رؤية تحليلية.. 

بدأ أردوجان زياراته في إفريقيا لكل من السودان وتشاد وتونس لبحث العلاقات الثنائية وسبل التعاون بكافة أوجهه.. وعلى صعيد آخر عقد رئيس أركان الجيش التركي اجتماعاً ثلاثياً مع نظيريه السوداني والقطري خلال زيارة أردوجان للسودان.. وقد قال إبراهيم غندور وزير خارجية السودان فى مؤتمر صحفى مشترك مع نظيره التركى فى الخرطوم “أن السودان مستعد للمشاركة فى أى تعاون عسكرى مع الدول الصديقة والشقيقة” مشيراً إلى أن “الترتيبات العسكرية مع تركيا ممكنة”.

أتصور أن المستهدف من هذه الزيارات أربع دول، وهي ليبيا ومصر وتونس والسعودية كالآتي:

أولاً: ليبيا ومصر:

لدى كل من السودان وتشاد وتونس حدوداً برية متفاوتة الطول مع جارتها ليبيا، والتي تعد حالياً مسرحاً واسعاً للإرهاب والصراعات المسلحة على السلطة والثروات، وبما يجعلها أهم وأكثر بؤر الصراع خطورة لتصدير الإرهاب والمخاطر الجسيمة لكل من مصر وتونس من جانب، ودول جنوب أوروبا من جانب آخر.

وتشكل قطر وتركيا معسكراً قد تقلص نفوذه نسبياً تجاه الأزمة الليبية الحالية أمام منافسه المصري / الإماراتي الداعم للجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر.

في الوقت الذي تشارك فيه مصر بدورِ مهم ضمن دول المقاطعة أمام قطر فضلاً عن رفض مصر لحكومات الإسلام السياسي بشكل عام في المنطقة والتي تؤيدها بشدة دولتا تركيا وقطر.

وفي الوقت الذي تشهد فيه المنطقة تعاوناً كبيراً في مجال مكافحة الإرهاب بين مصر ودول تجمع الساحل والصحراء،والذي يضم دولتي السودان وتشاد ودول أخرى، فضلاً عن إقرار ضم تشاد مؤخرا كمراقب بجامعة الدول العربية كخطوة لضمها للجامعة مستقبلاً، حيث أعلنت تشاد رسمياً إحتجاجها على تدخل دولة قطر السافر في شؤون تشاد الداخلية وبما يدعم الإرهاب ويزعزع إستقرار البلاد، نجد زيارة أردوجان لتشاد ربما بمهمة (حمامة السلام) بين قطر وتشاد، والذي يتسق مع ظروف تشاد الإقتصادية الحالية، وربما التلويح بدعم قطري مفتوح مستقبلاً لتبديل دور تشاد المنتظر تجاه ليبيا ومحيطها.

ثانياً: تونس:

أما زيارة أردوجان لتونس فهي بالتأكيد مغازلة للمعارضة الإسلامية بها، حيث تسعى زيارة أردوجان لدعم موقف المعارضة الإسلامية المستقبلي في تونس.. ومن جانب آخر، قد يحاول أردوجان إيجاد سبيل لمفاتيح الأزمة الليبية من جهة الغرب، خاصة أن الجهود الجارية حالياً لحل الأزمة الليبية برعاية ومبادرة تونسية تزامنا مع إنتهاء صلاحية إتفاق الصخيرات المنعقد في المغرب.

ثالثاً: السعودية:

لا شك أن علاقات تركيا بقطر متميزة وذات مصالح مشتركة، حيث أتمت تركيا إنشاء وتعبئة أول قاعدة عسكرية لها في الدوحة المطلة على الخليج العربي مع حلول منتصف العام. وبعدها مباشر وتحديداً في أكتوبر أفتتحت تركيا قاعدتها العسكرية بمقديشيو المطلة على خليج باب المندب، (كلا القاعدتين مخطط لإنشائهما من سنوات).

وإرتباطاً بتصريح غندور “أن الترتيبات العسكرية مع تركيا ممكنة”، فليس من المستبعد، وحالة عزم إسطنبول، قيام تركيا بإنشاء قاعدة عسكرية في السودان، والتي ربما في هذه الحالة ستنشأ في بورسودان بدعم مادي قطري، وبما يحقق (تهديد وليس مجرد ضغط) على المدن المقدسة الرئيسية غرب السعودية (كشوكة في الظهر)، وكذا ستكون إستفزاز واضح للقاهرة نتيجة للتهديد الأقرب لها في إتجاه قناة السويس.

وكذا ليس من المُستبعد معاودة إردجان لمحاولة إيجاد دور سياسي بين دولتي السودان وجنوب السودان كالتي حاولها في ديسمبر 2102، وليس أيضاً من المستبعد الدعم العسكري التركي للسودان وبما يعاونها على تسوية الموقف في درفور.

كل ما سبق يصب في المصالح التركية القطرية المشتركة والمتزايدة والتي تستهدف حماية الأمن القومي لتركيا وضمان نفوذها أمام مساعي إنفصال ألأكراد، كما يدعم موقف قطر أمام دول المقاطعة بالضغط المستمر على السعودية والإمارات ومصر على محاور مختلفة، فضلاً عن تأمين المصالح التركية القطرية المشتركة، والتي تستهدف الثروات في الأراضي الليبية، ومحاولات فرض حكم الإسلام السياسي في دول المنطقة.

 

سيد غنيم
زميل أكاديمية ناصرالعسكرية العليا
رئيس مركز دراسات الأمن العالمي والدفاع – أونلاين

شارك