أولاً: مقدمة:

أعلنت وزارة الدفاع الإماراتية، صباح اليوم الاثنين 24 يناير 2022، أن دفاعاتها الجوية اعترضت ودمرت صاروخين باليستيين أطلقتهما من جماعة الحوثي الإرهابية تجاه الإمارات فجر اليوم. وأكدت أن الهجوم لم يسفر عن خسائر بشرية، وأضافت أن بقايا الصواريخ الباليستية المعترضة والمدمرة سقطت في مناطق متفرقة حول أبوظبي. كما صرحت في بيان لها إن الإمارات مستعدة للتعامل مع أي تهديدات وأن السلطة ستتخذ جميع الإجراءات اللازمة لحماية الدولة من جميع الهجمات. ودعت الجمهور إلى الاعتماد فقط على المعلومات الواردة من مصادر الأخبار الرسمية في الدولة.

في المقابل، أعلن المتحدث العسكري الحوثي، أن الحوثيين قد استهدفوا العمق السعودي، والعمق الإماراتي في أبوظبي ودبي  بواسطة صواريخ باليستية ودرونز.

ثانياً: نقاط يجب توضع في الاعتبار:

1- لا توجد معلومات مؤكدة باستخدام الدرونز هذه المرة، أي أن استهداف الحوثيين لأبوظبي في المرة السابقة كان بدرونز فقط، وهذه المرة حسب ما هو مؤكد بالصواريخ الباليستية فقط.

2- فرضت السلطات الإماراتية قيوداً شديدة على تدوال واستخدام الدرونز عقب حادث الأسبوع السابق، كفحص الأشخاص المشتبه فيهم داخل الدولة، والتدقيق الشديد عبر المنافذ والحدود، فضلاً عن حظر استخدام الطائرات بدون طيار لأي سبب أيً كان.

3- تم استهداف الإمارات في المرتين بواسطة الحوثيين في يوم محدد من الأسبوع كل مرة وهو الإثنين تحديداً، مع اختلاف في التوقيت (العاشرة صباحاً في المرة الأولى، وحوالي الرابعة فجراً في المرة التالية).

4- رغم إعلان الحوثيين هذه المرة أنهم أيضاً قد استهدفوا السعودية ودبي بالدرونز، لكنني لم يلاحظ أي تأكيد موثق على ذلك من قبل السعودية أو الإمارات أو أي وكالة أنباء لدولة أخرى.

5- لم يتم الإعلان في البداية عن نوع أنظمة الدفاع الجوي الإماراتية التي تصدت لهجمات الصواريخ الباليستية، إلا أنه فيما بعد تداولت أخبار أن اعتراض الصواريخ قد تم بمنظومة دفاع جوي تمتلكها الإمارات تعمل ببطاريات صواريخ باتريوت الأمريكية.

6- تم استهداف العمق السعودي مساء الأحد 23 يناير ثم استهداف أبوظبي بعدها بأكثر من ست ساعات، وتحديداً فجر اليوم التالي.

ثالثاً: الــــرأي:

1- هناك احتمال أن الحوثيين بحاجة للتأكد من قدرة الإمارات على اعتراض الصواريخ الباليستي. وهناك احتمال آخر أن الحوثيين قد قاموا باستخدام الصواريخ الباليستية هذه المرة لحسم الشك بعدم استخدامها في المرة السابقة منذ أسبوع ويزيد من حدة البروباجندا امتعمدة بواسطة الحوثيين،ولكن كلا الحتمالين لا يمنعا تساؤلاً يطرح نفسه، لماذا لم يستخدم الحوثيون الدرونز هذه المرة إذا كان بإمكانهم تكرار استخدامها بسهولة؟ خاصة أن الدرونز تكلفتها أقل من الصواريخ الباليستية ولها تأثير فعال نسبياً، كما أن تكرار استخدام الدرونز هذه المرة أيضاً سيؤكد أكثر على هدف البروباجندا الحوثية المتعمدة وكما ورد في الاحتمال الثاني، والذي أرى أنه يضعفه. كما أنه لن يمنع اختبار قدرة الإمارات على التصدي للصواريخ الباليستية كما جاء بالاحتمال الأول، وبما يضعف هذا الاحتمال أيضاً.

إلا أنه يُفترض علم الحوثيين جيدًا بأن المسار الهندسي للصواريخ الباليستية يسهل اكتشافه وتعقبه بدقة، لا سيما من خلال أنظمة الدفاع الجوي الإماراتية، وخاصة أنظمة الدفاع الجوي المتطورة والمتاحة لدولة الإمارات، من هذا المنطلق، يمكنها اعتراض الصواريخ الباليستية بسهولة، وهو ما قد يضعف الاحتمال الثاني. وإذا كان هذا التقدير صحيح بدرجة مقبولة، فهناك احتمال أن الحوثيين لم يتمكنوا من استخدام الدرونز هذه المرة ولأسباب جديرة بالتحقق، خاصةً مع إجاراءات الأمن الإماراتية المشددة ضد تداول واستخدام الدرونز، وهو ما قد يقوي احتمالاً ثالثاً وهو، وإن الصح التقدير: أن عدم استخدام الدرونز بواسطة الحوثيين ضد الإمارات هذه المرة قد يكون بسبب عدم القدرة على ذلك، فربما بجانب القيود المفروض عليها حالياً بواسطة السلطات الإماراتية، فإن أماكن إطلاقها المحتملة أصبحت تحت السيطرة الإماراتية ارتباطاً باحتمال تأكد اطلاقها في المرة السابقة من داخل الإمارات بواسطة خلايا نائمة أو من داخل حدود دولة قريبة، أو من المياه القريبة لها مما يسهل رصدها بعناية”.

2- تتزايد احتمالات تكرار تنفيذ الهجمات الحوثية ضد الإمارات والسعودية، وقد تكون في توقيتات متقاربة، وقد تمتد فعلاً لدبي أو إمارة أخرى بدولة الإمارات في محاولة من الجانب الحوثي لإثبات فاعليتها واتساع مساحة استهدافها داخل العمق.

3- أعلنت بعض وكالات الأنباء استهداف السعودية، ولكنه كان في اليوم السابق قبل الساعة العاشرة مساءً حيث توقيت الإعلان، وهو ما يعني عدم قيام الحوثيين باستهداف العمقين الإماراتي والسعودي في توقيت واحد رغم أهمية ذلك بالنسبة لهم استراتيجياً. وهنا أشير لقدرات الحوثيين أنهم ربما لا يمكنهم استهداف جبهتين في توقيت واحد بسهولة.

4- ربما يُحتمل تكرار استهداف الإمارات في المرة القادمة في أي وقت خلال أيام الأسبوع أو عطلة نهاية الأسبوع، بغرض عدم تثبيت يوم معين للإستهداف.

رابعاً: وماذا بعد من جانب الإمارات؟

إذا اتفقنا على أن الإمارات ستستمر في التدخل في الموقف اليمني عسكرياً بدعم وكلائها الأمر الذي يدفع الحوثيون في الاستمرار في استهداف العمق الإماراتي بالصواريخ الباليستية والدرونز بجانب السعودية، مع تركيز الحوثيون على ترهيب الأجانب بالإمارات وحثهم على مغادرتها، وأن الحوثيين يصعب عليهم استهداف عمق أكثر من دولتين، فإن هدف الإمارات الحالي مرحلياً هو وقف استهداف عمقها بأي شكل. ولتحقيق هذا الهدف قد تسعى الإمارات بالتعاون مع السعودية في حث عدد أكبر من الدول للتدخل ضد الحوثيين بدعم الأطراف المضادة لها بشتى الطرق، سواء عسكرياً أو اقتصادياً أو دبلوماسياً من خلال المجتمع الدولي والمنظمات الدولية، والعمل على درج الحوثيين ضمن قوائم الإرهاب الدولي وبما يشدد عليهم الحظر والعقوبات. وفي هذه الحالة ستشتت جهود الحوثيين أمام الضغوط السياسية والاقتصادية وزيادة التدخل العسكري للدول بمختلف أشكاله، ولن يستطيع الحوثيين الاستمرار في الرد في عمق دول أكثر وربما ستكتفي بالقتال في الداخل أو تجبر على قبول القرارات الدولية. وقد تتنوع المشاركة العسكرية سواء بواسطة مستشارين ومدربين عسكريين أو نشر قوات عربية وإسلامية في الخليج لتضييق الخناق على الحوثيين، أو المشاركة الفعلية بقوات أكبر في اليمن برعاية عربية إسلامية خليجية.
وهذه الحالة لا تعد حلاً للمشكلة اليمنية، ولكنها زيادة ضغط كبيرة على الحوثيين بهدف حسم الموقف العسكري ضدهم.
 

د. سيد غنيم، دكتوراه العلوم السياسية، زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا (مصر) – أستاذ زائر بالناتو

رئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع (IGSDA)، الإمارات العربية المتحدة

شارك

administrator

استشاري الأمن الدوَلي والدفاع، رئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع، الإمارات العربية المتحدة، وأستاذ زائر في العلاقات الدولية والأمن الدولي في أوروبا وشرق آسيا، (مصري)