قالت الحكمة الصينية القديمة ” الصديقان لا تفصلهما المسافات البعيدة طالما بينهما التعارف والتفاهم”.

تضرب جذور الصداقة بين الصين والدول العربية أعماق التاريخ وتزداد رسوخاً عبر السنوات. وتظل الأمتان الصينية والعربية مرتبطتين بطريق الحرير براً وبحراً على مدى أكثر من ألفين سنة، دام فيها فيها السلام والتعاون والانفتاح والتسامح والتدارس والتنافع والترابح قيماً سائدة في التواصل بين الجانبين. في مرحلة التاريخ الحديث ظهرت أهمية تكاتف الجهود من اجل التعاون بين الصين والدول العربية كشركاء استراتيجيين طبيعيين، وشكلت العلاقات الصينية العربية مشهداً يشير لمدى تعزيز وتكامل العلاقات الثنائية ومتعدد الأطراف بين الحكومات والشعوب، والذي يرتقي بالتعاون العملي بين الجانبين إلى أعلى مستوى.

يعد منتدى التعاون الصيني العربي خياراً استراتيجياً اتخذته الصين والدول العربية حرصاً على التطور بعيد المدى لعلاقات الجانبين في القرن الحادي والعشرين، وخطوة هامة تبنتها الصين لتفعيل الحوار والتعاون بأشكاله المختلفة مع الدول النامية. إذ يمر الزمن كلمح البصر، فلقد مضت أربعة عشر سنة منذ تأسيس المنتدى. وبفضل الجهود المتضافرة التي يبذلها الجانبان، اكتملت آلية المنتدى وجنت ثمارها، بما يسهم في إبراز الإمكانيات الجبارة الكامنة في التعاون الصيني العربي الجماعي وفي تحريك علاقات التعاون الاستراتيجي الصينية العربية، لتحقيق قفزة نوعية اتساعاً وعمقاً. قد غدى المنتدى نموذجا للتعاون بين الدول النامية. في يوليو القادم، ستعقد في بكين الدورة الثامنة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي تحت عنوان “التشارك في بناء الحزام والطريق وتدعيم التنمية السلمية ودفع علاقات الشراكة الاستراتيجية الصينية العربية في العصر الحديث”، والتي تهدف لدعم تخطيط التعاون الاستراتيجي بين الجانبين وتعزيز التنمية المشتركة ورسم الخطوط العريضة للتعاون الصيني العربي، وفي نهاية المطاف تمكن من تحقيق مستقبل واعد يتم فيه الربط بين مبادرة “الحزام والطريق” واستراتيجيات التنمية القومية للدول العربية.

قال شاعر عربي ” عندما تواجه الشمس، سترى الأمل بالتأكيد”.  إن الصين والدول العربية تمضي قُدماً يداً بيد في طريق قائم على التعاون والمكاسب المشتركة، وتسعى إلى تحقيق الأمل المنشود. لقد أصبحت مجتمعاً موحداً ذا مصالح ومصير مشترك، ويعد التعاون العملي والمنفعة المتبادلة والكسب المشترك قوة محركة لا تنضب تغذي تنامي علاقات الجانبين. كان فخامة الرئيس الصيني شي جينبينغ يشير بكل جدية إلى أن الصين ستكون بانية للسلام في منطقة الشرق الأوسط، ودافعة لتنمية دولها، ومساهمة في تطوير صناعتها، وداعمة لضمان استقرارها، وشريكة في تعزيز تفاهم شعوبها. إن هذا المفهوم الحديث الذي يسلط الضوء على الحكمة الصينية لهو هدية روحية قيمة قدمتها القيادة الصينية إلى الشعب العربي، وأيدولوجية إرشادية أساسية تبلورها الدبلوماسية الصينية لصالح الدول العربية.

يشهد التعاون الصيني العربي أفضل مراحله. فالعلاقات السياسية الصينية العربية تتنامى حالياً وبشكل مُطْرِد، وقد أقامت الصين شراكات إستراتيجية في مجالات محددة وشراكات إستراتيجية شاملة وعلاقات تعاون استراتيجي مع عشر دول عربية. ولقد تم التفعيل بشكل كامل لدور المشاورات السياسية وآليات الحوار بشتى أنواعها، وذلك بدليل أن منتدى التعاون الصيني العربي قد استضاف بنحاح سبع اجتماعات وزارية وأربعة عشر اجتماعاً وثلاث حوارات سياسية استراتيجية على مستوى كبار المسؤولين. يعمل الجانبان الصيني والعربي بثبات على دعم مصالح الدول الأخرى وفي مواجهة قضاياهم الجوهرية، ويبقيان بشكل مكثف ودائم على التواصل والتنسيق بشأن الشؤون الإقليمية والدولية، بما يسهم بشكل فعال في إحلال السلام والاستقرار والتنمية في المنطقة وفي العالم برمته. وبشأن تعزز التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين والدول العربية فهو أمر يتم بزخم قوي. لقد أصبحت الصين أكبر شريك تجاري لعشر دول عربية، وثاني أكبر شريك تجاري للدول العربية بشكل عام. في عام 2017، بلغ حجم التبادل التجاري بين الصين والدول العربية حوالي 191 مليار و352 مليون دولار أمريكي بزيادة 11.9% سنوياً. وبلغ تدفق الاستثمارات الصينية المباشرة في الدول العربية 126 مليون دولار، وحجم العقود للمقاولات الصينية الجديدة في الدول العربية 32 مليار و805 مليون دولار. كما أحرزت الصين والدول العربية نتائج مثمرة نحو التشارك في بناء مبادرة “الحزام والطريق”. لقد وقعت الصين وثائق تعاون بشأن “الحزام والطريق” مع 9 دول عربية كلٌ على حدة، ووثائق تعاون في مجال الطاقات الإنتاجية مع 4 دول عربية. وعليه، تبلورت بشكل أساسي معادلة التعاون “1+2+3” المتمثلة في اتخاذ مجال الطاقة كمحور رئيسي، ومجالي البنية التحتية وتسهيل التجارة والاستثمار كمحورين فرعيين، وثلاث مجالات ذات تقنية متقدمة وحديثة تشمل الطاقة النووية والفضاء والأقمار الاصطناعية والطاقات الجديدة كمحاور تعاون متطورة، بما يطور ويحدث التعاون العملي بين الجانبين، حيث تحسن التعاون باستمرار بين شركات الجانبين في مجالات التجارة والطاقات والبنية التحتية والشؤون المالية. وبما أن دولة الإمارات وغيرها من ضمن سبع دول عربية انضمت إلى البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية كدول أعضاء مؤسسة، ازداد تشابك المصالح عمقا بين الجانبين. علاوة على ذلك، تكثف التواصل الإنساني والثقافي بين الجانبين يوما بعد يوم وشهد التبادل الحكومي والشعبي زخماً متزايداً. لقد قامت الصين وعدة دول عربية بتبادل إنشاء المراكز الثقافية وتدعيم افتتاح العام الثقافي، والمشاركة في مهرجانات الفنون التي يستضيفها الجانبان بشكل متبادل، بما يزيد من التفاعل في القطاع الثقافي بين الجانبين.

لا شك أن التعاون الصيني العربي ينتظره مستقبل باهر. في ظل التغيرات الحادة والمعقدة التي تشهدها الأوضاع الإقليمية والدولية، والتحولات الكبيرة التي تطرأ على النظام الدولي وخريطة منطقة الشرق الأوسط، ظهرت مفاهيم التعاون الصيني العربي الاستراتيجي وتوسعت مجالاته، كما صارت مهمة الجانبين تتركز في ضمان إقرار السلام وتعزيز التنمية وبشكل أكثر إلحاحاً مما سبق. علينا الحفاظ على التعاون وتبادل المصالح على كافة المستويات، وتعظيم التواصل في مختلف المجالات، وبناء الثقة الاستراتيجية المتبادلة الموجهة للمستقبل البعيد. علينا تبادل الدعم والتأييد فيما يتعلق بالمصالح الجوهرية والقضايا الكبرى لدى كل جانب، وتكثيف التواصل والتنسيق سوياً في القضايا الإقليمية والدولية في مواجهة التحديات الأمنية التقليدية وغير التقليدية. علينا توظيف ميزة التكامل وتعزيز التعاون في التجارة والاستثمار والبنية التحية والطاقات وغيرها من الميادين الرئيسية سعياً إلى دفع التنمية المشتركة. علينا العمل الجاد سوياً لدوام وتوارث الصداقة القديمة الصينية العربية، وتكريس التواصل والاستفادة المتبادلة بين مختلف الحضارات، والدفع ببناء مجتمع ذي مصير مشترك للبشرية لبناء عالم متناغم يسوده السلام الدائم والإزدهار المشترك.

قالت الحكمة العربية “الرفيق قبل الطريق”. في سياق التشارك في بناء “الحزام والطريق”، أصبحت دولتي الصين والإمارات شريكتين تجمع بينهما طموحات مشتركة ومستقبلاً واعداً، حيث دخلت العلاقات الثنائية بين البلدين “المرحلة الذهبية” للتنمية. تعتبر دولة الإمارات بكونها نموذجا يحتذى به في منطقة الشرق الأوسط في الانفتاح على الخارج، وهي أكثر دول المنطقة تماسكاً وثقلاً إستراتيجياً وإثمارا للتعاون مع الصين في شتى المجالات. في السنوات المنصرمة، تعمقت الثقة السياسية المتبادلة باستمرار بين البلدين وقد خطى التعاون الثنائي بشأن مبادرة “الحزام والطريق” خطوات ثايتة ومتينة. في عام 2017، بلغ حجم التبادل التجاري الثنائي بين البلدين 41 مليار و35 مليون دولار، وتجاوز لأول مرة عدد السياح والزائرين الصينيين إلى دولة الإمارات مليون نسمة بعد أن أصبحت أول دولة على طول “الحزام والطريق” تبادلت مع الصين الإعفاء من التأشيرات لحملة جوازات السفر العادية. في نفس العام، اُنتهجت بسلاسة فكرة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لتعليم اللغة الصينية في مائة مدرسة إماراتية، وقد توجهت الدفعة الأولى من عشرين معلما صينيا إلى إحدى عشر مدرسة منتشرة في ست إمارات لتعليم اللغة الصينية. استشرافاً للمستقبل، يتطلع الجانبان الصيني والإماراتي إلى انتهاز فرصة التشارك في بناء مبادرة “الحزام والطريق” لمواصلة الارتقاء بمستوى التعاون العملي بين البلدين وإثراء مقومات علاقات الشراكة الاستراتيجية، بما يجعل دولة الإمارات نموذجا للتعاون الصيني العربي ويضفي آلية حديثة لتنمية الشرق الأوسط.

“ارفعوا الأشرعة متحدين الرياح وتقدموا للأمام عابرين البحر”. إن تدعيم تعاون الصداقة بين الصين والدول العربية هو مطلب حتمي يواكب تطور العصر، وتطلع مشترك يصبو إليه الشعبان الصيني والعربي. تقف العلاقات الصينية العربية أمام منطلق تاريخي جديد وتلوح لها فرص أكبر. في إطار منتدى التعاون الصيني العربي، نشأت علاقات التعاون الاستراتيجي الصينية العربية القائمة على التعاون الشامل والتنمية المشتركة المواكبة للعصر الحديث، الأمر الذي يشكل ظهيراً قويا للتطور المستمر في العلاقات الصينية العربية على المدى البعيد. ستواصل الصين العمل على بناء وتطوير أعمال المنتدى وبذل الجهود المشتركة مع الدول العربية لمواصلة إثراء مقومات التعاون الصيني العربي وإيجاد سبل متطورة للتعاون والارتقاء بمستوى هذا التعاون، بما يعزز التبادل والتعاون الشامل الأبعاد بين الجانبين. فلنغتنم فرصة الدورة الثامنة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي وفرصة التشارك في بناء “الحزام والطريق”، للدفع بإبحار السفينة العملاقة تجاه مستقبل واعد ومفتوح يشمل كافة مجالات التعاون الحالية والتصورات المستقبلية.

 

سفارة الصين بأبوظبي

شارك