أولاًالأعمال السابقة:
نتيجة لتقرير صادر عن المخابرات الحربية الروسية حديثاً، والذي تم الكشف عنه بواسطة المخابرات الأوكرانية، أن مصانع الدبابات الروسية متوقفة عن الإنتاج بسبب عدم توفر قطع غيار لا تمتلك روسيا بعض خاماتها، كما أن بعض مكوناتها لا تُصنع في روسيا، مما يصعب من إمكانية توفيرها في ظل العقوبات والحصار. وهو ما أشرت له في تقرير سابق صدر لي بتاريخ 31 مارس في بند العمليات النفسية، حيث أن نقص قطع الغيار سيؤثر على تدفق الإمداد بالسلاح وبدوره يؤثر معنوياً بشدة بشكل سلبي على قوات أكبر دولة مصنعة عسكرياً. وكنت قد توقعت (عملياتياً) في آخر تقدير لي فجر الجمعة 15 أبريل ببند الأعمال المنتظرة (طبيعة المرحلة الحالية من الحرب الروسية الأوكرانية)، أن منطقة دونباس ذات الأرض المفتوحة نسبياً ستكون مسرح لقتال الدبابات والنصر فيها سيكون للمهاجم، وتأخر إمداد القوات الروسية المقاتلة في دونباس بحجم كبير تحتاجه من بالدبابات قد يتيح الفرصة للجيش الأوكراني للتحول للهجوم، خاصةً مع تشغيل مصانع الدبابات لديه بكثافة عالية وكذا صلاحية الجراچات للإصلاح والصيانة، والأهم التدفق المستمر لقطع الغيار اللازمة بواسطة الغرب دون حساب. الأمر الذي دفع روسيا لاستهداف مصنع الدبابات الأوكراني في كييف، لضمان تفوق روسيا في المقارنات العددية والنوعية في الدبابات ويمنحها الفرصة الأكبر للنصر في معركة إقليم دونباس.

تمكنت القوات الروسية من احكام السيطرة على كل ماريوبول عدا أحد مصانعها الذي يحتمي به حوالي 1500 مقاتل أوكراني. وعلى الصعيد السياسي، يأتي ذلك أيضاً في الوقت الذي لوحت فيه حكومتي كل من فنلندا والسويد باحتمالات انضمامهما للناتو خروجاً عن حيادهما.

ثانياًالأعمال الحالية:
في ليلة 54/ 55 عمليات، 18/ 19 مارس 2022، أعلنت القوات الروسية بدء هجومها لتحرير إقليم دونباس. وذلك بعد أن نقلت روسيا معظم ثقلها إلى شرق أوكرانيا، منسحبة من قرب العاصمة كييف. وهو ما أعلنه زلينسكي، وما تتوقعه أوكرانيا قبل بداية الحرب كهدف رئيسي للقوات الروسية، ولذا كانت أوكرانيا قد قامت بالفعل بنشر أفضل القوات تدريباً في دونباس. وبالرغم من الخسائر الفادحة لتي تلقتها القوات الأوكرانية في دونباس بسبب حرب استمرت ثماني سنوات مع الانفصاليين المدعومين من روسيا، إلا أنهم ما زالوا يمثلون تحدياً كبيراً للجيش الروسي المهاجم.

ورغم سيطرة القوات الروسية على جزء كبير من الإقليم إلا أنها ما زالت تواجه قوات أوكرانية كبيرة على مواجهة قتالية تزيد عن 450 كم، وهو أمر لا يستهان به تماماً. وقد افتتحت القوات الروسية هجومها بتمهيد نيراني صاروخي وجوي على عدة أهداف في معظم أنحاء أوكرانيا. وباستغلال نيران القوات الجوية والصواريخ الاستراتيجية قامت القوات الروسية بتنفيذ هجوم بري من الشمال تجاه منطقة سلوبوجنسكي ومن الشرق تجاه دونيتسك. وفي توقيت متزامن تستمر القوات الروسية في إعادة انتشار القوات والأسلحة والمعدات ووحدات الإمدادات اللوجيستسة والصيانة الميدانية من قوات المناطق الوسطى والشرقية العسكرية الروسية.

في اتجاه سلوبوجنسكي، تستمر القوات الروسية في إعاقة مدينة خاركيف جزئياً. وبحسب المعلومات المتوفرة، فمن أجل تنظيم نظام الدفاع الجوي للتجمع الهجومي، تقوم القوات الروسية بنشر وحدات إضافية من أنظمة الصواريخ المضادة للطائرات
“تور – Tor” إلى منطقة خاركيف. في الوقت نفسه، تم نشر فرق الصواريخ المضادة للطائرات من طراز S-400 و S-300 في مناطق منطقة بيلجورود الروسية المتاخمة لأوكرانيا لتغطية مواقع القيادة الرئيسية، وكذلك المناطق الخلفية.

في اتجاه إيزيوم جنوب سلوبوجنسكي وخاركيف، تقوم القوات الروسية بعمليات هجومية على الضفة الغربية لنهر سيفرسكي دونيتس. ولدعم الأعمال الهجومية للقوات في هذا الاتجاه، أنشأت القوات الروسية نظاماً لمواقع إطلاق النار الرئيسية والاحتياطية لمدفعية الميدان والمدفعية الصاروخية.

وفي اتجاهي دونيتسك وتاڤريا، قامت القوات الروسية بتكثيف الهجوم على طول المواجهة. تركز القوات الروسية مجهودها الرئيسي لاختراق الدفاعات الأوكرانية في منطقتي لوهانسك ودونيتسك، وكذلك السيطرة الكاملة على مدينة ماريوبول جنوباً ضمن (دونيتسك). وجنوباً، في اتجاه بيفدينوبجسكي، تركز القوات الروسية مجهودها الرئيسي للوصول إلى الحدود الإدارية لمنطقة خيرسون. من أجل تحسين أوضاعها التكتيكية، وتحاول القوات الروسية القيام بعمليات هجومية في منطقة مستوطنة أوليكساندريفكا بمحيط خيرسون. على الجانب الآخر، تتمسك القوات الأوكرانية بمواقعها، في منطقتي دونيتسك ولوهانسك، وتقوم بصد الهجمات روسية. حيث تمكنت القوات الأوكرانية من إدارة سبع معارك صد ناجحة، مع وقوع خسائر في الجانبين.

ثالثاًطبيعة الأرض بإقليم دونباس:

تتميز بعض أجزاء من الأرض شرق أوكرانيا بانبساطها النسبي، حيث تقل بدرجة كبيرة المناطق ذات الارتفاعات المتباينة، وأكثرها في إيزيوم ولوجانيسك وجنوب ماريوبول حتى خيرسون الواقعة غرب دونباس. وهي مناسبة للمهاجم أكثر من المدافع، لصعوبة تنظيم تجهيزات هندسية قوية عليها، وبما يمكن المهاجم من تحقيق مبدأ “الحسم” في أعمال القتال، وذلك بتحقيق معدلات قتال عالية تمكن من الاستيلاء على أجزاء كبيرة من الأرض في وقت أقل نسبياً عن المعتاد، مع إمكانية إحداث أكبر خسائر ممكنة في القوات المدافعة وحرمانها من القدرة على التشبث بالأرض، والأهم، حرمانها من القيام بالهجمات والضربات المضادة. ويمكن الاستفادة من ميزة الأرض هذه بواسطة القوات الروسية حالة التخطيط السليم للعمليات والتنفيذ الجيد بالقوات على الأرض، مع ضمان استمرار تدفق الإمدادات والاستعواض. وحتى تتمكن القوات الأوكرانية من التمسك بالأرض واستعادة ما فقدته منها يلزمها حجم كبير من الدبابات والغطاء الجوي اللازم لشن الهجمات المضادة، الأمر الذي يعد صعب حالياً مع تأثر مصنع الدبابات الأوكراني الذي تم استهدافه في كييف يوم 16 أبريل.

رابعاً: العمليات النفسية والسيبرانية:

قامت أجهزة المخابرات الإليكترونية الأوكرانية بتعقب أجهزة التليفونات المحمولة التي تركها أوكرانيون لكي يستولى عليها القادة الروس ولافغل استخدموها أثناء القتال وحتى الآن، مما مكن من كشف تحركاتهم بانتظام واستهدافهم بدقة وقتل العديد منهم بسهولة، وهو ما تم الكشف عنه مؤخراً في سقطة جديدة للجيش الروسي.

خامساً: الأعمال المنتظرة:

1- الهدف الاستراتيجي العسكري الروسي:

تحقيق نصر حاسم في اقرب وقت ممكن بالاستيلاء على كامل أراضي إقليم دونباس التابعة لولايتي لوجانسك ودونتسك وتطهيرها من القوات الأوكرانية، وذلك بحد اقصى يوم 74 عمليات (الموافق 09 مايو 2022، عيد النصر الروسي). وتأمين اتصال إقليم دونباس بماريوبول وخيرسون جنوباً.

ولتحقيق هذا الهدف يجب تنفيذ الآتي:

– الاستمرار في أعمال الاستطلاع باستخدام وسائل الاستطلاع وجمع المعلومات (البشرية والتكنولوجية) داخل إقليم “دونباس” وعلى كامل المسرح مع التركيز على الشرق والجنوب، لتحديد واكتشاف حجم وتكوين وقدرات تجمعات القوات ووسائل النيران الأوكرانية في المدن المتواجدة في نطاق المهمة المباشرة في الأساس.

– استخدام حجم مناسب من النيران الزكية دقيقة الاستهداف (والمكلفة للغاية) لتدمير القوات والأسلحة والمعدات الأوكرانية داخل إقليم دونباس بشكل جراحي دقيق ومركز. – استخدام حجم هائل من نيران الصواريخ والقوات الجوية والمدفعية متعددة المدى لتدمير القوات الأوكرانية خارج دونباس خاصةً تلك المحتمل تدخلها في الإقليم، فضلاً عن حجم آخر من النيران الزكية دقيقة الاستهداف لتدمير مستودعات الأسلحة والذخائر الأوكرانية تحت الأرض.

– استغلال المعلومات المتحصلة عليها ونتائج نيران القوات الجوية والصواريخ والمدفعية، والاستمرار في الهجوم مع التركيز على المنتصف وتدمير العدو في المواجهة والاستيلاء على الخط المار بالمدن (حد يمين إيزيوم وسلوڤيانسك وكراماتورسك – حد منتصف قسطنتيفيكا ودونيتسك.

– حد يسار ڤلوڤاخا وماريوبول) بنهاية يوم 64 عمليات، 28 أبريل 2022 كمهمة مباشرة للجبهة. خلال هذه المرحلة، (يجب أن تواصل القوات الروسية الهجوم في الاتجاه الجنوب الشرقي من إيزيوم، وغرباً من كريمينا وبوباسنا، وشمالًا من مدينة دونيتسك عبر أفدييفكا. وستستمر المدفعية والصواريخ والقوات الجوية الروسية في قصف منشأة “مصنع آزوفستال” الذي يقاتل من داخله باقي القوات الأوكرانية المعزولة في ماريوبول، وقد يعلن المسؤولون الروس النصر في ماريوبول حتى قبل إخلاء آزوفستال بالكامل).

– وباستغلال القوة الدافعة للهجوم تقوم القوات الروسية باستكمال التقدم وتطوير الهجوم غرباً وتدمير القوات الأوكرانية في مواجهتها والاستيلاء على الخط المار بالمدن (حد يمين خاركيڤ وسلوبوجينسكي – حد منتصف غرب إيزيوم وسلوڤيانسك وكراماتورسك – حد يسار ميناء بيريادنسك)”، وذلك بنهاية يوم 74 عمليات، 08 مايو 2022، كمهمة تالية للجبهة.

– استكمال التقدم والهجوم غرباً والاستيلاء على الخط المار بالمدن (حد يمين غرب خاركيف – حد منتصف بولتافا دنيبرو وزبرزاجيا – حد يسار خيرسون)”، وذلك بنهاية يوم 84 عمليات، 18 مايو 2022، كمهمة نهائية للجبهة.

– الاستمرار في منع الإمدادات الغربية لأوكرانيا في المرحلة الحالية، خاصةً الإمداد بالدبابات والطائرات المتطورة التي تمنحها القدرة على تنفيذ ضربة مضادة شاملة. وكذا منع الغرب من امداد أوكرانيا بوسائل النيران، خاصةً المدفعية والصواريخ والمقذوفات الموجهة المضادة للدبابات ووسائل الدفاع الجوي والدرونز ووسائل القيادة والسيطرة الحديثة، أو حرمان القوات الأوكرانية من استلام تلك الأسلحة والمعدات بأي وسيلة ممكنة.

– ضمان امتلاك القوات الروسية في مسرح العمليات تشكيلات قتالية متجانسة تمتلك قدرات قتالية عالية ذات قادة وأفراد مدربين تدريب عالي على أساليب قتال غير نمطية تتميز بالقدرة على المناورة والتنفيذ اللامركزي.

2- الهدف الاستراتيجي العسكري الأوكراني:

في المقابل، سيكون على القوات الأوكرانية تحقيق هدف رئيسي وهو “التشبث بالأرض المسيطر عليها في إقليم دونباس، وحرمان القوات الروسية من التوسع غرباً ومنعها من الاستيلاء على سلوڤيانسك بالأخص ودونيتسك وڤلوڤاخا” وبما يمنع القوات الروسية من التقدم غرباً”.

ولتحقيق هذا الهدف يجب تنفيذ الآتي:

– سرعة تزويد القوات الأوكرانية بحجم كبير للغاية من الأسلحة والمعدات يتضمن مزيج من الأسلحة الدفاعية والهجومية خاصةً الدبابات المتطورة والطائرات ووسائل النيران المختلفة ووسائل القيادة والسيطرة عالية التطور.

– استكمال إعادة تجميع واستعادة الكفاءة للقوات في نسقين أحدهما دفاعي والآخر هجومي.

– الاستمرار في تكثيف أعمال الإستطلاع وجمع المعلومات في كافة مناطق القتال بل وفي المدن الحدودية المعادية في روسيا وبيلاروسيا.

– تكثيف نيران المدفعية والصواريخ والنيران الزكية إن وجدت والدرونز لتدمير وحدات الإمداد والصيانة الميدانية الروسية كأسبقة أولى، ومن جانب آخر تدمير الدبابات والطيران ووسائل الدفاع الجوي الروسي، وذلك لحرمان القوات الروسية المهاجمة من استكمال تحقيق مهامها.

– سرعة تقديم التعزيزات اللازمة للقوات الأوكرانية المدافعة داخل إقليم دونباس وبما يمكنها من التشبث بالأرض المستولى عليها دون التفريط في شبر واحد منها.

– استمرار القوات الأوكرانية في خاركيف ومحيط إيزيوم وفي سلوفيانسك وخيرسون في التشبث بالأرض، بل والضغط على القوات الروسية المواجهة لها.

– استكمال تدمير القوات البحرية الروسية جنوباً، مع التركيز على تأمين ميكولايڤ وأوديسا من أي عدائيات محتملة خاصةً من البحر.

 

دكتور سَــــيْد غُنــــيْم
زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا
رئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع – أستاذ زائر بالناتو والأكاديمية العسكرية ببروكسل

– المصادر:

مصادر معلنة دولية.

مصادر خاصة.

شارك

administrator

استشاري الأمن الدوَلي والدفاع، رئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع، الإمارات العربية المتحدة، وأستاذ زائر في العلاقات الدولية والأمن الدولي في أوروبا وشرق آسيا، (مصري)