معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع:
القسم الأمني والعسكري
دكتور سَــــيد غُنــــيم
زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا
رئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع
الأستاذ الزائر بالناتو والأكاديمية العسكرية الملكية ببروكسل
 
الاتحاد الأوروبي يمهّد لمفاوضات سلام حول أوكرانيا، وقادته يبحثون إرسال قوات لحفظ السلام، وزلينسكي يطالب حلفاءه بضمانات أمنية
خلال آخر القمم الأوروبية هذه السنة، ومع تجمد وضع الأزمة الأوكرانية على الصراع دون حل، وبعد أن تراكم فوقها ملف الوضع السوري الذي رغم وحدة الموقف الأوروبي الظاهرة تجاه التعاطي معه، بدأ يثير تبايناً ملحوظاً، ومنافسة بين الشركاء، بحث قادة الاتحاد الأوروبي تمهيد مفاوضات سلام أوكرانية – روسية في بروكسل.
والسبب في ذلك خشية الأوروبيون من أن يفرض ترمب اتفاقاً لإنهاء هذه الحرب على حساب أوكرانيا، ويشكّل تهديداً للأمن الأوروبي، ويحدث شرخاً بين الدول الأعضاء، خصوصاً دول الشرق الأوروبي والبلطيق.
والسؤال الذي يسعى الأوروبيون إلى الإجابة عنه بموقف موحد هو: ماذا بوسع الاتحاد أن يقدّم لأوكرانيا، خصوصاً في حال انكفاء واشنطن وسحب دعمها العسكري؟ مع تخوف حلول ترمب باتفاق خاص مع بوتين ويجدون أنفسهم أمام اتفاق أعده بوتين وكأنه بقرار من ترمب، ولا خيار أمام الأوروبيون وزلينسكي سوى القبول به.
زلينسكي في نفس السياق والمتفهم لشخص بوتن وترمب، صرح إنه لم يعد يملك القدرة على استعادة دونباس وشبه جزيرة القرم بالقوة. والأوروبيون، في قرارة أنفسهم، يعرفون ذلك، ويعرفون أيضاً طبيعة الوضع في مسرح الحرب، والشتاء القاسي أصبح على الأبواب، وترمب متلهف لحل سريع ينهي هذه الحرب التي يردد أنه لو كان في البيت الأبيض لما وقعت. بعض القادة الأوروبيين يعتقدون أنه ما زال بالإمكان إقناع ترمب بمواصلة الدعم لأوكرانيا، بحجة أن أي اتفاق يخدم المصالح الروسية من شأنه أن يعزز موقف الصين وإيران، وأنهم على استعداد لزيادة الدعم المالي والعسكري الذي بلغ حتى الآن 135 مليار دولار، وأن الاتحاد الأوروبي هو الذي سيتحمل العبء الأكبر لإعادة الإعمار.
إلا أن، وحسب مخرجات القمة الأوروبية الأطلسية، سيستمر الدعم الأوروبي لأوكرانيا ما لزم من وقت، حيث يرى الأوروبيون أن روسيا قد فشلت في تحقيق هدفها، وهو التهام أوكرانيا أو نصفها على الأقل، أو إسقاط حكومتها، حيث حافظت أوكرانيا على سيادتها كدولة. إلا أنه في رأيي حكم غير دقيق، فلقد تمكنت روسيا من التهام أجزاء كبيرة من إقليم دونباس، حقيقي حتى روسيا مع مرور ثلاثة أعوام لم تستطع الاستيلاء على كامل إقليم دونباس، كما لم تتمكن أوكرانيا من استعادة كامل أراضيها.
وكل ما تسعى له أوروبا وأوكرانيا هو كسب ضمانات الولايات المتحدة، لكن وجود ترمب في البيت الأبيض خلال السنوات الأربع المقبلة، إن استمر لأربع سنوات، لا يبشّر بالتفاؤل حيال فكرة انضمام أوكرانيا للناتو، ومن ثم يقترح الأوروبيون أو بعضهم على الأقل، تجميد الصراع لسنوات، على أن تتولى مجموعة من الدول مراقبة الخط الفاصل بين الطرفين.
وكان ماكرون، من خارج القمة، قد اقترح إرسال قوات فرنسية لحفظ السلام على الحدود الروسية الأوكرانية، لكن كايا كالّاس مسؤولة السياسة الخارجية الأوروبية قالت إن قوات حفظ السلام تقتضي أولاً وجود سلام، وألمحت إلى أن أفضل الضمانات لعدم تكرار «العدوان الروسي» هو تعزيز القوة الدفاعية والضاربة لأوكرانيا؛ حتى تفقد موسكو شهيّة تكرار المغامرة.. وهذا الاقتراح مستوحى من نظرية «القنفذ» التي تعتمدها الولايات المتحدة منذ عقود في دعمها إسرائيل، بحيث تجعل من قوتها العسكرية رادعاً لأي هجوم يمكن أن تتعرض له.
أمام كل هذه الفرضيات التي تبدو مسدودة الأفق، أو بعيدة الاحتمال في أحسن الأحوال، يدفع زلينسكي باتجاه الحصول على ضمانات أكيدة بالانضمام السريع إلى الاتحاد الأوروبي، ليكون الورقة التي يمكن أن يقدمها لمواطنيه عندما تأزف ساعة الاتفاق الذي سيُضْطر لقبوله عاجلاً أو آجلاً.
الرأي:
1- ملامح التفاف حول بوتن وترمب، بمناورة أوروبية لوقف مؤقت للحرب الأوكرانية مع استمرار الدعم لأوكرانيا والبدء في إعادة الإعمار.
2- لا شك أن بوتن سيلح لعقد لقاء عاجل مع ترمب لإفساد هذه المناورة، والعمل على وقف إطلاق النار بشروط روسية ترتبط بأهمية تسليم كامل إقليم دونباس لروسيا وعدم الاستمرار في دعم أوكرانيا وتهيئة الظروف لعزل زلينسكي، واستبداله برئيس موالي لروسيا إن أمكن، وتقويض اي ضمانات أمريكية لأوكرانيا بما فيها الانضمام للناتو أو الاتحاد الأوروبي.
3- النتيجة الحقيقية للحرب حالة نجاح تنفيذ هذه المناورة الأوروبية تأتي عكس هدف استراتيچي آخر مهم وهو إبعاد دول الناتو عن حدوده فضلاً عن توقف أوروبا عن دعم أوكرانيا، حيث نجد أمرين:
الأول أن أوروبا مجتمعة بالفعل بدأت في تنفيذ مناورة كما أسميتها على بوتين وترمب، والمناورة مبنية على إجراءات قبل تولي ترمب وعلى إن ترمب لن يساعد أوروبا في دعم أوكرانيا المخطط.
الثاني: أن بوتين بقرار الحرب الخاطئ الذي اتخذه ضد أوكرانيا أحضر الناتو على حدوده بالفعل، وأقصد هنا فنلندا والسويد. واتذكر أثناء زياراتي لجيشي البلدين، قال قادتهم وضباطهم لي بالحرف “لم نتمنى أو نسعى أن ننضم يومآ للناتو، لولا قرارات هذا الأحمق. ورئيس فنلندا في المؤتمر السنوي لسفراءه الذي انعقد بهلسنكي أثناء زيارتي لها آخر أغسطس الماضي قال بالحرف “روسيا هي ألد عدو لنفسها”.
المشكلة الأكبر أن قوات أوروبية ستتواجد بالفعل كقوات حفظ سلام في أوكرانيا في فترة التجمد المخططة في هذه المناورة، يعني كل دول أوروبا ستكون على حدود روسيا ممثلين في قوات من جيوشها، هذا غير أن مارك روته أمين عام الناتو الجديد طالب برفع ميزانيات الدفاع لدول الناتو من 2٪ لتصبح 5٪، وكل هذا بسبب قرارات بوتن المتتالية وآخرها إشراك قوات كورية شمالية في الحرب.
المصدر: وكالة الشرق الأوسط
شارك

administrator

استشاري الأمن الدوَلي والدفاع، رئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع، الإمارات العربية المتحدة، وأستاذ زائر في العلاقات الدولية والأمن الدولي في أوروبا وشرق آسيا، (مصري)