دكتور سَــــيْد غُنــــيْم دكتوراه العلوم السياسية زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا، ورئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع
تراكم الارتباك وعدم السيطرة.. ومصالح الأطراف الخارجية
1- الموقف العسكري:
ما زال الصراع دائر في السودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، حيث يبقى الموقف بجانب استخدام الجيش السوداني للقوات الجوية لقصف معاقل قوات الدعم السريع، يبدوا الموقف على الأرض بين الكر والفر من قبل الجانبين، سواء في قاعدة مروي أو في محيط القصر الرئاسي وأم درمان وولايات أخرى. مع تأكيد انسحاب كامل لقوات الدعم السريع من قاعدة مروي الجوية. ورغم أنه لا يتضح من الأكثر سيطرة على الأرض في السودان، إلا أن مراقبون دوليون يرجحوا كفة الجيش السوداني حتى الآن.
يتزايد عدد القتلي من العسكريين من الجانبين ويتجاوز عددهم 300 قتيل وأكثر من 1800 جريح، وكذا من المدنيين ويتجاوز عددهم 270 قتيل. وقادة الجيش السوداني وقوات الدعم السريع اتهموا بعضهم البعض بتنفيذ هجمات على المدنيين.
من الصعب الخروج بأي تقدير موقف عسكري، حيث ما يدور على الأرض ليس تكتيكات حرب تقليدية أو تكتيكات حرب عصابات ولا تكتيكات قتال في المدن، وهو أمر لا يمكن وصفه سوى بقتال شوارع مليئ بالصياح وإعلان الانتصارات الكاذبة بواسطة الجانبين من خلال فيدوهاتهم المنشورة عبر الانترنت.
ترددت معلومات غير مؤكدة، أنه قد قامت إثيوبيا بمحاولة استغلال الموقف بتنفيذ عملية نوعية ضد الجيش السوداني، حيث شنت القوات الخاصة الإثيوبية أمهرة هجوماً على مثلث الفشقة في السودان (محتمل بالتعاون مع عناصر من جماعة فاجنر في السودان ولكن أيضاً غير مؤكد). ويبدو حسب المعلومات الواردة أن قوات الجيش السوداني نجحت في التصدي لهم وإفشال العملية.
2- موقف المصريين في السودان:
تم الإفراج عن أكثر من 200 جندي مصري حتى الآن في السودان. حيث كان أكثر من 170 جندي من أفراد القوات الجوية المصرية من بين القوات التي أعيدت إلى الوطن يوم الأربعاء 19 إبريل 2023.
صباح اليوم الخميس 20 إبريل، قامت قوات الدعم السريع بتسليم 27 جنديًا مصريًا للصليب الأحمر من ضمن هؤلاء المحتجزين في قاعدة مروي العسكرية منذ 15 أبريل. لا أحد من المراقبين يتفهم ما هي الصفقة. أحد التصورات المتداولة في الأوساط الدولية أن قوات الدعم السريع تتخوف رد الفعل المصري الذي قد يكون في صورة انتقام أو تدخل يعطل مخططها الحالي.
الملفت في الموضوع موقفين:
الأول: أن هناك شائعات أن الجنود المصريين قد غادروا السودان إلى القاهرة جواً من مطار الخرطوم، في الوقت الذي يقدر فيه المجتمع الدولي أن مطار الخرطوم الدولي لا يعمل كليةً. وهو ما قد يرجح ما تم إعلانه أنهم قد تم إخلائهم جواً من دنقلة.
الثاني: أن مصر قد نجحت في إلزام الجانبين المتصارعين في السودان بوقف تام لإطلاق النار خلال عملية إخلاء القوات المصرية جواً بواسطة طائرات نقل عسكرية مصرية، وذلك بعد إطلاق سراحها. يأتي ذلك في الوقت الذي أُخترقت فيه جميع اتفاقات وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية. كما لم تنجح كافة عمليات الإخلاء للرعايا الأجانب حتى الآن. وهو ما قد يشير لدور الإمارات في الوساطة مع قوات الدعم السريع لتسهيل وسرعة تسليم الجنود المصريين.
يبدوا أن القيادة المصرية تعمل على إجلاء كافة الرعاية المصريين عسكريين ومدنيين في السودان على مراحل.
حسب مراقبون رسميون وصور أقمار صناعية، تضررت طائرتان قتال مصرية ضمن خمس طائرات ميج-29 كانت متمركزة في قاعدة مروي الجوية لصالح بروتوكول التدريب المشترك بين القوات المصرية والسودانية. تقع مسؤولية تأمين العناصر والطائرات والمعدات المصرية على عاتق القوات المسلحة السودانية، وتقع مسؤولية الأضرار على عاتق قوات الدعم السريع.
3- مصالح وموائمات القوى الخارجية:
يؤكد مراقبون على أن هناك اتفاق غير مُعلن بين روسيا وحميدتي قائد قوات الدعم السريع السودانية، أن تقوم جماعة فاجنر المسلحة الروسية بدعم التحرك العسكري العسكري هذا أمام الجيش السوداني، مقابل استمرار تدفق الذهب السوداني لروسيا، والذي يجرى إرساله لموسكو منذ فبراير/ مارس 2022، والذي يمول آلة الحرب الروسية في أوكرانيا.
حيث منذ أكثر من عام، تم إلقاء القبض على شحنة جوية من البسكويت الخاصة بجماعة فاجنر في السودان كانت جاري شحنها لموسكو، وبتفتيشها رغم استياء أعضاء جماعة فاجنر، تم اكتشاف طن من الذهب مخبأ بعناية ضمن شحنة البسكويت. ويتركز تكتيك فاجنر في أفريقيا على خلق الفوضى لنشر النفوذ الروسي في إفريقيا.
ويؤكد مراقبون أن هناك صفقة أخرى بين حميدتي والإمارات، حيث يقوم حميدتي المسيطر على مناجم الذهب ببيع الذهب للإمارات بجانب روسيا.
من ناحية أخرى، تشعر الإمارات والسعودية بالقلق لأنهما تعتمدان على الجنود السودانيين في حملاتهم العسكرية الخارجية، كما هو الحال في اليمن وليبيا.
تواترت معلومات غير مؤكدة عن احتمال قيام قوات حفتر بتقديم الدعم لقوات الدعم السريع في إطار دفع روسي داعم لكلاهما، إلا أنها تبدوا شائعات كاذبة.
مما سبق، يبدوا أن من بين الأسباب (وليس كلها) التي دفعت مصر إلى مطالبة المجتمع الدولي بعدم التدخل. أعتقد بشكل أساسي روسيا والسعودية والإمارات وإثيوبيا. مع الأخذ في الاعتبار أن مصر تدعم الجيش السوداني الذي يمكن أن يدعم مصر مستقبلاً بشأن أزمة سد النهضة الإثيوبي.
دكتور سَــــيْد غُنــــيْم