لــواء دكتور / ســــيد غنــــيم، زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا، استاذ زائر الأمن الدولي في الناتو

أولاً: لنتفق في البداية أن الهدف من اغتيال زادة قد يتلخص في أمرين:
الأول: دفع إيران لاتخاذ إجراءات تعرقل من إمكانية قيام الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة بايدن تراجع الولايات المتحدة عن انسحابها من الاتفاق النووي مع إيران.
الثاني: محاولة عرقلة استكمال المشروع النووي الإيراني ذاته من خلال اغتيال أهم مهندس له.
 
ثانياً: قبل التعرض لردود الفعل المحتملة من قبل إيران يجب أن نضع في اعتبارنا الآتي:
أن عمليات الاغتيال التي تستهدف كوادر إيرانية هامة ليست أمراً حديثاً فمنذ أقل من عام تم اغتيال الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق الحرس الثوري الإيراني، تلك الوحدة المسؤولة عن تصميم وتنفيذ الكثير من إستراتيجية الدولة بالوكالة. كما تم في الصيف الماضي تفجير في مفاعل “نطنز” النووي الذي يضم جزءًا كبيرًا من برنامج تخصيب اليورانيوم في البلاد. كما تم اغتيال الرجل الثاني في تنظيم القاعدة “أبو محمد المصري” في أغسطس 2020، والذي كان يقيم وقتها في طهران. وفي عام 2011 أدى انفجار إلى مقتل مهندس الركيزة الرئيسية الثالثة للدفاع الوطني الإيراني حسن طهراني مقدم، وهو عضو في الحرس الثوري الإيراني، والذي ساعد في تطوير برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية.
أن إيران قد ضُربت في مقتل إثر عمليات الاغتيال والتفجير المتتالية على أراضيها، حيث إن إجراء مثل هذه العمليات المعقدة على الأراضي الإيرانية وآخرها اغتيال فخري زادة الذي ذكره نتنياهو بالاسم في إحدى محاضراته، يكشف فشل الأمن الداخلي للنظام الإيراني وضعف الدولة أمام العمل السري الأجنبي.
أن الهدف الاستراتيجي القريب، والذي يحتل الأولوية حالياً لإيران في رأيي، هو العودة لما قبل مايو 2018، وتحديداً ما قبل إعلان ترمب قرار انسحاب بلاده من الاتفاقية النووية مع إيران. فالحرب في الوقت الحالي ستكلف إيران الكثير وبما لا يمكن أن تتحمله، كما ستضيع فرص العودة للاتفاقية النووية التي وقع عليها الدول العظمى وألمانيا والاتحاد الأوروبي مجتمعين، خاصة أن الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن قد قال بالفعل إنه يريد إعادة أمريكا إلى الاتفاق النووي الذي تخلى عنه الرئيس ترامب، وهو ما يعني لإيران رفع العقوبات وتدفق مليارات الدولارات، كما أن اليابان وأوروبا ودول أخرى تدفع في نفس اتجاه العودة للاتفاقية النووية.
أن النظام الإيراني يحاول دائماً ألا يظهر في موضع السلبي الضعيف أمام العالم وكذا أمام الشعب الإيراني.
أن الانتخابات الرئاسية الإيرانية الجديدة على وشك البدء عام 2021.
مما سبق نرى أن إيران تقع بين شقي الرحى، فهي تحاول دائماً الموازنة بين هدفين متعارضين: الأول: تجنب ترك هذه الاغتيالات والضربات على أراضيها دون رد فعل مباشر وقوي. والثاني: تجنب تصعيد التوترات بشكل قد يؤدي إلى عمل عسكري مباشر في مواجهة الولايات المتحدة.
يؤدي ذلك إلى تأرجح إيران بين رد فعل داخلي يتركز في تعجيل تنفيذ البرنامج النووي مع تنفيذ رد فعل خارجي غير مؤثر يحفظ ماء الوجه لإيران.. وبين رد فعل قوي تنفذه إيران بشكل غير معلن أو قد ينفذه وكلائها ضد أهداف متغيرة دون صدام مباشر مع الولايات المتحدة.
ثالثاً: ردود الفعل الإيرانية المحتملة (إذا كانت إيران ستقوم برد فعل أساساً)
الاحتمال الأول (الأكثر تفضيلاً): تسريع البرنامج النووي:
وهو ما تم بالفعل خلال ثلاثة أيام عقب تنفيذ اغتيال فخري زادة مباشرة، حيث وافق البرلمان الإيراني على تسريع البرنامج النووي المدني مما يزيد من مستوى تخصيب اليورانيوم، الأمر الذي يتعارض مع الاتفاق النووي لخطة العمل الشاملة المشتركة الذي تخلى عنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عام 2018. وهو ما يعد تحدي للعالم ويزيد الشكوك في أن إيران يمكن أن تعمل على بناء قنبلة نووية.
الاحتمال الثاني (وقد يتم بالتوازي مع الاحتمال الأول): استخدام الوكلاء:
تمتلك إيران عددًا من الميليشيات “بالوكالة” التي تمول وتدرب وتسليح في جميع أنحاء الشرق الأوسط – في لبنان والعراق وسوريا واليمن. حيث يمكنها استخدام الحوثيين أو حزب الله كما هو معروف، كما يمكنها استخدام الميليشيات الشيعية في العراق لمهاجمة القوات العسكرية الأمريكية صغيرة الحجم المتواجدة بها. ويمكن أن تقوم إيران نفسها بتنفيذ ضربة مباشرة غير معلنة تستهدف من جديد حاملات النفط في خليج هرمز وبحر عمان وكذا المنشآت الهامة في السعودية أو الإمارات.
الاحتمال الثالث (الأكثر خطورة): تنفيذ عمليات اغتيالات في صفوف خصوم إيران مع تنفيذ ضربات مباشرة لأهداف أمريكية في الخليج:
حيث يمتلك فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني فرقًا مدربة بشكل خاص على العمليات السرية ومن ضمنها الاغتيالات وتنفيذ الهجمات الشرية، إلا أن رد فعل الخصوم وعلى رأسها أمريكا وإسرائيل سيكون عنيفاً للغاية ومدمراً، وسيزيد المنطقة اشتعالاً، وهو في رأي ما تحاول إيران أن تتجنبه في الوقت الحالي، خاصة أن إسرائيل لم تعد دولة منعزلة وحيدة محاطة بأعداء عرب، فإسرائيل تتمتع اليوم بتعاون وثيق مع الإمارات والبحرين، فضلاً عن تعزيز العلاقات، وإن كانت لا تزال سرية، مع السعودية.
لذلك أتصور أن الإيرانيين يفكرون بعناية في كيفية معايرة الرد الذي يحفظ ماء وجه نظامها الحاكم ويعيد بعض الكبرياء الوطني، ولكن دون إشعال حرب واسعة النطاق أو ضربة جوية مدمرة على بنيتها التحتية العسكرية، وما قد يعرقل برنامجها النووي.
شارك

administrator