أحمد عادل عبدالعال
باحث مشارك – معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع (IGSDA)
لواء دكتور سيد غنيم
زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا
أستاذ زائر بالناتو – رئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع (IGSDA)
مقدمة:
قد تكون الجولة السابعة للمفاوضات النووية الحالية بين إيران والقوى الدولية فاصلة في مسار المفاوضات، إذ تأتي في بداية حكم رئيس إيراني جديد يحسب على التيارات المتشددة بالداخل، وإدارة أمريكية تسعى للملمة ما تركتة إدارة ترامب من سياسات داخلية وخارجية مربكة، وقوى إقليمية تتحرك لبناء رؤية مستقلة لأمنها لا توحدها مظلة جامعه، لذا يمكن تفكيك المشهد للمحاور التالية:
أولاً: التحركات الإيرانية:
تتبنى السياسة الخارجية الإيرانية حالياً إتجاه يهدف إلى تهدئة التوتر مع دول الخليج، وذلك من خلال توسيع قنوات الإتصال الدبلوماسي مع دول الخليج، خاصة تلك التى لا يوجد معها علاقات دبلوماسية مفتوحة، مثل السعودية والإمارات والبحرين[1]، إذ تستهدف الجولة الدبلوماسية الإيرانية الحالية تخفيف الضغط الخليجي على القوى الغربية (الولايات المتحدة خاصة) لفرض بنود إتفاق إضافية للإتفاق النووي كالبرنامج الصاروخي وبرنامج الطائرات بدون طيار الإيرانيين[2].
تسعى إيران إلى محاولة إعادة تسويق نفسها من جديد لدول الجوار، خاصة دول الخليج، وذلك لكسر جدار العزلة الإقليمية من جهة، ومن جهة أخرى محاولة بناء روابط مع أى طرف يستجيب لمساعي الحوار وبناء الشراكات، خاصة في ظل وضع إقتصادي داخلي إزدادت صعوبتة في ظل تداعيات جائحة كورونا[3].
إن نجاح إيران في إعادة الإندماج مع الإقليم من جديد، يضاعف من مكانتها من قبل القوى الدولية، إلى جانب زيادة فرصها للعب دور أكبر ضمن المبادرات الدولية المتنوعة، والتى أصبحت تتخذ من التنمية الإقتصادية محور رئيسي لها، ما سينعكس بشكل إيجابي على تعزيز قوة الإقتصاد الإيراني وتنوع هيكلة[4].
على الرغم من بوادر الحكم الجديد في إيران الساعي للعمل بشكل أكثر حواراً وتعاونً مع منطقة الخليج، إلا أن دستور نظام الحكم الإسلامي في إيران يحتم عليها بأن “النضال لبسط حاكمية القانون الإلهي في العالم”[5]، لذا فإن التحرك العنيف للحرس الثوري الإيرني يستمد شرعيته الداخلية من دستور البلاد، ما يتضارب بشكل كلي مع النهج الرئاسي الجديد.
ثانياً: الموقف الخليجي:
الإمارات العربية المتحدة:
تسعى الإمارات إلى أن تكون مركز إتزان الخليج العربي، وذلك من خلال بناء روابط متشابكة مع كافة القوى الإقليمية والدولية[6] المختلفة على حدٍ سواء، وذلك في أطر تعاون ثنائية ذو طابع إقتصادي بالأساس، تستطيع منها تكوين تشابك مصالح متعدد الأطراف تتقاطع كافة أطرافة بأبوظبي، وذلك دون الإرتكان لقوى دولية محددة، أو الدخول في تحالفات قد تتضارب مصالحها في لحظةٍ ما، لذا فإن الإمارات ترى أن أمنها يكمن في إتساع وتنوع حركتها الإقليمية والدولية[7].
المملكة العربية السعودية:
تعمل السعودية حالياً على إعادة النظر في إستراتيجيتها في التعامل مع مشاكل الإقليم، إذ كانت ترمي بشكل كبير إلى قدرات الولايات المتحدة وتوجهاتها في عهد رئيسها السابق دونالد ترامب[8]، لإتخاذ خطوات حاسمة لإنهاء الطموح الإيراني بالمنطقة، دون أن تضع إستراتيجيات بديلة، لذا فإن الملاحظ الأن هو سعى السعودية لمحاولة غلق الملف اليمني بأى شكل، لما يمثلة من عبئ أمني ومالي كبير[9]، وتفكك التحالف العربي المنشأ بالأساس للتعامل مع هذه الأزمة[10]، وذلك في ظل ما قد نسميه “صدمة ما بعد ترامب” والتى وضعت قيادة السعودية في وضع مجمد[11]، غير قادرة على التحرك بإتجاهات وبناء شراكات جديدة على غرار الإمارات.
ثالثاً: تحليل المشهد:
تعمل إيران على إعادة تقديم نفسها من جديد لدول الخليج، وذلك لتهدئة مخاوف تلك الدول بعض الشئ والتى ستنعكس على القوى الغربية وتفاعلها مع المفاوضات النووية بفيينا في جولتها السابعة، ومن جانب آخر هو شعور إيران بأن موجة التقارب لبعض القوى العربية مع إسرائيل تشكل خطر كبير على تحركات إيران في المنطقة العربية ووسط آسيا بل وفي مناطقة أخرى متصلة، لذا ستسعى إيران لإنتهاج سياسات أقل حدة تجاه خصومها الإقليميين حتى تقلل من مبررات ذلك التقارب، ومن جهة أخرى محاولة الخروج بأطر تعاون ثنائي على أساس إقتصادي مع بعض دول الخليج، يمكنها من كسر الحصار الإقتصادي المفروض عليها، والذي يؤثر بشكل كبير على الإستقرار الداخلي.
تعي الإمارات جيداً أن الصراع المسلح لن يجدي نفعاً ولن يحسم صراعاً، لذا تسعى إلى بناء أمنها على دروع مصالح متعددة الإتجاهات والأنواع، ما يحصنها ضد أى تهديدات قد تأتي من جوارها الإقليمي، إلى جانب المشاركة في صياغة شكل المنطقة العربية من جديد، دون التقيد بأي روابط قومية (ناصرية) أو دينية (إسلامية) في التعامل مع أى من القضايا الشائكة بالمنطقة، وهذا ما برز بالتطبيع مع إسرائيل بالرغم من إستمرار إحتلالها لأرض عربية مختلفة، إلى جانب التحرر من قيود مصالح الحلفاء/الشركاء في التعاون مع منافسيهم (التقارب مع تركيا وخلافاتها مع مصر).
يبدو أن السعودية تواجهة أزمة بناء إستراتيجية تحرك دولي، إذ أن زخم التفاعل الذي كانت تحققة السعودية مع الإدارة الأمريكية السابقة لا يقارن بالسكون الحالى، نظراً للضغط الذي تمارة إدارة بايدن حالياً على قيادة المملكة الشابة، بالإضافة إلي وجود علامات تَكبْل حركة سعودي مع باقي الأطراف الدولية الفاعلة، خاصة الشرقي منها (روسيا – الصين)، وهو مؤشر يدل على أن السعودية ليس لديها مرونة تحرك دولي في ظل تسارع إنتقال التوازنات الدولية في أقاليم متعددة.
رابعاً: بناءً على ما تقدم، أتوقع أن تكون طبيعة العلاقات الإيراني الخليجية في المرحلة المقبلة كالآتي:
بنهج مستمر، ستسعى إيران لبناء علاقات مستديمة مع كافة دول الخليج، مع التركيز بالأساس على الشق الإقتصادي في التعاون، في رغبة منها للإندماج بشكل طبيعي مع الإقليم العربي، مع الضغط على الحرس الثوري لتخفيف أنشطتة تجاه الداخل بدول الخليج (خاصة البحرين)، والمشاركة في كافة الفاعليات الإقليمية والدولية المرتبطة بالخليج بشكل خاص والعالم الإسلامي بشكل عام، لإكتساب أرضية تحرك أوسع ضمن محيطها العربي والإسلامي.
الأمر الذي يوجه حالياً إلى ما يمكن أن نطلق عليه (تطبيع العلاقات مع إيران)، وهو مناهض بشكل كبير لنظيره مع إسرائيل. وهو ما يتضح في التقار السعودي الإيراني الحالي بل والإماراتي الإيراني أيضاً وإن كان بشكل أكثر حذراً.
ارتباطاً بعامل الوقت، سيظل الموقف الخليجي مفتت إلى حد كبير، مع قابلية حذرة من الإمارات للتقارب الإيراني، والذي ستتجاوب معه بشكل سلس ومرن في نفس الوقت طردياً مع تحركات إيران، إلى جانب إستمرار نهج السعودية المتشدد تجاه إيران بشكل شبه ثابت، بالرغم من أن بعض الإنفراجات بين البلدين قد تتم بشكل محدود، وذلك لعدم ثقة السعودية في قدرة إيران على ضبط مراكز قواها الداخلية تجاه دول الجوار، وأيضاً الضغط الصادر من البحرين والذي تخشى أكثر من غيرها من خطورة هذا التقارب الذي يمكن أ، يدعم قوى المعارضة الشيعية داخل البحرين، ما قد يسبب قلاقل داخلية.
ستؤثر نتائج الجولة الحالية من المفاوضات النووية بفيينا بشكل جزئي على التقارب الإيراني الخليجي، إذ في حالة فشلها، قد تسعى إيران بشكل أكبر لتتقارب مع دول الخليج، وذلك لعدة أسباب، منها نزع شرعية أى عمل عسكري قد ينفذ ضد المنشآت النووية الإيرانية إنطلاقاً أو بمساندة قدرات دول الخليج، سواء أكانت تلك الأعمال العسكرية من قبل الولايات المتحدة الأميريكية (وهو مستبعد) أو من قبل الجانب الإسرائيلي (وهو المرجح) ولكنه صعب حدوثه دون موافقة الولايات المتحدة. أما في حالة نجاح مفاوضات فيينا، فإن مساحة الحركة الدولية لإيران ستتسع، لذا فقد لا تمارس جهد أكبر للتقارب مع جوارها الخليجي، وذلك لتوافر فرص علاقات أكبر مع باقي دلو العالم بشكل شرعي.
[1] زيارة نائب وزير الخارجية الإيرانية إلى الإمارات والكويت خطوة انفتاح جديدة على الخليج – مونت كارلو الدولية – 26/11/2021 – https://bit.ly/3xushUE .
[2] الصواريخ والمفاوضات النووية مع إيران – washingtoninstitute – 6/7/2015 – https://bit.ly/3nX0wkC .
[3] الإمارات.. قرقاش والمرر يلتقيان نائب وزير الخارجية الإيراني – سكاي نيوز عربية – 24/11/2021 – https://bit.ly/3FSUOX5 .
[4] اتفاقية الشراكة الصينية – الإيرانية .. التحديات والآفاق – المعهد الدولي للدراسات الإيرانية – 6/4/2021 – https://bit.ly/3xwb39u .
[5] الجيش العقائدي – دستور إيران الصادر عام 1979 شاملاً تعديلاته لغاية عام 1989 – المؤسسة الدولية للديمقراطية والإنتخابات – https://bit.ly/3rdP32d .
[6] الإمارات والصين .. علاقات استراتيجية تعززها الزيارة التاريخية – سكاي نيوز عربية – 19/7/2021 – https://bit.ly/2ZzHY0s .
[7] علاقات إماراتية فاعلة مع القوى الإقليمية والدولية – مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية – 15/7/2018 – https://bit.ly/3DXJ70G .
[8] العلاقات الأمريكية السعودية لا تتوقف عند دونالد ترامب – brookings – 23/5/2017 – https://brook.gs/3D0W1tq .
[9] محفزات التهديد: لماذا تزايد الإستهداف الحوثي للأراضي السعودية في ظل كورونا؟ – المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة- 19/7/2020 – https://bit.ly/3HZM3fG .
[10] بالصور.. ما تبقى من التحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن – dw – 8/2/2019 – https://bit.ly/3rn5glP .
[11] مخاوف السعودية من بايدن قد تكون مبررة .. وملف بارز للعمل المشترك – سى ان ان عربية – 10/11/2020 – https://cnn.it/3lgaZWA .