أولاً: الأعمال السابقة والحالية:
غرقت الطراد “موسكڤا” أهم القطع البحرية بأسطول البحر الأسود الروسي في 14 أبريل بعد هجوم صاروخي أوكراني محتمل في 13 أبريل. تعتبر خسارة “موسكڤا” انتصاراً دعائياً هاماً لأوكرانيا، ويؤثر على العمليات البحرية الروسية في البحر الأسود، ولكن تدميرها ليس له الأثر الحاسم على العمليات العسكرية الروسية بشكل عام.
تواصل القوات الروسية إعادة انتشارها من بيلاروسيا إلى روسيا استعداداً لمزيد من الانتشار في شرق أوكرانيا. حيث أن العديد من وحدات المنطقة العسكرية المركزية يتم إعادة انتشارها من بريانسك وكورسك (بالقرب من تشيرنيهيف وسومي) إلى بيلغورود وفورونيج الروسية شمالاً (على طول محور خاركيف). من المحتمل أيضاً إعادة انتشار عناصر من الجيش 36 ميداني الروسي التابع للمنطقة العسكرية الشرقية المنتشر في مدينة غوميل البيلاروسية، إلى مقاطعات غرب روسيا. أكدت صور الأقمار الصناعية التجارية التي تم التقاطها خلال اليوم الـ48 عمليات، 12 أبريل، أن الطائرات الروسية غادرت في الغالب المطارات البيلاروسية لإعادة انتشارها (محتمل) في محور إيزيوم أو شرق أوكرانيا.
في المنتصف وجنوباً، نجحت القوات الروسية في استكمال أعمال تطهير ماريوبول وأسر العديد من الأفراد المقاتلين من اللواء 36 مشاة الأسطول الأوكراني دون إتمام السيطرة على تلك المدينة المطلة على بحر آزوف. إلا أن القوات الروسية لم تتمكن هجماتها اليومية المستمرة في شرق أوكرانيا من السيطرة على أي مناطق جديدة في مسرح قتالها.
وتواصل القوات الروسية هجماتها اليومية في محيط دونيتسك ضد روبيزني وبوباسنا ومارينكا دون تحقيق أي نجاحات، ولذا لم تحقق أي تقدم إقليمي خلال اليوم الـ 50 عمليات، 14 أبريل 2022.
شمالاً في خاركيف، تقاتل القوات الخاص الأوكرانية لاعتراض العمليات الروسية لتعزيز محور أيزيوم في خاركيف شمالاً. وقد نجحت القوات الخاصة الأوكرانية في تدمير جسر بالقرب من إيزيوم أثناء استخدامه في عبور قافلة عسكرية روسية في اليوم الـ 49 عمليات، 13 أبريل.
شنت القوات الروسية هجمات محدودة حول إيزيوم في الـ 24 ساعة الماضية لكنها لم تحرز أي تقدم إقليمي. وذكرت تقارير أن القوات الروسية ركزت على استطلاع المواقع الأوكرانية وإعادة إمداد المواقع الأمامية. وبحسب ما ورد بالتقلرير، نشرت القوات الروسية وحدة عمليات إعلامية ونفسية في بيلغورود الروسية شمال خاركيف، لدعم جهود إحباط معنويات القوات والمدنيين الأوكرانيين في خاركيف.
جنوباً في خيرسون، استمر القتال غرب المدينة خلال اليوم الـ 50 عمليات، 14 أبريل. وشنت القوات الروسية هجمات طفيفة على المواقع الأوكرانية في أوليكساندريفكا الواقعة على مسافة 30 كم غرب مدينة خيرسون. وقد تمكنت قوات من اللواء 80 اقتحام جوي (الذي كان يعمل سابقاً في ميكولايف) من تحرير قرى صغيرة بين ميكولايف وخيرسون. كما تمكنت القوات الأوكرانية من تدمير مستودعات إمداد روسية في خيرسون خلال اليوم الـ49 عمليات، 13 أبريل. وتنفيذ قصف عنيف على مطار كرونبيفيكا.
ثانياً: الأعمال المنتظرة:
- “طبيعة المرحلة الحالية من الحرب الروسية الأوكرانية:
تتميز طبيعة الأرض في إقليم”دونباس” شرق أوكرانيا بالتضاريس المفتوحة نسبياُ مقارنة بالغرب، حيث تقل بدرجة كبيرة المناطق ذات الارتفاعات المتباينة التي يمكن تنظيم تجهيزات هندسية قوية عليها، الأمر الذي يتطلب لجهد ومعدل أداء كبيرين من القوات المدافعة لتجهيزها هندسياً، مما يجعل إقليم دونباس أقل ملاءمة للجانب المدافع. وما يصعب الأمر على القوات المدافعة أيضاً، ويشير لشدة احتياجها لحجم كبير من الأسلحة الاكثر تطوراً، من الدبابات والطائرات بالذات، لحرمان الجانب المهاجم من ميزة “الحسم” في أعمال القتال. و”الحسم” هنا يتم بسرعة معدلات القتال الذي يزيد من حجم الأرض الذي يمكن الإستيلاء عليه في أقل وقت ممكن، مع إحداث أكبر خسائر ممكنة في القوات المدافعة وحرمانها من القدرة على التشبث بالأرض، والأهم، حرمانها من القيام بالهجمات والضربات المضادة، والأكثر أهمية، حرمان القوات المدافعة من التحول للهجوم.
- الهدف الاستراتيجي العسكري الروسي:
ومن ثم، سيكون على القوات الروسية تحقيق هدف رئيسي وهو “سرعة تنفيذ هجوم كاسح وشامل على القوات الأوكرانية في إقليم دونباس والاستيلاء على الخط المار بالمدن (حد يمين إيزيوم وسلوڤيانسك وكراماتورسك – حد منتصف دونيتسك وڤلوڤاخا – حد يسار غرب ماريوبول)، وذلك خلال 4 إلى 5 يوم عمليات كمهمة مباشرة للجبهة.
وباستغلال القوة الدافعة للهجوم تقوم القوات الروسية باستكمال التقدم وتطوير الهجوم غرباً وتدمير القوات الأوكرانية في مواجهتها والاستيلاء على الخط المار بالمدن (حد يمين خاركيڤ – حد منتصف دنيبرو وزابرزاجيا – حد يسار خيرسون)”، وذلك خلال (4 إلى 5) يوم عمليات آخرين كمهمة تالية للجبهة.
ولتحقيق هذا الهدف يجب تنفيذ الآتي:
1- التوسع في وسائل الاستطلاع وجمع المعلومات (البشرية والتكنولوجية) داخل إقليم “دونباس” وخارجه، مع التركيز على تجمعات القوات ووسائل النيران الأوكرانية في المدن المتواجدة في نطاق المهمة المباشرة.
2- استخدام حجم مناسب من النيران الزكية دقيقة الاستهداف (والمكلفة للغاية) لتدمير القوات والأسلحة والمعدات الأوكرانية داخل إقليم دونباس بشكل جراحي دقيق ومركز.
3- استخدام حجم هائل من نيران الصواريخ والقوات الجوية والمدفعية متعددة المدى لتدمير القوات الأوكرانية خارج دونباس خاصةً تلك المحتمل تدخلها في الإقليم، فضلاً عن حجم آخر من النيران الزكية دقيقة الاستهداف لتدمير مستودعات الأسلحة والذخائر الأوكرانية تحت الأرض.
4- العمل بأي شكل على منع الإمدادات الغربية لأوكرانيا في المرحلة الحالية، خاصةً الإمداد بالدبابات والطائرات المتطورة التي تمنحها القدرة على تنفيذ ضربة مضادة شاملة.. وكذا منع الغرب من امداد أوكرانيا بوسائل النيران، خاصةً المدفعية والصواريخ والمقذوفات الموجهة المضادة للدبابات ووسائل الدفاع الجوي والدرونز ووسائل القيادة والسيطرة الحديثة، أو حرمان القوات الأوكرانية من استلام تلك الأسلحة والمعدات بأي وسيلة ممكنة.
5- ضمان امتلاك القوات الروسية في مسرح العمليات تشكيلات قتالية متجانسة تمتلك قدرات قتالية عالية ذات قادة وأفراد مدربين تدريب عالي على أساليب قتال غير نمطية تتميز بالقدرة على المناورة والتنفيذ اللامركزي.
- الهدف الاستراتيجي العسكري الأوكراني:
في المقابل، سيكون على القوات الأوكرانية تحقيق هدف رئيسي وهو “التشبث بالأرض المسيطر عليها في إقليم دونباس، وحرمان القوات الروسية من التوسع غرباً ومنعها من الاستيلاء على سلوڤيانسك ودونيتسك وڤلوڤاخا والمدن الصغيرة غرب ماريوبول. وتهيئة الظروف لتحول القوات الأوكرانية للهجوم لإستعادة أجزاء حيوية من جنوب دونيتسك ولوجانيسك في المنتصف، مع تثبيت أو إزاحة القوات الروسية تجاه الشرق في خاركيڤ شمالاً وخيرسون جنوباً، وبما يقطع الاتصال بين القوات الروسية على الاتجاهات الثلاث”.
ولتحقيق هذا الهدف يجب تنفيذ الآتي:
1- استكمال إعادة تجميع واستعادة الكفاءة للقوات في نسقين أحدهما دفاعي والآخر هجومي.
2- الاستمرار في تكثيف أعمال الإستطلاع وجمع المعلومات في كافة مناطق القتال بل وفي المدن الحدودية المعادية في روسيا وبيلاروسيا.
3- سرعة تزويد القوات الأوكرانية بحجم كبير للغاية من الأسلحة والمعدات يتضمن مزيج من الأسلحة الدفاعية والهجومية خاصةً الدبابات المتطورة والطائرات ووسائل النيران المختلفة ووسائل القيادة والسيطرة عالية التطور.
4- حرمان القوات الروسية من تنفيذ هجوم شامل على القوات الأوكرانية في دونباس وذلك بمنعها من إعادة تجميع قواتها واستكمال إجراءات إستعادة الكفاءة.
5- سرعة تقديم التعزيزات اللازمة للقوات الأوكرانية المدافعة داخل إقليم دونباس وبما يمكنها من التشبث بالأرض المستولى عليها دون التفريط في شبر واحد منها.
6- تكثيف نيران المدفعية والصواريخ والنيران الزكية إن وجدت على مصادر النيران ووسائل الدفاع الجوي والقيادة والسيطرة وكذا الدبابات الروسية، فضلاً عن استهداف خطوط الإمداد بالأسلحة والمؤن الإداري والفني.
7- استمرار القوات الأوكرانية في خاركيف وخيرسون في التشبث بالأرض، بل والضغط على القوات الروسية المواجهة لها.
8- حرمان القوات الروسية من التوسع غرباً والاستيلاء على مدينتي دنيبرو وزابرزاجيا.
9- استكمال تدمير القوات البحرية الروسية جنوباً، مع التركيز على تأمين ميكولايڤ وأوديسا من أي عدائيات محتملة خاصةً من البحر.
10- استكمال الإجراءات اللازمة لتهيئة الظروف لشن ضربة مضادة شاملة في اتجاه ما بين لوجانيسك ودونيتسك، وبما يقطع الإتصال بين القوات الروسية في قلب مسرح العمليات.
* ملحوظة:
طبقاً لتقديري، الاجراءات المطلوبة من القوات الأوكرانية ضعف الإجراءات المطلوبة من نظريتها الروسية، لذا لدى القوات الروسية فرصة كبيرة لاستعادة وتحسين سمعتها على الأرض.. ولو أن الدرونز الأمريكية غيرت المعادلات في مسرح العمليات، فالعوض على الله تماماً في الحروب التقليدية حتى ولو كانت مختلطة مع حروب أخرى غير تقليدية في إطار “الحرب الهجين” التي من المفترض أن تتفوق فيها روسيا عالمياً طبقاً لتقديرات سابقة للناتو.
دكتور سَــــيْد غُنــــيْم
زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا
رئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع – أستاذ زائر بالناتو والأكاديمية العسكرية ببروكسل
- المصادر:
مصادر معلنة دولية.
مصادر خاصة.