الرابع من يونيو عام 2018
أولاً: الأردن
دولة صغيرة نسبياً، تبلغ مساحتها 89،342 كم2، وعدد سكانها 10 ملايين نسمة، وهي دولة عربية، أهلها يتبعون الدين الإسلامي السني (حوالي 95٪ من السكان) مع أقلية مسيحية محلية.
 
ثانياً: بعض مواطن القوة
1- تتمتع الأردن بموقع استراتيجي في مفترق طرق آسيا وأفريقيا وأوروبا.. فيحدها من الجنوب السعودية، ومن الشرق العراق، ومن الشمال سوريا، ومن الغرب فلسطين وإسرائيل.. ويقع البحر الميت على طول حدودها الغربية، وللأردن شاطئ صغير على البحر الأحمر في أقصى الجنوب الغربي.
2- تُعرف الأردن بكونها دولة “التنمية البشرية المتطورة”، وتتميز بتصنيفها عربياً ضمن “أعلى متوسط دخل للفرد”.
3- الأردن مقصد سياحي رئيسي، فهي جاذبة للسياحة الطبية بسبب قطاعها الصحي المتطور وتواجد البحر الميت بها.
4- تميز التعليم بالأردن على كافة المستويات، حيث أن الأردن مصنفة في مراتب متقدمة في التعليم عربياً وعالمياً..
 
ثالثاً: بعض التحديات
1- منذ عام 1948، قبل الأردن اللاجئين من دول مجاورة متعددة في النزاع. يوجد في الأردن 2.1 مليون فلسطيني و 1.4 مليون سوري في تعداد 2015.. كما أنها أيضاً ملاذاً لآلاف المسيحيين العراقيين الفارين من الاضطهاد من قبل داعش. وبينما يواصل الأردن قبول اللاجئين، فإن التدفق الكبير الأخير من سوريا قد وضع ضغطًا كبيرًا على الموارد والبنية التحتية الوطنية.. وقد أستمعت بنفسي لتقرير رئيس مكتب المفوضية العليا للاجئين بالأردن خلال مؤتمرين حضرتهما في العاصمة عمًان عامي 2015 و2017
2- عقب حرب الخليج ضد العراق برئاسة صدام عام 1990، ونظراً لدعم الأردن لموقف العراق وقتها، قطعت دول الخليج جميع المساعدات التي كانت تقدمها للأردن.. إلا أنها عادت مرة أخرى في صورة ما عُرف بـ”المساعدات النفطية” والتي قلت تدريجياً في الآونة الأخيرة.
3- رغم أن الأردن معروفة بأنها “واحة إستقرار في قلب منطقة مضطربة”، نظراً لأن جميع الدول المحيطة بها تعاني من مشاكل مختلفة أهمها العنف الذي اجتاح المنطقة بعد الثورات عام 2011، إلا أن الحروب وعدم استقرار الدول المحيطة أثر فيها سلباً بشدة على مر سنوات.
4- كالعديد من الدول العربية، تعاني الأردن من مشكلات في العداله الاجتماعية، ومن إستشراء الفساد ببعض مفاصل الدوله، كما تعاني من إزدياد الفقر والبطاله.. ونظراً لأنها دولة صغيرة ذات إقتصاد محدود يفتقر للموارد، فهي لا تحتمل أي سرقات أو نهب لمواردها الإقتصادية المحدودة، مما يشكل أزمه مستمره للبلاد ويجعلها عرضة للاستغلال من قبل دول وجهات أخرى.
5- يرى بعض الأردنيين البرلمان الأردني وكأنه يعمل بمثابة “ختم مطاطي” لصالح السلطة التنفيذية.. ناهيك عن أن للمخابرات والأمن الأردني دوراً كبيراً لإحكام وضبط إيقاع الأمن داخل البلاد.
 
رابعاً: إحتجاجات الأردن عام 2011
بدأت سلسلة من الإحتجاجات الأردن هذا العقد في يناير 2011، وأسفرت عن إقالة الحكومة.. في مرحلة مبكرة كانت الاحتجاجات ضد البطالة والتضخم والفساد، إلى جانب المطالبة بالملكية الدستورية الحقيقية والإصلاحات الانتخابية، وقد تزامن ذلك مع الثورة التونسية والمصرية طمعاً في التغيير السياسي في المنطقة جنبا إلى جنب مع الاضطرابات في أماكن أخرى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ، بما في ذلك الاضطرابات في سوريا واليمن ، كانت جزءا من الربيع العربي، والذي لاقى تأييداً غربياً واسعاً.
ورد الملك عبد الله الثاني على الاحتجاجات بإصلاحه لحوالي ثلث الدستور، وإنشاء لجنة الانتخابات المستقلة، وتعهد بالشروع في مسار ديمقراطي. كما قام بإقالة ثلاثة رؤساء للوزراء خلال 18 شهراً، واستقر على عبد الله النسور رئيساً للوزراء في عام 2012 وطالب بإجراء انتخابات مبكرة في عام 2013.. أما رئيس الوزراء الحالي فهو د. هاني الملقي.
وفي وقت لاحق، قدم تمثيل نسبي كامل إلى مجلس النواب في الانتخابات البرلمانية لعام 2016 ، وأدخل اللامركزية في الانتخابات المحلية لعام 2017، كما عمل على عدة إصلاحات في القضاء الأردني.
 
خامساً: إحتجاجات الأردن 31 مايو 2018.
نشبت الاحتجاجات في العاصمة عمَان ومناطق متفرقة بالأردن إعتباراً من الخميس 31 مايو 2018، وذلك ضد مشروع قانون ضريبة الدخل، حيث طالب المتظاهرون الحكومة بالتراجع عن مشروع القانون وإيجاد بدائل لدعم الموازنة دون التأثير على محدودي الدخل.. ويواصل الآلاف من الأردنيين إحتجاجهم على زيادة الضرائب المقررة ليومنا هذا الإثنين يونيو 2018، حيث كان المحتجون يسيرون باتجاه مكتب رئيس الوزراء ويطالبون باستقالته، وقد أحرق المتظاهرون إطارات السيارات واشتبكوا مع الشرطة.. ومن جانبه طلب العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني من رئيس الوزراء هاني الملقي ان يقدم تقريرا الى القصر الملكي اليوم الاثنين، مما اثار تكهنات باحتمال طرده.
ينظر الحلفاء الغربيون للأردن حالياً بقلق شديد والتي إعتبروها دوماً “واحة الاستقرار النسبي في منطقة مضطربة”،وأنها تلعب دورا رئيسيا في الحرب الدولية ضد المتشددين الإسلاميين.
جديرٌ بالذكر أن الأردن تتعرض لضغوط من صندوق النقد الدولي للقيام بإصلاحات اقتصادية وإجراءات تقشف لتوسيع الدين العام، نظراً لما شهدته الأردن مؤخراً من تراجعاً اقتصادياً مقترناً بارتفاع معدلات البطالة والتضخم نتيجة لقصور داخلي فضلاً عن الصراع الطويل في دول الجوار سوريا والعراق وتدفقات كبيرة من اللاجئين منذ عدة سنوات.
ويشعر العديد من الأردنيين خاصة الطبقة المتوسطة بأنهم يتعرضون لضغوط مالية من قبل الحكومة التي يرون أنها فاسدة ويقولون إنهم لا يحصلون على خدمات للضرائب التي يطلب منهم دفعها. سبقت الزيادة الضريبية المخطط لها سلسلة من الزيادات في الأسعار ، كان آخرها للوقود.
ويخطط أكثر من عشرة نقابات وجمعيات مهنية تضم نصف مليون عضو إضراباً ليوم واحد يوم الأربعاء للضغط على تلك المطالب.. وحث منظمو الاحتجاجات الملك على إلغاء الخطة الضريبية قائلين إن الفقراء يستهدفون بشكل غير متناسب.. فهم يرون أن الحكومة قد تعاملت مع الشعب الأردني الذين يمرون بصعوبات اقتصادية شديدة كمصدر رئيسي للدخل، في الوقت الذي لم تفكر فيه الحكومة في مصادر أخرى مثل تحسين الاقتصاد وخلق فرص عمل وجذب المستثمرين.”
لا شك أنه، وطبقاً للدستور، ملك الأردن له الكلمة الأخيرة في جميع المسائل السياسية، لكنه يضع نفسه على أنه فوق الصراع السياسي.. فهو يقوم في كثير من الأحيان (وفي الوقت المناسب) بتعديل أو إلغاء القرارات وأحياناً الحكومات كطريقة حاسمة لنزع فتيل الغضب العام.. ففي وقت قريب جداً علق زيادة في سعر الوقود خلال شهر رمضان المبارك، الذي ينتهي في منتصف يونيو. كما نُقل عن لسانه قوله “الأردنيون العاديون لا أتوقع منهم أن يتحملوا وحدهم العبء الكلي للإصلاحات الاقتصادية”.
 
سادساً: وماذا بعد؟
لا شك أن الملك عبدالله بن الحسين ملك الأردن يدرك جيداً الآتي:
1- أن أي خطر يهدد إستقرار الأردن يزيد من تهديد إستقرار المنطقة بالكامل ويؤثر بشدة على كافة الدول المحيطة التي تُبذل فيها حالياً جهود الإستقرار والتماسك.
2- أن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا ستكون أكثر الدولة المتضررة من عدم إستقرار الأردن.
3- أن سقوط الأردن سيكون أول سقوط لحكم ملكي أمام ثورات الشعوب التي أستهدف الدول الجمهورية عام 2011، مما سيزيد المخاطر على الدول التي يحكمها النظام الملكي بالمنطقة.
4- حالة تزايد أو مجرد إستمرار ما يحدث بالأردن حالياً سيضعف قوة الحكومة الأردنية مما سيفقد السيطرة على اللاجئين الفلسطينيين والسوريين والعراقيين بها.
5- أن دعم دول الخليج والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إقتصادياً ومساندتها سياسياً لا بديل عنه في الظروف الحالية.
6- أن الأردن كدولة متاخمة للعراق وسوريا وإسرائيل والسعودية، تُعد الدولة السنية الوحيدة التي قد تُعتبر عمقاً إستراتيجياً يُستند عليه أمام التمدد الشيعي في العراق وسوريا ولبنان، وأن سقوط الأردن يحرم المعسكر السني وحلفائه هذه الميزة السياسية والأمنية شديدة الأهمية.
7- أي إحتجاجات أو تظاهرات قد يستغلها البعض في الداخل أو من خارج الأردن، ولكن هذا ليس معناه أنه ليس هناك أزمة داخلية حقيقية سواء إقتصادية أو سياسية أو أمنية أو اجتماعية، ولا معناه أن هناك من أشعل تلك الإحتجاجات من فراغ.
 
سيد غنيم
زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا
رئيس مركز دراسات شؤون الأمن العالمي والدفاع – أونلاين
شارك