات بين البلدين. ليس هذا فقط، ولكن العلاقة بين تركيا وروسيا تزداد تقاطعًا أيضًا.
من ناحية أخرى، نجد العلاقات التركية تتزايد توتراً مع جيرانها في الشرق الأوسط وأوروبا.
صفقة القرن وضم إسرائيل للمستوطنات الفلسطينية – هل ستستمر؟
عارض الحزب الديمقراطي الأمريكي، وبصفة أساسية بايدن، ضم إسرائيل للمستوطنات الفلسطينية، وضد نقل السفارة الأمريكية إلى القدس. يرى الحزب الديمقراطي الأمريكي القضية الفلسطينية من زاوية مختلفة لترامب. ويشكل الوضع الحالي تحديا لإدارة بايدن. ورغم ذلك، سيكون من الصعب للغاية التراجع عن التطورات التي وضعتها إدارة ترامب في هذا الصدد. هذا سيدعو بايدن إلى إعادة النظر في حل القضية الفلسطينية، ربما بعيدًا عن صفقة القرن لكوشنر.
هل من الممكن معالجة الأزمات والتصدي لتدهور البيئة الأمنية في الشرق الأوسط؟
في سوريا، فما زال الأسد مسيطراً على الموقف، كما أن قوات المعسكر الغربي المشاركة تعد أقل نفوذاً على الأرض مقارنة بمنافسها الروسي. فبسبب الأخطاء الأمريكية، توغلت تركيا في سوريا وعلى حدود العراق، وتمكنت روسيا من إدارة التنافس بين القوى الإقليمية (تركيا وإيران وإسرائيل) واحتوائها، وبما يحقق المصالح الروسية وتمكينها من توسيع نفوذها في سوريا، وهو ما عجزت عن تنفيذه إدارتي أوباما وترمپ. إلا أن الإدارة الأمريكية الجديدة ستوازن الموقف بالاستفادة من القوات المتواجدة حالياً على الأراضي السورية لاستمرار الضغط على النظام السوري، معتمدة على عامل الوقت وطول النَفَس.
وفي لبنان، تعتمد إلى حد كبير المواقف السياسية والاقتصادية والأمنية على طبيعة العلاقات المستقبلية بين الولايات المتحدة وإيران، فما زالت إيران لديها نفوذ قوي في لبنان وتسيطر إلى حد كبير على القرار السياسي والوضع الأمني اللبناني، خاصة مع استمر حكم الأسد لسوريا، وبما يؤثر على استراتيجية الولايات المتحدة ومصالحها بشكل مباشر في الشرق الأوسط.
وفي اليمن، تتفاقم الأزمة الإنسانية ويستمر نشاط تنظيم القاعدة الإرهابي، كم تزايد أعداء الولايات المتحدة بعد قيامها بضم الحوثيين لقائمة التنظيمات الإرهابية. فضلاً عن تهديد أحد أهم مسارات الملاحة البحرية العالمية في البحر الأحمر والمحيط الهندي.
أما ليبيا وشرق المتوسط، فقد أصبحتا منطقتي صراع على النفوذ والثروات، وأصبحتا موطئ قدم لروسيا سياسياً وعسكرياً، وقد يكون للصين دوراً سياسياً قريباً، وبما يشكل تهديد مباشر لمصالح وأمن أوروبا والناتو ويضعف من نفوذ الولايات المتحدة.
كل ما سبق يشكل معضلات كبير تواجه إدارة بايدن، خاصة مع احتمالات تزايد تقليص النفوذ الأمريكي في المنطقة بشكل عام وتقليل التواجد/ الدعم العسكري بشكل خاص.
كيف يمكن استعادة ثقة دول المنطقة في الولايات المتحدة؟
أثر كل ما سبق بشكل سلبي على درجة ثقة الدول العربية في الولايات المتحدة. ناهيك عن عدم ثقة العرب في سياسات الحزب الديمقراطي تجاههم في الأساس، نجد العديد من الدول العربية بما فيها السلطة الفلسطينية بشقيها لا تثق في الجمهوريين سوياً أو الديمقراطيين، فقد استمرت الولايات المتحدة في عهد ترمپ على خطوط حمراء لا ينبغي تجاوزها، أهمها أمن إسرائيل والسيطرة على النفط الخليجي. بصورة أكثر تحديداً، أعتقد أن الولايات المتحدة خلال فترة ترمپ ورغم دعمه الدائم لبعض الزعماء العرب، لم يحقق لحلفائه الخليجيين ومصر مكاسب جوهرية مقارنة بما حققه لحليفه الأهم إسرائيل، كـ (ضم المستوطنات بالأراضي الفلسطينية إسرائيل – ونقل السفارة الأمريكية للقدس – وتطبيع العلاقات بين بعض الدول العربية وإسرائيل – والاعتراف الأمريكي بالجولان تحت السيادة الإسرائيلية) وأمور أخرى. كما ينظر العرب لـ “بايدن” والديمقراطيين على أنهم يمثلون دولة تدعي القيم والأخلاقيات، ولكنها مزدوجة المعايير وتستغل حقوق الانسان والحريات كورقة ضغط على حساب مصالح وثوابت وطنية أخرى مهمة، فقط وبما يحقق المصالح الأمريكية.
هل من الممكن أن توازن السياسة الخارجية للولايات المتحدة تجاه المنطقة بين القيم والمصالح الأمريكية؟
اعتاد الديمقراطيين الدفاع عن القيم الأمريكية في مناطق استراتيجياتها خاصة الشرق الأوسط، ورغم أن أوباما كان مع ثورات الربيع العربي إلا أن جو بايدن وهيلاري كلينتون كانا مختلفين معه حيث كانا يروا أن نجاح الثورات العربية وخاصة في مصر وسقوط نظام مبارك الذي اعتاد حفظ التوازن السياسي في المنطقة سيؤثر بشدة على المصالح الأمريكية. في المقابل انحاز ترمپ للمصلحة الأمريكية بشدة دون أي اعتبار للقيم الأمريكية ومنها الديمقراطية والحريات وغيرها من أمور. ومن ثم أعتقد أن بايدن سيواجه مشكلة العودة للتوازن بين القيم والمصالح الأمريكية، حيث اعتاد ترمپ تقديم الدعم التام لبعض الزعماء العرب من منظور المصلحة الأمريكية الصرف.
هل يمكن استعادة هيبة الولايات المتحدة وهيمنتها في المنطقة خاصة أمام منافسيها الأهم (الصين وروسيا):
من الواضح أن السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل ودول الخليج العربي قد سمحت بتسرب النفوذ الروسي خاصة في سوريا وتجاه تركيا وإيران، وكذا هيئت الظروف الملائمة للصين لممارسة أدوار عسكرية وسياسية جديدة عليها في المنطقة، كالمناورات العسكرية المشتركة مع روسيا وإيران وإطلاق منصة الحوار المفتوح بين دول الخليج وإيران على أساس الاتفاقية لنووية. ساعد على هذا أيضاً الحصانة التي تضمنها الولايات المتحدة لإسرائيل كطموح الهيمنة، والترسانة النووية، لأمر الذي قلل من مصداقية واشنطن مع اللاعبين الإقليميين الآخرين وجعلها عرضة للهجمات من قبل المنافسين.
ماذا ستفعل إدارة بايدن إذا أصبح محمد بن سلمان ملكًا غدًا لأي سبب من الأسباب؟
في 16 فبراير 2021، قال البيت الأبيض: “بايدن سيتعامل فقط مع الملك السعودي سلمان مباشرة”. أعتقد أن هذا يحرج الأمير محمد بن سلمان أمام العالم ويحد من حريته في العلاقات الخارجية السعودية. وربما ذلك يخلق عداوة مباشرة مع ولي العهد السعودي مستقبلاً، خاصة حالة تربعه على العرش في وقت قريب لأي سبب.
ثالثاً: ملاحظات نهائية وآفاق مستقبلية:
لا شك أن الولايات المتحد أصبحت لا تحكم قبضتها على منطقة الشرق الأوسط بأي معنى ممكن تصوره، فالواقع على الأرض يقول إن الصين وروسيا أصبحتا شريكاً حقيقياً في تفاعلات المنطقة وعاملاً رئيسياً في تغير وتطور الديناميات الاقتصادية والسياسية والأمنية فيها.
تتميز روسيا عن الولايات المتحدة في قدرتها على ممارسة مناورة شديدة الصعوبة والمهارة وهي “سياسة الاحتواء”، حيث استطاعة روسيا أن تحتوي المتنافسين في سوريا وقد تسعى لذلك في ليبيا وشرق المتوسط. وهو ما تعجز عنه الولايات المتحدة التي اعتادت أن تلتزم باستراتيجية كبرى تخرج منها استراتيجيات تخصصية (سياسية – عسكرية – اقتصادية – …)، وتمارس الولايات المتحدة علاقاتها مع الدول (من خلال قائمتين ثابتتين نسبياً للأصدقاء والأعداء)، وذلك من خلال تلك الاستراتيجية بنظام محدد مسبقاً، الأمر الذي يفقد الولايات المتحدة المرونة اللازمة في علاقاتها الدولية (مقارنة بروسيا).
كل ما سبق قد يدفع إدارة بايدن لمواجهة هذه التحديات في الشرق الأوسط من خلال الآتي:
إعداد استراتيجية جديدة شاملة تحمل أولوية لتقويض تحركات منافسيها في المنطقة (الصين وروسيا)، وذلك من خلال محاولة كسر شوكة روسيا في الشرق الأوسط بكل السبل وربما تحويل الصين لطاولات التفاوض، حيث إن الولايات المتحدة تعلم أن الصين تعتمد بشكل كبير على روسيا (الملحق – أ) في المنطقة نتيجة لانخراطها في العديد من الأزمات والقضايا بالمنطقة.
ومن جانب آخر قد يعمل بايدن في سياسته الخارجية بمرونة شديدة على محورين:
أ – الأول: العمل على استعادة قائمة الحلفاء الولايات المتحدة وعلى رأسها تركيا والخليج ومصر في توازن شديد بين المصالح والقيم الأمريكية.
ب- تقليص قائمة الخصوم، وذلك باحتوائهم من خلال مبادرات واتفاقيات وتنازلات أكثر مرونة، مع استبدال العقوبات والضغوط بأوراق تفاوض أكثر فاعلية.
ما زال من المرجح أن الولايات المتحدة ستقلص من تدخلها في قضايا الدول بمناطق الاهتمام من خلال مكافحة الإرهاب والتصدي للحكومات الديكتاتورية وغيرها من أمور، كخطوة للتحول إلى التركيز على التنافس العالمي في مناطق موارد النمو الاقتصادي. فالإرهاب مستمر طالما جذوره باقية، والولايات المتحدة مهما كانت قوتها الاقتصادية عليها القيام بتحديد الأولويات.
الأمر الذي قد يدفع ذلك إدارة بايدن للاستمرار في ممارسة العقيدة “الواقعية” (المعتدلة) في سياسة بلاده الخارجية مبتعداً عن البرجماتية المتطرفة كما سيكون حريصاً بشأن التزام إدارته بالقيم الأمريكية المعتادة للحزب الديمقراطي. حيث قد يستمر بايدن على مبدأ أوباما “القيادة من الخلف” في دول الصراعات والدول التي ينتشر فيها الإرهاب، وذلك بتشجيعها على تحمل المسؤوليات الأمنية في داخل أراضيها وفي محيطها الإقليمي، مع إمكانية تدخل واشنطن من حين لآخر لضمان القدر الأكبر من النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط المهم استراتيجيًّا للولايات المتحدة، وأيضاً، بما يمنع الصين وروسيا من استمرار انتشارهما في المنطقة من خلال المناورات السياسية والدبلوماسية أو الضغوط الاقتصادية والسياسية.
الملحق ( أ )
التحالف الاستراتيجي الصيني/ الروسي:([1])
تتعمق وتترسخ يومًا بعد يوم العلاقات الصينية/ الروسية لتتعدى مرحلة التعاون الثنائي إلى المشاركة الاستراتيجية الشاملة، وقد بلغت العلاقات بين الدولتين عقب قمة موسكو في الخامس من يونيو عام 2019 -ومنذ نشوئها عام 1949- مستوى غير مسبوق من المشاركة والتعاون الاستراتيجي متعدد المجالات إثر توقيع الرئيسين حزمة واسعة من الاتفاقات، على رأسها الإعلان المشترك عن تطوير علاقات المشاركة الكاملة والتعاون الاستراتيجي بحيث تتضمن مهمات جديدة ومعالم طويلة الأمد، بالإضافة إلى أكثر من ثلاثين اتفاقًا في كل مجالات التعاون المدني والعسكري والأمني والقضايا السياسية والاقتصادية والإنسانية وغيرها فيما بينهما. ومن أبرز الدلالات والأبعاد التي رسختها قمة موسكو بين البلدين ما يلي:
تأكيد موقف روسيا والصين المبدئي تجاه تعزيز الاستقرار العالمي، وإعلان رفضهما للتوجه الأمريكي الذي يتبناه الرئيس دونالد ترمپ بانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقيات الدولية الخاصة بالحد من التسلح عمومًا والصواريخ خصوصًا، وإصرارهما على رفض تدمير نظام الاتفاقات العامل حاليًا في مجال السيطرة على الأسلحة ونزعها ومنع انتشارها.
يتسق ما سبق مع إعلان قيادتي الدولتين المستمر رفضهما للتوجه الأمريكي القائم على فرض الهيمنة واستمرارية نظام عالمي أحادي القطب بزعامة الولايات المتحدة، وطرحهما في المقابل رؤية جديدة للعالم والسياسات العالمية ترتكز على التعددية القطبية واحترام القانون ومبادئ العدالة وتعزيز المصالح والمكاسب التنموية الاقتصادية لجميع الأطراف الدولية ومنها الدول النامية.
([2])
وقد سعت الدولتان لترجمة التعاون والتعاضد الاستراتيجي فيما بينهما في عدة أزمات أثارتها الولايات المتحدة نحوهما على الصعيد السياسي حيث قررت بكين الوقوف والمساندة إلى جانب موسكو خلال أزمتها مع الدول الغربية بعد حادثة تسميم العقيد السابق في الاستخبارات العسكرية الروسية، سيرجي سكريبال وابنته يوليا في بريطانيا.
([3]) كما ساندت روسيا الصين ضد الحرب التجارية التي شنتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمپ على الصين.(
[4])
وقامت البلدان بإرسال أكثر من رسالة غضب وتحذير إلى الولايات المتحدة قوامها مهاجمة القرارات الأمريكية ووصفها بالنهج الأحادي الذي تسعى الولايات المتحدة بموجبه لفرض مصالحها الخاصة وتجاهل مصالح الآخرين تمامًا وهي أمور لا علاقة لها بالدبلوماسية.(
[5])
قامت الدولتان بتعزيز التعاون التكنولوجي الثنائي في مواجهة الضغوط الأمريكية، فقد تصاعدت الحرب التجارية الأمريكية تجاه الصين والتي امتدت لشركة هواوي الصينية حيث قررت الولايات المتحدة في مارس 2019 إدراج شركة صناعة معدات الشبكات والهواتف الذكية “هواوي” في قائمة سوداء تحظر على الشركات الأمريكية مدها بالسلع والخدمات التي تمكنها من إنجاز التطورات والمراحل الفنية الخاصة بالجيل الخامس للهواتف المحمولة (G5)، وعقب القرار السابق قررت شركات التواصل الاجتماعي وشركة جوجل الأمريكية عدم السماح بتثبيت تطبيقاتها على هواتف شركة هواوي، مما يحد من توقعات المبيعات لشركة هواوي، التي أصبحت أعمالها في قطاع الهواتف الذكية أكبر مصدر إيرادات لها خلال عام 2018، مدفوعةً بنمو قوي في دول قارتي أوروبا وآسيا. وعلى الرغم من إعلان شركة هواوي عن قدرتها على مواجهة الضغوط الأمريكية، إلا أن روسيا أعلنت مساندتها للصين بعدة طرق ووسائل منها
ما يلي🙁
[6])
ب- شهد الرئيسان الصيني والروسي توقيع اتفاقية شراكة لتطوير وإطلاق شبكات الجيل الخامس من الإنترنت والإطلاق التجريبي في روسيا خلال عامي 2019 و2020 بين شركتي هواوي الصينية وMTS الروسية، إلا أن روسيا توقفت عن تنفيذ المشروع في نوفمبر 2020.(
[7])
التنسيق المشترك وطرح رؤية صينية/ روسية مغايرة للطرح الأمريكي في قضايا كوريا الشمالية وسوريا وفنزويلا، حيث أكد الرئيسان تطابق مواقف البلدين حول تقييم الأوضاع في شبه الجزيرة الكورية، وأكدا تبني وتطبيق خارطة الطريق الخاصة بالتسوية في المنطقة التي ترتكز على التسوية السلمية والسياسية الدبلوماسية لقضايا المنطقة، بما في ذلك النووية، ومواصلة العمل مع الشركاء بشكل عام. والعمل سويًّا لإيجاد تسوية سلمية في سوريا، والاحتفاظ بتمسكهما بضرورة التطبيق الكامل لخطوات العمل الشاملة المشتركة الخاصة بقضية إيران النووية.(
[8])
زيادة معدلات التجارة البينية والتعاون العسكري، فعلى الرغم من ارتفاع معدل التبادل التجاري بين الدولتين في الفترة من يناير إلى نوفمبر 2018 بنسبة 27,8% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2017، حيث بلغ 97,23 مليار دولار وفقًا لبيانات وزارة التجارة الصينية، كما ارتفعت أيضًا الصادرات الصينية إلى روسيا في خلال ذات الفترة بنسبة 12%، وبلغت 43,45 مليار دولار، بينما ارتفعت الواردات من روسيا بنسبة 44,3% إلى 53,78 مليار دولار.(
[9])
وردًّا على استراتيجية الأمن القومي الأمريكي 2017 واستراتيجية الدفاع الوطني لعام 2018 التي صدرت عن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) أن كلًّا من الصين وروسيا يشكلان خطرًا كبيرًا ووشيكًا على الأمن الأمريكي(
[10]) – أدرك الرئيسان الصيني والروسي أنه لا بديل أمامهما سوى التنسيق والتحالف معًا مما سيخلق قوة رادعة قادرة على إنهاء الهيمنة الأمريكية، وقد شمل التعاون والتحالف العسكري إجراء مناورات عسكرية بين الجيشين الصيني والروسي في سبتمبر 2018، وصفها الخبراء بأنها الكبرى في تاريخ روسيا، أطلِق عليها اسم “فوستوك 2018″. وقد اتفق الطرفان على التصنيع العسكري المشترك للطائرات المقاتلة والصواريخ، وتحديث الطائرات الروسية والصينية القديمة. واعتبار هذا التعاون والتحالف العسكري المشترك مفتوح العضوية على العديد من الدول النامية ” المنبوذة أمريكيًّا”.
[1]) Russia Kremlin, press statements following Russian-Chinese talks, 05/06/2019.
[2]) The Interpreter, The Lowy Institute, What Russia wants in a multipolar world, 31/10/2019.
[3]) BBC News, Russian spy: What happened to Sergei and Yulia Skripal?, 27/09/2018.
[4]) Vox, Trump’s China strategy is the most radical in decades — and it’s failing, Alex Ward, 19/09/2018.
[5]) الخليج، روسيا والصين.. تعاون أم شراكة استراتيجية؟ 13 يونيو 2019.
[6]) الخليج، روسيا والصين.. تعاون أم شراكة استراتيجية؟ سابق.
[7]) أخبار اليوم، وقف انتشار شبكات الجيل الخامس5G في روسيا، 19/11/2020.
[8]) الخليج، روسيا والصين.. تعاون أم شراكة استراتيجية؟ سابق.
[9]) سبوتنيك بالعربية/ التجارة الصينية: التبادل التجاري بين روسيا والصين يحقق رقمًا قياسيًّا، 10 يناير 2019.
[10]) The White House National Security Strategy, December 2017, Introduction, A competitive World, PP 2-3