1- الولايات المتحدة وبريطانيا الدولتين غير الأوربيتين هما الدافع الأساسي وراء الإصرار على فكرة ضم أوكرانيا للناتو، ولكن هذا لا يمنع تحمل أوروبا المسؤولية. فلم يظهر دور حقيقي للاتحاد الأوروبي في الوساطة أو تسوية الأزمة قبل بدء الغزو، فقط فرنسا، وماكرون له أهدافه مستغلاً رئاسة بلاده المؤقتة للاتحاد الأوروبي، وهي لا تخول الوساطة الحقيقية نيابة عن أوروبا.
2- اتعجب أن روسيا هاجمت بهذا التشكيل وبهذا التشتت في الجهود، دون قيام القيادة العامة للقوات المسلحة الروسية بتأمين إمدادات لوجستية مستمرة للقوات المهاجمة، ودون تحقيق السيادة الجوية أو السيطرة الجوية ولا حتى تفوق جوي سواء بالمناطق أو الارتفاعات، فالقوات الجوية الأوكرانية نقاتل فوق سمائها حتى الآن بشكل ملفت.
3- فلاديمير بوتين ليس أنجيلا ميركل، ومن ثم فهو لا ينوي على التقاعد في يوم من الأيام. وإن صح تقديري، لك أن تراقب تصرفاته الحالية وتقيمها بدقة، وأن تحتمل النتائج.
4- لا شك أن بوتين تراجع نسبياً عن موقفه الأصلي في ديسمبر 2021 مقارنة بموقفه في آخر فبراير 2022، وستجد أنه خلال شهرين فقط قدم تنازلات غير متوقعة. ففي السابق كان يطالب الولايات المتحدة والناتو بالتوقيع بالموافقة على ثلاث مطالب وهي: (الإقرار بعدم عضوية أوكرانيا أو أي دولة أخرى في الناتو – عدم تنفيذ أي أنشطة عسكرية غربية في أوروبا الشرقية – سحب قوات الناتو إلى حدود ما قبل عام 1997) وكلها مطالب من الغرب مباشرة، أما اليوم فيطالب أوكرانيا بـ (إعلان أوكرانيا الحياد – اعتراف أوكرانيا بسيادة روسيا على شبه جزيرة القرم – نزع السلاح الأوكراني – تقويض النازيين الجدد في أوكرانيا عن سياساتهم).
وقد تلاحظ، في البداية كانت مطالبه كلها من الغرب، أما اليوم فمطالبه المستجدة كلها من أوكرانيا وليس من الغرب. والعجيب أنها لم يكن بينها مطلباً باعتراف أوكرانيا بانفصال جمهوريتي “دونتيسك ولوجانيسك”.. وهو ما يؤكد تراجع بوتين عن موقفه الأصلي على الصعيدين السياسي والأمني، مع ثباته التام وعدم تراجعه عن قراره بشأن العملية العسكرية.
5- أمام استمرار بوتين في العملية العسكرية، أزعم أن العقوبات الغربية على روسيا لن تتوقف، كما أن الدعم السياسي والعسكري والمالي لأوكرانيا متضمناً الدعم اللوجيستي لقواتها على الأرض لن يتوقف. حيث إن الهدف الغربي هو: إطالة مدة العملية العسكرية أمام بوتين، وليكن على حساب الجيش الأوكراني والروسي معاً.
6- أزعم أن الولايات المتحدة بالذات تتوقع – أو انها تتمنى – أحد أربع أمور: (الثورة على بوتين من داخل شعبه – إعتقال أو مقتل بوتين بواسطة أياً من معاونيه – وقوع بوتين في خطأ قاتل او قيامه بتصرف أحمق يحسم الموقف برمته ضده – انهيار روسيا اقتصادياً).
7- كما أزعم أن بوتين يتوقع من زلينسكي أحد أمرين: (التنحي عن رئاسة اوكرانيا – أو إعلانه حياد أوكرانيا والاعتراف الرسمي بتبعية شبه جزيرة القرم لروسيا). والولايات المتحدة وأوروبا يعلموا ذلك جيداً، ولذا، فهم يزيدون الضغط على زلينسكي من جانب وعلى العالم ضد روسيا من جانب آخر..
8- ألاحظ أن بوتين يضغط على زلينسكي لتحقيق أهدافه، وفي المقابل، الولايات المتحدة وأوروبا يضغطون على بوتين وزلينسكي والعالم كله لتحقيق أهدافهم.
9- أن أكثر من 80% من الدول المشاركة في التصويت وافقوا على إدانة روسيا، وهو ما قد يُعد دليلاً على أمرين:
الأول: استمرار هيمنة الولايات المتحدة على القرارات الدولية وليس على أن روسيا فعلت شيئاً مشيناً.. خاصةً أن الولايات المتحدة بالتعاون مع دول G7 شنوا حملة كبيرة لإقناع الدول الأعضاء بالأمم المتحدة بالتصويت بإدانة الغزو الروسي في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
الثاني: عودة التقارب الأوروبي/ الأمريكي وكذا التقارب الأوروربي/ الأوروبي، وهو ما يتحمل مسؤوليته بوتين وليس روسيا.
ونتيجة لذلك، سيتطلب الأمر تزايد الشراكة الصينية/ الروسية مع محاولة الصين لدعم ثقل روسيا في حدود شديدة الحذر، الأمر الذي كانت تتجنبه من قبل، فبكين لا تريد روسيا قوى عظمى مناظرة، ولكنها تريدها قوية بالقدر الذي يعاون الصين في التصدي للغرب.
دكتور سَــــيْد غُنــــيْم
زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا
أستاذ زائر بالناتو والأكاديمية العسكرية ببروكسل